“بلطجي” في منصب رئيس أكبر دولة في العالم، ربما هذه تكون الصورة الأوضح التي رسمها العالم طوال الـ24 ساعة الماضية لدونالد ترامب رئيس الولايات المتحدة الأمريكية، بعدما هدد بطريقة جديدة على الأعراف الدولية، على لسان السفيرة الأمريكية لدى الأمم المتحدة نيكي هايلي التي أكدت أن الرئيس الأمريكي كلفها بتقييد أسماء الدول التي ستصوت على قرار ينتقد اعترافها بالقدس عاصمة لـ”إسرائيل” في أثناء تصويت الجمعية العامة.
تبع ذلك التصريح الغريب تهديد واضح من نيكي هالي نقلته عن ترامب لجميع الدولة، مؤكدة آن التصويت سيعقبه قطع المساعدات المالية عن الدول التي ستوافق على مشروع قرار يعارض قراره الذي اعترف فيه بالقدس عاصمة لـ”إسرائيل”، وذلك خلال التصويت بجلسة الجمعية العامة الطارئة المقررة اليوم الخميس بشأن القدس.
ما الذي يقوي ظهر ترامب في البلطجة؟
اللغة الغريبة لترامب التي حتمًا ستؤجج التوتر السياسي بالمنطقة وتضعها على فوهة بركان أكثر مما هي فيه، تجعل البحث في سراديب بلاده بالعالم، والعربي منه تحديدًا، ضرورة قصوى، فالقضية باتت تتعلق بالهوية والكرامة العربية أكثر من أي وقت مضى، خصوصًا أن لغة البلطجة الأمريكية تجاوزت الغرف المغلقة وخرجت إلى العلن، لتضع الأنظمة والشعوب معًا وجهًا لوجه لأول مرة، بشأن حقيقة وأسباب هذا الخطاب التحقيري – في أقل مدلولاته – من همة وقدرة العرب تحديدًا على الرد، في عالم لا يعترف ولا يركع إلا لأسانيد القوة المفرطة على المستويات كافة، ويبقى السؤال: ماذا يعطينا ترامب حتى يلوي أعناقنا بهذه الطريقة الاستفزازية؟
خلفًا لـ”إسرائيل” المتصدرة، يحتل العرب الأرقام الأعلى في المساعدات التي تقدمها الولايات المتحدة لدول العالم، بالتدريج تنفرد مصر بالصدارة يليها الأردن ولبنان والبحرين وتونس والمغرب والعراق، على مساعدات دورية، ويحكم هذه المساعدات اتفاقات بين أمريكا من جهة وتلك الدول من جهة أخرى، يتحدد فيها أوجه صرف المعونات، بل وآليات الصرف المرتبطة بها.
لا تقر القوانين المعمول بها أمريكيًا في منح المساعدات لمجرد أنها جرت باتفاقات مسبقة، فحسب الدستور، لا بد من الحصول على موافقة نواب الولايات المتحدة، قبل بدء التصرف في مبالغ المعونة السنوية، وذلك لمراجعة سياسات الدول المتلقية للمعونة
وتحرص الولايات المتحدة على إيجاد لنفسها مساحة تصرف في قرارات الدول التي تحصل منها على معونات، وخاصة العسكرية منها، وتصر دائمًا على وضع بنود لا تقبل الالتفاف، لإلزام الدول المتلقية مبالغ المعونة على استخدام معدات وأسلحة أمريكية الصنع، وعلى خدمات من خلال الجيش الأمريكي فقط، ولا يسمح باستخدام مبالغ المعونة الأمريكية في تدبير أي متطلبات عسكرية من دول أخرى.
ولتأكيد الهيمنة، تمتنع أمريكا عن تقديم أي مبالغ من أموال المعونات العسكرية المتفق عليها نقدًا إلى الدول المستحقة لها، وتكتفي بتخصيص هذه المبالغ المحددة، مع الإبقاء عليها في حسابات بالبنك الفيدرالي، ليتم التحويل منه مباشرة إلى الشركات والمصانع الأمريكية المقدمة لمنتجاتها أو خدماتها لدولة ما، وفق ما يتم التباحث بشأنه مع الجيش الأمريكي وبموافقة مسبقه من مسؤوليه في وزارة الدفاع الأمريكية “البنتاغون”.
