2007-2012
قارب العقد الأول من الألفية الثانية للميلاد على الانتهاء، والجمهورية الصومالية مقسّمة، تبعًا لظروف تاريخية وسياسية أفرزت تباينات في أسس وطرق الحكم في المناطق الصومالية المختلفة، فإقليم “أرض الصومال” يعلن تراجعه عن الوحدة من طرف واحد، تحت مسمّى “جمهورية أرض الصومال” سنة 1991م، مدعية السيادة على كافة أراضي المحمية البريطانية، في حين أنه يتم سنة 1998 الإعلان عن حكم ذاتي، تحت اسم “ولاية أرض البونت” إلى الشرق منها، في المجال الحيوي لسلطنة “مجيرتينيا” التاريخية، وتبقى المنطقة إلى الجنوب من المركز اللغوي للبلاد “جالكعيو” في حالة من الفوضى، او الصراع الميداني المفتوح والمتجدد.
وتتأكد من جديد الحقيقة التاريخية التي تقول بأن أي وجود عسكري مباشر قادم من هضبة الحبشة، سيؤدي لا محالة لسقوط الطبقة السياسية التي يتم في عهدها، وأن الوصفة الأنجع لقيام حكم إسلامي في البلاد هو الوجود الإثيوبي المدعوم غربيًا على التراب الوطني، ويظهر جليًا العامل الأهم الذي كان يساهم في رسم الحيّز الذي كان يمكن للصومال المناورة فيه سابقًا، في مساعيها الماضية لتوحيد الأقاليم الملحقة بكلٍّ كينيا وإثيوبيا، والذي دفع الصوماليين والمصريين للاتفاق على انضمام البلاد إلى الجامعة العربية، ألا وهو الدعم العربي للصومال في استرجاع أرضها، والدعم الصومالي لمصر والسودان في الحفاظ على القسمة القديمة لمياه النيل، عبر إضعاف الجبهة الإثيوبية حتى تتنازل عن الأرض ـ باستقلال الصومال الغربي عنها ـ، أوتقبل بالقسمة المائية وتعجز عن قيادة دول المنبع ذات العلاقة المميزة بإسرائيل.
ويتم استبدال القوات الإثيوبية المنسحبة، بقوّات من دول منابع النيل، في سخرية تاريخية من انضمام البلاد “الرمزي” للجامعة العربية من ناحية، والوجود العسكري “الفعلي” الذي أصبح اليوم واقعًا، إن دلّ على شاء فيدل، على إخفاق الصوماليين والعرب في القيام بما يلزم، للحفاظ على ما تم تحقيقه، ناهيك عن التقدم خطوة أخرى في إنجاز ما تم الاتفاق على السعي إليه.
وبدخول العامل النفطي من جديد في المعادلة بقوّة، فإنه أصبح من اللازم للدوائر الغربية المهتمة، عودة الصوماليين ـ مرغمين ـ للوسط الإقليمي، ليمكن وضع البلاد ضمن الخطة الكبرى، لاستخراج النفط والغاز التي بدت بالفعل ممتدة من مدغشقر حتى جيبوتي، مرورًا بموزمبيق وتنزانيا وكينيا وأوغندا وإثيوبيا، كيف لا وقد تم الإعلان عن أن الصومال والأقاليم الصومالية في كينيا وإثيوبيا ـ حوضا لامو وأوغاكينيا ـ عبارة عن بحيرات نفط، خصوصًا ما تم نشره من أن الاحتياطي النفطي المثبت من النفط في الصومال، يقارب ثلاثة أضعاف ما هو مثبت في بلد نفطي هائل كنيجيريا، أو ما يساوي احتياطي الكويت، وما تم إثارته من ان احتياطي الغاز في البلاد يساوي ترليونات من الأقدام المكعّبة، بما يرشّح البلاد لأن تكون البلد السابع عالميًا من حيث الاحتياطي المثبت.
ولا يخفى على الخبراء ما أوردته هيئة الاستخبارات المركزية الأمريكية، في كتاب الحقائق الذي يصدر عنها، من أن الصومال دخلت عصر الإنتاج النفطي فعليًا منذ عام 2007م، وأن الإنتاج اليومي رغم الظروف البدائية يزيد عن مئة برميل في اليوم، في غياب للبنية التحتية والاستقرار وبأقل الإمكانيات!
