حلّ أمير الكويت الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، في قرار مفاجئ، مساء الجمعة 10 مايو/أيار الماضي، مجلس الأمة (البرلمان)، كما علق العمل بـ7 مواد في الدستور الكويتي، بشكل كلي أو جزئي، لمدة لا تزيد على 4 سنوات، على أن يتم في تلك الفترة دراسة الممارسة الديمقراطية في البلاد وعرضها على أمير البلاد لاتخاذ ما يراه مناسبًا.
كما أصدر في كلمة بثّها تلفزيون الدولة الرسمي، قرارًا بتولي الأمير ومجلس الوزراء الاختصاصات المخولة بمجلس الأمة، إضافة إلى إصدار القوانين بمراسيم قوانين (بدلًا من طرحها على المجلس)، فيما وجّه توبيخًا لسلوك أعضاء مجلس الأمة المُنتخب أخيرًا في 4 أبريل/نيسان الماضي.
وتأتي تلك القرارات في وقت حساس سياسيًا، يحمل الكثير من الرسائل، قبل 4 أيام فقط من موعد افتتاح البرلمان الجديد الذي كان مقررًا في 14 مايو/أيار الجاري، وقبيل تسمية رئيس الحكومة المكلف الشيخ أحمد العبدالله الصباح حكومته الجديدة.
أزمة دستورية جديدة تحلق في الأفق الكويتي المأزوم سياسيًا بطبيعة الحال منذ سنوات طويلة في ظل الصدام والصراع الذي لا ينتهي بين الحكومة والبرلمان، وهو الصراع الذي تغذيه نعرات التربص والقبلية، ويهدد بتعريض البلاد لفراغ سياسي يهدد تجربتها الديمقراطية ويضع مستقبل الدولة النفطية السياسي على المحك.
7 مواد دستورية معطلة.. ما هي؟
هناك 5 مواد تم تعطيلها بشكل كامل وهي:
المادة (51) وتنص على أن “السلطة التشريعية يتولاها الأمير ومجلس الأمة وفقًا للدستور”.
المادة (79) وتنص على أنه “لا يصدر قانون إلا إذا أقره مجلس الأمة وصدق عليه الأمير”.
المادة (107) وتنص على “للأمير أن يحلّ مجلس الأمة بمرسوم يبين فيه أسباب الحلّ، على أنه لا يجوز حلّ المجلس لذات الأسباب مرة أخرى”، وأنه “إذا حُلّ المجلس وجب إجراء الانتخابات للمجلس الجديد في ميعاد لا يجاوز شهرين من تاريخ الحلّ”، فإن لم يتحقق ذلك خلال هذه المدة “يسترد المجلس المنحلّ كامل سلطته الدستورية، ويجتمع فورًا كأن الحلّ لم يكن، ويستمر في أعماله إلى أن يُنتخب المجلس الجديد”.
المادة (174) وتنص على: “للأمير ولثلث أعضاء مجلس الأمة حق اقتراح تنقيح هذا الدستور بتعديل أو حذف حكم أو أكثر من أحكامه، أو بإضافة أحكام جديدة إليه” وتتابع: “فإذا وافق الأمير وأغلبية الأعضاء الذين يتألف منهم مجلس الأمة على مبدأ التنقيح وموضوعه، ناقش المجلس المشروع المقترح مادة مادة”.
واشترطت “لإقراره موافقة ثلثي الأعضاء الذين يتألف منهم المجلس، ولا يكون التنقيح نافذًا بعد ذلك إلا بعد تصديق الأمير عليه وإصداره”، وأنه “إذا رُفض اقتراح التنقيح من حيث المبدأ أو من حيث موضوع التنقيح فلا يجوز عرضه من جديد قبل مضي سنة على هذا الرفض ولا يجوز اقتراح تعديل هذا الدستور قبل مضي 5 سنوات على العمل به”.
المادة (181) وتنص على “لا يجوز تعطيل أي حكم من أحكام هذا الدستور إلا في أثناء قيام الأحكام العرفية في الحدود التي يبينها القانون. ولا يجوز بأي حال تعطيل انعقاد مجلس الأمة في تلك الأثناء أو المساس بحصانة أعضائه”.
ومادتان تعطل العمل فيهما جزئيًا:
المادة (56) تنص أنه “يعين الأمير رئيس مجلس الوزراء بعد المشاورات التقليدية ويعفيه من منصبه كما يعين وزراء ويعفيهم من مناصبهم بناء على ترشيح رئيس مجلس الوزراء. تعيين الوزراء من أعضاء مجلس الأمة ومن غيرهم. ولا يزيد عدد الوزراء جميعًا على ثلث عدد أعضاء مجلس الأمة”. وتم تعليق العمل بالفقرتين الثانية والثالثة منها أي التي يرد فيها ذكر أعضاء مجلس الأمة.
