ترجمة وتحرير: نون بوست
تمكنت رياح الإصلاح في الرياض من جذب الصحف في واشنطن. ومؤخرا، تعهدت الحكومة بتمكين المرأة من القيادة، والسماح بإنشاء دور السينما في البلاد، وتعليم التربية البدنية للفتيات في المدارس. وتعتبر هذه خطوات مهمة، لا سيما فيما يتعلق بالمساواة بين الجنسين. وخلال هذا الشهر، تصدر ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، الذي أجرى الكثير من الإصلاحات، استطلاع مجلة “تايم” الأمريكية، لشخصية السنة.
من خلال الاحتفال بهذه التحركات، يبدو الكثيرون سعداء بالتغطية على سجل الأمير الشاب المثير للجدل. ولكن، ينبغي إمعان النظر في قرار الأمير بن سلمان المفاجئ، باحتجاز النخب في فنادق الخمس نجوم في الرياض بشأن مزاعم الفساد دون اتباع الإجراءات القانونية اللازمة. والأمر سيان بالنسبة للكارثة الإنسانية المستمرة في اليمن، حيث تقع كامل مسؤوليتها على عاتقه. ولا تتناسب الحرب في اليمن، والدور البارز الذي يلعبه الأمير بن سلمان في منصب وزير الدفاع، بشكل جيد مع السرد الذي يسلط الضوء على ذلك الشاب الذي يرغب في إجراء الكثير من الإصلاحات.
اتخذت الأمم المتحدة نهجا غير متوازن إزاء الصراع في اليمن
منذ شهر آذار/ مارس من سنة 2015، قادت المملكة العربية السعودية تحالفا من الدول العربية ضد جماعة الحوثي المسلحة، التي تسيطر على جزء كبير من اليمن. ولم يقع اتخاذ أي خطوات جريئة أو رامية للتغيير على مستوى عمليات القصف المكثف التي نفذتها قوات التحالف في حق المدنيين اليمنيين في الوقت الذي يأبى فيه بن سلمان تحميل قواته مسؤولية جرائم الحرب التي ارتكبوها.
في الواقع، بما أن القيود المفروضة على الواردات تدفع الملايين من اليمنيين إلى المزيد من المجاعة وتساعد على انتشار الأمراض التي يمكن علاجها عادة، فلا ينبغي أن يفلت الأمير بن سلمان من المحاسبة والعقاب. وبدلا من ذلك، يجب أن يواجه هو وغيره من كبار قادة التحالف عقوبات دولية.
وتجدر الإشارة إلى أن فرض عقوبات على القصف العشوائي والحصار غير القانوني على السلع الأساسية والسكان المدنيين في اليمن يعد ضمن صلاحيات مجلس الأمن الدولي. وخلال سنة 2015، أصدر مجلس الأمن الدولي قرارا يقضي بفرض حظر على السفر وتجميد أصول أي شخص مسؤول عن عرقلة إيصال المساعدات المنقذة للحياة، فضلا عن أنه يملك سلطة فرض عقوبات على أي شخص ينتهك قوانين الحرب في اليمن. لذلك، يشمل هذا القرار جميع قادة الائتلاف، بمن فيهم الأمير محمد بن سلمان.
في عالم يعاني من كوارث لا حصر لها، يعتبر اليمن البلد الذي عانى من أكبر أزمة إنسانية في العالم وأسوأ وباء، الكوليرا. حتى قبل الحملة العسكرية التي تقودها السعودية، كان اليمن أفقر بلد في الشرق الأوسط. وفي الوقت الراهن، تحذر الأمم المتحدة من أن اليمن “على أعتاب إحدى أكبر المجاعات في العصر الحديث”. من جهتها، تبرر قوات التحالف الحظر المفروض على اليمن من خلال الإشارة إلى استخدام قوات الحوثي لقذيفة بالستية خلال شهر تشرين الثاني/ نوفمبر، تزعم أنها مهربة من إيران.
نظرا لقوة حلفاء السعودية، الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا والمملكة المتحدة، لم يصدر مجلس الأمن أي قرار حيال تدهور الوضع الإنساني في اليمن
علاوة على ذلك، أفاد السعوديون أنهم أسقطوا صاروخا آخر أطلقه الحوثيون باتجاه الرياض. وفي هذا الإطار، عرضت سفيرة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، نيكي هالي، مؤخرا شظايا صاروخية وصفتها بأنها “دليل ملموس” على “الأعمال العدائية” التي تقوم بها إيران، في حين نفت إيران هذه الادعاءات. وبغض النظر عن مصدر السلاح، يعد الهجوم الذي شنه الحوثيون خلال شهر تشرين الثاني/ نوفمبر على مطار الرياض الدولي عشوائيا وجريمة حرب محتملة. لكن، تسمح قوانين الحرب باستخدام الحصار كتكتيك عسكري، إلا أنها لا تسمح بالقيود التي لها تأثير سلبي على المدنيين.
