“الأمور تتغير في المجتمع الأمريكي، الشباب الأمريكي لا يتقبل القمع الذي تمارسه “إسرائيل”، حتى في الجامعات المعروفة بتأييدها الشديد لتل أبيب.. وهذا الشباب سيكون له تأثير كبير في المستقبل، فهناك صراعات تختمر، ونرى بداياتها الآن”، ما سبق هو اقتباس من حديث للمفكر الأمريكي اليهودي نعوم تشومسكي، أدلى به للجزيرة الإنجليزية في 9 أبريل/نيسان 2023، قبل طوفان الأقصى (7 أكتوبر/تشرين الأول 2023) بشهور، كأنه كان يتنبأ بما تشهده الجامعات الأمريكية الآن من اعتصامات وتظاهرات مؤيدة للفلسطينيين ومعارِضة لـ”إسرائيل”، بعد عمليات الإبادة التي تمارسها ضد الفلسطينيين في غزة.
تشومسكي الذي يوصف بأنه أهم مفكر ومثقف حي على وجه الأرض الآن، والمعروف بعدائه لـ”إسرائيل” وممارساتها والدعم الأمريكي لها، يقول إنه كان لا يستطيع إلقاء محاضرة بالجامعة عن الصراع العربي الإسرائيلي إلا في حماية الشرطة، لخطورة ذلك عليه من مؤيدي “إسرائيل”، لكن الأمور تغيرت الآن بسبب تغير النظرة الشعبية لـ”إسرائيل” وتراجع تأييدها بين الشباب الأمريكي.
ولد تشومسكي في 7 ديسمبر/كانون الأول 1928، أي تجاوز عمره 95 عامًا، وقت كتابة هذه السطور، ويقترب من الـ96 ويبدو أن ذلك أثّر على نشاطه، خاصة مع تراجع صحته التي أجبرته على الاعتذار عن عدم المشاركة في منتدى “روتوتوم سانسبلاش” الاجتماعي، وذلك في أغسطس/آب 2023، لذلك ربما لم نر له نشاطًا ملموسًا بعد طوفان الأقصى كما كان يتوقع منه.
لكن ماضيه الأكاديمي والسياسي جعله بمثابة أب روحي للمفكرين اليهود الغربيين المعارضين لـ”إسرائيل” أمثال نورمان فينكلشتاين وإيلان بابيه، ماضيه الذي جعل المفكر اليميني الأمريكي ديفيد هورويتز يصفه بأنه مريض عقليًا، ويمثل الطابور الخامس المعادي للولايات المتحدة والذي يغذي عقول الشباب بالكراهية ضد بلاده.
كذلك صار تشومسكي، وهو اليهودي المعروف، غير مرحب به في “إسرائيل” التي منعته من دخول الضفة الغربية في فلسطين عام 2010، بعد ساعات من التوقيف والانتظار والاستجواب من السلطات الأمنية الإسرائيلية، بأوامر من وزارة الداخلية الإسرائيلية رأسًا.
ما الأفكار والنشاطات السياسية والأكاديمية التي جعلت نعوم تشومسكي مكروهًا لدى اليمين الأمريكي ولدى الصهاينة؟ وما رؤيته للقضية الفلسطينية؟ وماذا تحمل في مقابل ذلك؟ هذا ما نحاول توضيحه فيما يلي.
نعوم تشومسكي
ولد تشومسكي في فيلادلفيا بولاية بنسلفانيا الأمريكية، لأبويين يهوديين، حيث هاجر والده من روسيا عام 1913 هربًا من التجنيد الإجباري، أما أمه “إيلسي” فقد ولدت في بيلاروسيا وهاجرت عائلتها إلى أمريكا وهي رضيعة عام 1904، ضمن موجات نزوح يهود أوروبا الشرقية إلى أمريكا، حسبما يحكي الأكاديمي الكندي الشهير روبرت بارسكي في كتابه الذي يتناول السيرة الذاتية والفكرية لنعوم تشومسكي.
وهكذا نشأ تشومسكي في أسرة تقدس قيم الحرية والعدالة بطابع يساري، كان واضحًا ربما عند والدته أكثر من والده، وانطبع ذلك عليه، فبدأ رحلته الفكرية طفلًا بالانخراط في الثقافة اليهودية وتعلم العبرية، وتدريجيًا تبنى النظرية اليسارية الأناركية التي توصف بالأكثر تطرفًا ضد الاستبداد، بل تُمجِّد الفوضوية.
