قبل أن تأخذ الصين شكلها الحالي كدولة واحدة أو امبراطورية موحده ، كانت عبارة عن 7 ممالك متناحرة ، في العام 500ق م تقريبا اشتعلت حرب بين تلك الممالك قضت على الأخضر واليابس استمرت 250 عام، أفنت تلك الحرب أجيال وأجيال من الصينيين واثرت سلبا على تعداد السكان والمواليد والنتاج والزراعة وبسببها اضطر الناس لتغيير أماكن سكنهم وطرق معيشتهم بل وحتى بعض عاداتهم وتقاليدهم .
من أبرز العادات التي غيرتها حقبة الحرب كانت طقوس الدفن والجنازات ، كان المتعارف عليه عند وفاة الملك يُقضى على كل حاشيته وأهله ويتم دفنهم جميعا في مقابر مجاورة لقبره كي يقوموا بخدمته في الحياة الأخرى ، كانت القبور ترتب حسب أهمية المدفونين فيها ،فالامبراطور يحيط به في الصف الأول زوجاته و وزرائه والذي يليه موظفي القصر ورجاله ثم الخدم والحرس وعمال القصر وهكذا .
تذكر الحكايات الصينية القديمة قصة الامبراطور تشينج جينج جونج ، الذي حين مات أُبيد بلاطه بالكامل ، دفن معه حوالي 186 فردا من حاشيته وهم أحياء ، وضعوا في توابيت بجوار قبره ثم أُهيل عليهم التراب.
بعد انقضاء فترة الحرب وتقلص اعداد البشر لجأ ملوك الولايات الصينية لاستبدال البشر بالتماثيل ، تماثيل كثيرة وصغيرة تدفن بجوار قبر الامبراطور لتأدية واجبات في الحياة الأخرى بعد ان تدب فيها الحياة حسب اعتقادهم ، بذلك يضمن الملك بقاؤه مترفا منعما في الآخرة وبنفس الوقت لا تخسر الولاية أيا من سكانها في تضحية بشرية كما كان يحدث سابقا.
القبر الذي تم اكتشافه عام 1947 بواسطة بعض المزارعين المحليين وُجد فيه حوالي 8000 تمثال ليست لجنود فقط ، وانما ممثلين وعازفين ولا عبي اكروبات وإداريين وعسكريين مابين ضباط مشاه و رماه وخيول وعربات وأسلحة واسهم
قبل ألفي عام تقريبا قام شاب بتوحيد الولايات الصينية السبع وجمعهم في إمبراطورية واحدة سميت امبراطورية الصين ، نصب نفسه امبراطورا عليها وسمي الامبراطور الأول “تشين شي هوانج” .
تولى الحكم وهو في الثالثة عشر من عمره ، ولم تمنعه حداثة سنه من التطلع للمزيد من القوة أو الرغبة في الخلود ، أمر ببناء سور الصين العظيم ، وجيشا كاملا يرافقه عند موته ، كما أمر أن يكون الجيش بالحجم الطبيعي ، وألا يتشابه فيه شخصان .
بعد إصدار الأمر شرع البناؤون في جيش “التيراكوتا” والذي يعني باللغة الصينية تماثيل الفرسان والخيول الجنائزية .
القبر الذي تم اكتشافه عام 1947 بواسطة بعض المزارعين المحليين وُجد فيه حوالي 8000 تمثال ليست لجنود فقط ، وانما ممثلين وعازفين ولا عبي اكروبات وإداريين وعسكريين مابين ضباط مشاه و رماه وخيول وعربات وأسلحة واسهم .
البناء
لا أحد يعرف تحديدا هل جنود الطين هم بالفعل جنود الامبراطور وصنعت تلك التماثيل حسب ملامحهم واجسادهم ؟ ام انها ملامح ارتجالية من مخيلة الحرفيين والصناع ؟
الأمر المتفق عليه بين المستكشفين والمؤرخين ان صناعة تماثيل كهذه هكانت مهمة شاقة ، إذ لو سلمنا باستطاعة البناؤون ارتجال تلك الملامح ، كيف اذا صنعوا تلك الهياكل الضخمة وكيف صمدت خلال عملية البناء ، و الزمن أيضا ؟
ذهب بعض الصناع إلى أن تلك التماثيل – التي يبلغ وزن الواحد فيها حوالي 300 كجم وطوله المترين– بنيت بأحد أنواع الطين التي تشتهر بتماسكها و هو الطين الأحمر يتعرض لبعض الفرد والعجن بالماء ليشكل كتله طينية شبيهة بالصلصال يقوم العامل بمدها حتى تصبح حبلا طويلا ثم يبدا بلفها فوق بعضها صعودا لتكون الهيكل الخارجي ثم بعد ذلك يتم نحتها وفقا للشكل المطلوب .
استنتج المنقبون عن الآثار تلك الطريقة في البناء من آثار ماوجدوه داخل التماثيل المكسورة ، يظهر فيها جيدا طبقات الطين التي تأخذ شكلا حلزونيا ، وأيضا استبعاد فكرة القوالب الجاهزة لأن التماثيل لا تتشابه لا في الوجوه ولا الأطراف ولا حتى شكل الثياب او الأحذية .
بعض صناع تماثيل التيراكوتا المقلدة الآن يقولون أن صناعة تمثال واحد بهذا الحجم تتطلب شهرا على الأقل وغرف بدرجات حرارة معينة تضمن بقاء التمثال رطبا وتمتاسكا في نفس الوقت ، ليست بالباردة التي تسبب تجمده وتشققه ولا بالحارة التي تجعله يذوب ويتداعى .
