ترجمة وتحرير: نون بوست
كتب: تينغ شي وهنري ماير ودونا أبو نصر وإيليا أرخيبوف
أبدت الدول الغربية امتناعها عن المساعدة في إعادة إعمار سوريا بعد حربها الأهلية، وذلك لأنها تعتقد أن الطرف الخاطئ قد انتصر في هذه الحرب. وتجدر الإشارة إلى أن كلا من روسيا وإيران قد ساهمتا بشكل كبير في هذا الدمار، ولكن، وكما يبدو ليس بإمكانهما تحمل تكلفة تدخلهما في سوريا التي تبلغ ربع تريليون دولار أمريكي.
هل تتدخل الصين؟
يعتزم نائب مدير جمعية التبادل الصيني العربي، كين يونغ، القيام بزيارته الرابعة إلى سوريا نهاية هذه السنة، حيث يرى أن هناك اهتماما متزايد من قبل الشركات الصينية فيما يتعلق بالاستثمار في سوريا. في هذا الصدد، قال كين يونغ: “نتلقى طلبات هاتفية من طرف هذه الشركات بشكل يومي، حيث يبصرون آفاق استثمارية ضخمة في سوريا، نظرا لأن البلاد بأكملها في حاجة إلى إعادة بناء”. وأردف كين يونغ أن “الطرف السوري بدوره متحمس إلى هذه الشراكة، وكأن لسان حال المسؤولين السوريين يقول: لا تأتوا غدا، بل تعالوا اليوم”.
في ظل اقتراب الحرب التي دامت ست سنوات ونصف من نهايتها، واستمرار بشار الأسد في منصبه رئيسا لسوريا، تحول صراع النفوذ في سوريا إلى المجال الديبلوماسي. وفي الأثناء، تعد عملية إعادة إعمار البلاد، التي من المرجح أن تكلف حوالي 250 مليار دولار حسب تقديرات الأمم المتحدة، عاملا أساسيا في إطار التحركات الدبلوماسية من أجل استعادة الاستقرار في البلاد.
أكدت الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون ومن دول الخليج، التي دعمت المعارضة السورية، أن الوضع المتأزم في سوريا يعد نتيجة التحالف بين نظام الأسد وروسيا
أصحاب النوايا الحسنة
أعلن فلاديمير بوتين نجاح العملية العسكرية التي يخوضها الجيش الروسي في سوريا منذ سنتين، من أجل دعم نظام الأسد. في الوقت ذاته، يسعى بوتين إلى كسب التمويل لفائدة البلاد المنكوبة على المستوى الدولي. في مؤتمره الصحفي السنوي الذي أقيم في الرابع عشر من كانون الأول/ديسمبر، أبدى بوتين الكثير من الإحباط والغضب، حيث أفاد أن سوريا، التي تسبب الصراع فيها في نشوب أكبر أزمة مهاجرين في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية، ستظل أرض خصبة لتنامي نفوذ الجماعات المتطرفة مثل تنظيم الدولة الإسلامية، ما لم يقع تحسين المستوى المعيشي في البلاد.
في هذا الصدد، أكد الرئيس الروسي على أنه “يتوجب على جميع الأشخاص ذوي النوايا الحسنة حول العالم استيعاب أنه في حال لم تتكاثف الجهود من أجل معالجة المعضلة السورية، ستتفاقم هذه المعضلة وستطالهم آثارها السلبية”.
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين
أكدت الولايات المتحدة وحلفاؤها الأوروبيون ومن دول الخليج، التي دعمت المعارضة السورية، أن الوضع المتأزم في سوريا يعد نتيجة التحالف بين نظام الأسد وروسيا. وفي حين بادرت هذه الأطراف بالتخفيف من حدة دعواتها المنادية بتنحي بشار الأسد الفوري من السلطة، لا يزال موقفها ثابتا فيما يتعلق بحقيقة أن بشار الأسد غير قادر على تحقيق الاستقرار في سوريا، فضلا عن أن استمراره في السلطة أمر مؤقت لا غير.
على العموم، تعتبر سياسة إحجام الولايات المتحدة وحلفاؤها عن توفير الموارد المالية اللازمة من أجل إعادة إعمار سوريا، بمثابة ورقة الضغط الوحيدة المتبقية بالنسبة لهم. خلافا للعراق الذي كان قادرا على استخراج مليوني برميل من النفط يوميا حتى خلال السنوات العصيبة التي تلت الاحتلال الأمريكي في سنة 2003، لا تتمتع سوريا بالقدرة على تأمين موارد مالية داخلية من أجل القيام بعملية إعادة إعمار.
