عادت صفقة تبادل الأسرى بين حركة المقاومة الإسلامية (حماس) والجانب الإسرائيلي إلى الواجهة مجددًا وباتت التطورات الأخيرة التي طرأت على هذا الملف تتصدر الصحف ووكالات الأنباء المختلفة، خاصة بعد الزيارة المفاجئة لوفد رفيع المستوى من حركة حماس إلى القاهرة قبل يومين.
طوال السنوات الثلاثة الماضية فشلت الكثير من الوساطات العربية والدولية في إحراز أي تقدم بهذا الملف الشائك، ولكن يبدو أن القاهرة حصلت على ضوء أخضر من حكومة الاحتلال الإسرائيلي لتحريك هذا الملف مجددًا وتفعيل شروط حركة حماس لإتمام الصفقة.
ووصل الجمعة الماضية وفد رفيع المستوى من قيادة حركة حماس برئاسة يحيى السنوار وروحي مشتهى للقاهرة، وقبل بأسابيع كان وفد أمني قد زار العاصمة المصرية وأجرى لقاءات مع المسؤولين المصريين لبحث سبل تحريك صفقة التبادل ومعرفة مصير الجنود الإسرائيليين المحتجزين بغزة منذ حرب 2014.
تمكّنت الكتائب في أكتوبر 2011، من الإفراج عن أكثر من ألف أسير فلسطيني من أصحاب الأحكام العالية وقدامى الأسرى
وفي الـ6 من شهر يونيو/حزيران الماضي، أقرت حكومة الاحتلال الإسرائيلي، بشكل رسمي، ولأول مرة، أن حركة حماس تأسر 4 إسرائيليين (جنديين ومستوطنين) في قطاع غزة، مطالبة بتمكين “الصليب الأحمر” من زيارتهم.
وكانت كتائب القسام (الذراع العسكري لحركة حماس)، قد أعلنت في 2 من أبريل 2016، أن في قبضتها أربعة من جنود الاحتلال، ونشرت أسماءهم وصورهم، دون إعطاء المزيد من المعلومات، مشددةً على أن أي معلومات عنهم لن يحصل عليها الاحتلال إلا عبر دفع استحقاقات وأثمان واضحة قبل المفاوضات وبعدها، مشيرة إلى عدم وجود أي مفاوضات بهذا الشأن.
القيادي البارز في حركة حماس، محمود الزهار، كشف، أن الحركة وضعت شروطًا أساسية لن تحيد عنها مقابل إتمام أي صفقة للتبادل مع الاحتلال عبر الوسيط المصري.
وقال الزهار إن “حماس وضعت شروطها، وهذه الشروط لا حيدة عنها، وأولها إطلاق سراح الأسرى المحررين ضمن صفقة وفاء الأحرار، والتعهد بعدم اعتقالهم مرة أخرى، ومن ثم نبدأ الحديث بما نملك أو ما تملك”.
وشدد على أن “المقاومة لن تدفع الثمن مرتين للاحتلال الإسرائيلي، خاصة بعد اعتقاله لأسرى محررين في الصفقة الأخيرة”، مؤكدًا أن “الحديث المتكرر من الاحتلال عن الصفقة والتجهيز لها جاء بسبب ضغوطات أهالي الأسرى على الحكومة الإسرائيلية، وليس لوجود أي جهود حقيقية بهذا الملف”.
صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية: “صفقة تبادل للأسرى بين الجانب الإسرائيلي وحركة حماس في قطاع غزة بدأت تنضج“
وتمكّنت الكتائب في أكتوبر 2011، من الإفراج عن أكثر من ألف أسير فلسطيني من أصحاب الأحكام العالية وقدامى الأسرى، وذلك بعد مفاوضات غير مباشرة مع دولة الاحتلال برعاية مصرية استمرت خمس سنوات متواصلة، مقابل إطلاق سراح الجندي جلعاد شاليط الذي أسر في صيف 2006، إلا أن قوات الاحتلال أعادت اعتقال العشرات منهم في الضفة الغربية، مما عدته الحركة خرقًا لشروط الصفقة.
كما أكد القيادي الآخر في حركة حماس بالضفة الغربية المحتلة حسن يوسف، أن الدخول في حوار بشأن صفقة تبادل الأسرى مع الاحتلال مرهون بالإفراج أولًا عمّن أعيد اعتقالهم من صفقة وفاء الأحرار.
وقال يوسف “بمجرد الإفراج عن أسرى الصفقة السابقة، ويبلغ عددهم 54 أسيرًا، سيكون بعدها بيننا وبين الاحتلال صفقة معلومات سريعة، يُكشف من خلالها عن مصير الجنود المعتقلين في قطاع غزة”.
وبين أن “النصر في الصفقة القادمة سيكون للمقاومة وشروطها، لأنه لا بد للاحتلال أن يدفع الثمن، والمقاومة الطرف الأقوى في هذا الجانب لكونها نقطة الارتكاز في أي حديث عن صفقة تبادل، وما على الاحتلال إلا أن يخضع وينصاع لشروطها”.
تضارب إسرائيلي
في الوقت نفسه، قالت صحيفة “يديعوت أحرونوت” العبرية: “صفقة تبادل للأسرى بين الجانب الإسرائيلي وحركة حماس في قطاع غزة بدأت تنضج“. ووفق الصحيفة العبرية، فإن حكومة الاحتلال الإسرائيلي وحركة حماس، تقتربان من إنهاء المرحلة الأولى من صفقة تبادل الأسرى، مؤكدة أن رعاة المحادثات الحاليّة (المرحلة الأولى من صفقة الأسرى) هم مصر وروسيا ومبعوث الأمم المتحدة نيكولاي ملادينوف.
