“كل التونسيات ممنوعات من دخول دولة الإمارات العربية المتحدة بقرار من الحكومة الإماراتية، وعلى شركات الطيران منع التونسيات من دخول الإمارات والالتزام بهذا القرار وتطبيقه”.. حالة من الجدل أثارتها تلك التعليمات الصادرة عن مركز الاستعلام المبكر عن معلومات المسافرين في تونس،أمس الجمعة، في خطوة وصفها البعض بـ “الصادمة”.
القرار المفاجئ وإن تم التراجع عنه بعد ذلك إلا أنه أحدث موجة من الارتباك والغضب داخل الشارع التونسي، دفع البعض إلى المطالبة بالمعاملة بالمثل ردًا على هذه الخطوة التي تعاطت معها بعض المصادر الدبلوماسية كونها “إهانة للسيادة التونسية تستوجب الرد”
ورغم أن قرار كهذا لم يكن الأول من نوعه، فقد سبقه تجارب مماثلة، آخرها قبل عامين، حين منعت الحكومة الإماراتية إصدار أي تأشيرات للتونسيين، تراجعت عنها في فبراير/شباط بافتتاح قسم قنصلي خاص بالتأشيرة بسفارة الإمارات في تونس، إلا أن واقعة الأمس لها دلالات أخرى – بعضها يتجاوز مسألة الخلافات بين الدولتين- ولعل هذا ما أعطاها هذا الزخم، إعلاميًا وسياسيًا.
لدواعي أمنية
حالة الارتباك التي شهدها مطار قرطاج الدولي عقب قرار شركة طيران الإمارات دفع رئيس الحكومة التونسي، يوسف الشاهد، إلى استدعاء سفير أبو ظبي لدى بلاده، سالم عيسى القطام الزعابي، لاستيضاح الأمر بشأن هذا القرار المفاجئ الذي أثار استياء وغضب الشارع التونسي برمته.
المصادر الحكومية وفق ما سربته بعد ذلك كشفت أن قرار المنع جاء بسبب إخطار أمني وصل لشركة الطيران الإماراتية، وهو نفس ما أشارت إليه وزارة الخارجية التونسية نقلا عن السفير الإماراتي بأن السبب كان “أمنيا وظرفيا”، ومن ثم تم التراجع عنه بعد ساعات قليلة من إصداره.
من جانبها أفادت وكالة أنباء تونس بأن الشركة الإماراتية تراجعت عن قرارها ، حيث قررت السماح لكل التونسيات المتجهات إلى الإمارات سواء مع عائلاتهن أو بمفردهن بالسفر على متن طائراتها.
خلفية سياسية
يبدوا أن الدواعي الأمنية التي ساقتها أبو ظبي لتبرير قرارها لم يقنع الكثيرين من المراقبين للمشهد، وهو ما صعد من لهجة البعض بضرورة المعاملة بالمثل على أقل تقدير، وهو ما جاء على لسان مدير إدارة الإعلام بوزارة الخارجية التونسية، بوراوي لمام، الذي قال في تصريحات له “إن الوزارة تفاجأت بهذا القرار، وطلبت توضيحات بخصوصه من سفير الإمارات في تونس، ومن سفير تونس في أبو ظبي”، مؤكدا أنه في حال تأكيده، فإن “تونس ستتعامل معه بما يحفظ كرامة التونسيين”.
غير أن أمين عام حزب حراك تونس الإرادة، عماد الدايمي، ذهب في تفسيره لهذه الخطوة إلى ما هو أبعد من مسألة الكرامة وسمعة التونسيات، إذ طالب الحكومة “بالرد على هذا القرار بقرار دبلوماسي مقابل” مشيرًا أنه من الواضح “أن أهداف القرار الضغط على تونس في القضايا العربية بصفة عامة”، فيما اعتبر النائب عن حزب حركة النهضة، ماهر مذيوب، قرار الإمارات “سيادي لكنه مؤسف” مطالبًا القنوات الدبلوماسية بمعالجة الأمر، بزعم “كفى إشعالا للنيران”.. على حد قوله.