من اللسانيات والفلسفة إلى مهاجمة “إسرائيل” وأمريكا
درس تشومسكي اللسانيات وفقه وفلسفة اللغة في جامعة بنسلفانيا وحصل على درجة البكالوريوس والدكتوراة في نفس التخصص، وأكمل حياته الأكاديمية حتى الآن في نفس المجال، وبالتوازي مع هذا المجال الذي صار تشومسكي أهم أكاديمي وفيلسوف يعمل به في العالم، كان يتعرف أكثر وأكثر على النظرية اليسارية الأناركية، لكن لم يكن له نشاط سياسي بارز حتى ستينيات القرن العشرين.
وعن ذلك يقول تشومسكي، إن آراءه السياسية هي نفسها منذ كان عمره 12 أو 13 عامًا، لكنه أثقلها وصارت أكثر تعقيدًا بالتدريج، مشيرًا إلى أنه كان يعلم أن العمل بالسياسة وتفعيل أفكاره إلى نشاط معلن سيكلفه الكثير، فظل ينمي أفكاره حتى بداية حقبة ستينيات القرن العشرين، حين قرر المغامرة على حد قوله.
ربما كان أول نشاط سياسي بارز لتشومسكي عام 1962 حين شارك في احتجاجات ضد حرب فيتنام، وصدر أول كتاب سياسي له عام 1969 بعنوان: “القوة الأمريكية والماندرين الجدد”، وأخذ بعدها ينخرط بقوة في النشاط الثقافي والسياسي المعادي لكل الأشكال الاستعمارية الجديدة في العالم، وفي قلبه سياسات أمريكا الداعمة لـ”إسرائيل”، وربما كان أول كتاب له يتناول فيه الصراع العربي الإسرائيلي هو: السلام في الشرق الأوسط والذي صدر بعد حرب أكتوبر/ تشرين الأول 1973.
في هذه الفترة نشط تشومسكي كمعارض شرس للسياسات الأمريكية، حتى إنه انضم لدعوات ترفض دفع الضرائب كاملة للحكومة الأمريكية، ودعم الطلاب الرافضين للتجنيد الإجباري بالجيش الأمريكي، إضافة إلى مشاركته في الأنشطة الاحتجاجية ضد الحرب في فيتنام، وعلى خلفية ذلك اعتقلته الشرطة الأمريكية أكثر من مرة بعد أن وضعه الرئيس الأمريكي ريتشارد نيكسون على قائمة أعداء البلاد، حسبما وثق روبرت بارسكي.
ويوضح بارسكي أن من داخل هذا الجو الرافض لكل أشكال الظلم، والداعم لحرية الإنسان، بدأ يعلو صوت تشومسكي في السبعينيات كمعارض لسياسات “إسرائيل” واحتلالها للأراضي العربية، وازداد الغضب الصهيوني العالمي ضده حين دافع عن المؤرخ الفرنسي روبير فوريسون الذي أنكر المحرقة النازية لليهود.
بسبب ذلك اتُهِم تشومسكي بمعاداة السامية وإنكار الهولوكوست، رغم أنه لم يكن منكرًا لها، بل إنه يعادي النازية، لكنه كان ضد قمع فوريسون وداعمًا لحريته في التعبير عن رأيه ونتائج بحثه العلمية، ومن اتجاه آخر، فهو ضد استغلال المحرقة والتلاعب بها لخدمة المصالح الإسرائيلية على حساب الفلسطينيين.
يرى تشومسكي أن الفلسطينيين مثلهم مثل سكان أمريكا الأصليين، فكما جاء الأوروبيون واغتصبوا الأراضي الأمريكية، جاء اليهود واغتصبوا فلسطين
لاحقًا انضم تشومسكي إلى كثير من حركات المقاطعة لـ”إسرائيل”، وربما آخرها انضمامه لدعوة مقاطعة شركة AXA الفرنسية لدعمها للاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية، وكذلك هو عضو في حركة BDS المطالبة بمقاطعة العالم لـ”إسرائيل” ومحاسبتها، وقال في تصريح لموقع الحركة على الإنترنت إنه رغم تأييده لحل الدولتين، فهو يؤيد إجراءات المقاطعة لـ”إسرائيل”، رغم اختلافه مع بعض تكتيكات دعوات المقاطعة، لافتًا إلى أنه كثيرًا ما شارك في أنشطة تهدف إلى محاسبة “إسرائيل”.