المادة (71) التي تتعلق بصدور “مراسيم الضرورة” في غياب مجلس الأمة، سواء بسبب الحلّ أو الإجازة في الأوضاع العادية، في حال وجود ما يستدعي إصدار هذه المراسيم في أثناء غياب المجلس، وتم تعليق العمل في الفقرة الثانية من المادة التي تنص على أنه “يجب عرض هذه المراسيم على مجلس الأمة خلال 15 يومًا من تاريخ صدورها إذا كان المجلس قائمًا، وفي أول اجتماع له في حالة الحلّ أو انتهاء الفصل التشريعي، فإذا لم تعرض زال بأثر رجعي ما كان لها من قوة القانون بغير حاجة إلى إصدار قرار بذلك”.
ما الذي حدث؟
في الثامن من أبريل/نيسان الماضي أصدر أمير البلاد مرسوما أميريًّا بتأجيل انعقاد أولى جلسات مجلس الأمة من 17 من الشهر ذاته إلى 14 مايو/أيار الحالىّ، وذلك لمنح مهلة لتشكيل الحكومة الجديدة قبيل انعقاد الجلسة الأولى للبرلمان، وذلك بعد اعتذار رئيس الحكومة المكلف الشيخ محمد الصباح عن تشكيل الحكومة وتكليف الشيخ أحمد العبدالله.
واستند الأمير في مرسومه إلى المادة (106) من الدستور، التي تنص: “للأمير أن يؤجل بمرسوم اجتماع مجلس الأمة لمدة لا تتجاوز شهرًا، ولا يتكرر التأجيل في دور الانعقاد إلا بموافقة المجلس ولمرة واحدة، ولا تحسب مدة التأجيل ضمن فترة الانعقاد”، غير أن القرار قوبل بموجة غضب عارمة من جانب عدد من النواب.
وبعد ساعات من صدور هذا المرسوم أعلن البرلماني صالح عاشور، أكبر أعضاء البرلمان سنًا، أنه سيدعو إلى الجلسة الافتتاحية حسب المواعيد الدستورية والمقررة لها في 17 أبريل/نيسان، مستندًا في ذلك إلى المادة (87) التي تنص على “استثناء من أحكام المادتين السابقتين، يدعو الأمير مجلس الأمة لأول اجتماع يلي الانتخابات العامة للمجلس في خلال أسبوعين من انتهاء تلك الانتخابات، فإن لم يصدر مرسوم الدعوة خلال تلك المدة، اعتبر المجلس مدعوًا للاجتماع في صباح اليوم التالي للأسبوعين المذكورين، مع مراعاة حكم المادة السابقة”، فيما تمسك عدد كبير من النواب بانعقاد الجلسة الافتتاحية في موعدها، رافضين المرسوم الأميري بالتأجيل.
وبين من يراه قرارًا دستوريًا في مواجهة من يرونه مخالفة صريحة، فجّر تأجيل الجلسة الافتتاحية أزمة جديدة بين البرلمان والحكومة والسلطات، في مشهد ربما ليس غريبًا لكنه هذه المرة يعكس حالة التربص والندية المتفشية بشكل يضع مصالح الدولة في خطر محدق.
وقد توعد بعض النواب باستجواب عدد من الوزراء المتوقع أن يشملهم التشكيل الحكومي الجديد مع الجلسة الأولى للبرلمان، على رأسهم وزير الداخلية بالوكالة فهد اليوسف، وذلك فيما يتعلق بملف سحب الجنسيات، بجانب وزراء الاتصالات والمالية والتربية، الأمر الذي اعتبره البعض بداية غير مبشرة بشأن مستقبل العلاقة بين السلطتين التنفيذية والتشريعية، ما يشير إلى صدام مبكر ومرتقب يقود إلى إحدى النتيجتين المعروفتين، إما حل البرلمان أو حل الحكومة.
وكان 9 نواب قد عقدوا اجتماعًا استثنائيًا في 9 مايو/أيار الحالي وحذروا خلاله رئيس الوزراء المكلف، الشيخ أحمد العبدالله، من الاستعانة ببعض الأسماء الوزارية المغضوب عليها شعبيًا، على حد قولهم، منوهين إلى أنهم سيستخدموا صلاحياتهم وأدواتهم الدستورية في التصدي لهذا الأمر، ما زاد من اشتعال الأزمة بين حكومة لم تتشكل بعد وبرلمان لم يؤدِ أعضاؤه اليمين الدستورية.