وفي تجاوب مع الظروف المستجدة، تعلن حكومة جمهورية “أرض الصومال” المعلنة من طرف واحد، عن رغبتها في بيع حقوق التنقيب في ثمان محاضر للبترول بمساحة إجمالية تبلغ 89,624 كيلومترًا مربعًا، وتستمر أعمال الاستكشاف والتنقيب في ولاية “أرض البونت” المجاورة، حتى أعلن تحالف الشركات (أفريكا أويل كورب،هورن أويل و ريد إمبرور) في17 من يناير/ كانون الثاني 2012 عن البدء بأعمال حفر لبئرين بترولين بمحضري (نوغال Nugaal -) و(طرور–Dharoor )، من المرجح أن يكونا باكورة أعمال إنتاج النفط في البلاد، ودخولها عصر النفط من أوسع أبوابه.
تتم إثارة مسألة النفط الصومالي والثروات الباطنية في مؤتمر الذي عقد في “شباط/ فبراير 2012″ بلندن، بدعوة وسعي من الحكومة البريطانية، وتم تسريب معلومات حول محاثات سرية جرت بين مسؤولين بريطانيين وصوماليين، عبّروا فيها عن الرغبة البريطانية، في تقديم كل الدعم اللازم لإعادة بناء الدولة الصومالية، والمرافق والخدمات، بمقابل الحصول على حصّة الأسد من حقوق التنقيب والاستثمار في البلاد، وهو ما سارعت الحكومة البريطانية إلى نفيه، بطريقة لم تزل الشكوك حول ذلك بل أكدها، وقد ازداد الاعتقاد بأن الصومال قد خرجت من دائرة ظل “الغضب الأمريكي”، بل بدى الأمر أن الأمريكيين فقدوا أي رغبة حقيقية في بسط نفوهم المباشر على البلاد، شأن بقاع أخرى من العالم، بما اتضح من تمهيد للبريطانيين أشرنا إليه سالفًا، إلى أن الدخول القوي للأترك على الخط، أكّد تمامًا أن البلاد خارج النطاق الحيوي “الخاص” للمصالح الأمريكية المباشرة.
ومع الزخم الذي أبداه الأتراك، في دعمهم للشعب الصومالي، في محاولة ساعية لإعادة الثقة لدى أبناء البلاد في مستقبلها، ومحاولة الإيرانيين مواكبة ذلك ـ على استحياء ـ، والجهود الصينية في الدخول إلى الساحة الصومالية، عبر مشاريع صغيرة ومتناثرة في أنحاء البلاد، مركّزة على الاستثمار في الموارد الحيوانية وغيرها، وما بدى من حرص من قِبَل أطراف كثيرة على تغيير سياستها تجاه الشعب الصومالي، خاصة في مجال التعليم الجامعي والتقني، الذي تمت إتاحتهما لخريجي المدارس الصوماليين، بشكل لم يكن له نظير منذ سقوط النظام، والتركيز الذي أبداه المندوب الدائم لجمهورية الصين الشعبية، على بدء إشارته للموقف الصيني تجاه الشأن الصومالي، من حيث انتهى الأمريكيون بـ”إعلان وزيرة الخارجية الأمريكية من لندن بضرورة إنتهاء المرحلة الانتقالية، والتلويح بعدم تساهل الولايات المتحدة مع أي عرقلة داخلية لذلك المنحى”، فأكد المندوب الصيني بأن على الحكومة الفيدرالية ـ ما بعد الانتقالية ـ ملزمة بتنفيذ بسط سلطة الدولة على ربوع البلاد، والتحرّك السريع نحو تفعيل العمل بالدستور الجديد، كما أكّد الدعم الصيني لكل ما من شأنه تسهيل ذلك.
فأن المساعي البريطانية اللاحقة للمبادرة التركية تجاه الصومال، في ظل وجود قطع حربية بحرية لحلف الناتو ليس بعيدًا عن المياه الإقليمية للبلاد، والتردد الذي تبديه دول كإيران والصين، في الدخول لساحة تقديم الدعم السياسي وجهود المساهمة الواضحة في إعادة الإعمار، تجعلنا نتأكّد من أن شبه الجزيرة الصومالية، في صلب اهتمام دول حلف الناتو القريبة من الولايات المتحدة، ممثلًا ذلك في مركزي ثقله الأوروبي البريطاني غربًا والتركي شرقًا.