يسعى الرئيس الفلسطيني محمود عباس جاهدًا إلى إقامة تحالف عربي وإسلامي قوي مساند للخطوات التي ينوي اتخاذها خلال الفترة المقبلة، بعد أن قلب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الطاولة على رأس الجميع، ووضع حدًا صارمًا لمسيرة تسوية عقيمة استمرت 23 عامًا دون أي نتائج.
الرئيس الفلسطيني يعلم تمامًا أن الكثير من الدول العربية استغنت عنه أو باللغة العامية “باعته” ونفضت يدها عن القضية الفلسطينية، خوفًا من العقاب الأمريكي لها في حال ساندته بأي خطوة ضد واشنطن، لكنه يحاول أن يتمسك بأي أمل يمكن أن يوقف الغضب الشعبي أو على الأقل يخففه تجاه مواقفه “السلبية” التي لم تخرج عن إطار التهديد لا أكثر في ظل أعظم تهديد يواجه عاصمة الدولة الفلسطينية القدس.
فور إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب القدس عاصمة لدولة “إسرائيل”، وتوقيعه قرار نقل السفارة الأمريكية إليها، أجرى عباس العديد من الاتصالات والزيارات للدول العربية والإسلامية والأجنبية، وكان آخرها للعاصمة السعودية الرياض للتباحث في الخطوات العملية للرد على تهديد ترامب.
الرسالة الأخيرة
وبحسب معلومات خاصة حصلنا عليها، فإن الرئيس عباس سلم العاهل السعودي خلال لقائه في الرياض رسالة مهمة تتعلق بطبيعة المتغيرات التي ستطرأ على المنطقة والخطوات التي تنوي القيادة الفلسطينية اتخاذها خلال الفترة المقبلة وقد تبدأ عمليًا مطلع العام المقبل.
138 دولة صوتت في نهاية العام 2012 على عضوية فلسطين في الأمم المتحدة كدولة مراقبة
وتشير المعلومات المتوفرة من الرسالة أن عباس أبلغ العاهل السعودي بأنه لن يقف مكتوف اليدين، وسيبدأ بخطوات عملية ضد “إسرائيل” تتمثل في استكمال عضوية فلسطين في المحافل الدولية لتمكين مكانتها الدولية، وتقديم كل الملفات التي تدين “إسرائيل” في محكمة الجنايات على الجرائم التي ترتكب بحق شعبنا ومنها الاستيطان.
وأوضحت تلك المعلومات أن عباس هدد كذلك بقلب الطاولة على الجميع وكشف المستور وكل الدول العربية التي تساند وتدعم توجهات ترامب السياسية الجديدة في المنطقة وتحاول تنفيذها رغم تأثيرها سلبًا على القضايا الفلسطينية العالقة وعلى رأسها القدس واللاجئين والحدود.
وكشفت مصادر رفيعة المستوى في السلطة الفلسطينية، أن عباس حتى هذه اللحظة لم يتلق أي ضوء أخضر من الدول العربية بتنفيذ الخطة التي وضعها للتعامل مع المرحلة المقبلة في ظل التهديد الأمريكي والإسرائيلي.
وذكرت أن الدول العربية بما فيهم مصر والسعودية طالبتا عباس بـ”عدم التهور”، والتريث في انتظار “صفقة القرن” المنتظرة التي تنوي الإدارة الأمريكية طرحها رسميًا، رغم قرار الاعتراف بالقدس عاصمة لـ”إسرائيل”.
الرئيس الفلسطيني محمود عباس، أعلن الاثنين الماضي عن التوقيع على اتفاقيات ومعاهدات للانضمام إلى 22 منظمة دولية. جاء ذلك بكلمة له في مستهل اجتماع موسع للقيادة الفلسطينية ضم 50 من أعضاء اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير واللجنة المركزية لحركة فتح وأمناء الفصائل وقادة الأجهزة الأمنية ورئيس الوزراء، لبحث القرار الأمريكي بشأن القدس، في مقر الرئاسة بمدينة رام الله، وسط الضفة الغربية.
