فلسطين بمدنها وبلداتها كانت تستعد لاستقبال عيد الميلاد المجيد، حين أطل ترامب على العالم، ليعلن اعترافه بالقدس عاصمة للاحتلال، ويقرر نقل السفارة الأمريكية إليها.
شجرة عيد الميلاد التي كانت خلف ترامب مباشرة في خطابه، أُطفئت في عدد من المدن الفلسطينية فور هذا الإعلان المشؤوم، وتنغصت فرحة المسيحيين الفلسطينيين وهم على أبواب عيدهم، فما حال المدن الفلسطينية بعد هذا القرار؟ وكيف هي أجواء عيد الميلاد في ظله؟ أسئلة طرحها “نون بوست” على مواطنين من مدن فلسطينية مختلفة، فبماذا أجابوا؟
بيت لحم أنارها المسيح بمولده وأطفأها ترامب بقراره
سألنا الفلسطينية التلحمية نور الهودلي، عن أجواء عيد الميلاد وانعكاسات القرار الأمريكي عليها، فقالت: “احتفالاتنا هذا العام تقتصر على الشعائر الدينية فقط، وليس كما هي معتادة، فمسيحيو بيت لحم كل عام يضيئون الشجرة وسط أهازيج الفرح والأغاني، وعلى صوت قرع الطبول الكشفية، وتخصص فقرات فرح وترفيه للأطفال بهدف إضفاء جو المرح والسعادة على الاحتفالات”.
واسترسلت الهودلي: “لكن الأمر هذا العام مختلف، ففعالية إضاءة الشجرة في بيت لحم اقتصرت على الكلمات السياسية والتراتيل الدينية والأغاني الوطنية، مناصرة للقدس والاعتداء الأمريكي الصارخ عليها”.
أكدت الفلسطينية رهام أبو عيطة من مدينة بيت ساحور، أن بهجة العيد اختفت بعد هذا القرار
وقالت الهودلي: “نحن كمسيحيين لا نستطيع إلا أن نفرح بقدوم المسيح عليه السلام، فهو عيد ديني، ولكن فرحنا هذا العام تنغص بقرار ترامب، وأُلغيت احتفالاتنا بناءً عليه، وسوف تقام الصلوات داخل الكنائس في العيد لندعو للقدس أن يحفظها الله من كل شر”.
شجرة القدس مضاءة.. وقلوب أهلها مطفأة
أما المواطنة المقدسية جوليانا ترجمان، فتحدثت بحزن وألم لـ”نون بوست” بشأن أجواء مدينة القدس هذه الأيام، وقالت: “نحن في القدس نصبنا الشجرة وأضأناها لنقول للاحتلال بأننا باقون مهما حدث، فهي مدينتنا وستبقى”.
وأضافت ترجمان بأن “المشكلة ليست في إطفاء الزينة أو إضاءتها، وإنما في المشاهد اليومية المؤلمة التي نراها أمام أعيننا في شوارع وأسواق القدس وتشق قلوبنا وتدميها، مشيرة: “كل يوم أمر من منطقة باب العامود فأنا أسكن هناك، وكل يوم أرى كيف يضرب الجنود الأطفال ويعتدون على النساء بوحشية ويفتشونهن بطريقة مهينة”.
وتابعت ترجمان: “لقد بتنا في مرحلة الانفجار من شدة ما نتعرض له من عرقلة لحياتنا اليومية، وأصبحنا نشعر أننا ضيوف غير مرحب بنا في مدينتنا”! وأكدت جوليانا أن تفاصيل الحياة اليومية في القدس تظهر جليًا استهداف الإسرائيليين للفلسطينيين بغض النظر عن ديانتهم أو جنسهم أو عمرهم، واستخدام أسلوب الضغط النفسي من أجل ترحيلهم من مدينتهم، سواء كانوا مسلمين أو مسيحيين، فلا فرق في التعامل من هذه الناحية بالمطلق.
الأب خضر: موقف الكنائس الفلسطينية من هذا قرار ترامب واضح منذ زمن بعيد، وهو أن القدس مدينة مقدسة لها تاريخها ولن يمحوه الاحتلال مهما فعل
مدن الضفة تشتعل غضبًا لا فرحًا
بدورها أكدت الفلسطينية رهام أبو عيطة من مدينة بيت ساحور، أن بهجة العيد اختفت بعد هذا القرار، وقالت إن الكثير من مظاهر الفرح التي تقام كل عيد لم تتم هذا العيد، بسبب الظروف التي تعيشها المدن حاليًّا، وما تشهده من مواجهات يومية مع الاحتلال احتجاجًا عليه.