لا لتحطيم الدولة
في ظل تلك الأجواء السامة بين البرلمان والحكومة، والتربص المسبق بين السلطتين، لم يجد أمير الكويت بدًا من التدخل الحاسم، حتى لو كان عنيفًا، لإنقاذ الدولة من التحطيم باسم الديمقراطية، لافتًا إلى أن تلك القرارات الصادرة مؤخرًا إنما جاءت بعد تجاهل نصائحه وتوجيهاته على مدار عامين كاملين منذ أن كان وليًا للعهد.
وأوضح مشعل أن الكويت مرت بأوقات صعبة خلال الفترة الماضية، كان لها انعكاساتها العكسية على جميع الأصعدة، ما خلق واقعًا سلبيًا، تطلب التدخل بتقديم النصح والإرشاد مرة تلو الأخرى، “لكن مع الأسف واجهنا من المصاعب والعراقيل ما لا يمكن تصوره أو تحمله، وسعى البعض جاهدًا إلى غلق كل منفذ حاولنا الولوج منه لتجاوز واقعنا المرير، مما لا يترك لنا مجالًا للتردد أو التمهل لاتخاذ القرار الصعب؛ إنقاذًا لهذا البلد، وتأمينًا لمصالحه العليا، والمحافظة على مقدرات الشعب الوفي الذي يستحق كل تقدير واحترام”.
كما وبّخ أمير البلاد نواب مجلس الأمة بشدة، وحمّلهم – خلال خطابه المتلفز – مسؤولية ما وصلت إليه الأمور في البلاد، “لقد لمسنا خلال الفترات السابقة بل وحتى قبل أيام قليلة، سلوكًا وتصرفات جاءت على خلاف الحقائق الدستورية الثابتة، فهناك من هدد وتوعد بتقديم الاستجواب لمجرد أن يعود أحد الوزراء إلى حقيبته، وآخر اعترض على ترشيح البعض الآخر، متناسين جهلًا أو عمدًا، أن اختيار رئيس الحكومة وأعضائها حق دستوري خالص لرئيس الدولة، ولا يجوز لأحد اقتحام أسواره أو الاقتراب من حدوده أو التدخل في ثناياه”.
واعتبر مشعل أن هذا التربص والتمادي فيه وصل إلى حدود لا يمكن القبول بها أو السكوت عنها لما تشكله من هدم للقيم الدستورية والمبادئ الديمقراطية، وأن هناك إفراط ومبالغة في استخدام الحقوق الدستورية وعلى رأسها الاستجوابات، ما أجهضها من قيمتها وأهدافها، وحولها إلى أدوات عرقلة وتعطيل، ما كان يتطلب التدخل الحاسم لإنهاء هذه المعضلة.
تهديد التجربة الديمقراطية
لا يكاد يمر عام أو أكثر إلا ويستيقظ الشارع الكويتي على صدام جديد بين الحكومة والبرلمان، تكون نتيجته في الغالب قرارًا أميريًّا بحل أي منهما أو كليهما، حتى تحولت العلاقة بين السلطتين إلى علاقة تناطحية ندية أكثر منها تكاملية تعاونية كما يجب أن تكون، وهو ما ألقى بظلاله القاتمة على خطط التنمية وعرض الدولة لشلل نصفي يقيد حركتها بشكل أو بآخر.
ويبدو أن السيولة السياسية التي منحها دستور البلاد قد مهدت الطريق بشكل كبير لظهور هذا المشهد الذي غذته القبلية والطائفية التي سيطرت على الخريطة البرلمانية فكان لها ارتداداتها السلبية على العلاقة مع السلطة التنفيذية، ما أوصل العملية السياسية إلى الولوج في تلك الدوامة التي لا تنتهي من الفوضى والارتباك.
قال #أمير_الكويت الشيخ #مشعل_الاحمد_الصباح إن بعض النواب في #الكويت وصل بهم التمادي إلى التدخل في صميم اختصاصات الأمير، والبعض يريد التدخل باختيار #ولي_العهد وهو حق خاص بالأمير.#الديوان_الأميري
— مصطفى كامل (@mustafakamilm) May 10, 2024
وأدى هذا التناطح بين السلطتين إلى إرهاق التجربة الديمقراطية في البلاد بحسب وصف المحلل السياسي الكويتي، مساعد المغنم، الذي يرى أن المشهد الآن يتطلب البحث عن وسائل إنعاش جديدة للتجربة أو البحث عن نماذج أخرى أكثر مرونة وحيوية، وهو ما اتفق معه عليه وزير الإعلام الكويتي الأسبق، سعد بن طفلة العجمي، الذي يصف الحياة النيابية في البلاد بأنها وصلت إلى مرحلة الركود والجمود.