“الرد المصري على مطالبات عباس كان باردًا للغاية، بل إن الرئيس المصري حاول أن يضغط على الرئيس الفلسطيني وطالبه بالتريث وعدم اتخاذ أي خطوات سياسية أو دبلوماسية يندم عليها مستقبلًا
وقال عباس إنه وقع على اتفاقيات ومعاهدات للانضمام إلى 22 منظمة دولية، مشيرًا إلى أنه سيتم نشر أسماء هذه المنظمات عبر وزارة الخارجية الفلسطينية، في وقت لاحق (لم يحدده).
وأضاف: “سيتم التوقيع على 22 أو 26 اتفاقية ومعاهدة بشكل أسبوعي، تنضم فلسطين بموجبها لمنظمات دولية أخرى”، مشيرًا إلى أنه سيتم تشكيل لجنة فلسطينية لدراسة الانضمام لمئات المنظمات الدولية خلال الفترة القادمة.
وشدد على أن القيادة الفلسطينية ستتخذ إجراءات سياسية ودبلوماسية ضد قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الاعتراف بمدينة القدس المحتلة عاصمة لـ”إسرائيل”، وكانت 138 دولة قد صوتت في نهاية العام 2012 على عضوية فلسطين في الأمم المتحدة كدولة مراقبة.
واعتبر الرئيس الفلسطيني أن الولايات المتحدة لم تعد وسيطًا نزيهًا للسلام، وأنها باتت تقف في موقف “إسرائيل”، مضيفًا: “أمريكا تتبنى العمل الصهيوني”. يأتي ذلك بعد إعلان الرئيس الأمريكي، في 6 من ديسمبر الحاليّ، الاعتراف رسميًا بالقدس (بشقيها الشرقي والغربي) عاصمة لـ”إسرائيل”، والبدء بنقل سفارة بلاده إلى المدينة المحتلة، وأثار قرار ترامب حالة من الغضب العربي والإسلامي، وسط قلق وتحذيرات دولية.
ضغوطات عربية
إلى ذلك، فقد فشلت القمة الثلاثية التي عُقدت في العاصمة المصرية القاهرة، وجمعت الرئيس عباس ونظيره الأردني الملك عبد الله الثاني وعبد الفتاح السيسي، قبل أسبوع تقريبًا في التوصل لأي اتفاق واضح للتعامل مع المرحلة المقبلة بعد قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
وكشف مسؤول في وزارة الخارجية المصرية أن لقاء القمة الثلاثية في القاهرة تخلله الكثير من الخلافات بين الرؤساء عن سبل مواجهة قرارات ترامب بصورة جادة وعملية على أرض الواقع بعيدًا عن بيانات الإدانة والاستنكار.
المسؤول المصري قال إن “الرئيس عباس يعلم جيدًا خطورة الموقف، وطالب نظيره المصري والملك الأردني باتخاذ خطوات ومواقف أكثر تأثيرًا، وأن تكون صارمة وجادة ضد إدارة ترامب، على خلفية قراره الأخير بشأن الاعتراف بالقدس عاصمة لـ”إسرائيل” ونقل سفارة بلاده إليها”.
وأضاف المسؤول: “الرد المصري على مطالبات عباس كان باردًا للغاية، بل إن الرئيس المصري حاول أن يضغط على الرئيس الفلسطيني وطالبه بالتريث وعدم اتخاذ أي خطوات سياسية أو دبلوماسية يندم عليها مستقبلًا ومن شأنها أن تعمق الأزمة القائمة مع واشنطن بشكل أكبر”.
الرئيس المصري دعا في الوقت نفسه الرئيس الفلسطيني لعدم التصعيد في الوقت الراهن مع واشنطن وعدم تنفيذ قرار قطع العلاقات معها وإعطاء فرصة جديدة للإدارة الأمريكية لعرض مبادراتها السياسية الجديدة ومعرفة ملامحها، رغم قراره “الصادم” بشأن القدس، بحسب المصدر.
