تضافرت صناديق الاقتراع والحروب الأهلية والعمليات الإرهابية الفظيعة والتجارب النووية وموجات اللجوء والهجرة، لجعل 2017 عامًا فوضويًا زُرعت فيه “الخلخلة” في الأنظمة العربية والإقليمية، وحُصدت على المسرح الدولي.
ومَن سمع طوال 2017 الخطب السياسية وقرأ بعض التعليقات والآراء وتابع وسائل الإعلام، ربما ساورته تساؤلات عن مغزى ودلالات أهم الأحداث التي جرت هذا العام، والتوقعات بشأن عام 2018 المقبل.
من أستانة إلى جنيف.. جولات خاوية الوفاض
13 جولة تفاوضية شهدها عام 2017، تبعثر خلالها مصير سوريا على موائد التفاوض، من أستانة إلى جنيف مرورًا بالرياض، وانتهاءً بدعوة تأجلت في سوتشي.
وجرت المفاوضات هذا العام وفق متغيرات سياسية وعسكرية باتت تميل لمصلحة نظام بشار الأسد، فبعض الأنظمة العربية استسلمت لضرورة بقاء الأسد في السلطة، بينما طرح الاتحاد الأوروبي مبادرة لذلك أيضًا، وبات فشل التعاطي الأممي مع الأزمة أمرًا واقعًا.
وزاد قرار سحب الجزء الأكبر من القوات الروسية في سوريا، من غموض المشهد، لكنه لم يكن انسحابًا نهائيًا، مما أثار الشكوك الأمريكية، إذ إن روسيا تركت المجال مفتوحًا أمام استمرار غاراتها على مواقع من تصفهم بالإرهابيين.
سقوط تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”.. صفحة جديدة في إرث الإرهاب
لعل الحدث الأبرز الذي شهده عام 2017 كان إشهار نهاية تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” بعد ثلاثة أعوام من إعلانها من أبو بكر البغدادي الذي حكم منذ يونيو/حزيران 2014 أجزاءً واسعة من سوريا، ونحو ثلث أراضي العراق، وكان يسكن تحت رايته وقتذاك نحو سبعة ملايين نسمة.
وكانت المعركتان الأبرز اللتين كرستا نهاية التنظيم في الموصل بالعراق هذا العام التي أعلن منها البغدادي الخلافة في ظهوره العلني الوحيد من جامع النوري، وفي الرقة بسوريا التي كانت عاصمة دولة البغدادي، لتتوالى بينهما هزائم التنظيم على جانبي الحدود السورية والعراقية.
وعلى وقع “النصر” على التنظيم في سوريا والعراق، يرى مراقبون أن نهاية “حلم الخلافة” ليست سوى انتهاء “مرحلة التمكين” التي سعى لها التنظيم، إيذانًا بمرحلة جديدة من التنافس، وربما بين الشركاء في “الحرب على الإرهاب”.
مصر 2017.. صفقة القرن مرت من هنا
كانت مصر خلال عام 2017 واحدة من المناطق المضطربة التي شهدت الكثير من الهجمات والتفجيرات التي لم تقف عند حد استهداف قوات الجيش والشرطة، بل امتدت لاستهداف المدنيين في المساجد والكنائس، ووُصفت إحدى هذه الهجمات بأنها الكبرى في تاريخ مصر المسجل.
وشهدت أروقة البرلمان وساحات المحاكم وصولاً إلى المظاهرات الشعبية الغاضبة خلال عام 2017 سجالاً طويلاً بشأن جزيرتي تيران وصنافير، انتهى بتصديق الرئيس عبد الفتاح السيسي على الاتفاقية، ليبدأ سجال جديد عن مثلث حلايب وشلاتين بين مصر والسودان.
وخلال هذا العام أيضًا، ذهب السيسي إلى البيت الأبيض، ليسمع الناس لأول مرة مصطلح “صفقة القرن“، وعندما عاد تعامل بمنطق “إما أن تكون معنا أو ضدنا”، فأقصى منافسيه المحتملين للرئاسة، لتحمل الانتخابات القادمة علامة استفهام كبيرة.
حصار قطر.. رب ضارة نافعة
أطلقت زيارة ترامب التي بدأت على غير العادة بالسعودية وانتهت بـ”إسرائيل” الرصاصة الأولى لزعزعة استقرار المنطقة، وتبدأ أولى ملامح مليارات “صفقة القرن”، في صبيحة الخامس من يونيو/حزيران، حيث استيقظ القطريون على خبر مقتضب وصادم يقول إن جيرانهم (السعودية والإمارات والبحرين) قاطعوهم وحاصروهم من البحر والجو والبر، بذريعة رعاية الدوحة للإرهاب.
وشهدت الأزمة الكثير من القرارت السياسية الغريبة – أغلبها اتخذ ليلاً – التي أحدثت تصدعات عميقة في جدران لُحمة المنطقة، وسط توقعات بعدم عودتها إلى ما كانت عليه.