ويرى الوزير الأسبق أن المشهد الآن بحاجة طارئة لإجراء تعديلات دستورية عاجلة، لافتًا في تصريحات سابقة لموقع “الحرة” الأمريكي إلى أن المواد التي تضمنها الدستور الحاليّ بشأن العلاقة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، لم تفارق مكانها منذ سنوات، وباتت أشبه بالبحيرة الراكدة، مطالبًا بمراجعة الدستور وإجراء تعديلات ضرورية وجوهرية في طبيعة اتخاذ القرارات وطبيعة تشكيلة الحكومة والبرلمان وتحديد آلية ممنهجة لطبيعة العلاقات بينهما.
ليست المرة الأولى
قرار تعطيل العمل ببعض مواد الدستور هو الثالث من نوعه في تاريخ الكويت، وجميعها كانت نتيجة الصدام بين البرلمان والحكومة، الأول عام 1976، حين أصدر أمير البلاد الأسبق الراحل الشيخ صباح السالم، قرارًا بتعطيل بعض مواد الدستور بسبب الخلاف الحاد بين السلطتين وتوقفت الحياة البرلمانية نحو 4 سنوات حتى انتخابات عام 1981.
أما الواقعة الثانية فكانت عام 1986، على أيدي أمير الكويت الراحل، الشيخ جابر الأحمد الصباح، حيث عطل بعض المواد الدستورية التي بموجبها جمد البرلمان، وحينها انقطع العمل النيابي 6 سنوات كاملة، وعاد المجلس لأول مرة بعد الغزو العراقي عام 1992.
أما عن مجلس الأمة (البرلمان) فقد تم حله 11 مرة (1976 – 1986 – 1999 – 2008 – 2009 – 2011 (مرتان) – 2012(مرتان) – 2016 – 2023) بما يمثل 70% تقريبًا من إجمالي المجالس المنتخبة منذ أول انتخابات شهدها البرلمان عام 1963، استنادًا إلى المادتين (102) و(107) من الدستور اللتين تنصان على حق أمير البلاد في حل المجلس، من خلال مرسوم يبين فيه أسباب الحل، مع وجوب إجراء انتخابات في ميعاد لا يجاوز شهرين من تاريخ الحل، وإلا يسترد المجلس المنحل كامل سلطته الدستورية ويجتمع وكأن الحل لم يكن.
غير مقبول تدخل بعض الدول في الشأن الداخلي الكويتي والذي سيتم حله بطريقة التفاهم وروح الأسرة الواحدة ، وستعود الأمور بإذن الله سريعا إلى نصابها والمياه الى مجاريها وسيتم عودة سريعة لتفعيل دستور 1962 بالكامل ، وسيعود #مجلس_الامة بكامل صلاحياته الدستورية بعد قرصة الإذن وهذه…
— وليد مساعد الطبطبائي (@Altabtabie) May 11, 2024
وفي مفرمة الحل بين هذا وذاك، يقبع الكويتيون في دوامة لا تنتهي من الفوضى السياسية التي قد تخلف فراغًا يقود البلاد إلى حافة الارتباك وتشابك الاختصاصات، ساعد على ذلك بنية تشريعية تعاني من جمود وتخلف عن مواكبة العصر، وعملية سياسية انزلقت برمتها في شباك الرجعية والتقوقع، مما قد يعرقل مسارات التنمية، ويكبد الدولة كلفة باهظة يدفعها الجميع، نظامًا وشعبًا.
ورغم خدمة الوضعية الفوضوية المرتبكة حاليًا للسلطات الكويتية التي تتعامل مع هذا السجال المستمر بين السلطتين التشريعية والبرلمانية كورقة سياسية يمكن اللعب بها بين الحين والآخر، بما يخدم أهدافها، فإنها خدمات مؤقتة قد تُفضي إلى مكتسبات آنية، غير أنها على المستوى البعيد سيكون لها ارتدادات كارثية تقوض التجربة الديمقراطية من جذورها وتُحدث هزات عنيفة قد لا تتحملها الدولة النفطية إذا ما طال أمدها.
وفي الأخير.. فإن هناك مرحلة قاسية أمام السلطات الكويتية وكل ألوان الطيف السياسي الداخلي، لا تتجاوز في حدها الأقصى 4 سنوات، اختبار طويل المدى نسبيًا لإعادة تقييم المشهد، من خلال قراءة الواقع بشكل عملي دقيق، مع استلهام الماضي ودروسه، في محاولة لاستشراف مستقبل أكثر مرونة وقادر على التعامل مع السيناريوهات والتحديات كافة.