وسبق أن أبدى العديد من الوزراء بالحكومة الإسرائيلية، معارضتهم لصفقة التبادل مع حركة حماس، ردًا على ما تناقلته وسائل الإعلام عن تقدم جوهري بالمفاوضات لإتمام المرحلة الأولى من الصفقة والقاضية بالحصول على معلومات عن الجنود والمواطنين الإسرائيليين المحتجزين بغزة مقابل الإفراج عن أسرى “الوفاء للأحرار” الذين أعيد اعتقالهم.
كشف مسؤول رفيع المستوى في وزارة الخارجية المصرية، نية بلاده الاستفسار من وفد حركة حماس الموجود حاليًّا لديها، عن شروطه الأولية، مقابل إظهارها فيديو أو رسائل خاصة بالجنود الإسرائيليين المحتجزين لديها
وانسجم هذا الموقف المعارض للوزراء مع النفي الإسرائيلي للأخبار التي رجحت حدوث تقدم جوهري في مفاوضات تبادل الأسرى مع حركة حماس، ودحضت الحديث عن قرب إنجاز المرحلة الأولى من الصفقة، فيما اختار نتنياهو، التزام الصمت وعدم التعقيب على الموضوع.
من جانبه، اعتبر الخبير يوسي ميلمان في صحيفة “معاريف“ أنه رغم الرفض الإسرائيلي لدفع أثمان لحركة حماس مقابل إعطائها معلومات عن ظروف ومصير جنودها الأسرى، فإن الصفقة الموعودة قد تتم كما جرت في الماضي على مرحلتين.
أولى المراحل تكون بتسليم حماس معلومات عن الجنود الأسرى مقابل تحرير بعض الأسرى الفلسطينيين، وثانيها إعادة جثامين الإسرائيليين مقابل عدد معين من الأسرى، متوقعًا أن تدور مفاوضات عسيرة على عدد الأسرى المحررين وهويتهم، مما يعني أن الطريق للصفقة لا يزال طويلاً.
هل ستنجح مصر؟
وفي ذات السياق، كشف مسؤول رفيع المستوى في وزارة الخارجية المصرية، نية بلاده الاستفسار من وفد حركة حماس الموجود حاليًّا لديها، عن شروطه الأولية، مقابل إظهارها فيديو أو رسائل خاصة بالجنود الإسرائيليين المحتجزين لديها، أو عددهم الرسمي وحالتهم الصحية، ليتسنى للجانب المصري عرض هذه الشروط على “إسرائيل” التي أعطت المصريين الضوء الأخضر للاستفسار عن شروط حركة حماس.
واعتبر المسؤول ذلك “تقدمًا ملحوظًا”، مشيرًا إلى أن القاهرة ستعتمد عليه “في الضغط أكثر على الطرفين، لإتمام صفقة تبادل جديدة”، ذلك أنها “تسعى لإتمام الصفقة خلال فترة قصيرة”.
وقال إن مصر “ستحاول خلال الأيام المقبلة، استدعاء وفد إسرائيلي للتشاور معه في الصفقة، وتسليمه شروط حركة حماس لوضع الخطوط العريضة، وخريطة الطريق التي يمكن أن تسير عليها”، مستغلة الظروف الفلسطينية الراهنة، والتقارب الإيجابي مع حركة حماس.
وتوقّع المسؤول ألا تتنازل حركة حماس عن أي من الشروط التي وضعتها في مقابل الإفراج عن الجنود الإسرائيليين، أو تقديم دليل أو رسالة عن مصيرهم، مضيفًا “يبدو أن الجانب الإسرائيلي بات مستعدًا تمامًا للتعامل مع أي شروط تضعها حركة حماس في سبيل الإفراج عن جنوده”.
يبلغ عدد الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية نحو 6400 معتقل، بحسب بيانات فلسطينية رسمية
المحلل السياسي مصطفى الصواف، رأى وجود فرصة جديدة ومهمة لإتمام صفقة تبادل بين حركة حماس و”إسرائيل” برعاية الوسيط المصري. وأضاف: “حركة حماس سلمت شروطها في السابق للوسيط المصري، وهذه الشروط لم تتغير حتى اللحظة، والمعطل الأساسي لإتمام الصفقة وفق الشروط الموضوعة هو حكومة الاحتلال التي يترأسها بنيامين نتنياهو، ومصر تعلم ذلك جيدًا”.
وذكر المحلل السياسي أن مصر في حال مارست دورها “الطبيعي” و”الجاد” في الضغط على الجانب الإسرائيلي للقبول بشروط المقاومة، يمكن أن تنجز الصفقة خلال شهور قليلة فقط، مشددًا على أن الحركة لن تقدم أي دليل لمن تحتجزه من جنود إسرائيليين خلال فترة الحرب وبعدها إلا وفق أثمان على الاحتلال أن يدفعها.
وتوقع الصواف أن تنجح حركة حماس في إدارة ملف “صفقة التبادل”، وتعيد الإنجاز الذي جرى خلال صفقة “شاليط”، وتفرج عن آلاف الأسرى طبقًا للمحكوميات والأولويات التي تراها مناسبة، لكون عدد الجنود الذين تأسرهم يفوق عدد الصفقة السابقة.
ويبلغ عدد الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية نحو 6400 معتقل، بحسب بيانات فلسطينية رسمية، وينفذ جيش الاحتلال حملات اعتقال ليلية شبه يومية في الضفة الغربية المحتلة، تطال النواب والنساء والأطفال.