ألف تشومسكي حتى الآن أكثر من 150 كتابًا، إضافة إلى عشرات المقالات البحثية والدراسات، ليست كلها عن السياسة أو عن فلسطين، لكن كثيرًا منها يتعلق بفلسطين سواء بشكل مباشر مثل كتابه “المثلث المحتوم: الولايات المتحدة وإسرائيل والفلسطينيون” الذي صدر عام 1983، أو ضمن كتب أشمل عن الهيمنة الأمريكية على العالم واستغلالها لـ”إسرائيل” للهيمنة على الشرق الأوسط، مثل “ماذا يريد العم سام” أو “من يحكم العالم”، وغيرها.
إضافة إلى مشاركاته بحوارات أو مقالات في كتب مع باحثين آخرين عن القضية الفلسطينية، مثل كتاب “غزة: بحث في استشهادها” مع نورمان فنكلشتاين، وكتاب “غزة في أزمة” مع إيلان بابيه، وكذلك صار تشومسكي أحد أهم النجوم المرحب بهم في الإعلام المؤيد للقضية الفلسطينية.
رؤية تشومسكي للقضية الفلسطينية: الصهيونية حركة إجرامية.. ولكن!
تأسيسًا لرؤية تشومسكي المتشعبة للقضية الفلسطينية، فإنه يوضح بما لا يدع مجالًا للشك أنه يرى الصهيونية حركة إجرامية مثلها مثل أي إيديولوجيا تؤمن بإبادة الشعوب للاستيلاء على الأرض.
ورغم اعتراف تشومسكي بـ”إسرائيل”، فهو اعتراف يخضع لفكرة الأمر الواقع وليس اعترافًا بالحق في حد ذاته، حسبما يُفهم من كتابه “القراصنة والإمبراطور القديم والجديد”، إذ يرى تشومسكي أن الفلسطينيين مثلهم مثل سكان أمريكا الأصليين، فكما جاء الأوروبيون واغتصبوا الأراضي الأمريكية، جاء اليهود واغتصبوا فلسطين، وبدأ الأمر يخضع لمنطق القوة، لأن البقاء في هذه الحالة للأقوى.
وفي سبيل ذلك اعتمدت “إسرائيل” على الحماية الدولية المتمثلة أولًا في بريطانيا، ثم الولايات المتحدة، وعلى ما أطلق عليه تشومسكي إعادة هندسة تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي من أمريكا و”إسرائيل”.
وعن أسباب تأييد أمريكا لـ”إسرائيل” على طول الخط، يرى تشومسكي أن المسألة متشعبة، لكن من الأسباب الرئيسية لذلك، دعم صناعة السلاح الأمريكية، وتغذية العرب بالرعب من “إسرائيل” ليدفعوا أكثر وأكثر للولايات المتحدة التي تملك أكبر وأهم مصانع للأسلحة في العالم، معتبرًا أن العالم العربي من أهم الأسواق لبيع السلاح الأمريكي، إن لم يكن أهمها.
والضغط على العرب، لا سيما دول الخليج، وتغذية رعبهم من “إسرائيل”، لا يجبرهم فقط على شراء المزيد من الأسلحة الأمريكية، لكن يجبرهم أيضًا على عدم الانفلات من طوع واشنطن التي تضمن حمايتهم وبالتالي السيطرة على ثرواتهم البترولية.
وبالتوازي مع هذا الرعب تستخدم أمريكا الفيتو في مجلس الأمن، لإعاقة السلام في الشرق الأوسط، والذي يأتي تأثيره على القضية الفلسطينية من اتجاهين: الأول هو تعطيل قيام دولة فلسطين، أو نيل الفلسطينيين لأي حقوق.
