المأكولات البحرية.. تاريخ ثقافي قديم وثروة اقتصادية واسعة

تميزت شعوب العالم عن بعضها بأطباقها الشعبية والتي تحددها المكونات الخاصة بها، وتتأثر بشكل مباشر بالموارد الطبيعية التي تملكها، ومع الانفتاح الكبير بين دول العالم أصبحت الأكلات التقليدية والشعبية وسيلة عصرية للاختلاط بالثقافات الأخرى والتعرف على هويتها من خلال وجبة من الطعام تحوي بداخلها الكثير من القصص التاريخية والعادات الاجتماعية، ومن أكثر المأكولات إثارة للاهتمام هي الأطعمة البحرية.
متى اكتشف الإنسان الثروة البحرية؟
تعرف العالم على المأكولات البحرية منذ العصر الحجري القديم، وهذا وفقًا لما كشفه علماء الآثار الذين وجدوا رسومات الأسماك على جدران الكهوف والقبور أو الوثائق البردية والتي دلتهم على أن معظم الناس وخاصة الصيادين الذين عاشوا بالقرب من البحار والمحيطات في تلك الفترة اعتمدوا على الأطعمة البحرية في غذائهم بشكل أساسي، ومثال على ذلك، عثور العلماء على وعاء من المحار يعود إلى حوالي 165 ألف سنة مضت، في السهل الجنوبي لجنوب أفريقيا.
شكلت هذه الثروة الغذائية جزءًا من تاريخ الحضارات القديمة، مثل الفرعونية واليونانية والصينية التي أخرجت أول كتاب عن تربية الأسماك للكاتب السياسي فان لي، وفي بعض البلدان كانت الأسماك تعتبر مثالًا للرفاهية أو العكس تمامًا، فقد اعتمدت شعوب أخرى على الأسماك لأنها كانت ملائمة أكثر لوضعها المادي والاجتماعي.
حجم الاستهلاك العالمي للأسماك
تعتبر الأطعمة البحرية من أكثر السلع الغذائية تداولًا في العالم، فهي تعد الوجبة الغذائية المناسبة للملايين من الناس في جميع أنحاء العالم، وهناك حوالي 3 مليار شخص في العالم يعتمد على الأسماك البحرية التي يتم صيدها أو استزراعها.
وهناك أكثر من 32 ألف نوع من الأسماك وأكثرها شعبية السلطعون والمحار وجراد البحر الذي كان معروفًا لدى الحضارة اليونانية والرومانية القديمة، وحظي بتقدير كبير من جهة الإنجليز حتى هذا اليوم. كما لاحظ العلماء تراجعًا ضخمًا في أعداد تسعة أنواع من الأسماك وبالتحديد على الأسماك التي يتم صيدها باستخدام شبكات كبيرة.
يوجود اتفاقيات دولية على حصص صيد الأسماك، فلا يجوز لصيادي الأسماك أن يصيدوا إلا الأسماك البالغة باستخدام شبكات ذات فتحات كبيرة حتى تستطيع الأسماك الصغيرة التسرب منها بسهولة.
ومن ناحية الاستهلاك، تعد دول آيسلندا واليابان والبرتغال من أكبر مستهلكي الأغذية البحرية في العالم، وحوالي نصف المأكولات البحرية التي يتم تناولها تأتي من المزارع البحرية أو ما يعرف بالاستزراع المائي وهي أسرع القطاعات الغذائية نموًا في العالم. واقتصاديًا، تبلغ قيمة صناعة الأسماك حوالي 200 مليار دولار سنويا، وتقترب حصتها من 18٪ من سوق اللحوم العالمية.
وتملك مهنة صيد الأسماك تأثيرًا سلبيًا على البيئة، فقد قدرت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة أن 85% من الثروة السمكية يتم استهدافها بشكل كامل، الأمر الذي قد يضر بالأنواع غير المستهدفة بشكل كبير، كما أنه يعد إفراط في الصيد، على الرغم من وجود اتفاقيات دولية على حصص صيد الأسماك، فلا يجوز لصيادي الأسماك أن يصيدوا إلا الأسمالك البالغة باستخدام شبكات ذات فتحات كبيرة حتى تستطيع الأسماك الصغيرة التسرب منها بسهولة.