وُجد على التماثيل حوالي 87 اسما مختلفا لنحاتين أشرفوا على إنهائه ، يفترض ان كل منهم عمل تحت يده 10 فنانين وكل فنان اشرف على 1000 عامل تتجاوز إذا اليد العاملة حاجز النصف مليون شخص ، حوال 870 الف ربما أكثر وربما أقل
ذهبوا إلى أن الصناع قبل أكثر من 2500 عام توجهوا لكهوف الجبال التي تتميز باعتدال دراجات حرارتها ، في الشتاء والصيف لا تتجاوز درجة الحرارة 25 درجة مئوية ، تضمن تماسك التمثال بشكل تام لحين انتهاء صنعه ، بعد ذلك يتم رصها بجوار بعضها ثم إشعال النار وإغلاق الكهف حتى تحترق العجينة الطينية ، تاركة تمثالا صلبا متماسكا يصمد لآلاف السنين .
مسألة بناء الجيش لم تكن فقط تحديا للصناع من أجل إنجازه في الوقت المناسب وإنما في تلافي الأخطاء ، لم يكن الخطأ أمرا مقبولا ، عند وجود تمثالين متشابهين أو بهما عيوب ، كان النحات يسجن وفي بعض الأحيان يقتل عقابا له.
بُني الجيش في حوالي 8 سنوات بمعدل 700 تمثال في السنة ، تلك السرعة في الانجاز لم تكن لتتم لو لم يتوافر عدد كبير من الأيدي العاملة التي شاركت في انهاء هذا الامر .
وُجد على التماثيل حوالي 87 اسما مختلفا لنحاتين أشرفوا على إنهائه ، يفترض ان كل منهم عمل تحت يده 10 فنانين وكل فنان اشرف على 1000 عامل تتجاوز إذا اليد العاملة حاجز النصف مليون شخص ، حوال 870 الف ربما أكثر وربما أقل .
المؤرخ الصيني سيما كيان دون تلك المعلومة بإحدى مخطوطاته وهي أن الصناع فاق قوامههم ال700 ألف أشخص .
التلوين
اعتدنا على رؤية تماثيل التيراكوتا كتماثيل طينية صماء لا تظهر ملامحها بوضوح حيث انها مجرد كتل من الطين تبرز منها بعض المعالم ، إلا أن بعض العلماء وعند الحفر استخرجوا تماثيل ذات بعض الاجزاء الملونة ، سواء في الوجه أو الجسد او الأطراف ، بعض التماثيل لُونت حسب فئاتها فألوان أزياء القادة مختلفة عن الوان أزياء العساكر مختفة عن الحرفيين وهكذا .
لماذا إذا نراها بلا الوان ؟!
تكمن الإجابة على هذا السؤال في المادة التي تم تبطين التماثيل بها قبل دهان طبقة الالوان وهي مادة “اللك” .
تسببت الطبيعة في انهيار أجزاء واسعة من المقبرة ما أدى لتدمير العديد من التماثيل
ظلت تلك المادة متماسكة على التماثيل طوال فترة 2000 عام ، الا ان وقت اكتشاف تلك التماثيل وتعرضها للهواء تبدأ في فقدان رطوبتها فتتكسر لجزيئات صغيرة جدا كالغبار وتتداهى آخذة معها طبقة اللون ويستحيل إعادتها كما كانت مرة أخرى ، فيتبقى لنا تمثالا بنيا فقط .
المرشدة السياحية جينغ بيه ،” أن أسرار المقبرة لم تتكشف بالكامل بعد، وأن هناك هرما ترابيا يبلغ ارتفاعه 76 مترا، بمساحة 350 متر مربع لم يتم تنقيبه خوفا من تدمير ما قد يحتويه من كنوز، وأضافت بأن الباحثون تمكنوا من العثور على ثمانية آلاف تمثال لجنود المشاة والرماة والضباط ، بجانب 130 عربة مع 520 حصاناً و150 فارساً بحجمهم الطبيعي الكامل، فضلا عن إداريين وموسيقيين، ليكونوا في خدمة الإمبراطور في حياته الثانية، وتضيف أن المعروض منها فقط ألفا جندي حفاظا على التماثيل، لا سيما وأن المقبرة تعرضت بعد خمس سنوات من وفاة الإمبراطور تشين شي هوانغ لهجوم من جيش العدو، الذي أضرم النار في المقبرة، ملحقا أضرارا جسيمة بمعظم التماثيل، كما تسببت الطبيعة في انهيار أجزاء واسعة من المقبرة ما أدى لتدمير العديد من التماثيل.
وأشارت المرشدة السياحية إلى أن الجنود كانوا يحملون فى أيديهم أسلحة حقيقية ويظهر ذلك في تحفزهم ووضعية أيديهم، مضيفة أن تلك الأسلحة كانت متطورة ومتقدمة جدا وقتها وفقا للأبحاث التي أجريت عليها لاحقا ، حيث كانت للسهام قدرة عالية على اختراق أي درع فى ذلك الوقت، كما أن أسرار “محاربي التيراكوتا” لم تتكشف بالكامل، وربما يستغرق الأمر مزيدا من الوقت حتى تبوح مقبرة الإمبراطورِ الاول بكامل اسرارها المدهشة“.
عندما يحالفكم الحظ وتزورون الصين ، توجهوا لمدينة شيان في غربها ، هناك ستجدون موقعا اثريا مدرج على لائحة التراث العالمي لمنظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة، “يونسكو“. و أحد المعالم التي قد تكون من معالم الدنيا السبع قريبا ، هو جيش الطين العظيم .. التيراكوتا .