وتشير التطورات التي شهدتها الأزمة إلى أن عودة العلاقات – عاجلاً أو آجلا – ستكون على أسس جديدة غير التي قامت عليها سابقًا، كما يروي الأدب الإنجليزي عن الشخصية الخيالية “همبتي دمبتي” – وهي البيضة التي تمشي على حائط لا متناهٍ وقد وقعت عنه وتهشمت – أن كل رجال الملك لن يعيدوها إلى ما كانت عليه سابقًا.
حزمة أوامر ملكية.. قفزة من أمير إلى ملك
شهدت المملكة العربية السعودية في عام 2017 تغيرات هيكلية وسياسية لم تشهدها من قبل، حيث استيقظ الملايين من السعوديين على أوامر ملكية تمكن لفرع العائلة الحاكم في المملكة، ففي صباح الـ21 من يونيو/حزيران، فوجئ السعوديون بأمير يبلغ من العمر 31 عامًا سيكون الملك عليهم – إن لم يكن هو الملك الآن في كل شيء – بعد إزاحة العقبة الأخيرة في طريقه إلى السلطة، والمتمثلة في ابن عمه محمد بن نايف الذي تم تجريده تباعًا من سلطاته.
ومع هذا القرار، تبدت تداعيات السياسات السعودية في الداخل والخارج، في ظل تهور سياسات ولي العهد السعودي الجديد التي ظهرت في فشل كل ملف تولى مسؤوليته، وباتت المملكة تواجه اليوم تصعيدًا في التوتر مع قطر وإيران، وجمودًا في الحملة التي تقودها السعودية في اليمن.
وفي ظل تخلص ولي العهد السعودي من كثير من المعارضة تحت مسمى “مكافحة الفساد“، تشير التوقعات إلى أن المملكة ستقع فيما كانت تخشاه، مع وصول السعوديين إلى مرحلة التقشف، ووجود انقسام وعدم استقرار داخلي، مما يكلف السعودية مزيدًا من الأعباء الإضافية.
الرقصة الأخيرة لصالح وليس لليمن
أسدل عام 2017 الستار على فصل من فصول الصراع في اليمن، ففي الرابع من ديسمبر/ كانون الأول، أعلن الحوثيون مقتل الرئيس المخلوع والحليف السابق لهم علي عبد الله صالح في “مقامرة سياسية” أخيرة له.
هذا الحدث البارز لا يلخص عامًا بأكمله تسارعت فيه الأحداث، وأغرقته طائرات التحالف العربي الذي تقوده المملكة العربية السعودية بوابل من القنابل، وبعد 1000 يوم من العمليات العسكرية لا يزال الملايين من اليمنيين محرومين من الطعام والوقود والدواء.
خلال عام 2017، ذهب الملايين من الناس في جميع أنحاء العالم إلى صناديق الاقتراع، وشهدت الساحة السياسية مفاجآت انتخابية، في عام تميز بارتفاع منسوب الإسلاموفوبيا في معظم أرجاء القارة الأوروبية، وتفاقم الكراهية للمهاجرين والأجانب
وعلى وقع معركة صنعاء وتعدد سيناريوهات الحسم بين الحوثيين وأنصار صالح وفشل إستراتيجية السعودية، تبدو مآلات الحرب غير واضحة، وربما تغير من معادلات السيطرة الميدانية وتصنع ملامح حل سياسي جديد في اليمن.
وبعد أن انطلقت أسهم محور “ابن سلمان – ابن زايد” أولاً باتجاه قطر فحاصرتها، ثم باتجاه “ابن نايف” فأطاحت به، من المؤكد أن اليمن سيكون هدفهما التالي، وهناك بالفعل خلاف كبير بين الرئيس هادي الذي يقيم في الرياض، والقوى المحلية في عدن التي تتحكم بها الإمارات.
“نعم” تنتصر!.. استفاءات تأتي بنتيجة عكسية
شهدت تركيا خلال عام 2017 أهم حدث سياسي، حيث نُظم سابع استفتاء شعبي في تاريخ تركيا، يوم 16 من أبريل/نيسان 2017، وانتهى بالتصويت لصالح التعديلات الدستورية التي اقترحها حزب العدالة والتنمية التركي الحاكم، وتقضي أساسًا بالانتقال من النظام البرلماني إلى النظام الرئاسي.
وفي العراق، ووسط رفض إقليمي ودولي، صوت إقليم كردستان على استفتاء الانفصال عن العراق يوم 25 من سبتمبر/أيلول 2017، لكن الحكومة الاتحادية في بغداد رفضت الاعتراف بالاستفتاء واتخذت عدة إجراءات، لتتوالى تداعيات الانفصال على المشهد الكردي، حتى بعد تنحي مسعود البارزاني.
وفي تحدٍ للدولة الإسبانية منذ وفاة الجنرال فرانكو عام 1975، تمكن إقليم كتالونيا من تنظيم استفتاء الانفصال عن إسبانيا يوم 1 من أكتوبر/تشرين الأول 2017، لكن كان للحكومة الإسبانية المركزية رأي آخر غاضب، الأمر الذي يهدد بمزيد من المواجهة بين برلمان الإقليم والحكومة.
