ترجمة حفصة جودة
عندما نُشر كتاب جوناثان تابلين “تحرك سريعًا وغيّر الأشياء” الذي يتعامل مع القلق من انتشار التكنولوجيا بشكل كبير، لأول مرة في المملكة المتحدة عام 2017، أزال الناشرون عنوان الكتاب الفرعي: “كيف احتكر فيسبوك وجوجل وأمازون الثقافة وقوضوا الديموقراطية”، لأنهم لم يجدوا أنه مدعوم بالأدلة.
في الطبعة الورقية القادمة للكتاب التي ستُنشر العام المقبل، سيتم إضافة العنوان الفرعي مرة أخرى، يقول تابلين: “لقد حدثت تغيرات كبيرة جدًا في 6 أشهر فقط، قبل ذلك كان الناس نائمين نوعًا ما”.
في العام الماضي، لم يكن يمر يوم دون حدوث فضيحة تسلط الضوء على شركات التكنولوجيا سواء التحرش الجنسي أو الجرائم التي كانت تُبث مباشرة أو عمليات النفوذ الروسي أو دعايا الإرهاب، بدأت الأحداث التكنولوجية المروعة بحملة #DeleteUber (امسحوا أوبر)، لكن بحسب الطريقة التي تسير بها الأمور فربما ينتهي العام بدعوات لإلغاء الإنترنت بأكمله.
يقول أوم مالك أحد أصحاب رؤوس الأموال الاستثمارية: “في عام 2017 تحديدًا اكتشفت شركات التكنولوجيا أنها تمتلك لوحة تصويب مرسومة على ظهرها، كانت الشركات الكبرى مهووسة بالنمو حتى إنها كانت تفتقر للمسؤولية الاجتماعية، والآن يبدو أن عواقب أفعالهم بدأت تسبب لهم المشاكل”.
تطلب الأمر عدة أشهر لاكتشاف فداحة تغول دورها
لعب انتخاب دونالد ترامب المفاجئ دورًا محفزًا في الفحص الدقيق للمنصات التي شكلت الجزء الأكبر من تجربتنا على الإنترنت، ورغم ذلك، تطلب الأمر عدة أشهر لاكتشاف فداحة تغول دورها.
ربما كانت أكبر دعوات الانتباه “المواجهة الحاسمة” في واشنطن، فقد استدعى الكونغرس ممثلين من فيسبوك وتويتر وجوجل للإدلاء بشهادتهم في العمليات الروسية المتعددة للتأثير على الانتخابات الرئاسية عام 2016، واعترفت الشركات الثلاثة أن المؤسسات الروسية اشترت إعلانات على مواقعهم في محاولة لدفع التصويت نحو وجهة ما.
في قضية فيسبوك، أرسلت حسابات وهمية رسائل مسببة للخلاف في الولايات المتأرجحة، كما عثرت جوجل على نشاط مماثل من خلال أدوات البحث المدفوعة ويوتيوب، أما على تويتر فقد نشر الروبوتات والحسابات الوهمية أخبارًا زائفة مؤيدة لدونالد ترامب، ويبدو أن أمرًا مماثلاً حدث عند التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
يقول نعوم كوهين مؤلف كتاب “أبو العريف: صعود وادي السيليكون كقوة سياسية وكرة هدم اجتماعية”: “أظهرت الانتخابات الرهانات المطروحة أمامنا، في الماضي كان يجب أن تقول بأن الهواتف الذكية غبية حتى تتمكن من انتقاد وادي السيليكون، أما الآن يمكنك أن تقول فقط بأنه يتعارض مع الديموقراطية”، لم يكن هذا المثال الوحيد لشركات التكنولوجيا التي تحقق أرباحًا وتنشر محتوى بغيضًا ثم تتصرف بكل دهشة عندما ينكشف الأمر.
ممثلو فيسبوك وتويتر وجوجل يمتثلون أمام المشرعين في شهر أكتوبر
في شهر مارس، كشفت صحيفة “تايمز أوف لندن” أن يوتيوب دفع من عائدات الإعلانات لمتطرفين إسلاميين من أجل نشر خطابات كراهية، مما أدى إلى مقاطعة كبار المعلنين له، أما المقاطعة الثانية فبدأت هذا الشهر بعد أن اكتشفت علامات تجارية كبرى أن إعلاناتهم تُنشر بجوار محتوى يخص المتحرشين بالأطفال (بيدوفيليا).
وفي شهر مايو، كشفت التحقيقات التي أجرتها صحيفة “الغارديان” بخصوص سياسات فيسبوك للمحتوى المعتدل، أن الشبكة كانت تستخف بقوانين إنكار الهولوكست إلا عندما أصبحت تخشى الملاحقة القضائية، وبعد 4 أشهر كشفت مؤسسة “بروبابليكا” أن أدوات الإعلان في فيسبوك يمكن استخدامها لاستهداف “كارهي اليهود”.
تقول شيريل ساندبيرج مدير العمليات في فيسبوك إنها تشعر بالاشمئزاز والإحباط لأن نظام فيسبوك يسمح بذلك، أما تابلين فيرى أن ردود فعل شركات التكنولوجيا التي تأتي على شاكلة “عفوًا سوف نصلح الأمر” محبطة ومخادعة، ويضيف: “إذا كان من الممكن استهداف النساء اللاتي يتناولن مشروبات روحية أو سكان ولاية تينيسي الذين يحبون الشاحنات، فبالطبع يمكن استخدام تلك الأدوات لأهداف خفية وخبيثة”.