بعد موافقة البنتاغون، يصبح على الدولة المتلقية للمساعدات، العمل بكل قوة لإرضاء الكونغرس، في أمريكا المؤسسات لها وصاية نافذه على صنع القرار، حتى لو كان على رأسه ترامب الذي لا يحترم أحدًا، ولا تقر القوانين المعمول بها أمريكيًا في منح المساعدات لمجرد أنها جرت باتفاقات مسبقة، فحسب الدستور، لا بد من الحصول على موافقة نواب الولايات المتحدة قبل بدء التصرف في مبالغ المعونة السنوية، وذلك لمراجعة سياسات الدول المتلقية للمعونة والتأكد من التزامها بتطبيق مبادئ “الديمقراطية”.
بجانب هذه القيود، تحتفظ الولايات المتحدة لنفسها بالحق في إضافة اشتراطات جديدة بما يتوافق مع أهدافها وأغراضها تجاه أي من هذه الدول، وكان باراك أوباما الرئيس السابق أبرز من فعل هذه البنود، وتحديدًا على الاتفاقات العسكرية، واتخذ قرارًا قبيل مغادرته للبيت الأبيض، بقصر استخدام المعونة العسكرية الأمريكية لمصر على أربعة اتجاهات فقط، وهي: تأمين الحدود البحرية والحدود البرية ومكافحة الإرهاب، إضافة إلى تمويل أعمال الصيانة الدورية للأسلحة والمعدات المصرية.
وهدف القرار إلى التأثير على قدرة القوات المسلحة المصرية في تحديث أساطيلها، وكذلك قدرتها على شراء أسلحة ومعدات حديثة، بعد أحداث 30 من يونيو عام 2013 التي أطاحت بالرئيس السابق محمد مرسي، واتخذت منها أمريكا موقفًا مناهضًا للإدارة المصرية الجديدة، قبل أن تتراجع وتتعاون من جديد مع الرئيس الحاليّ عبد الفتاح السيسي.
الأهداف المعلنة من المعونات العسكرية التي توجهها الولايات المتحدة الأمريكية للعرب، تعزيز الأهداف المشتركة في المنطقة، إلا أن الولايات المتحدة تستفيد بشكل أكبر عبر دعم الصناعات الحربية لديها، فضلاً عما توفره من فرص عمل للأمريكيين
مصر.. مميزات ضخمة على حساب “اتفاقية السلام”
تحصل مصر بمقتضى اتفاقية السلام، على مميزات خاصة لا تحصل عليها دول أخرى في المنطقة، المعروفة بآلية التدفق النقدي، وتتيح لها التعاقد على شراء أسلحة ومعدات أمريكية بالعقود الآجلة، كما تمنح قيمة المعونة دفتريًا لمدة عشر سنوات، لتدبير احتياجاتها العسكرية المستقبلية، وفقًا لبرنامج متفق عليه، وهي الميزة التي جمدها أوباما بقرار 2015، إلا أن إدارة السيسي نجحت في تعطيل القرار واستئناف العمل به لصالح مصر، بعد الزيارة الرسمية التي قام بها إلى البيت الأبيض مطلع شهر أبريل الماضي.
وحسب الميزانية الفيدرالية الأمريكية المعلنة لعام 2017/2018، تأتي مصر بعد “إسرائيل”، في أكبر المستفيدين من المعونة العسكرية الأمريكية، بمنطقة الشرق الأوسط، حيث تحصل على معونات قدرها 1.3 مليار دولار، تخصص لسد احتياجاتها من أعمال الصيانة والتدريب، وكذلك أعمال تأمين الحدود البرية والبحرية، فضلاً عن القضاء على الإرهاب في سيناء وتحقيق الاستقرار بها، خاصة مع استئناف العمل بآلية التدفق النقدي.
وينفرد الأردن بالمركز الثالث، بمساعدات قيمتها 350 مليون دولار، وهي مخصصة لتعزيز قدرات الجيش الأردني عن طريق برامج التدريب العسكري، إضافة إلى دعم أسطول طائراته من طراز F-16، وأعمال تأمين الحدود.