من جانب آخر، لا تعد قوات التحالف الطرف الوحيد في اليمن الذي يرتكب انتهاكات. فلقد وثقنا حالات الاعتقالات التعسفية والاختفاء القسري وسوء معاملة المعارضين السياسيين والناشطين والصحفيين من قبل الحوثيين، الذين يعرقلون بدورهم وصول المساعدات ويجرون عمليات قصف عشوائية على المدن اليمنية. بالإضافة إلى ذلك، تورطت القوات الموالية للرئيس السابق علي عبد الله صالح، منذ فترة طويلة، في الكثير من جرائم الحرب.
حتى اللحظة الراهنة، اتخذت الأمم المتحدة نهجا غير متوازن إزاء الصراع في اليمن. فقد فرض مجلس الأمن حظرا على السفر على القادة الحوثيين المسؤولين عن الانتهاكات وحليفهم السابق صالح، فضلا عن تجميد أصولهم. كما تملك الأمم المتحدة معلومات تشير إلى ضرورة فرض عقوبات فردية مماثلة على أعضاء التحالف، بمن فيهم القادة العسكريين في الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية.
نظرا لقوة حلفاء السعودية، الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا والمملكة المتحدة، لم يصدر مجلس الأمن أي قرار حيال هذا الشأن. وعلى الرغم من تدهور الوضع الإنساني، فقد مضت ستة أشهر ولم يقم مجلس الأمن باتخاذ أي إجراء فيما يخص الملف اليمني، ما شجع التحالف على أن يسلك الطريق المؤدي إلى الدمار. وقد دعمت الولايات المتحدة قوات التحالف، عسكريا ودبلوماسيا.
بدأ الرأي العام الدولي يتحول باتجاه معاكس للسعودية، حتى أن الحكومة البريطانية صرحت في الوقت الراهن علنا أن القيود المستمرة للتحالف السعودي على السلع الأساسية تعتبر انتهاكا للقانون الإنساني الدولي
خلال عهد أوباما، كانت القوات الأمريكية تزود طائرات التحالف التي تقوم بعمليات القصف بالوقود. في وقت سابق من هذا الشهر، اتخذ الرئيس ترامب الخطوة الأولى نحو معالجة انتهاكات التحالف من خلال إصدار بيانين من البيت الأبيض يدعوان السعوديين علنا للسماح بوصول الأغذية المنقذة للحياة والوقود والأدوية والسلع إلى اليمنيين. وبصفته وزير الدفاع في البلاد الذي يقود قوات التحالف، يتحمل الأمير بن سلمان مسؤولية انتهاك التحالف للقانون الدولي.
خلال شهر كانون الأول/ ديسمبر، حدد ترامب وجهة نظره حيال هذا الملف من خلال مطالبة السعوديين بتغيير إستراتيجيتهم العسكرية في اليمن، إلا أنهم لم يستجيبوا لهذا الطلب. لذلك، يجب عليه أن يقوم بتفعيل هذا التهديد عن طريق توجيه نيكي هالي لبدء محادثة في نيويورك حول العقوبات المفروضة على قادة التحالف. ومن المحتمل أن يرى البعض أن هذه الخطوة ستكون ضربة قوية للسعوديين، ولكن هذا هو الأمر الصحيح الذي يجب القيام به.
حيال هذا الشأن، بدأ الرأي العام الدولي يتحول باتجاه معاكس للسعودية، حتى أن الحكومة البريطانية صرحت في الوقت الراهن علنا أن القيود المستمرة للتحالف السعودي على السلع الأساسية تعتبر انتهاكا للقانون الإنساني الدولي. ومن منظور آخر، سوف يساهم الاستمرار في حماية السعوديين في تعرض الملايين من اليمنيين للمزيد من الموت والبؤس. لذلك، لا ينبغي أن يكون ولي العهد قادرا على التغطية على الانتهاكات في الخارج بالحديث عن الإصلاح في الداخل.
المصدر: واشنطن بوست