عندما أرادت كتائب عز الدين القسام الجناح العسكري لحركة حماس الإسلامية أن تجند أول امرأة في العمل الجهادي العسكري، اختارت فتاة جامعية لم تكن محجبة هي “أحلام التميمي”.
حماس المتجذرة من رحم جماعة الإخوان المسلمين التي لا تعدم النساء المحجبات في تنظيمها، حيث للحركة تنظيمها النسائي الخاص بها، ويضم عشرات الفتيات التواقات للتضحية بأنفسهن في سبيل الله ولتحرير الوطن، إلا أن الكتائب اختارت فتاة ليست محجبة لتكون رائدة العمل النسائي الجهادي العسكري.
أما هبة دراغمة ابنة سرايا القدس الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي الملتزمة بكامل حجابها وزادت عليه حشمة بارتدائها للخمار، فيوم أن نفذت عمليتها (العفولة) كانت ترتدي بنطال جينز وقميص بكمين قصيرين مما أوهم الضباط الصهاينة أنها إحدى الطالبات اليهوديات، فمكنها من التقدم إلى مدخل بوابة المجمع التجاري في العفولة لتفجر نفسها موقعة أربعة صهاينة قتلى والعشرات منهم جرحى، هذه النماذج وغيرها الكثير ليست غريبة على بنية ثقافة المقاومة الفلسطينية.
هذا المشهد لا يروق للبعض المتطفل بما يعتقده فقهًا ويصر على خلق حالة اشتباك بين المجتمع والإسلام بتساؤله عن حجاب عهد التميمي، ويمنح لنفسه شرعية الإله في الحكم على الآخرين
فلو جالست فدائية سابقة في أحد مخيمات اللجوء الفلسطيني المتناثرة، ستروي لك “أم الوفا” عن ليالي الشتاء الباردة وهي تهرب السلاح للفدائية في التلال، وستقص عليك الأرملة “أم تيسير” كيف كانت تُخفي المقاومين الرجال في منزلها بالأيام، يسردون لك هذه الأخبار كالمسلمات في مجتمعنا المرة تلو الأخرى ولم يوقف حديثهن أحدهم ليتأكد هل كان معهن محرم أو كن محجبات!
من الطبيعي أن ترى إسماعيل هنية “أبو العبد” في جولة تفقدية في مخيم الشاطئ تحيط به النساء الفلسطينيات والكبيرات في السن يقبلنه على وجنتيه، ولن ترى “أبو العبد” يزجرهن ليتأكد أيهن من القواعد من النساء!
أصالة ثقافة المقاومة الفلسطينية منسجمة مع بيئتها المجتمعية، تكْبِر في المرأة الفلسطينية نضالها، “فأخت الرجال” و”امرأة بمئة رجل” تعابير فلسطينية تؤكد خصوصية مكانة المرأة بالمقارنة مع الرجل، وعهد التميمي شقراء المقاومة الفلسطينية حبة لؤلؤ في عقد لآلئ المقاوِمات الفلسطينيات الذي لم يختم بعد.
هكذا هي يومياتنا الفلسطينية، فتيات ينتزعن من ناب التنين ناره يعتلين العنقاء ويضرمن غضبهن في الغول فيصطلي العنت الصهيوني، إلا أن هذا المشهد بات لا يروق للبعض المتطفل بما يعتقده فقهًا ويصر على خلق حالة اشتباك بين المجتمع والإسلام بتساؤله عن حجاب عهد التميمي، ويمنح لنفسه شرعية الإله في الحكم على الآخرين، يقزم المقاومة في سطحية قراءته للأحكام الشرعية بعيدًا عن النظر العميق في مقاصد الشريعة الإسلامية، يستحوذ عليه هوس منصب الناطق الرسمي والوحيد باسم الإسلام.
أي عدالة ومصلحة وحكمة يرجوها أولئك المثيرون لجدلهم الغث عن حجاب عهد التميمي؟
فأبو محجن الثقفي صحابي رسول الله صلى عليه وسلم ابتلي بإدمان شرب الخمر، فكانت معركة القادسية، فأمر سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه بحبس أبي محجن إذْ كان مخمورًا، فلما سمع أبو محجن منادي الجهاد توسل إلى زوجة سعد بن أبي وقاص أن تفك قيده وفعلت، ليثب على فرسٍ لسعد تدعى (البلقاء) لا يبقي من كتيبة العدو سهمًا على وتر، ولما علم سعد بالأمر لم ينصب له مشنقة ولم يسن له سيفًا بل امتدح فعله وأخلى سبيله.
هؤلاء هم صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهذا فقههم وما علِمنا أغير منهم على دين الله، يقول ابن القيم: “كل مسألة خرجت من العدل إلى الجور ومن الرحمة إلى ضدها ومن المصلحة إلى المفسدة ومن الحكمة إلى العبث، فليست من الشريعة وإن أدخلت في الشريعة بالتأويل”.
فأي عدالة ومصلحة وحكمة يرجوها أولئك المثيرون لجدلهم الغث عن حجاب عهد التميمي؟ فإنْ عجزتم عن إعارة عهد التميمي برجال يؤدون فرضكم بالدفاع عن فلسطين الذي اعتقلت لأجله، فرجاء أعيرونا خرسكم.