يرى تشومسكي أن الحل الواقعي للقضية الفلسطينية هو حل الدولتين وفقًا لقرارات الشرعية الدولية، ضمن حدود ما قبل عام 1967
أما الاتجاه الآخر لتأثير الفيتو، فهو إعطاء الضوء الأخضر، أو أوامر بشكل غير مباشر لوسائل الإعلام الغربية المؤيدة للصهيونية بمحو أي مبادرة للسلام قدمها الفلسطينيين من التاريخ، والتركيز بإلحاح على الرواية الإسرائيلية للحدث ولتاريخ الصراع فقط، وينعكس ذلك بالطبع على الإنتاج الأكاديمي الغربي، حسبما ذكر تشومسكي في كتابه “Perilous Power” الذي صدر بالتشارك بينه وبين جلبير الأشقر، وترجم إلى العربية تحت عنوان “السلطان الخطير: السياسة الخارجية الأميركية في الشرق الأوسط”.
هذا الفيتو الأمريكي هو عنوان لسياسة أمريكية لا تريد السلام في الشرق الأوسط، فمبادرات السلام الأمريكية ليس لها علاقة في نظر تشومسكي بالسلام الحقيقي، فهي عبارة عن إملاءات على الفلسطينيين والعرب لتقديم تنازلات لا تنتهي، بدءًا بالاعتراف بـ”إسرائيل”، ثم إلغاء حق عودة اللاجئين من المطالبات الفلسطينية، وغيرها من تنازلات تستغلها “إسرائيل” تدريجيًا لتقوية موقفها.
فـ”إسرائيل” كانت ترى أن قيام الدولة الفلسطينية أمر ممكن، لذلك عملت مع الولايات المتحدة على فرض التنازلات على الفلسطينيين لإضعافهم وتفويت فرصة السلام، وتضييع الوقت في جدل حول هذه التنازلات، لإعطاء “إسرائيل” الفرصة لسحق أي مقومات يملكها الفلسطينيون تمكنهم من إنشاء دولتهم، حسبما جاء في كتابه “أوهام الشرق الأوسط”.
ويؤكد تشومسكي أن توالي العمليات العسكرية الإسرائيلية ضد الفلسطينيين والعرب، لا سيما في جنوب لبنان، مع خلق ذرائع لشن هذه العمليات، ليس هدفه إلا التشويش على أي فرصة للسلام، لافتًا إلى أن تنازلات الفلسطينيين والعرب المتتالية وصلت إلى حد إحراج “إسرائيل”، لأنها كانت عروضًا سخية لا تُرفَض ومع ذلك رفضتها “إسرائيل”.
وللهرب والتشويش على هذه العروض وتبرير الرفض، تختلق “إسرائيل” دائمًا أي ذرائع لخلق أزمات تؤدي لشن هجمات عسكرية لتعطيل ذلك، ولمزيد من الإضعاف للفلسطينيين.
ويؤكد المفكر اليهودي الأمريكي الأشهر أن “إسرائيل” ليس هدفها فقط احتلال كامل فلسطين، لكنها طامعة في أراض عربية أكثر من ذلك، والمؤكد أنها تريد إعادة احتلال سيناء المصرية وضمها إليها، إضافة إلى أي أرض عربية أخرى تستطيع ضمها.
ورغم كل ما سبق، يرى تشومسكي أن الحل الواقعي للقضية الفلسطينية هو حل الدولتين وفقًا لقرارات الشرعية الدولية، ضمن حدود ما قبل عام 1967، حسبما جاء في حواره مع ديفيد بارساميان، والذي نشره في كتاب بعنوان “سجلات المعارضة”.
يرى تشومسكي أن حل الدولتين رغم واقعيته ليس الحل الأمثل، وأن الحل الأمثل بالنسبة له هو دولة واحدة ديمقراطية متعددة العرقيات تضم الفلسطينيين واليهود معًا، بلا تمييز أو تفريق بينهما في الحقوق والواجبات، لكن ذلك غير قابل للتحقق في الوقت الحاضر، نظرًا للظرف السياسي القائم، وبالتالي فإن حل الدولتين هو الأقرب للواقع رغم تعطيله من “إسرائيل”.
تشومسكي يجني كراهية الإعلام والنخبة الأمريكية ثمنًا لمواقفه
دائمًا ما يتَّهِم تشومسكي الإعلام الغربي بالانحياز للرواية الصهيوأمريكية، ويردد كثيرًا أن الإعلام الأمريكي دائمًا ما يتمسك برواية أن الفلسطينيين يريدون التخلص النهائي من “إسرائيل”، معتبرًا أن الصهاينة وداعمي “إسرائيل” الذي يحظون بنفوذ هائل في الإعلام الغربي يسعون دائمًا إلى إبراز صورة تدعم استمرار “إسرائيل” في توسعها واحتلالها للأراضي العربية، وحشد المجتمع الليبرالي الأمريكي تجاه ذلك، حسبما جاء في “سجلات المعارضة”.
