بعد شهرين من فرض رئيس الوزراء الإسباني ماريانو راخوي الحكم المباشر على إقليم كتالونيا ردًا على “إعلان الاستقلال” من القوميين الكتالونيين، عاد دعاة الاستقلال إلى تصدر المشهد في الإقليم مجددًا، عقب فوزهم في الانتخابات البرلمانية المبكرة، الأمر الذي يهدد بمزيد من المواجهة بين برلمان الإقليم والحكومة الإسبانية المركزية.
الفوز بالأغلبية المطلقة
فازت الأحزاب القومية في إقليم كتالونيا الذي يسكنه نحو 7.5 مليون شخص بما يكفي من الأصوات، أول أمس الخميس، لاستعادة الأغلبية في برلمان الإقليم، وذلك بحصول قوائم الأحزاب الانفصالية الثلاث في الإقليم، على 70 مقعدًا من أصل 135 يتألف منها البرلمان المحلي، أي أكثر بمقعدين من الأغلبية المطلقة، في حين لم يحصل حزب “سيودادانوس”(المواطنين) المناهض لاستقلال الإقليم إلا على 37 مقعدًا فقط، وفقًا للنتائج الأولية المعلنة.
أكدت هذه النتائج المعلنة، الفوز السابق للقوميين بغالبية مقاعد البرلمان المحلي
وحصل ائتلاف “معًا من أجل كتالونيا” لزعيم الإقليم السابق كارليس بوتشديمون على 34 مقعدًا و”الجمهوريون اليساريون في كتالونيا” على 32 مقعدًا و”المرشحون من أجل الوحدة الشعبية” على 4 مقاعد، فيما حقق فرع حزب الشعب الإسباني بقيادة رئيس الوزراء الإسباني ماريانو راخوي أسوأ نتيجة في الانتخابات، وذلك بحصوله على ثلاث مقاعد فقط، مقابل 11 مقعدًا حصل عليها في انتخابات عام 2015، بينما ذهب 17 مقعدًا إلى الاشتراكيين.
وأكدت هذه النتائج المعلنة، الفوز السابق للقوميين بغالبية مقاعد البرلمان المحلي، حيث حصلوا في انتخابات سنة 2015 على 47.8% من الأصوات في انتخابات شهدت نسبة مشاركة كبيرة بلغت 74.95%، في حين بلغت نسبة المشاركة في الانتخابات الحاليّة 82%، محطمة كل الأرقام القياسية السابقة في تاريخ الإقليم، ويبلغ عدد المواطنين الذين يحق لهم الاقتراع 5.5 ملايين مواطن.
ويقع إقليم كتالونيا في أقصى شمالي شرق إسبانيا وتفصله جبال البرانس عن منطقة جنوب فرنسا التي يرتبط معها الإقليم بعلاقات وثيقة، وأغلب سكان الإقليم يعيشون في عاصمته برشلونة التي تمثل مركزًا اقتصاديًا وسياسيًا مهمًا، فضلًا عن أنها نقطة جذب سياحية تحظى بشعبية عالمية كبيرة.
“صفعة” لمدريد
هذه النتائج يفترض أن تسمح لرئيس الإقليم المقال كارلس بيغديمونت باستعادة قيادة الإقليم، بعدما كان قد رحل إلى منفى اختياري في العاصمة البلجيكية بروكسل في أكتوبر/تشرين الأول الماضي، حين عزل رئيس وزراء إسبانيا ماريانو راخوي حكومة الإقليم على خلفية تنظيمها استفتاء على الاستقلال ثم إعلان كتالونيا جمهورية مستقلة.
واعتبر رئيس الإقليم المقال فوز دعاة الاستقلال بالأغلبية المطلقة في برلمان الإقليم “انتصارًا لا جدال فيه”، ويمثل “صفعة” لمدريد، وجاءت هذه التصريحات خلال احتفال الزعيم الانفصالي بالفوز من منفاه الاختياري بالعاصمة البلجيكية بروكسل وسط مجموعة من الناشطين الكتالونيين ومؤيديهم من القوميين الفلامنديين البلجيكيين.
إلى جانب ذلك، دعا كارلس بيغديمونت رئيس الوزراء الإسباني إلى “تصحيح الوضع” في الإقليم، ودعا الزعيم الكتالوني ماريانو راخوي إلى لقاء في أي من دول الاتحاد الأوروبي إلا إسبانيا لإجراء مباحثات من دون شروط مسبقة.
وفرضت الحكومة المركزية في مدريد حكمًا مباشرًا على إقليم كتالونيا ودعت في شهر أكتوبر/تشرين أول الماضي لانتخابات مبكرة عقب الاستفتاء العام الذي أجري في الإقليم وجاءت نتيجته لصالح الاستقلال عن إسبانيا، واعتبرت السلطة المركزية في مدريد الاستفتاء غير دستوري.