في سياق متصل، أفاد دبلوماسيون روس أن بلادهم ما فتئت تضغط على حكومات دول الاتحاد الأوروبي من أجل المساعدة على دفع فاتورة إعادة إعمار سوريا. في الأثناء، قابلت حكومة موسكو كل الدعوات المطالبة بتنحي بشار الأسد عن الرئاسة بالرفض، في الوقت الذي لم تبدي فيه حكومة الأسد أي بوادر تحيل إلى استعدادها لتقاسم السلطة في سوريا.
تسعى تركيا، التي تتعدد نشاطات شركاتها العقارية في المنطقة، للاستثمار في سوري
طريق مسدود
قامت كل من دول الاتحاد الأوروبي والدول العربية بالإضافة إلى الولايات المتحدة الأمريكية خلال شهر نيسان/ أبريل الفارط، بتخصيص مبلغ 9.7 بليون دولار من أجل المساعدات الإنسانية وتقديم الدعم في إطار عملية إعادة إعمار سوريا. في المقابل، وفي أيلول / سبتمبر أفاد بوريس جونسون، وزير الدولة للشؤون الخارجية البريطاني، أن التحالف المضاد لبشار الأسد لن يدعم عملية إعادة الإعمار من دون تحقق عملية انتقال سياسي.
خلال هذا الأسبوع، أقر المشرعون الأمريكيون من كلا الحزبين مشروع قانون تحت مسمى “قانون لا لمساعدة الأسد”، بهدف دفع أي مساعدات أمريكية لصالح سوريا باتجاه المناطق خارج نطاق سيطرة النظام. والجدير بالذكر أن معظم المناطق في شمال شرق البلاد ترزح تحت سيطرة القوات الكردية المدعومة من قبل الولايات المتحدة. من جهته، صرح ألكسندر شاملين، رئيس مركز التحاليل حول نزاعات الشرق الأوسط في موسكو، قائلا: “لقد وصلت الأمور إلى طريق مسدود. في الأثناء، لم يساهم الانتصار العسكري الروسي في سوريا في دفع البلاد إلى إيجاد تسوية سياسية بأي شكل من الأشكال”.
في سياق متصل، أورد فيليب أندري، المختص في شؤون الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في رابطة الغرف الألمانية للتجارة والصناعة، أن انعدام الاستقرار السياسي من شأنه أن يثبط عزيمة الشركات الأوروبية بشأن الاستثمار في سوريا. في هذا الصدد، استشهد أندري بالشركات الألمانية التي “تتسم بالدراية العملية والتكنولوجيا اللازمة والدوافع من أجل إعادة بناء البنية التحتية والقطاع الصناعي في سوريا. لكن ، لا يمكن لذلك أن يحدث دون وجود عقد معاهدة سلام معترف بها دوليا في سوريا”. في الإطار ذاته، أفاد تيم برول غيرويه، المتحدث الرسمي باسم مجموعة تيسين كروب الصناعية الألمانية، أن “مجموعة تيسين كروب ستستأنف نشاطها في سوريا فقط عندما تستعيد سوريا استقرارها الأمني”.
لن تتمكن الصين، حليفة روسيا التي ما فتئت تتقرب منها، على الإيفاء بجميع متطلبات سوريا ما بعد الحرب، وتقدر جمعية كين يونغ حجم الاستثمارات التي ستضطلع بها في سوريا في هذه المرحلة بحوالي 2 بليون دولار
في الأثناء، تسعى تركيا، التي تتعدد نشاطات شركاتها العقارية في المنطقة، للاستثمار في سوريا. في هذا الشأن، صرح عبد الرحمن بن عبد الله الزامل، الرئيس السابق لمجلس الغرف التجارية الصناعية السعودية، لجريدة الصباح اليومية التركية في شباط / فبراير الفارط، أن “المملكة العربية السعودية وتركيا ستضطلعان بعمليات إعادة بناء سوريا”. في المقابل، عمدت كلا الدولتين إلى دعم المعارضة السورية، في الوقت الذي أكد فيه بشار الأسد أنه لن يكون لمثل هذه الدول دور في إعادة إعمار سوريا، حتى إن كانوا يرغبون في ذلك.
متطلبات ضخمة
أقر عبد القادر عزوز، مستشار لحكومة بشار الأسد، بأنه يمكن الحصول على الأموال من قبل أثرياء سوريا، بالإضافة إلى مجموعة “بريكس” للاقتصادات الأسرع نموا في العالم، بالإضافة إلى الجهات المقرضة متعددة الأطراف التي لا تخضع لسلطة الدول الغربية. وأضاف عزوز أنه قد تم سلفا التوصل إلى بعض الاتفاقيات في هذا الشأن. في هذا الإطار، أوردت الحكومة السورية أنها أبرمت عقودا بقيمة 850 مليون يورو مع روسيا من أجل إعادة بناء البنية التحتية في البلاد. وحسب ما أفاد به التلفزيون السوري في أيلول/ سبتمبر الفارط، أبرمت حكومة الأسد اتفاقية تبلغ مئات الملايين من اليوروات مع إيران من أجل إصلاح شبكات الطاقة.
