ترجمة وتحرير: نون بوست
خلال مؤتمر صحفي عقد الأسبوع الماضي، للإعلان عن نهاية جولة أخرى من مفاوضات السلام العقيمة التي تجري في جنيف، عرض مبعوث الأمم المتحدة لسوريا خريطة ملونة تظهر تقسيم السيطرة الميدانية في هذا البلد الذي مزقته الحرب الأهلية.
في الواقع، تعكس هذه الخريطة المرمّزة بالألوان، التي عرضها بكل إحباط وأسف ستيفان دي مستورا، الوضع الحقيقي في سوريا اليوم. فقد بات هذا البلد مجرد مجموعة من الجيوب المنقسمة والمتقاتلة، يسيطر على كل واحد منها خليط من المقاتلين المحليين والقوى الأجنبية، التي قامت بالتدخل في الحرب الأهلية الدائرة لتحقيق أهدافها ومصالحها.
بعد مرور حوالي سبع سنوات على اندلاع هذا الصراع، قد يبدو للوهلة الأولى أن حدة المعارك بدأت بالتراجع، ويعزى ذلك في معظمه إلى انتصار نظام الأسد المدعوم من قبل روسيا، وعقد هدنات على نطاق محلي بهدف تثبيت خطوط المواجهة.
ما يؤكد هذا الانطباع بشكل خاص هو وجود بشار الأسد في السلطة، فعلى الرغم من تعرضه للكثير من الهزات والخسائر، إلا أنه تمكن من النجاة في هذا الصراع، وبات الآن يتحدث أريحية أكثر من أي وقت مضى منذ اندلاع الثورة ضد نظامه في آذار/ مارس من سنة 2011. كما أن الحرب ضد تنظيم الدولة، الذي كان في إحدى مراحل الصراع يسيطر على ثلث مناطق البلاد، قد شارفت الآن على النهاية، بعد أن أعلنت كل من روسيا والولايات المتحدة عن نجاحهما في مهمة دحر هذا التنظيم المتشدد.
يبدو أن الصراع السوري سوف يواصل نزيفه خلال سنة 2018 وحتى بعدها، باعتبار أن العديد من المؤشرات توحي باندلاع صراعات ومواجهات جديدة
لكن رغم هذه الانطباعات، لا تزال سوريا عالقة في الفوضى، وعلى الأرجح أن هذا الصراع المسلح سوف يتواصل على المدى المنظور؛ فرغم تكثيف الجهود الدبلوماسية، لا تبدو الأطراف المتنازعة أكثر قربا للتوصل لاتفاق سلام مما كانت عليه في سنة 2012، عندما تم عقد أول جولة لمحادثات السلام في سويسرا.
بناء على ذلك، من المتوقع أن الأسد لن يتنحى عن الحكم بشكل طوعي، وسوف يبقى في منصبه إلى حلول سنة 2021، وهو موعد نهاية فترته الرئاسية الثانية. أما المعارضة، التي تعاني من الضعف ولكنها لا تزال موجودة، فلم تتخل بشكل نهائي عن هدفها المتمثل في إسقاط النظام بالقوة العسكرية. وبينما تتواصل المعارك الضارية ببعض المناطق، تتكشّف يوما بعد يوم مظاهر الكارثة الإنسانية في المنطقة التي تحاصرها قوات النظام، على مقربة من العاصمة دمشق.
نتيجة لذلك، ربما تنتقل الحرب إلى مرحلة جديدة أكثر هدوء وأقل عنفا، ولكن يبدو أن الصراع السوري سوف يواصل نزيفه خلال سنة 2018 وحتى بعدها، باعتبار أن العديد من المؤشرات توحي باندلاع صراعات ومواجهات جديدة.
الحقائق العسكرية
بفضل التدخل العسكري الروسي، نجحت قوات النظام السوري في استعادة السيطرة على مساحات واسعة كانت تسيطر عليها فصائل المعارضة ومقاتلو تنظيم الدولة، من بينها مدن رئيسية مثل حمص، وحلب، ومؤخرا مدينة دير الزور. وخلال الشهر الجاري، دخلت قوات النظام لأول مرة منذ سنوات مدينة إدلب في شمال سوريا، التي كان يسيطر عليها الثوار. أما فكرة إسقاط الأسد بالقوة العسكرية، التي بدت في المتناول قبل سنتين، فيبدو أنه تم استبعادها الآن، وحتى أشرس معارضي النظام تخلوا عن هذا الهدف.
وصف الرئيس السوري الأكراد بأنهم “خونة”، لأنهم تعاونوا مع دولة أجنبية
في المقابل، هناك حدود للنجاحات العسكرية لقوات النظام، على الرغم من الدعم الكبير الذي تتلقاه من حلفائها الخارجيين، إيران وروسيا، حيث أن الأسد على الأرجح لن ينجح في تحقيق سيطرة كاملة على كامل البلاد. ففي الواقع، لا يزال حوالي نصف الأراضي السورية خارج نطاق سيطرته، وستندلع دوامة من العنف وسفك الدماء إذا تحرك لإحكام قبضته على هذه المناطق، وخاصة منطقة الغوطة الشرقية التي تسيطر عليها المعارضة، وشمال محافظة إدلب الذي يسيطر عليه مسلحون تابعون لتنظيم القاعدة.
