هل تُفضي جولة المفاوضات اليمنية الجديدة إلى خرق في جدار الأزمة؟

يُعاني اليمن منذ 10 سنوات من صراعٍ دامٍ أودى بحياة الآلاف، وفاقم الأزمة الإنسانية، وأدى إلى تدهور الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية، يفاقمه تدخلات خارجية ترتهن الفواعل المحلية بقرارها، وتفسّخ مجتمعي على أسس مذهبية وجهوية وسياسية
ووسط هذا المشهد المضطرب، تتواصل مساعي إنهاء الصراع من خلال المفاوضات كأملٍ منشودٍ لتحقيق السلام وطي السلاح وراب الصدع لا سيما وسط دعوات انفصالية في الشطر الجنوبي من البلاد، لكن هذه المفاوضات تواجه تحديات داخلية وخارجية عديدة، مدفوعة -على ما يبدو- إما بالتعنت أو بالارتهان للخارج.
وسادت أجواء متفاءلة تشي بقرب التوصل لاتفاق بين السعودية والحوثيين (أولًا منذ نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي، عندما وصل التقدم في مسار المحادثات إلى حد الخوض في تفاصيل التفاهمات والإعداد لخروجها إلى العلن، ثم قبل أسابيع)، إلا أن تنفيذ الحوثيين لهجمات في البحر الأحمر ضد السفن التابعة لـ”إسرائيل” وما صاحبه من نشوة حوثية بالترحيب المحلي والعربي بتلك الهجمات، أغرى الجماعة باستثمارها فيما يبدو على طاولة المفاوضات.
والثلاثاء 21 مايو/أيار 2024، عشية الذكرى 34 لتحقيق الوحدة اليمنية، الموافقة 22 مايو/ أيار 1990، حدد رئيس مجلس القيادة الرئاسي في اليمن رشاد العليمي، في كلمة له، 4 مبادئ للسلام مع جماعة الحوثي، بينها “التمسك بالمرجعيات الوطنية والإقليمية والدولية خاصة القرار الأممي 2216 الخاص بالأزمة اليمنية، وعدم المساس بالمركز القانوني والسياسي لليمن، والشمولية في أي عملية سلام وحمايتها بضمانات إقليمية ودولية، والانفتاح على جهود الوساطة لتخفيف معاناة المواطنين”.
ويعتزم المبعوث الأمريكي الخاص إلى اليمن “تيم ليندركينج”، بدء جولة جديدة إلى المنطقة هذا الأسبوع “لمواصلة المناقشات مع الشركاء بشأن عملية السلام في اليمن، والوقف الفوري لهجمات الحوثيين المتهورة في البحر الأحمر والممرات المائية المحيطة به”.
ونستطلع في هذا التقرير، رأي أربعة خبراء حول التحديات التي تعرقل المفاوضات اليمنية وتقف عثرة في مسار تقدمها.
إطلاق سراح المختطفين
وكيل وزارة حقوق الإنسان وعضو الفريق الحكومي في مفاوضات الأسرى والمختطفين، ماجد فضائل، يؤكد أن تعنت مليشيات الحوثي ورفضها المشاركة في جولات المفاوضات الأخيرة (7 نوفمبر/تشرين الثاني 2023 في جنيف، 26 ديسمبر/كانون الأول 2023 في الأردن، 22 أبريل/نيسان 2024 في الأردن) أعاق إطلاق سراح المختطفين والأسرى.
وأضاف فضائل في حديثه لموقع “نون بوست” أن مليشيات الحوثي لا تزال تستخدم هذا الملف الإنساني المهم كورقة للابتزاز السياسي والاستغلال الإعلامي، علمًا بأن الكثير من المختطفين هم من النشطاء السياسيين والصحفيين الذين خطفتهم الميليشيات من منازلهم أو مقرات عملهم أو من الطرقات واستخدمتهم كرهائن لمبادلتهم بعناصرها المتمردة الخارجة على النظام والقانون.
وأشار فضائل إلى أن مليشيات الحوثي تستغل أجهزة القضاء الواقعة تحت سيطرتها لإصدار أحكام جائرة وغير قانونية ضد من يخالفها، ولا يزال الكثير منهم يقبعون في السجون والمعتقلات ويحرم عليهم التواصل مع أسرهم أو معرفة أحوالهم، وعلى رأسهم السياسي محمد قحطان الذي طالب قرار مجلس الأمن بإطلاق سراحه دون أي استجابة ولا يزال مصيره مجهولًا منذ أكثر من ثمان سنوات.