وعن هذا الزيف الإعلامي يقول تشومسكي لأستاذ العلوم السياسية نورمان فنكلشتاين في حواره معه الذي نشره في كتابه “غزة: بحث في استشهادها”: “ستجدهم دائمًا يصفون حركة حماس بقولهم “حماس المدعومة من إيران، والمكرَّسَة لتدمير إسرائيل”، لكنك لن تجدهم أبدًا يقولون “حماس المنتخبة ديمقراطيًا، التي طالما تدعو إلى تسوية سياسية للقضية تعرقلها الولايات المتحدة”.
ويؤمن تشومسكي بأن حماس جاءت للسلطة وفقًا لانتخابات حرة نزيهة، وأنها تعرضت لمؤامرة من الرئيس محمود عباس والقيادي في حركة فتح محمد دحلان والولايات المتحدة و”إسرائيل”، ما أدى إلى اشتعال الأزمة التي أدت إلى طرد حركة فتح من غزة.
وعلى نفس الوتيرة يقول عن الإعلام الأمريكي في كتابه “أوهام الشرق الأوسط”: ستجدهم يقولون إن الفلسطينيين (كل الفلسطينيين) يريدون تدمير “إسرائيل”.. ويتجاهلون كل مبادرات السلام العربية التي وافق عليها الفلسطينيون، ويتجاهلون كل التنازلات التي قدمها الفلسطينيون لتأسيس دولتهم بجانب دولة “إسرائيل”.
لكل ما سبق وغيره من تعاطي للأزمات الدولية، وفقًا للمصالح الأمريكية، يرى تشومسكي أن المؤسسات الإعلامية الأمريكية هي وسيلة من وسائل رأس المال والشركات الأمريكية الكبرى التي يسيطر عليها رأس المال الصهيوني، والذي يسيطر بالتبعية على السياسة الأمريكية.
العداء مع الإعلام الأمريكي وصل حد تأليف تشومسكي كتابًا بالتعاون مع إدوارد هيرمان عام 1988 بعنوان “تصنيع الموافقة”، يرى خلاله أن وسائل الإعلام الأمريكية ليست حرة كما تدعي، وإنما مؤسسات تحركها الإيديولوجيا السياسية الخادمة للنظام الأمريكي المدعوم من السوق الرأسمالي، تلك المؤسسات التي تفرض على نفسها رقابة ذاتية لجعل نفسها خادمة دائمًا للسياسات الأمريكية.
وبناءً على تلك الآراء الصدامية صار تشومسكي غير مرحب به في أغلب وسائل الإعلام الأمريكية، حسبما يرى الكاتب والسياسي الأمريكي صاحب الميول الديمقراطية اليسارية نورمان سولومون في مقالة له.
ويستشهد سولومون ببرنامج “هواء نقي” المذاع على شبكة NPR، الذي استضاف تشومسكي مرة واحدة فقط عام 1982، ومن بعدها لم يستضفه ولو مرة واحدة بعدها، مشيرًا إلى أن النخبة الأمريكية عمومًا لا تحب تشومسكي، فيما عدا استثناءات بسيطة وكذلك وسائل الإعلام الأمريكية الكبرى، رغم أنه مرحب به في كبرى وسائل الإعلام خارج الولايات المتحدة.
ورغم هذا الترحيب به خارج الولايات المتحدة يصفه الإعلامي روبرت سيجل، في مجلة كارنت بأن جمهوره محدود، ووعيه زائف وواهم، يقول سولومون، ورغم هذا العداء لتشومسكي في بلاده على مدار أغلب عمره الذي يقترب من 96 عامًا، استطاع أن يكون أقوى من أعدائه، بعلمه وثقافته ومواقفه الصارمة المؤيدة للحريات في كل العالم، وعلى رأسها حرية الفلسطينيين، حتى إن أحد المراسلين الإعلاميين الأمريكيين، قال إنه في أثناء زيارته لمكتبة يملكها فلسطيني في القدس بعد طوفان الأقصى رأى كتبه تملأ المكتبة، وهذا أكبر دليل على تأثير تشومسكي العابر للحدود.