أعاد المؤتمر الثامن لحزب العدالة والتنمية المغربي الذي انعقد بداية ديسمبر الحاليّ، مسألة خلق “الزعامات الحزبية” في المملكة المغربية إلى الواجهة، خاصة بعد الجدل الذي أحدثته نقطة الولاية الثالثة للأمين العام السابق عبد الإله بنكيران لدى الرأي العام المحلي، مما يعكس واقع الحال الذي يتّجه إلى تكريس حزب “الزعيم” لا حزب “المؤسسات”، حسب المحلل السياسي والخبير في الشؤون الدستورية والبرلمانية المغربية رشيد لزرق.
عقدة محاولة خلق الزعيم
رشيد لزرق يقول في حوار له مع “نون بوست”: “التيار المزايد داخل العدالة والتنمية المناصر لبنكيران، اتجه مؤخرًا إلى إثارة الزوابع الحزبية دون سبب معقول، حيث نشأت لدى دعاة هذا التيار عقدة محاولة خلق الزعيم، ولعل هذا ما أدى إلى إنتاج ظاهرة الزعامات الشعبوية ذات التطلعات المرضية التي يمكن أن نسميها مرض التطلع للزعامة التي جعلت الحياة السياسية في المغرب تعيش على وقع صدامية إعاقة السير العادي للمؤسسات”.
يأتي انتخاب سعد الدين العثماني في منصب الأمين العام لحزب “المصباح”، حسب رشيد لزرق، ضمن تكتيكات المهادنة السياسية الهادفة لاستعادة القواعد المجتمعية الداعمة للتيارات الدينية
ويرى لرزق، أنّ ما عرفه مؤتمر العدالة والتنمية الأخير خير دليل على هذا المنحى، ويتجلى ذلك، حسب قوله “في نزول الحركة الدعوية بشدة لقطع الطريق على التيار المزايد، وكانت غايتها من وراء ذلك الحفاظ على بقائها، لأن شيوخها أدرى بالأمر، على اعتبار أن الظروف الإقليمية والدولية لم تعد تساعد على مجاراة التيار المزايد في توجهه، وضرورة إثبات وطنيتها أو ما يسمى بعقدة الوطنية”.
ويأتي انتخاب سعد الدين العثماني في منصب الأمين العام لحزب “المصباح”، حسب رشيد لزرق، ضمن تكتيكات المهادنة السياسية الهادفة لاستعادة القواعد المجتمعية الداعمة للتيارات الدينية، وهو نوع من التكتيك السياسي الذي يضمن للحزب التكيف مع تحولات الواقع السياسي والاجتماعي ومواجهة الانتقادات الدولية وضمان التغلّب على البديل السياسي القادر على المواجهة.
ردّة سياسية
ما بعد التعاقد الدستوري سنة 2011، حدث شيء استثنائي في المشهد السياسي المغربي، بمثابة الردّة السياسية، إذ برزت قيادات شعبوية بسرعة وزمن مفاجئين: بنكيران رئيسًا للحكومة، حميد شباط على رأس حزب الاستقلال، إدريس لشكر الكاتب الأول للاتحاد الاشتراكي، محند العنصر الأمين العام للحركة الشعبية، وإلياس العماري على رأس الأصالة والمعاصرة وغيرهم.
ما حدث أدى إلى بزوغ مرحلة الشعبوية في المملكة التي عوض أن تسعى قياداتها إلى تثبيت الخيار الديمقراطي في البلاد، عملت على جعل المنظومة الحزبية أحزابًا وأفرادًا، مما أدى إلى شخصنة الصراع السياسي وتغيير البنى الحزبية بجعلها قائمة على أفراد، فبتنا نسمع حزب بنكيران وإلياس وشباط ولشكر، عوض حزب المؤسسات، وباتت تتحرك وفق مزاجها السياسي، حسب المحلل السياسي رشيد لزرق.
ما حدث في المغرب يعاكس ما جاء في الدستور
ويعتبر رشيد لزرق، أن ما حصل ضربًا واضحًا لإرهاصات العمل السياسي وفق منطق حزب المؤسسة، لكون القيادات الشعبوية اتجهت إلى رهان الضبط وإحكام القبضة وإقصاء كل المخالفين، في المقابل عملت شبكة التابعين على أساس زبائني، وقامت، باسم القرب أو الامتداد الشعبي، بتجميع قيادات المغلوبين حولها الذين يقومون بكل الأعمال إلا الممارسة السياسية بمفهومها النبيل، أملاً في الحماية السياسية أو في الوصول إلى المصالح.
ويفسّر الاضطراب الذي تشهده القيادات الشعبوية، حسب لزرق، في كون السياق السياسي أفرز مصالح متضاربة، وهو الأمر الذي يفسر الاهتزازات التنظيمية أيضًا، ويرى رشيد، أن عدم بروز حركات للتغيير نتيجة لكون القيادات الشعبوية فرضت مركزيتها بمختلف الطرق، وولدت مشهدًا حزبيًا يسوده الاضطراب على مستوى التحالفات.