من جانبها، أفادت روسيا أن هناك مخططات من أجل إبرام المزيد من العقود في سبيل إعادة بناء منشآت توليد الطاقة في سوريا. في هذا الصدد، صرح ألكسندر لافرنتييف، المبعوث الخاص للرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سوريا، خلال مقابلة أجراها في أنقرة، أن “الاستثمار الغربي ليس ضروريا في سوريا، حيث توجد روسيا وإيران والصين والهند، بالإضافة إلى عدة بلدان أخرى”. مع ذلك، أقر لافرنتييف بأن التمويلات التي تحتاجها سوريا بعد الحرب تعتبر ضخمة للغاية.
يزعم كين يونغ أن هناك معيقات فورية تواجه المشاريع الصينية في سوريا، لعل أبرزها حظر عقد الاتفاقيات بعملة اليورو والدولار، نظرا للعقوبات المسلطة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي التي تهدف إلى اقصاء نظام الأسد من الساحة الاقتصادية العالمية
في هذا السياق، لن تتمكن الصين، حليفة روسيا التي ما فتئت تتقرب منها، على الإيفاء بجميع متطلبات سوريا ما بعد الحرب. وتقدر جمعية كين يونغ حجم الاستثمارات التي ستضطلع بها في سوريا في هذه المرحلة بحوالي 2 بليون دولار. في هذا السياق، أكد كين أن وفود الشركات التي رافقها إلى دمشق وحمص وطرطوس، بما في ذلك المجموعة الصينية لصناعة الشاحنات الثقيلة. ومن خلال فرعها “سينوتراك” المدرج في بورصة هونغ كونغ، تستهدف هذه المجموعة المشاريع الكبرى لبناء الطرق والجسور والمطارات والمستشفيات بالإضافة إلى إصلاح منشآت الطاقة والاتصالات.
طرِيق الحرِير الجَدِيد
قد تكون هذه الخطوة البداية فقط، حيث تتلاءم سوريا مع الإستراتيجية الصينية. فلطالما كانت سوريا نقطة مركزية في صلب طريق الحرير التاريخي. وتقضي السياسة الطموحة لرئيس جمهورية الصين الشعبية، شي جين بينغ، ببناء طريق حرير جديد، التي وقع بلورتها في إطار مبادرة الحزام والطريق الصينية المقدر قيمتها بمليارات الدولارات، التي تطمح لنسج شبكة صينية للنقل والتجارة داخل أوراسيا وأفريقيا. في هذا الإطار، صرح وانغ يي، وزير خارجية جمهورية الصين الشعبية، بعد لقائه مع نظيره السوري، وليد المعلم في نيويورك في أيلول/سبتمبر الفارط، أن هذا الأمر “سيكون فرصة هامة من أجل إرساء شراكة ثنائية بين الطرفين في المستقبل”.
على ضوء هذه التطلعات الضخمة، يزعم كين يونغ أن هناك معيقات فورية تواجه المشاريع الصينية في سوريا، لعل أبرزها حظر عقد الاتفاقيات بعملة اليورو والدولار، نظرا للعقوبات المسلطة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي التي تهدف إلى اقصاء نظام الأسد من الساحة الاقتصادية العالمية. ويحيل هذا المعطى إلى أنه، في حال عدم التوصل إلى تسوية بشأن مستقبل بشار الأسد في السلطة، من المرجح أن تظل سوريا مدمرة جزئيا على امتداد السنوات القادمة.
من جهته، شدد روبرت فورد، سفير الولايات المتحدة في دمشق خلال السنوات الأولى للحرب، وأحد أكبر الباحثين في معهد الشرق الأوسط في واشنطن، والمحاضر في جامعة ييل الأمريكية، على أن الاتفاقيات التي تم النقاش حولها بخصوص سوريا تعتبر محدودة للغاية بالمقارنة بحجم الدمار في البلاد. وأضاف فورد، قائلا: “نحن نتحدث عن مئات الملايين من الدولارات، في حين أن سوريا في حاجة إلى آلاف المليارات من الدولارات. عموما، قد لا تكون الموارد المتاحة حاليا من أجل إعادة بناء البلاد كافية، وهو ما قد يؤدي إلى عدم القدرة على إعادة إعمار البلاد بالسرعة الكافية”.
المصدر: بلومبيرغ