فيما يأتي العراق في المركز الرابع، بمنحة سنوية قدرها 150 مليون دولار، وبخلاف ذلك أقرت الموازنة الجديدة للولايات المتحدة، الموافقة على إقراض العراق مبلغ 2.7 مليار دولار، لبناء جيش عراقي جديد، ويخصص تحديدًا لأعمال التدريب واللوجيستية، وتأمين الحدود، وتعزيز قدرات الجيش في مكافحة الإرهاب والقضاء على تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”.
وجاء لبنان في المركز الخامس، بحجم مساعدات يبلغ 105 ملايين دولار، يخصص منها مبلغ 49.5 مليون دولار لتوفير مركبات آلية، و16 مليون دولار لتدبير أسلحة وصواريخ، و7 ملايين دولار للصيانة الفنية للطائرات، أما الباقي فيوجه لتأمين الحدود، وتلاها المغرب بمبلغ 53 مليون دولار، لدعم التأمين الفني للطائرات من طراز F-16، الأمريكية الصنع، العاملة في الأسطول الجوي المغربي، إضافة إلى تأمين الحدود وأعمال الصيانة الدورية اللازمة.
دول الخليج جددت هذا العام مباحثاتها مع واشنطن، بشأن توسيع المبادرات الدفاعية المشتركة التي قل شأنها في الأعوام السابقة، وهو ما يجعل دول الخليج أسيرة لأي قرار أمريكي
بينما تحصل تونس على مبلغ 45 مليون دولار، تخصص لمكافحة الإرهاب وأعمال تأمين الحدود وتوفير قطع الغيار اللازمة للصيانة، نهاية بمملكة البحرين التي تحصل على مساعدات بحجم 7.5 مليون دولار كل عام، توجه لتغطية تكاليف حرس السواحل وأنظمة المراقبة الساحلية وبرامج التدريب للجيش البحريني.
الأهداف المعلنة من المعونات العسكرية التي توجهها الولايات المتحدة الأمريكية للعرب، تعزيز الأهداف المشتركة في المنطقة، إلا أن الولايات المتحدة تستفيد بشكل أكبر، عبر دعم الصناعات الحربية لديها، وإرضاء القائمين عليها، فضلاً عما توفره من فرص عمل للأمريكيين، وهو ما يثير الاستغراب من التعامل بهذا المنطق الاستعلائي، فالمصلحة مشتركة، لما إذًا هذه اللغة، وماذا عن الخليج؟ هل لدى الولايات المتحدة ما يلوي عنقه هو الآخر؟
الخليج .. هوس المشروع الإيراني يضع “الغترة والعقال” في قبضة ترامب
معروف أن الدول العربية الكبيرة والتاريخية، صاحبة موارد محدودة، وقد يكون لديها حجة في الاصطفاف جبرًا خلف الولايات المتحدة، ولكن ما الذي يجعل الخليج الغني بموارده واستثماراته في العالم يقبل بهذه اللغة التي جعلت ترامب يستثمر الصراع الدائر بين السعودية والإمارات وقطر، على طريقة الفنان المصري عادل إمام، في أحد أفلامه “شخلل عشان تعدي” واستطاع الرجل حلب خيرات المنطقة بمليارات لا حصر لها من الدولارات، لصالح بلاده؟
لغز تبعية الخليج لترامب، كشفه تقرير صدر حديثًا لمركز خدمات Congressional Research Services وحصل “نون بوست” على نسخة مترجمة للعربية منه، وهو أحد هيئات دعم القرار بالكونغرس الأمريكي، ويقيم في تقريره هذا العلاقات الأمريكية مع دول مجلس التعاون الخليجي، كما ناقش أهم جوانب العلاقات الأمريكية بدول الخليج بما يتضمن البُعد الأمني والعسكري.
