ترجمة وتحرير: نون بوست
يتولى ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان آل سعود، مهمة جديدة في بلاده، حيث يعمل على وضع خطط كبيرة للمملكة التي سيدير زمام أمورها في المستقبل. فقد تعهد وريث العرش بتقويض أكثر من نصف قرن من السياسة المحافظة التي كانت تتبعها المملكة، وتقديم رؤية جديدة جريئة لبلاد تحظى فيها الشرطة الدينية بنفوذ أقل وتتمتع فيها النساء بحرية أكثر من أي وقت مضى. وبناء على ذلك، لا يمكن اتهام ولي العهد بوضع أهداف قصيرة المدى.
في الواقع، كانت هناك مؤشرات مبكرة تدل على تنامي نفوذ ولي العهد داخل المملكة العربية السعودية، حيث وعد برفع القيود التي تمنع المرأة السعودية من القيادة، فضلا عن وضع الكثير من الخطط الرامية إلى إحداث تطورات اقتصادية جديدة وطموحة قيد التنفيذ. وفي الوقت ذاته، أطاح محمد بن سلمان بالعديد من أفراد الأسرة المالكة خلال عملية تطهير، التي جدت في الآونة الأخيرة، بناءً على طلبه.
لا تزال السعودية تعيش على وقع موجة من الاعتقالات المستمرة التي تستهدف الصحفيين والنقاد وعلماء الدين
من جهة أخرى، لقيت هذه الإجراءات ترحيبا كبيرا من البلدان الحريصة على تعزيز علاقاتها الاقتصادية مع المملكة العربية السعودية. ومع ذلك، لا يقاس النجاح الحقيقي في تغيير المملكة العربية السعودية نحو الأفضل بعدد صحف العمود المليئة بالثناء لإنجازاته، وإنما بما تبدو عليه الحياة بالنسبة للسعوديين العاديين. لذلك، عند تقييم جهود ولي العهد، يجب الأخذ بعين الاعتبار النفوذ والصلاحيات التي يحكم قبضته عليها.
تجدر الإشارة إلى أن المملكة قد حدت من الحق في حرية التعبير وبادرت بتضيق الخناق على كل من يجرؤ على تقديم رأي مخالف لها، واعتقاله ومحاكمته. فضلا عن ذلك، لا تفكر السلطات مرتين قبل الحكم على المراهقين بالموت بتهمة المشاركة في الاحتجاجات المناهضة للحكومة، هذا فضلا عن التمييز الراسخ والمنهجي الذي أصبح واقعا يوميا في صفوف النساء والفتيات. وينطبق الأمر نفسه على الأقلية الشيعية في البلاد، الذين يعاملون أساسا باعتبارهم مواطنين من الدرجة الثانية.
بتاريخ 14 آذار/ مارس، اجتمع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بمحمد بن سلمان، الذي كان آنذاك ولي ولي العهد، في المكتب البيضاوي
من هذا المنطلق، يُشكل ما يحدث في السعودية إشارة إيجابية تدل على أن ولي العهد يحرص على أن ينظر العالم إليه كقوة دافعة للتغيير في البلاد. لذلك، يجب أن لا يقع المجتمع الدولي في فخ وعود من المرجح أن تبقى مجرد هراء، في حين يتجاهل حقيقة الوضع على أرض الواقع. وخلال الأشهر القليلة منذ تعيينه وليا للعهد، لم نلمس سببا كافيا للاعتقاد بأن تصريحاته لا تزيد عن كونها مجرد وسيلة لتحسين سجل العلاقات العامة للبلاد، بيد أن سجل البلاد في مجال حقوق الإنسان الأليم لا يزال بعيدا كل البعد عن تحقيق أي تحسن يُذكر.
في سياق متصل، لا تزال البلاد تعيش على وقع موجة من الاعتقالات المستمرة التي تستهدف الصحفيين والنقاد وعلماء الدين. وفي الوقت الحالي، يقبع معظم الناشطين البارزين في المجتمع المدني والمدافعين عن حقوق الإنسان في البلاد، بمن فيهم أولئك الذين كانوا ينددون بفساد الدولة، وراء القضبان. وتماما مثل أسلافه، يبدو ولي العهد عازما على سحق حركات حقوق الإنسان في المملكة العربية السعودية.
من بين الذين جرفتهم حملة التطهير، نجد المؤسسين لجمعية الحقوق المدنية والسياسية في السعودية، عبد العزيز الشبيلي وعيسى الحامد، اللذين ألقي القبض عليهما وسجنا خلال شهر أيلول/ سبتمبر. ومنذ فترة طويلة، كانت هذه المنظمة التي تحظى بقيمة عالية، وتُبلّغ عن انتهاكات حقوق الإنسان، فضلا عن تقديم المساعدة القانونية لأسر المحتجزين دون تهم موجهة إليهم، شوكة في حلق السلطات السعودية.