بدوره قال عدي دعيبس من مدينة رام الله، إنه ليس القرار وحده هو ما ألغى احتفالات الأعياد في فلسطين هذا العام، ولكن أيضًا حالة الغضب الفلسطيني وارتقاء شهداء وجرحى بشكل يومي على نقاط التماس وفي ساحة المواجهات مع الاحتلال.
وأوضح دعيبس أن المسيحيين ليسوا حزانى لإلغاء أي احتفالات فهم جزء لا يتجزأ من هذا الشعب، ولكنهم حزانى لهذا القرار وما ترتب عليه من أحداث. وأكد دعيبس أن رسالة الميلاد هي رسالة محبة وسلام إلى كل دول العالم، وأنه كمسيحي فلسطيني يناشد كل دول العالم أن تلتف إلى ما تعيشه فلسطين من عطش للأمن والسلام في ظل جرائم الاحتلال المتواصلة.
الكنائس ترد على ترامب
قابلنا في “نون بوست” الأب جمال خضر راعي كنيسة دير اللاتين في رام الله، لمعرفة موقف الكنائس من القرار الأمريكي والإجراءات التي اتخذتها ردًا عليه، فقال: “موقف الكنائس الفلسطينية من هذا القرار واضح منذ زمن بعيد، وهو أن القدس مدينة مقدسة لها تاريخها ولن يمحوه الاحتلال مهما فعل”.
وزيرة السياحة الفلسطينية رولا معايعة صرحت مؤخرًا خلال لقاء لها مع إحد القنوات المحلية الفلسطينية، أن الاحتفال الديني لأعياد الميلاد الذي يقام في الـ24 من هذا الشهر لن يلغى كونه احتفالاً دينيًا
وأضاف: “من هنا أرسل رؤساء الكنائس رسائل إلى ترامب حتى قبل خطابه يطلبون منه عدم إعلان القدس عاصمة لدولة “إسرائيل” لأن ذلك سيزيد العنف والكراهية، والانقسام وسيقضي على فرص السلام”.
القدس قلب الصراع
وأكد الأب خضر أن القدس هي قلب الصراع ومن هنا يشترك المسيحيون كفلسطينيين في الاحتجاح بقوة على هذا القرار وبناءً عليه تم إطفاء شجرة عيد الميلاد في عدد من المدن لأيام متواصلة بعد القرار، وتم إلغاء كل مظاهر الاحتفالات وتحويلها إلى فعاليات وطنية للاحتجاج على هذا القرار ورفع الصلوات من أجل السلام.
وشرح الأب خضر: نحن نتحضر لعيد الميلاد وأحد ألقاب المسيح عليه السلام هو “أمير السلام”، ولذلك نصلي من أجل السلام العادل الذي يقر حقوق الإنسان والمبني على الحرية والكرامة للإنسان.
الاحتفالات الدينية قائمة والهدف توجيه أنظار العالم إلى فلسطين
وكانت وزيرة السياحة الفلسطينية رولا معايعة صرحت مؤخرًا خلال لقاء لها مع إحدى القنوات المحلية الفلسطينية، أن الاحتفال الديني لأعياد الميلاد الذي يقام في الـ24 من هذا الشهر لن يُلغى كونه احتفالاً دينيًا، وأوضحت بأنه سيتم استغلال هذه الاعياد لمخاطبة العالم وتقديم صورة واضحة وحقيقية عن معاناة شعبنا”.
منذ بداية الاحتجاجات واندلاع المواجهات إزاء القرار الأمريكي، ارتقى في الضفة الغربية وقطاع غزة نحو 6 شهداء وما يزيد على 2000 مصاب
كما أكدت أن الاحتفالات تتمثل باستقبال غبطة البطريرك وإقامة قداس منتصف الليل الذي سيتم من خلاله توجيه رسالة لكل العالم الذي يوجه أنظاره إلى مدينة مهد المسيح بأن القدس ستبقى عاصمة دولة فلسطين.
ولفتت الوزيرة معايعة إلى أن العديد من المدن الفلسطينية أطفأت أنوار شجرة الميلاد احتجاجًا على قرار الرئيس الأمريكي الاعتراف بالقدس عاصمة لـ”إسرائيل” ونقل سفارة بلاده إلى المدينة المحتلة.
يشار إلى أنه منذ بداية الاحتجاجات واندلاع المواجهات إزاء القرار الأمريكي، ارتقى في الضفة الغربية وقطاع غزة نحو 6 شهداء وما يزيد على 2000 مصاب، فيما وصل عدد المعتقلين بعد القرار إلى 450 مواطنًا، بينهم نحو 150 طفلاً، وعدد من النساء.