يتضمن التعاون العسكري بين دول مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة، مجموعة اتفاقيات تعاون دفاعي، من خلاله تحتفظ الولايات المتحدة بحق الاستمرار في بناء قواعد عسكرية داخل هذه البلاد
واستعرض التقرير تخوفات حكومات دول الخليج التي تدعوها للالتحاف بأمريكا، أهمها كانت الأخطار الأمنية التي تحدد المعالم الأساسية للتعاون الخليجي الأمريكي، وعلى رأسها الارتفاع المزعج لنفوذ إيران بالمنطقة خصوصًا بعد نهاية حكم الرئيس العراقي الأسبق صدام حسين.
ويقول كينيث كاتسمان كاتب التقرير إن معظم دول الخليج تنظر بحذر إلى محاولات إيران جذب دعم إقليمي لنظام أمني جديد، تحت قيادة طهران، وما زالت تلك الدول تشارك الولايات المتحدة قلقها من نوايا إيران، خوفًا من أن تسعى طهران في المستقبل لاستخدام برنامجها النووي كأداة تهديد ضد دول مجلس التعاون الخليجي.
ويشير التقرير إلى أن دول الخليج جددت هذا العام مباحثاتها مع واشنطن، بشأن توسيع المبادرات الدفاعية المشتركة التي قل شأنها في الأعوام السابقة، وهو ما يجعل دول الخليج أسيرة لأي قرار أمريكي، حتى لو كانوا غير راضين عنه، في مقابل دعم دول الخليج لأي هجوم محتمل من الولايات المتحدة ضد إيران، رغم المخاوف من ردود الفعل الإيرانية ضد الحكومات الخليجية، حال حدوث مواجهة من هذا النوع.
وبجانب إيران، يعدد التقرير أسباب استناد الخليج على “الكتف الأمريكي”، أهمها كانت مخاوف متزايدة من الشيعة بالخليج الذين صعدوا مؤخرًا للحكم بالعراق، وذكر التقرير أن العديد من دول الخليج خصوصًا السعودية والبحرين، لديهم هوس كبير من تأثير صعود الأحزاب الشيعية للحكم بالعراق على الاستقرار الداخلي ببلادهم.
التحول الغريب في تردي الدولة التي تحصل على مساعدات أمريكية، بسبب تصرفها على نحو تبعي
وحسب التقرير، يتضمن التعاون العسكري بين دول مجلس التعاون الخليجي والولايات المتحدة، مجموعة اتفاقيات تعاون دفاعي، من خلالها تحتفظ الولايات المتحدة الأمريكية لنفسها، بحق الاستمرار في بناء قواعد عسكرية داخل هذه البلاد، وفي المقابل تقدم واشنطن لحلفائها مساعدات عسكرية عبارة عن تدريبات واستشارات عسكرية وتدريبات مشتركة ومبيعات كبيرة من الأسلحة.
الغريب أن هذه المعاهدات – رغم محاولة الأطراف الخليجية الإيحاء بذلك ـ لا تتضمن بنودًا تفرض على أمريكا حماية الحليف الخليجي، حال تعرض أحدهم لهجوم عسكري، وربما يفسر هذه البنود إسراع قطر في تفعيل اتفاقية التعاون العسكري المشترك مع تركيا، فور اندلاع الأزمة الخليجية، رغم وجود قاعدة “العديد” الأمريكية، وهي الأكبر على الإطلاق في الخليج، وربما تجعلنا هذه الاتفاقات الغامضة في حاجة لنشرها كما وردت في التقرير لمعرفة كيف يمكن لأمريكا التحكم في القرار الخليجي، بعيدًا عن أزمة القدس.