كان الرئيس الإيرايي حسن روحاني قد فاجأ العالم في عام 2013، بفوزه في انتخابات الرئاسة الإيرانية وهزيمته لمجموعة من المرشحين المتشددين
عام الانتخابات.. ذهاب وإياب
خلال عام 2017، ذهب الملايين من الناس في جميع أنحاء العالم إلى صناديق الاقتراع، وشهدت الساحة السياسية مفاجآت انتخابية، في عام تميز بارتفاع منسوب الإسلاموفوبيا في معظم أرجاء القارة وتفاقم الكراهية للمهاجرين والأجانب.
ومثلت الانتخابات التشريعية في هولندا، ضربة للتيارات الشعوبية واليمينية المتطرفة، وكذلك في فرنسا، حيث احتدمت الانتخابات الفرنسية التي أسفرت عن صعود النجم الشاب مرشح الوسط، وفوزه في الانتخابات الفرنسية على مرشحة اليمين المتطرف ماري لوبن.
وفي ألمانيا، أحبت أنجيلا ميركل أن تعيد لليمين هيبته وأن تحتفظ بمنصب المستشارة الألمانية، فأعلنت أنها سوف تترشح لولاية رابعة، وقد فعلت وفازت، بينما شقت تريزا ماي رئيسة الوزراء البريطانية طريق صعب إلى قصر باكينغهام، فجاء فوزها في الانتخاب بطعم الخسارة، بسبب الضغوط التي تتعرض لها من أجل تحقيق إرادة الشعب البريطاني بإخراج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي.
وإذا كان الرئيس الإيراني حسن روحاني قد فاجأ العالم في عام 2013، بفوزه في انتخابات الرئاسة الإيرانية، وهزيمته لمجموعة من المرشحين المتشددين، فإن فوزه بولاية ثانية هذا العام كان متوقعًا، بينما انتخبت الولايات المتحدة رئيسًا جديدًا خالف كل التوقعات، ورفض الإقرار بالتزام إيران بالاتفاق النووي.
عام الرجل الأبيض.. من التنصيب إلى القدس
ربما يستحق هذا العام أن يوصف بأنه عام دونالد ترامب، ففي مطلعه نُصِّب تاجر العقارات الأمريكي رئيسًا لبلاده وسط انقسام لم يسبق له مثيل، وأعلن أن هذا اليوم عيدًا قوميًا للإخلاص الوطني، وأصدر قرارًا بمنع مواطني 7 دول إسلامية من دخول أمريكا، وأعطى إشارة البدء في بناء جدار على الحدود المكسيكية.
وفي أبريل 2017، ألقى صواريخ أمريكية على مطار سوري ردًا على هجوي كيماوي على بلدة خان شيخون، وربما أعجبته ردود الفعل فألقى بعدها بأيام بـ”أم القنابل” على ما قيل إنه قاعدة لتنظيم الدولة الإسلامية “داعش” في أفغانستان.
أُجريت مصالحة بين حركتي فتح وحماس بعد قطيعة دامت 11 عامًا
وفي خضم الضوء الأخضر الأمريكي، فرضت حكومة نتنياهو قيودًا أمنية جديدة على دخول المسجد الأقصى من خلال بوابات إلكترونية، في وقت أحيت فيه فلسطين ذكرى خمسين عامًا على احتلال القدس، وقرن على وعد بلفور، وأيام قليلة كانت على لقاء بوعد جديد.
“وعد ترامب” المثير للجدل الذي أطلقه في حملته الانتخابية، نطق به قبل أيام، لينهي عامه الأول بأكثر القرارات السياسية استفزازًا، بإعلانه القدس عاصمة لـ”إسرائيل”، لكن آثار هذا القرار لا تزال في طور التشكُّل، حيث صوت أعضاء الجمعية العامة للأمم المتحدة بأغلبية كبيرة لصالح مشروع قرار ضد قرار ترامب.
لكن عام 2017 امتلأ بأحداث سياسية ضخمة، ربما لا تتسع تلك السطور إلا بلفت النظر إليها، ومنها: هجمات إرهابية على ملهى بإسطنبول في مطلع العام، واثنين آخرين يهزان قلب إيران، وفي المغرب أدى حراك الريف لاحقًا إلى تغييرات حكومية، بينما أحيت مصر مرور نصف قرن على هزيمة 1967، في وقت تعرض مسلمي الروهينغا لتطهير عرقي.
هذا العام كان مميزًا أيضًا، وفيه تحدت كوريا الشمالية العالم، لترسم سيناريوهات كارثية، وجرت مصالحة بين حركتي فتح وحماس بعد قطيعة دامت 11 عامًا، وأعلن رئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري استقالته من الرياض، في ملابسات مثيرة قبل العدول عنها في بيروت.
وتتوالى الأحداث في 2018.