ولحل هذه المشكلة يحاول الصندوق العالمي للحفاظ على الطبيعة أن يحمي هذه الثروة التي تعتبر مصدرًا للرزق وطريقة للحفاظ على الأمن الغذائي لبعض المجتمعات خاصة أن هناك ارتفاعًا متزايدًا في الطلب على الأسماك، بالوقت الذي تعاني فيه بعضها من أضرار النفايات والمضادات الحيوية والأمراض التي تؤثر على تنوعها الجيني و تكاثرها بشكل سليم.
ويتفاوت حجم مخلفات المأكولات البحرية في العالم ما بين 6 إلى 8 ملايين طن سنويًا، منها مليون ونصف طن في جنوب شرق آسيا فقط، مما يؤدي إلى زيادة التكاليف على الدول المتقدمة لتدويرها والعثور على حلول للتخلص منها بطريقة لا تضر بالبيئة.
أشهر أسواق المنتجات البحرية في العالم
سوق البليلي
أكبر أسواق السمك في صنعاء العاصمة، وله ثقل تجاري كبير فمنه يتم التصدير إلى تركيا والأردن وإثيوبيا ولبنان، وفيه حوالي 60 تاجر، ويستقبل يوميًا نحو 20 طنًا من الأسماك. وبحسب الإحصائيات، فإن عدد العاملين في القطاع السمكي يبلغ نحو 80 ألف صياد في اليمن، وينتجون 97% من كميات الإنتاج السمكي الذي يبلغ 200 ألف طن سنويًا، وهذات وفقا لصحيفة رأي اليوم.
سوق تسوكيجي للأسماك
يعتبر أكبر سوق لبيع الأسماك بالجملة في العالم، ويقع في العاصمة اليابانية طوكيو، ويحتوي على أكثر من 400 نوع من المنتجات البحرية، بداية من الأعشاب البحرية ونهاية بالكافيار، وتبلغ قيمة الأسماك فيه نحو 600 مليار ين ياباني، ويتراوح فيه عدد العمال ما بين 60 ألف إلى 65 ألف عامل ما بين بائع ومحاسب وحارس وموزع.
ويعود تاريخه إلى فترة “إيدو” وهي الاسم القديم لمدينة طوكيو والتي صاحبت فترة حكم أسرة توكوغاوا للبلاد، وكانت مهمة هذا السوق تزويد قلعة إيدو بما تحتاجه من الأسماك ومنتجاتها، أما الفائض منها فلقد كان يذهب للعامة من الناس.
سوق حلقة السمك
يعد من أقدم وأشهر أسواق السمك في محافظة الإسكندرية في مصر، وهو مركز حيوي وأساسي في تحديد أسعار المنتجات البحرية بمختلف أنواعها، ويقع في منطقة الجمرك بالأنفوشي، بني قبل 200 سنة، وتم ترميمه عام 1834، لكن عوامل التعرية أثرت بشكل واضح على معالمه والزخارف التي زينته من الخارج سابقًا.
وعند زيارته يمكن معرفة مصدر الرزق الأساسي لسكان هذا المكان، إذ تبدأ أصوات الباعة بالتعالي منذ بداية الصباح الباكر حتى نهاية اليوم، ويعتقد البعض أنه سمي بهذا الاسم نسبة إلى شكله الهندسي المستطيل، لكن الحقيقة أنه سمي بالحلقة بسبب تجمع التجارة والباعة الذي يأخذ شكل الحلقة حول طاولات الأسماك، مع العلم أن هناك سوق آخر باسم المنشية ويعود تاريخه لأواخر القرن السابع عشر لكن حلقة الأسماك هو السوق الرئيسي والأشهر للأسماك في مصر. ولسوء الحظ تشهد هذه الصناعة حالة من عدم الاستقرار بسبب الوضع الاقتصادي العام في مصر وبسبب ارتفاع أسعار المزارع السمكية.
وجدير بالذكر أن هذه الثروة البحرية تعتبر مصدر غذائي متنازع عليه، فالبلدان الغنية تحتكر مصائد الأسماك في سواحل الدول النامية وتستولي على أكثر أنواعها قيمة، مما يحرم البلدان الفقيرة من الحصول على نصيبهم.