بعض المواقع الإخبارية التونسية تداولت أنّ القرار الإماراتي أتى ردا على ترحيل السلطات التونسية مؤخّرا لأربعة إماراتيين بصدد صيد طائر “الحبارى” في عمق صحراء ولاية تطاوين جنوب تونس، مخالفين للقوانين الجاري بها العمل في حماية هذا الطائر، غير أن أحد أوجه استغراب هذا القرار الذي أثار الكثير من علامات الاستفهام أنه اختص السيدات وحدهن دون الرجال بالمنع من دخول الإمارات، ومن هنا كان السؤال الأكثر انتشارًا على ألسنة الجميع: لماذا التونسيات؟
هناك من أعتبر هذه الخطوة إهانة غير مقبولة للمرأة التونسية تحمل دلالات عنصرية وانتهاكات حقوقية كذا إشارات تسيء للتونسيات بصفة عامة وتواجدهم في دولة كالإمارات على سبيل المثال، في مقابل من تعاطى معها بصورة مختلفة، مطالبًا بالعودة خطوة للخلف وتوسيع كادر المشهد ليضم بداخله تبني المرأة التونسية -دون نساء العرب- من خلال بعض الفعاليات، حملة للتصدي لقرار ترامب الأخير ودعم القضية الفلسطينية، ربما أثارت حفيظة الإماراتيين بصورة كبيرة.. لذا جاء الرد على وجه السرعة.
المصادر الحكومية وفق ما سربته بعد ذلك كشفت أن قرار المنع جاء بسبب إخطار أمني وصل لشركة الطيران الإماراتية، وهو نفس ما أشارت إليه وزارة الخارجية التونسية
تونسيات ضد التطبيع
بمبادرة من الموقع الإلكتروني لمجلة “ميم” التونسية، وردًا على قرار الاعتراف الأمريكي بالقدس كعاصمة لدولة الاحتلال، تم تدشين حملة لمواجهة التطبيع مع الكيان الصهيوني، جاءت تحت عنوان “عربيات ضد التطبيع” استهدفت نساء العرب في كل حدب وصوب من أجل توصيل رسالة عالمية برفض التعامل مع الكيان الصهيوني.
الحملة هدفت إلى “التصدي لمساعي تزييف الوعي العربي وتحمل المسؤوليات الكاملة في الدفاع عن فلسطين في ظل التخاذل الرسمي العربي المقيت” حسبما جاء في البيان الصادر عن رئيسة تحرير المجلة، سمية الغنوشي، التي أوضحت أن مبادرتها تهدف كذلك إلى “تعبئة الطاقات النسوية في مختلف مواقع العالم العربي في مواجهة مشروع التطبيع، خاصة مع اتجاه بعض الدول العربية إلى إقامة علاقات سرية ومعلنة مع دولة الاحتلال ومحاولة تشويه حقائق التاريخ والجغرافيا لتصفية القضية الفلسطينية، بزعم وجود مخاطر وتحديات أخرى أكثر أهمية وأولوية”
البيان تطرق إلى توجيه عدة اتهامات للحكام العرب بالتخاذل عن مسئولياتهم تجاه القضية الفلسطينية، حيث كتبت تقول: “في محاولة لحرف الصراع عن وجهته الصحيحة، يتجه النظام الرسمي العربي إلى التخلص من كل التزاماته الوطنية والقومية بإعادة ترتيب سلم الأولويات وتحديد الأعداء، حتى غدت قضية فلسطين والقدس في أسفل أجندة الاهتمام”
معسكر الاعتدال كما وصفته الغنوشي في بيانها سعى إلى استغلال المرأة في التطبيع من خلال ما أسمته “مواراة مساره التطبيعي” خلف واجهة من الانفتاح الثقافي والفني، و”محاولة استغلال وضعية المرأة بعدما تم تغييبها وحجبها عن الحياة العامة بتوجهات دينية متشددة كانت تستميت في فرضها على العالم الإسلامي”.
كما تطرق إلى استنكار التجاهل الرسمي لقضية فلسطين والقدس في الاجتماعات الرسمية للحكام والوزراء العرب وتصدير (الخطر الإيراني) في التصريحات الرسمية، ومن ثم “لم يجد الشارع العربي بدًا من التحرك كي يعيد البوصلة إلى وجهتها السليمة باتجاه فلسطين والقدس، ونحو العدو الحقيقي، وليس المتوهم: أي الاحتلال الذي يلتهم الأرض ويفرض الاستيطان ويهود القدس”
أحد أوجه استغراب هذا القرار الذي أثار الكثير من علامات الاستفهام أنه اختص السيدات وحدهن دون الرجال بالمنع من دخول الإمارات، ومن هنا كان السؤال الأكثر انتشارًا على ألسنة الجميع: لماذا التونسيات؟
الغنوشي لم تعمم الإدانة بالتطبيع عربيًا فحسب بل خصت دول الخليج بالنصيب الأكبر منها، وذلك حين تابعت ” الأدهى من كل ذلك انخراط بعض الدول العربية، وخاصة الخليجية منها، في نسج علاقات سياسية واقتصادية وثقافية بادية وخفية مع دولة الاحتلال الإسرائيلي”.. وهذا ما تسبب – وفق البعض – في إزعاج الإماراتيين بصورة كبيرة.