أثار التأثير العميق والمتنامي لشركات مثل فيسبوك وأمازون وجوجل وآبل مخاوف من أن تصبح هذه الشركات عملاقة، مما يهدد الإبداع الذي يُعرف به وادي السيليكون، يمكنك فقط أن تنظر إلى شركة “سناب” لترى ما يحدث عندما تواجه شركة تكنولوجيا عملاقة مثل فيسبوك: في البداية، فإنها تقدم عرضًا لشرائك – هذه الإستراتيجية نجحت مع إنستغرام وواتساب – وعندما تفشل في ذلك فإنها تتجاهلك تمامًا وتحاول إقصاءك.
قال سين باركر الرئيس المؤسس لفيسبوك إنه يعلم من البداية أن الشبكات الاجتماعية تخلق نوعًا من الإدمان وتستغل الضعف في النفس البشرية
في حالة سناب، شاهدنا فيسبوك وهي تحاول استنساخ كل مميزات سنابشات، كان الأمر مرتبكًا في البداية، لكنه استمر بلا هوادة حتى تقلصت الشريحة المعلنة في سناب شات بشكل كبير، يقول تابلين: “لقد تعرض إيفان شبيغل المدير التنفيذي لسناب شات للإذلال، فقد انخفضت أسهم سناب منذ أن أصبحت شركة عامة في شهر مارس”.
ولأن القوة تركزت في أيدي مجموعة صغيرة، فأقصى ما تحلم به أي شركة مبتدئة هو أن تقوم إحدى الشركات العملاقة بشرائها، وهذا بدوره يؤدي إلى مزيد من التعزيز للشركات الكبيرة، لذا هذه الشركات الخمسة الكبرى – اليائسة من تجنب تنظيم الاحتكار الذي دمر “IBM” ومايكروسوفت – تغمر واشنطن بجماعات الضغط حتى إنها تنافس وول ستريت الآن بنسبة 2:1، يقول مالك: “التنظيم قادم لا محالة، يجب أن نستعد لذلك، فقد اكتشف الجميع أننا العدو الأول الآن لأننا أغنياء”.
لكنه لا يساعد في الأمر ارتفاع عدد المهندسين الذين تركوا وادي السيليكون ورجال الأعمال الذين تحولوا إلى معارضة التكنولوجيا وبدأوا في الحديث عن التأثير الإدماني للمنصات الاجتماعية ودعوا الناس خاصة الأطفال إلى الابتعاد عنها.
في نوفمر قال سين باركر الرئيس المؤسس لفيسبوك إنه يعلم من البداية أن الشبكات الاجتماعية تخلق نوعًا من الإدمان وتستغل الضعف في النفس البشرية، هذا النقد يقوضه حقيقة أنهم يحصلون على مبالغ كبيرة من المال نتيجة هذا الاستغلال.
فالثروة الهائلة الظاهرة في وادي السيليكون – في حافلات الركاب الخاصة، والجامعات مترامية الأطراف والشقق الفاخرة – لا تقدم شيئًا يذكر للشركات وموظفيها في بقية العالم، سواء اتفقت أم لا، فإن العاملين في مجال التقنية أصبحوا علامات بارزة في الرخاء والنخبوية، في وقت يزيد فيه انعدام المساواة في الدخل.
يجيد وادي السيليكون استخدام عبارات تسويقية طنانة مثل التعاطف والمسؤولية الاجتماعية
يقول أنكور جين مؤسس جمعية كايروس: “في الحقيقة يرغب وادي السيليكون في حل المشكلات، لكنني أعتقد أننا فقدنا الاتصال بأنواع المشكلات التي يرغب الناس في حلها بالفعل”، تهدف الجمعية إلى تشجيع رجال الأعمال على حل مشكلات الناس اليومية التي تسبب في ضغطهم ماليًا مثل مشكلات الإسكان وقروض الطلبة وإعادة التدريب الوظيفي لمواجهة الأتمتة.
ويرى أنكور أن وادى السيليكون أزال الناس من نظامه الإيكولوجي فهو يرى أن تلك المشكلات قضايا خيرية وليست مشكلات تؤثر في أغلبية السكان بالفعل، أما مالك فهو يرى أن معظم المشكلات سببها أن شركات وادي السيليكون تتجاهل عمدًا الحقيقة، وفي نهاية كل نقطة بيانات هناك إنسان بشري.
جميع المشكلات التي ظهرت العام الماضي كانت متناقضة بشكل كبير لأن شركات التكنولوجيا تصرّ أنها تقدم الخير للعالم، ويقول كوهين: “إنه أحد أنواع الخداع والتلاعب، فهذه الشركات تقوم بالكثير من الأشياء الضارة ثم تخبرنا كم هي عظيمة وكم تحاول مساعدتنا، إنه شكل من أشكال التعسف والإساءة”.
يتفق مالك مع ذلك حيث يقول: “يجيد وادي السيليكون استخدام عبارات تسويقية طنانة مثل التعاطف والمسؤولية الاجتماعية، لكننا بحاجة لأن تصبح هذه المفاهيم حقيقة داخل هذه الصناعات وأن تتحول الكلمات إلى أفعال ببناء الأشياء الصحيحة، وإلا سيصبح الأمر كله مجرد هراء”.
المصدر: الغارديان