لا تزال المرأة تعيش في ظل نظام قانوني يكلف الوصي الذكر باتخاذ القرارات التي تخص كل جانب تقريبا من جوانب حياتها
لتشتيت الانتباه عن عمليات القمع الجارية في البلاد، أصدرت السلطات السعودية مرسوما ملكيا يسمح للمرأة بقيادة السيارة خلال الشهر نفسه الذي شنت فيه حملة الاعتقالات. ولا شك أن هذا التغيير يمثل خطوة إيجابية إلى الأمام بالنسبة للمرأة العربية السعودية ونجاحا للكثيرات اللواتي دافعن عن حقوق المرأة ودفعن حياتهن ثمنا لذلك.
لكن بعد ذلك الإعلان، صرّحت الكثير من النساء الناشطات في حقوق الإنسان في المملكة أنهن تلقين مكالمات هاتفية تحذرهنّ من التعليق بصفة علنية على هذه التطورات. فضلا عن ذلك، تم تهديديهنّ بأنه إذا لم يمتثلنّ لهذه التعليمات سوف يتعرضن لخطر الاستجواب. في المقابل، توجد القليل من المعلومات عن كيفية تنفيذ المرسوم، الذي سيصبح ساري المفعول ابتداء من شهر حزيران/ يونيو من السنة المقبلة.
حتى اللحظة الراهنة، كل ما يمكن أن نفهمه هو أن بن سلمان سوف يتبع “اللوائح القانونية المعمول بها”، دون وضع توضيح حول ما يعنيه ذلك بالضبط. وفي الوقت نفسه، لا تزال المرأة تعيش في ظل نظام قانوني يكلف الوصي الذكر باتخاذ القرارات التي تخص كل جانب تقريبا من جوانب حياتها. في المقابل، تتجلى إحدى أكبر الإشارات التحذيرية التي تدل على أن المملكة العربية السعودية ليست مستعدة لتأخذ قضايا حقوق الإنسان على محمل الجد، فيما تفعله الرياض في اليمن المجاور.
في وقت سابق ن شهر تشرين الثاني/ نوفمبر، حذرت الأمم المتحدة من الوضع الكارثي في اليمن، الذي يشهد “أكبر مجاعة في العالم منذ عقود طويلة. وحيال هذا الشأن، تعتبر قوات التحالف التي تقودها المملكة العربية السعودية المسؤولة جزئيا عما آلت إليه الأوضاع في اليمن. ومنذ مطلع تشرين الثاني/ نوفمبر، شددت المملكة العربية السعودية الحصار على البلاد من خلال عرقلة المساعدات الغذائية من الوصول إلى أمة تعاني بالفعل من الجوع وويلات الحرب.
صور الحرب تفضح أعمال السعودية في اليمن، فضلا عن صور الإصلاحيين الحقيقيين في المملكة الذين يقفون وراء القضبان
وفقا لما ورد في تقارير المنظمة غير حكومية البريطانية التي تُعنى بالدفاع عن حقوق الطفل حول العالم، “أنقذوا الأطفال”، يموت حوالي 130 طفلا يمنيا كل يوم. وعلى الرغم من إعادة فتح طرق الوصول الرئيسية منذ ذلك الحين، لا تزال هناك القليل من الأدلة التي تشير إلى أنه سيتم السماح بوصول ما يكفي من المعونة للمتضررين أو ضمانات لعدم فرض حصار مرة أخرى على البلاد، خاصة بعد سيطرة الحوثيين على صنعاء. وعلى خلفية ذلك، من المؤكد أن قوات التحالف التي تعمل بقيادة المملكة العربية السعودية قد زادت من عدد الضربات الجوية خلال شهر كانون الأول/ ديسمبر.
في الحقيقة، ارتكبت جميع الأطراف المتدخلة في النزاع جرائم خلال هذه الحرب، غير أن المملكة العربية السعودية أثناء معركتها ضد المتمردين الحوثيين في اليمن قررت أن تجعل العقاب الجماعي للمدنيين اليمنيين تكتيكا مقبولا في الحرب، في حين أنه مرفوض تماما.
على ضوء هذه المعطيات، يبدو أن السلطات السعودية ليست حريصة على أن يرى العالم الخارجي كيف تخوض هذه الحرب. في المقابل، كانت صور الحرب تفضح أعمالها، فضلا عن صور الإصلاحيين الحقيقيين في المملكة العربية السعودية الذين يقفون وراء القضبان. لذلك يجب أن نفكر مليا في المرة القادمة قبل تقديم تأييد عرضي لجهود ولي العهد الجديد الرامية إلى إحداث إصلاحات في المملكة.
المصدر: نيوزويك