النجاح الذي حققته حملة “عربيات ضد التطبيع” في ظل التجاوب الكبير معها على مواقع التواصل الاجتماعي، دفع التونسيين إلى تكرارها مرة أخرى في محاولة لإحداث حالة من الزخم العربي مع قضية القدس ودحض قرار الرئيس الأمريكي، ومن ثم جاء الإعلان عن مبادرة “توانسة ضد التطبيع“
“توانسة ضد التطبيع” مبادرة تهدف إلى جمع مليون توقيع على عريضة ترفض التطبيع وتجرمه في محاولة للضغط على البرلمان والحكومة للتعاطي مع القضية بصورة أكثر قوة.
المبادرة طالبت بضرورة سن قانون يجرم التطبيع بكل أشكاله، ويعتبر الصهيونية حركة عنصرية نازية معادية للإنسانية، معتبرة أن هذا أقل شيء يمكن تقديمه لمن ضحوا بأرواحهم فداء لقضيتهم، مشددة على التطبيع لا يمكنه إلا أن يقود إلا لمزيد من تفكك البني الاجتماعية والاقتصادية واستهداف الشباب، وأن خيار المقاومة هو الخيار الوحيد في هذه المرحلة مجددة التأكيد على أن ” ما أخذ بالقوة لا يسترد إلا بالقوة”.
نجاح كبير حققته حملة “عربيات ضد التطبيع”
موقف حرج
الاتهامات التي سيقت بشأن انخراط بعض الأنظمة الخليجية في نسج علاقات مع تل أبيب من جانب، في مقابل تراجع زخم قضية القدس في أعقاب قرار ترامب لدى الشارع الخليجي لاسيما السعودي والإماراتي، ربما وضع الأخير في موقف حرج وهو ما دفعه للانتقام حسبما ألمح البعض.
مبعث حرج هذه الوضعية الإماراتية التي دفعتها إلى الرد بمنع التونسيات من دخول أراضيها يعود إلى ما تحمله من تناقض واضع تكشفه القفزات السريعة التي تقفزها أبو ظبي نحو التطبيع وتفعيل سبل التعاون في شتى المجالات مع دولة الاحتلال.
“إذا نحينا اغتيال المبحوح جانبًا، فإن أوثق العلاقات الإسرائيلية في منطقة الخليج هي مع دولة الإمارات العربية المتحدة”.. هذا ما قاله مدير برنامج سياسات الخليج في معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى، سايمون هندرسون، تعليقًا على العلاقات الإسرائيلية الإماراتية.
سمية الغنوشي: الأدهى من كل ذلك انخراط بعض الدول العربية، وخاصة الخليجية منها، في نسج علاقات سياسية واقتصادية وثقافية بادية وخفية مع دولة الاحتلال الإسرائيلي
فمنذ عام 2010 على وجه التهديد يسير قطار التطبيع الإماراتي الإسرائيلي بخطوات متقدمة، يوما تلو الآخر، كما يتبادل المسئولون الإسرائيليون والإماراتيون الزيارات السرية، كان آخرها ما أكدته صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية بأن “نتنياهو” اجتمع سرًّا، في سبتمبر (أيلول) 2012، في نيويورك مع وزير الخارجية الإماراتي، عبد الله بن زايد، بواسطة سفير الإمارات في واشنطن.
هذا بخلاف ما كشف عنه موقع “ويكيليكس “وفق ما نقله موقع “ميدل إيست مونيتور” نقلا عن عراب التطبيع، يوسف العتيبة، سفير الإمارات المثير للجدل في واشنطن، كذا تسريبات البريد الالكتروني الخاص به التي نشرتها صحيفة “انترسبت” الأمريكية.
وعلى أي حال فإن قرار منع التونسيات من دخول الأراضي الإماراتية – وإن تم التراجع عنه – إلا أنه يعد سقطة لا تغتفر، فتحت باب التكهنات بصورة كبيرة ليتسع القوس للعديد من التفسيرات التي قد يتعلق بعضها بقضايا قومية وأخرى مجتمعية، جميعها يحمل أصابع الاتهام لأبناء زايد وتوجهاتهم الإقليمية.