ولفت المسؤول في وزارة الخارجية المصرية إلى أن كل مطالبات عباس بوقوف الأردن ومصر معه في كل الخطوات التي ينوي اتخاذها ضد إدارة ترامب محليًا وعربيًا ودوليًا قد “رفضت بشكل دبلوماسي”، موضحًا أن عباس أبلغ السيسي والملك عبد الله أنه لن يقف مكتوف اليدين، وسيحارب بكل جهة.
زكي: السلطة الفلسطينية تعد خطة واضحة المعالم في كيفية التعامل مع النتائج المتوقعة والمترتبة على قرار ترامب “الكارثي”، وهذه الخطة سيتم تنفيذها وفق الجدول الزمني المحدد
من جانبه أكد عباس زكي عضو اللجنة المركزية لحركة “فتح”، أن السلطة لن تتراجع عن خطوات مواجهة إدارة ترامب مهما كان حجم الضغوط التي تمارس عليها وسترفض وتواجه كل طرف يسعى لإيقافها.
وأضاف زكي: “واشنطن قطعت آخر شعرة يمكن أن نسير عليها لإحياء مشروع المفاوضات والسلام مع “إسرائيل”، لكن بعد قرارات ترامب الأخيرة بشأن القدس فالوضع اختلف تمامًا وأصبحت السلطة الفلسطينية في موقف المهاجم لا المدافع فقط”.
وأوضح أن السلطة الفلسطينية تعد خطة واضحة المعالم في كيفية التعامل مع النتائج المتوقعة والمترتبة على قرار ترامب “الكارثي”، وهذه الخطة سيتم تنفيذها وفق الجدول الزمني المحدد، وستشمل تمكين مكانة الدولة الفلسطينية على المستوى الدولي، وملاحقة قرار ترامب قضائيًا، ومواجهة “إسرائيل” في المحاكم الدولية.
وعلى ضوء تلك التطورات أرجأ نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس، زيارته التي كانت مقرّرة الثلاثاء، لمنطقة الشرق الأوسط، حتى منتصف يناير المقبل، بعدما رفضت شخصيات دينية وسياسية كبيرة لقاءه، بسبب القرار الأمريكي الأخير بشأن مدينة القدس المحتلة.
وكان من المفترض أن يجري بنس زيارة تشمل مصر و”تل أبيب”، لكن يبدو أن ردود الفعل الغاضبة على اعتراف الرئيس دونالد ترامب بالقدس المحتلّة عاصمة لدولة الاحتلال دفعته إلى تأجيلها. ورفض مسؤولون ورجال دين بارزون بينهم الرئيس الفلسطيني محمود عباس وشيخ الأزهر أحمد الطيب وبابا الكنيسة القبطية الأرثوذكسية تواضروس الثاني، لقاء بنس؛ احتجاجًا على القرار الأمريكي بشأن المدينة المقدّسة.
ودعت حركة “فتح” إلى مواصلة الاحتجاج على القرار الأمريكي بشأن القدس، ومن ضمن ذلك التظاهر داخل المدينة المقدسة وحولها ضد زيارة نائب الرئيس الأمريكي، في حين حذّرت حركة حماس من زيارة مايك بنس؛ “لكونها تهدف لفرض واقع جديد في المدينة”.
واحتلت “إسرائيل” الجانب الشرقي من القدس في حرب يونيو 1967، وضمّته للجانب الغربي، وأعلنت المدينة “عاصمة أبدية” لها، وهو الأمر الذي يرفضه المجتمع الدولي. وتتمسّك السلطة الفلسطينية بالجانب الشرقي من المدينة عاصمة لدولتها المستقبلية استنادًا لقرارات المجتمع الدولي التي تنص على العودة إلى حدود ما قبل العام 1967.