أما أكراد سوريا في الشمال، فقد نجحوا هم أيضا في الحصول على منطقة يمارسون فيها ما يشبه الحكم الذاتي، تبلغ مساحتها بحسب التقديرات حوالي ربع البلاد. ومن المحتمل أن يسعى الأسد لإعادة فرض وجوده في تلك المنطقة في مراحل قادمة.
خلال هذا الأسبوع، وصف الرئيس السوري الأكراد بأنهم “خونة”، لأنهم تعاونوا مع دولة أجنبية. فقد تبين أن فصيلا مسلحا يتألف في معظمه من الأكراد، ويعرف باسم “قوات سوريا الديمقراطية”، يحظى بدعم جوي وميداني من القوات الأمريكية، ونجح في تطهير مناطق واسعة من وجود مقاتلي تنظيم الدولة في شمال البلاد، من ضمنها مدينة الرقة، التي كان التنظيم في وقت سابق قد أعلنها عاصمة له.
من العلامات الأخرى التي تدعو لعدم التفاؤل أيضا في سوريا، الحضور الأمريكي، فعلى الرغم من اقتراب المعركة ضد تنظيم الدولة من نهايتها، فإن واشنطن أعلنت أنها ستبقي على قواتها في سوريا إلى حين التوصل إلى اتفاق سلام شامل.
ربما يكون الأسد قد حافظ على منصبه، ولكن حالة الدمار التي تعرضت لها البلاد تتجاوز حدود المعقول
ضياع السيادة
على إثر الزيارة القصيرة التي أداها الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، إلى قاعدة جوية روسية في سوريا، التقى خلالها ببشار الأسد، انتشر مقطع فيديو على شبكة الإنترنت يبرز اللحظة التي قام فيها الجنرال الروسي بمسك الأسد من ذراعه، ومنعه من التقدم للالتحاق ببوتين. ربما قد تكون هذه الحركة ودية، ولكن بالنسبة للعديد من المراقبين للوضع السوري، فإن تلك الحادثة مثلت انعكاسا صارخا لحالة المديونية التي يعيشها الأسد تجاه بوتين، ومدى تخلي رئيس النظام السوري عن سيادة بلاده من أجل البقاء في السلطة. كما أظهرت زيارة إعلان الانتصار التي أداها بوتين، وضعه الحقيقي كقائد منتصر يصدر الأحكام في كل ما يخص سوريا.
في الوقت الراهن، يسيطر الرئيس الروسي على المسار العسكري وكذلك السياسي، بعد أن نجح في تحييد الأنظار عن محادثات السلام التي ترعاها الأمم المتحدة في جنيف، وتحويلها إلى محادثات أستانا التي تشرف عليها موسكو في كازاخستان، حيث تم خلالها تحديد مناطق الصراع الأربع في سوريا. كما تم أيضا عقد قمة ثلاثية، في منتجع سوتشي على ضفاف البحر الأسود، جمعت قادة روسيا، وتركيا وإيران.
بينما يتعهد الأسد باستعادة السيطرة على كل شبر من البلاد، ينظر إليه الآخرون على أنه أصبح في تبعية تامة لروسيا وإيران، التي قامت هي أيضا بتدعيم قواته عبر إرسال الآلاف من المليشيات الشيعية، من بينها حزب الله اللبناني، الذي ينتشر مقاتلوه الآن في عدة أنحاء من سوريا.
يعاني ملايين اللاجئين السوريين من التشرد في أنحاء العالم، بعد أن تعرض حوالي نصف مليون سوري للقتل أثناء الحرب
انتصار مكلف
ربما يكون الأسد قد حافظ على منصبه، ولكن حالة الدمار التي تعرضت لها البلاد تتجاوز حدود المعقول. فدون أدنى شك، كانت الانتصارات التي حققها على أرض الميدان مكلفة جدا، لذلك سيكون من الصعب، إن لم نقل مستحيلا، أن يستعيد نظام الأسد شرعية الدولة في المناطق التي عاد إليها، خاصة وأنه لا يمتلك الموارد لإعادة إعمار ما تم تدميره.
إلى جانب ذلك، هناك حاجة لجهود ضخمة جدا من أجل إعادة إعمار المدن المدمرة، على غرار حمص وحلب والرقة، التي تعرضت للتدمير بالكامل، فضلا عن عدد كبير من البلدات والقرى التي يجب إعادة بنائها من الصفر. كما أن البنية التحتية الصحية في سوريا تعرضت لضرر بالغ، فيما يعاني الاقتصاد أيضا من حالة انهيار. ولكن ما دام الأسد متشبثا بالسلطة، فإن الدول الغربية على الأرجح لن تقبل بتمويل إعادة إعمار سوريا. وفي الأثناء، يعاني ملايين اللاجئين السوريين من التشرد في أنحاء العالم، بعد أن تعرض حوالي نصف مليون سوري للقتل أثناء الحرب.
حيال هذا الشأن، ذكرت أستاذة الاتصال في جامعة ميامي، رولا جبريل، أن “الأسد لم ينجح في تحقيق سيطرة دائمة على البلاد، لذلك فإن المواجهات على الأرجح ستتواصل حتى يحقق السوريون الحرية، والمشاركة السياسية والعدالة الاجتماعية”. كما قالت هذه الأستاذة في تحليل نشره مؤخرا مركز كارنجي لدراسات الشرق الأوسط، “لقد فاز الأسد بالحرب الإستراتيجية، إلا أن هذا الانتصار كان مكلفا ولا شيء من الوضع الراهن يوحي بتحقيق الاستقرار أو السلام”.
المصدر: أسوشيتد برس