ما إن انتهى مؤتمر الأستانة 8 حتى صعدت روسيا من هجماتها الجوية على مناطق المعارضة السورية، وكذلك كثفت طائرات النظام من طلعاتها الجوية التي شملت مناطق كان من المفترض أن تكون ضمن دائرة خفض التصعيد.
لكن روسيا تريد أن تحسم الصراع السوري على طريقتها، فهي تعلن بأن الحل في سوريا سياسيًا وليس عسكريًا، لكنها تحارب على جبهتين: عسكرية من خلال هجماتها الجوية التي لا تكاد تهدأ، وسياسية من خلال مؤتمرات تحت رعايتها وضمن رؤيتها للحل.
فهي اليوم تسابق الزمن لكي تنهي الحرب في سوريا بنصر لها ولحليفها النظام، لذا تعمل على تفصيل معارضة على قياسها لتكون ملائمة للنظام السوري، كذلك تريد فرض حل يضمن لها مصالحها المستقبلية التي كانت تسعى لها منذ انطلاق الاتحاد السوفييتي السابق بوضع موطئ قدم لها في المياه الدافئة.
روسيا اليوم تضغط على المعارضة لإجبارها بقبول الحل على الطريقة البوتينية والمستنسخة من التجربة الشيشانية، فهي تصعد من هجماتها الجوية لكي تحدث خللاً بين الفصائل السورية وذلك من خلال تهجير وقصف حواضن تلك الفصائل
وهذا ما يحدث اليوم من خلال استغلالها لدعم النظام السوري الذي ما عاد يهمه سيادة وطنية بقدر ما يهمه القضاء على معارضيه الذين ينظر إليهم بكل ألوانهم على أنهم خطر وجودي على امتيازاته الطائفية التي عمل عليها منذ 5 قرون.
فروسيا اليوم تضغط على المعارضة لإجبارها بقبول الحل على الطريقة البوتينية والمستنسخة من التجربة الشيشانية، فهي تصعد من هجماتها الجوية لكي تحدث خللاً بين الفصائل السورية وذلك من خلال تهجير وقصف حواضن تلك الفصائل، وتضغط أكثر على الفصائل التي ستقول لتحرير الشام لا بد من القبول بسوتشي وإلا فإن آلاف المدنيين سيهجرون قسرًا نتيجة الهجمات الروسية.
في نفس الوقت لم تتوقف روسيا عن التمهيد الجوي لقوات النظام التي فتحت أكثر من ثلاثة محاور ضد هيئة تحرير الشام التي تجد نفسها شبه وحيدة في هذه المواجهة، فروسيا من خلال تركيا أرادت الضغط على الفصائل لكي تبتعد عن تحرير الشام وذلك من خلال ضمانات للفصائل بأنها لن تتجاهلها في المؤتمرات الروسية وسيكون لها دور في العملية السياسية القادمة.
أما هيئة تحرير الشام تدرك بأنها اليوم في حالة من الاستنزاف العسكري الذي يراد لها أن تقع فيه داخليًا وخارجيًا، لكن يبقى مجال مناورتها متوقفًا على مدى قدرتها على جر الفصائل للدخول معها في المعارك الدائرة حاليًّا في أرياف حماة وإدلب وحلب، وبالفعل بدأت تحقق هذا الهدف وإن كان بشكل محدود.
من خلال تدجين الموقف التركي، صارت روسيا من يتحكم بشكل شبه كامل بمفاتيح الصراع السوري عسكريًا وسياسيًا، لكن هذا لا يعني أن روسيا على وشك إنهاء الحرب في سوريا لصالحها، بل ما زالت أمامها عوائق كبيرة يمكن أن تعرقل الاستعجال الروسي لحسم الحرب السورية
فالجهاديون اليوم ومعهم فصائل ثورية يخوضون تلك المعارك من خلال تحالف بينهم، يكون خارجه الفصائل الكبرى التي تحسب على التيار الإخواني كأحرار الشام وفيلق الشام وحركة الزنكي، تلك الفصائل التي تخوض معارك مناكفة مع هيئة تحرير الشام وتنافسها على النفوذ الذي ترى أن تحرير الشام نجحت به، ومن هنا تجد نفسها أمام خطر وجودي يجعلها غير متحمسة لخوض المعركة مع تحرير الشام، كما يجعلها تنحو نحو التفاوض والمراهنة على دعم الحلفاء كتركيا التي بات موقفها اليوم أشد عجزًا من السابق وأصبحت تجد نفسها مضطرة للتماهي مع الدور الروسي الذي نجح بإخراج تركيا من دائرة المشروع المضاد لإيران ولحليفها النظام.
فبخروج تركيا من معادلة دعم الفصائل ضد النظام وتركيزها على ترويض تلك الفصائل لصالح الموقف الروسي، تمكنت روسيا من قطع شوط كبير في الصراع السوري يحسب لها حتى على حساب الدور الأمريكي، فمن خلال تدجين الموقف التركي، صارت روسيا من يتحكم بشكل شبه كامل بمفاتيح الصراع السوري عسكريًا وسياسيًا، لكن هذا لا يعني أن روسيا على وشك إنهاء الحرب في سوريا لصالحها، بل ما زالت أمامها عوائق كبيرة يمكن أن تعرقل الاستعجال الروسي لحسم الحرب السورية.
وهذه العوائق تزداد أكثر إن تمكنت الفصائل من التوحد عسكريًا وألغت ورقة التفاوض التي ليست من مصلحتها جانبًا، فعامل الوقت وطول النفس أمران ليسا في مصلحة روسيا، وكذلك إن تمكنت المعارضة من إحداث تغير ولو بسيط في الموقف التركي، فإنها تكون قد أضافت مصاعب في طريق النصر الروسي المنتظر.
السيناريوهات المطروحة حاليًّا هي:
1- ضغط روسي على الأرض يمكّن النظام من تحقيق مكاسب كبيرة تكسبه مزيدًا من الأوراق لصالحه.
2- تدجين المعارضة أكثر واستمالتها بجعلها تنظر لروسيا باعتبارها خصم مخيف وحكم لا بد منه كنظرة السلطة الفسلطينية للدور الأمريكي في عملية السلام مع “إسرائيل”.
3- حدوث مزيد من التقارب التركي الروسي مقابل إرضاء تركيا ببعض المسائل المتعلقة بالقضية الكردية.
4- حصول روسيا على التأييد الخليجي أكثر من السابق لرؤيتها في سوريا.
5- تضييق خيارات المعارضة وجعلها أمام واقع عسكري يجبرها على المضي في الانخراط بالتسوية الروسية.
سوتشي مسلخ الثورة السورية
تريد روسيا في سوتشي القضاء على الثورة السورية بأيدي أصحابها، وذلك من خلال خلق واقع جديد يعتبر كل من يحمل السلاح ولا يرضى بالحل السياسي “الحل الروسي” إرهابيًا ويجب على المجتمع الدولي محاربته، ومن ضمن المحاربين تركيا المشاركة في سوتشي، لذا فإن مرحلة جديدة من حياة الثورة السورية ستولد بعد سوتشي، فأهم ما في الأمر أن روسيا يتمت الثورة السورية وجعلتها تواجه جلادها بنفسها المقسمة أصلاً.