الدولة |
التسهيلات العسكرية المقدمة للولايات المتحدة |
السعودية |
استضافة 400 فرد من القوات الأمريكية موجبين بتدريب القوات السعودية والحرس الوطني. |
الكويت |
قاعدة علي السالم الجوية: تستضيف الفرقة الجوية الأمريكية رقم 386 لدعم الجهود العسكرية بالعراق. مع معسكر عريفيجان: وهو المرفق الرئيس لاستضافة القوات الأمريكية الداعمة للجهود العسكرية بالعراق. |
الإمارات |
– استضافة قوة عسكرية من القوات الجوية الأمريكية بحجم 1.800 فرد لدعم الجهود العسكرية بالعراق وأفغانستان. – قاعدة الظفرة الجوية: تستضيف الفرقة الحملة الجوية الأمريكية رقم 380. – ميناء جبل علي: يستضيف ويستقبل السفن الأمريكية. |
قطر |
– استضافة قوة عسكرية من القوات الجوية الأمريكية بحجم 6.000 فرد لدعم الجهود العسكرية بالعراق وأفغانستان. – قاعدة العديد الجوية: المركز الرئيس للعمليات الجوية الأمريكية في منطقة الخليج وتستضيف طائرات F-16. – تستضيف مقر القيادة المركزية للقوات الأمريكية CENTCOM منذ 2003. – معسكر السيلية: تخزين موارد للجيش الأمريكي – قرية ميلينيوم Millennium Village: مقر سكن أفراد القوات الأمريكية. |
عمان |
– استضافة 25 فردًا من القوات الجوية الأمريكية. – تسهيلات للقوات الجوية الأمريكية لاستخدام قاعدة مصيرة الجوية وقاعدة ثميرات الجوية ومطار السييب في حالة الطوارئ. |
البحرين |
– استضافة قوة عسكرية من القوات البحرية الأمريكية بحجم 4.700 فرد لدعم الجهود العسكرية بالعراق وأفغانستان. – ميناء المنامة: يستضيف المقر الرئيس للأسطول الأمريكي الخامس وبعض الهيئات التابعة للقيادة المركزية التي تدير الجهود البحرية بالمنطقة لمكافحة الإرهاب والمخدرات وانتشار أسلحة الدمار الشامل، كما تساعد تلك الهيئات في حماية محطات النفط بالعراق. – ميناء سلمان: تستضيف المركبات الأمريكية الحربية الصغيرة. – قاعدة الشيخ عيسى الجوية: تستخدم في حالات الطوارئ ولتخزين المعدات. – مطار المحرق: يستضيف الطائرات الاستطلاعية التابعة للقوات البحرية الأمريكية. |
مساعدات أم تخريب ممنهج.. التاريخ يجيب عن “ترامب”
يخفي ترامب أوراقه ويتفضل بمساعداته على العالم، يهدد ويتوعد، رغم أنه لو عاد للأمريكي يوجين بلاك، أحد أهم رؤساء البنك الدولي على مدار تاريخه، سيعلم منه ماهية أهدافها، الرجل قال نصًا: “عندما نقوم نحن في الولايات المتحدة بتقديم المساعدات والقروض للدول الأخرى، فإننا بذلك نساعد أنفسنا، لتحقيق مصالحنا التجارية وفتح الأسواق أمام صادراتنا”، وعزز حديثه بتقارير رسمية، أصدرتها الدوائر المعنية بالولايات المتحدة التي أكدت أن نحو 70 دولة نامية من الدول التي تحصل على مساعدات أمريكا من إفريقيا وآسيا ودول الشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية، باتت أوضاعها الاقتصادية الآن أسوأ منها قبل عشرين عامًا.
وربطت القارير، التحول الغريب في تردي الدولة التي تحصل على مساعدات أمريكية، بسبب تصرفها على نحو تبعي، ففي تقرير للوكالة الأمريكية للتنمية، أكدت أن هناك دولاً قليلة من التي تلقت مساعدات منذ الخمسينيات، استطاعت الخروج من حالة التبعية للمساعدات، بينما بقيت دول مرتبطة ببرنامج صندوق النقد الدولي عدة عقود دون أن تصل إلى مستوى الخروج من الحاجة المتنامية للمساعدات
رغم ما تحاول إظهاره الولايات المتحدة بربط المساعدات ببرامج احترام حقوق الإنسان في الدول المتلقية، فإنها تنفذ هذه البنود حسب مصحالها
وبحسب الوكالة الأمريكية، أدت هذه المساعدات أيضًا إلى تبعية سياسية لهذه الدول، وتعرضها لاختراق تجسسي لحساب أمريكا، كما ساهمت المساعدات في عزل بعض الدول سياسيًا بالعقوبات الاقتصادية المفروضة عليها وحرمانها من المساعدات والقروض، كما كانت عمليات سداد القروض استنزافًا ممنهجًا لموارد الدول ومدخراتها، وأدى في النهاية إلى تخلف سياسي واجتماعي، بسبب ارتباط المساعدات بدوافع سياسية واقتصادية، كان في القلب منها دعم أنظمة الحكم القمعية الصديقة والموالية.