وكان بيغديمونت قد دعا سابقًا إلى وساطة دولية، فيما أكد رئيس الحكومة الإسبانية ماريانو راخوي أنه من غير الوارد الدخول في أي حوار ما لم يتراجع القادة الانفصاليون في كتالونيا عن نيتهم في إعلان الاستقلال، وكان بوجديمون قد قال سابقًا إنه لا يخطط لانفصال “صادم” مع إسبانيا، بل يرغب في تفاهم جديد مع الحكومة المركزية في مدريد.
فوز جديد لدعاة “الانفصال”
وتعتمد إسبانيا نظامًا غير مركزي، إذ يمنح الدستور الذي أقر عام 1978 الأقاليم الـ17 في البلاد والمعروفة بـ”المناطق المستقلة” سلطات واسعة في مجالات كالصحة والتعليم، لكنه ينص على ضمانات تتيح للحكومة المركزية التدخل مباشرة في شؤون إحدى هذه المناطق عند مرورها بأزمة.
توتر متصاعد
عقب إعلان النتائج، سادت حالة من التوتر والترقب في مختلف مدن إسبانيا لما سيؤول إليه الوضع في هذا البلد الأوروبي الذي يعيش على وقع أزمة اقتصادية، ويراهن القوميون في كتالونيا على دعم مئات الآلاف من المواطنين الكتالونيين الذين يشعرون بأن مدريد تعاملهم بازدراء منذ أعوام عدة، ويطالبون بضرورة الانفصال عن إسبانيا.
وتعقيبًا على هذه النتائج، قال رئيس الحكومة الإسبانية ماريانو راخوي إن الحكومة الكتالونية المزمع تشكيلها يجب أن تخضع لسيادة القانون مهما كان من يشكلها، مؤكدًا أن الانتخابات أظهرت حجم الانقسام في المجتمع الكتالوني، وأضاف رئيس الوزراء الإسباني أنه يترقب انطلاق مرحلة جديدة في إقليم كتالونيا تكون مبنية على الحوار، مؤكدًا استعداده للحوار مع القادة الجدد للإقليم، وشدد على أن حكومته لن تقبل أي تحركات تنتهك أحكام الدستور الإسباني.
بلغت النزعة الانفصالية بالإقليم ذروتها في العام 2013 بعد أن بدأت الحملة الانفصالية عام 2012 بالمطالبة بتنظيم استفتاء
وكثيرًا ما أكدت مدريد رفضها انفصال الإقليم، مؤكدة أنها لن تسمح بانفصال كتالونيا حتى لو استدعى ذلك تدخلاً عسكريًا، حيث يمثل الإقليم بالنسبة لها أهمية كبيرة، إذ يمثل خُمس الاقتصاد الإسباني باحتوائه على كبرى الشركات الإسبانية المصدرة مثل السيارات والأجهزة الإلكترونية، وتحتل كتالونيا المرتبة الرابعة من إجمالي الناتج المحلي للفرد الذي يصل إلى نحو 33.600 دولار.
وبلغت النزعة الانفصالية بالإقليم ذروتها في العام 2013 بعد أن بدأت الحملة الانفصالية عام 2012 بالمطالبة بتنظيم استفتاء على غرار الاستفتاءين على سيادة “كيبك” كبرى المقاطعات الكندية في عامي (1980 و1995)، كما تجددت حملة المطالبة باستفتاء الانفصال مع اقتراب استفتاء إسكتلندا على استقلالها عن بريطانيا سنة 2014، وقد قوبلت هذه المطالبات جميعها بالرفض من الحكومة المركزية في مدريد.
رفض أوروبي
الاتحاد الأوروبي من جهته يصر على موقفه الرافض لاستقلال إقليم كتالونيا عن إسبانيا، حيث أكدت المفوضية الأوروبية أن الانتخابات التي جرت أول أمس في الإقليم الإسباني وفاز فيها الانفصاليون بالأغلبية “لن تغير” موقف الاتحاد من هذه المسألة.
الاتحاد الأوروبي يخشى من تداعيات هذه الأزمة على بلدانه
وقال المتحدث باسم المفوضية ألكسندر وينترشتاين: “موقفنا من مسألة كتالونيا معروف جيدًا ونكرره باستمرار وعلى جميع المستويات وهو لن يتغير”، مؤكدًا أن الانتخابات محلية ولن يتم التعليق عليها، ويمتنع الاتحاد الأوروبي في العادة عن التعليق على أي نزاع سياسي داخلي في أي من دوله الأعضاء، ومنذ بدء الأزمة الكتالونية، عبر الاتحاد الأوروبي عن دعمه القوي لحكومة مدريد تحت شعار “احترام الدستور الإسباني”، وهو الدستور الذي يضمن وحدة الأراضي الإسبانية.
وتخشى دول الاتحاد الأوروبي من أن يشجع “انفصال” إقليم كتالونيا إن حدث، أقاليم أخرى على الانفصال في أنحاء مختلفة من القارة العجوز، وما زال الاتحاد يعاني من تداعيات “بريكسيت” خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي والخلافات بين الطرفين بشأن شكل الخروج وعلاقة بريطانيا بالاتحاد والتسوية المالية للانفصال ومصير الأوروبيين المقيمين في بريطانيا وأمور أخرى.