ويؤكد المحلل السياسي المغربي، أن البنية الحزبية في بلاده تعاني الجمود، إذ لا توجد ممارسة سياسية وحراك سياسي فعلي، كون شبكة الأتباع المحيطة بالزعماء الحزبيين تفتقر إلى الفكرة السياسية، وباتت الأدوات الحزبية لا تملك كوادر سياسية قوية، وانحصرت الصراعات التنظيمية في الوصول إلى مواقع قيادية.
موجة الشعبوية خطر على الدولة والمجتمع
أفرز هذا الواقع الجديد في المغرب، ارتدادات كبيرة عطلت القنوات المؤسساتية وولدت أزمة وساطة، وباتت هذه الموجة الشعبوية خطرًا على الدولة والمجتمع، بفعل ممارستها لغة التكتيكات والمصالح الآنية، حسب لزرق.
لزرق: “عقلية الزعمات الشعبوية حالت دون إيجاد نخبة مؤثرة من جيل الشباب الواعي والمسؤول”
هذه الارتدادات، يقول لزرق، إنها تفرض التغيير الذي يمر لزامًا بتجديد الطبقة السياسية المتجاوزة، وبروز وجوه شابة متحررة من عقد الماضي وقادرة على المبادرة والانسجام مع دستور 2011 وإقناع المزاج العام الذي أصبحت له ثقافة متقدمة.
فالمجتمع عكس الانطباع السائد بكونه محافظًا بالمعنى الديني وإنما بالمعنى الثقافي هو الأقرب إلى الهدوء وعدم المغامرة، لأن العناصر المتحكمة في التنظيمات السياسية نهجت سياسة ضبط بحث في تحقيق تقاعد سياسي، وعملت على نهج سياسة التكتيكات، وإقصاء كل القوى الداعية إلى التعاقد من أجل المشروع”.
ويرى المحلّل الشاب رشيد لزرق، أن عقلية “الزعمات الشعبوية” حالت دون إيجاد نخبة مؤثّرة من جيل الشباب الواعي والمسؤول، فمنذ الاستقلال إلى اليوم نجد نفس الشعارات وبروز ظاهرة المرشح الوحيد التي هي ضرب في الاتجاه التصاعدي للتجربة الديمقراطية، الأمر الذي يفرض بقوة الحاجة إلى تجديد ما يُسمى بالنخبة السياسية.
حلول مغربية تنطلق من مطالب الشعب وشعاراته وإمكانياته
يؤكّد لزرق قائلاً: “بلادنا في حاجة إلى حلول مغربية تنطلق من مطالبنا وشعاراتنا وإمكانياتنا، وتحقق التنمية المستدامة، في ظل سيادة دولة القانون والمواطنة، عبر الانطلاق من معطيات الواقع من أجل تجاوزه عبر جعل الصراع السياسي صراع بدائل وليس صراع نزعات ذاتية، خاصة أن عهد النخبة السياسية الشعبوية في العالم قد انتهى”.
يرنوا المغاربة إلى تجاوز الصراعات الضيقة
ويشير رشيد في حديثه لـ”نون بوست” إلى أحداث الحسيمة التي يرى أنها أظهرت عجز قيادات الأحزاب عن ترجمة قيم الدستور إلى واقع حزبي معاش، إذ ساهمت طبيعة الممارسة السياسية في توسيع الهوة بين المواطن والمؤسسات، مما قوى الشعور بالاستياء والإقصاء، حسب قوله.
ويؤكد لزرق أن استمرار هذه القيادات الحزبية التي امتهن جزء كبير منها الشعبوية كأسلوب للممارسة السياسية، سيقود المملكة نحو الأسوأ، لكونها جعلت من العمل السياسي وسيلة لإلهاء المخيال الشعبي بشكل وصل إلى درجة غير مسبوقة من الانحطاط القيمي، مما ضيع على المغرب خمس سنوات من الصراع السياسي، حسب قوله.
نظرية “الدومينو”
في حديثه لـ”نون بوست”، أكّد رشيد لزرق، أن هذه القيادات الشعبوية ستتساقط الواحد تلو الآخر، وأعطى مثالاً لذلك عزل بنكيران واستقالة إلياس العماري كمؤشرين على أن هذه القيادات ستخضع لنظرية “الدومينو”.
ومضمون هذه النظرية، حسب لزرق، أن القيادات الشعبوية ستسقط تباعًا، ويكون حراك المنظومة الحزبية كموجة ثانية تتبع الموجة الأولى التي كانت في الشارع، باعتبار الواقع يؤكد أن ممارسة النخب الشعبوية أخفقت في استيعاب فلسفة الدستور، فأسلوبها بات سببًا في عدم تقوية القنوات المؤسساتية، ونهجها التدبيري الفردي وتقوية سياسة الأتباع نفّر جزءًا كبيرًا من النخب من العمل السياسي؛ ما جعل الديمقراطية تتجه نحول المجهول.