وبجانب العرب والخليح، استخدمت أمريكا سلاح التهديد بمنع المساعدات، لإجبار دول بعينها على اتباع سياسة ما أو منعها، ولا تقف مثل هذه الممارسات البغضية على ما عهد ترامب، بل كان منهج للدولة، وهناك عشرات الأمثلة من العقود الماضية على استخدام هذا السلاح في شل الإرادة السياسية والاقتصادية للدول، حيث أقدمت الولايات المتحدة على إيقاف المساعدات الاقتصادية والعسكرية لباكستان بسبب نشاطها النووي.
كما خفضت الولايات المتحدة عام 1991 مساعداتها للفلبين عندما رفض مجلس الشيوخ الفلبيني تجديد المعاهدة مع أمريكا بخصوص وجود قواعد عسكرية أمريكية على أراضيه، وكذلك الأمر بالنسبة لزيمبابوي عام 1984 عندما خالفت الولايات المتحدة في التصويت في هيئة الأمم، ولم تهتم الدول المانحة بنتائج المشاريع التي تمولها بغض النظر عن سوء استخدامها أو استفادة الدول منها أو عدم استفادتها.
أدت المساعدات والمنح إلى حالة من التقدير المشوب بالانبهار والتقليد والتبعية، مما أفقد الكثير من الدول التي تتلقي مساعدات، مناعتها الحضارية، وخلقت هذه الممارسات، طبقة من المنتفعين والفاسدين سياسي
ورغم ما تحاول إظهاره الولايات المتحدة بربط المساعدات ببرامج احترام حقوق الإنسان في الدول المتلقية، إلا أنها تنفذ هذه البنود حسب مصالحها، فأهملت الدول والوكالات المانحة انتهاكات حقوق الإنسان في الدول المتلقية مثل الكونغو “زائير سابقًا”، وإيران في عهد رضا بهلوي، والفلبين في عهد ماركوس، ونيكاراغوا في عهد سوموزا، كما تدخل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي في كثير من السياسات والقرارات الاقتصادية، وفرض شروطًا وإملاءات مثل تخفيض قيمة العملة الوطنية وتقليص الإنفاق العام وتحرير الأسعار وتقليص الأجور وزيادة الضرائب، وعلى هذا النوع، فإن هاتين الوكالتين هما الصانع الحقيقي لأهم القرارات الاقتصادية في كثير من الدول.
كما يضم تاريخ المساعدات، صفحات سوداء في كيفية الاستخدام البغيض لها من الإدارات الأمريكية المتعاقبة والتدخل في نظام الدول وتغيير السياسات والأولويات الوطنية، وفرض شروط تمويلية وإدارية شتى، كان لها تداعيات ثقافية لا تناسب الدول، مما تسبب في عرقلتها، فنُشرت فيها القيم الاستهلاكية والأخلاق والثقافة الغربية، وتغيرت عادات الطعام والشراب والملبس.
كما أدت المساعدات والمنح إلى حالة من التقدير المشوب بالانبهار والتقليد والتبعية، مما أفقد الكثير من الدول التي تتلقي مساعدات، مناعتها الحضارية، وخلقت هذه الممارسات، طبقة من المنتفعين والفاسدين سياسيًا، مما أثر على تقدم الدول للأمام.
تهديد ترامب ليس أول ولا آخر بيت القصيد، صحيح أن بجعبته ما يمكن تنفيذ شطحاته، كما يقف تاريخ بلاده المثقل بالخطايا في هذا الشأن حليفًا له، ولكن ما يستطيع فعله العرب اليوم ومن خلفهم الدول الرافضة لسياسات البلطجة الأمريكية والإسرائيلية، قد يكون بداية جديدة لكتابة تاريخ مختلف في المنطقة، فقط إذا ظهر لأصحاب المشكلة في أروقة الأمم المتحدة “قيم وأنياب” تعطي لمعنى القدس حرمته، وللكلام عنها في المحافل الدولية احترامه!