وأكد فضائل أن نجاح أي جولة مفاوضات جديدة مرتبط بمدى تعامل مليشيات الحوثي بإيجابية ومصداقية كاملة ومسؤولية، بمثل ما يتعامل به الوفد الحكومي، مشددًا على أن ما ينتج عن جولة الأستاذ محمد قحطان يعكس تلك المصداقية والإيجابية.
خطوة نحو السلام
ورأى علي محمد الزنم، رئيس لجنة الشؤون الخارجية والمغتربين في البرلمان اليمني الذي يهيمن عليه الحوثيون، أن خريطة السلام التي جرى التوصل إليها مؤخرًا تُمثل خطوة حاسمة نحو تحقيق السلام الشامل في اليمن.
وقال الزنم: “على حد علمي لا توجد مفاوضات جديدة بمعنى طرح قضايا جديدة على طاولة النقاش، بل نحن بصدد مرحلة جديدة حاسمة في مسار المفاوضات اليمنية، خريطة السلام تُبنى على ما تم الاتفاق عليه سابقًا في حوارات الكويت والسويد ومسقط، مع تعديلات طفيفة”.
وأكد الزنم على أهمية بنود خريطة السلام، والتي تهدف إلى تحويل الهدنة الهشة إلى وقف دائم وشامل لإطلاق النار وتبادل إطلاق سراح الأسرى والمعتقلين ودفع رواتب الموظفين وإنهاء الحصار الجوي والبري والبحري وفتح الطرقات بين المحافظات، وغيرها من البنود التي تُشكل مرحلة بناء الثقة قبل الدخول في مفاوضات الشقين السياسي والعسكري مع السعودية أو ما يسمى بالشرعية.
وحول التحديات التي تواجه تحقيق السلام، رأى الزنم أنّ على رأسها، التدخل الخارجي، خاصةً من السعودية والإمارات، فهو بحسب “عائق رئيسي” أمام تقدم المفاوضات والحل الشامل للأزمة اليمنية.
وقال إن التدخل الأمريكي والبريطاني يُعيق أي تقدم في المفاوضات بهدف الضغط على صنعاء لوقف التدخل في حرب غزة.
كما أن انقسام المكونات اليمنية، يحد من مشاركتها الفاعلة في المفاوضات وتقديم تنازلات من أجل تحقيق السلام.
وذكر أن سعي بعض الدول الإقليمية، التي لم يسمها، إلى تحقيق مصالحها على حساب اليمن، يُعيق التوصل إلى حلول مقبولة من جميع الأطراف تخدم الشعب اليمني أولًا وأخيرًا.
ورغم التحديات، أبدى الدكتور الزنم تفاؤله بإمكانية تحقيق السلام، وقال: “أرى سيناريوهين رئيسيين لمسار المفاوضات: النجاح: يتمّ التوصل إلى اتفاق سلام شامل ينهي الحرب ويعالج آثارها، مع عودة اليمن إلى المسار السياسي الطبيعي، السلام مع السعودية فقط: يتمّ التوصل إلى اتفاق سلام مع السعودية فقط، بينما تبقى الأزمة اليمنية الداخلية قائمة مع استمرار تغذيتها من الأطراف الدولية والإقليمية.
سيناريوهات لمستقبل اليمن
بدوره، حذر الإعلامي والمحلل السياسي العماني أحمد الشيزاوي، في حديث لموقع “نون بوست” من أن تحقيق أي تقدم في الملف اليمني يواجه تحديات جسيمة، بدءًا من الانقسام المجتمعي العميق، مرورًا بالتشرذم السياسي الملموس، وصولًا إلى انهيار المنظومة الاقتصادية على كامل الأراضي اليمنية، وتفكك الجغرافيا السياسية للدولة اليمنية الموحدة التي عرفها العالم في العقود الماضية. كل هذه العوامل، بالإضافة إلى تفاقم الأزمة الإنسانية نتيجة الحرب الدائرة منذ سنوات، أدت إلى فشل الدولة اليمنية بشكلها الحالي.
ويؤكد الشيزاوي، أن أخطر التحديات تأتي من الداخل اليمني، ما فتح الباب على مصراعيه للتدخلات الخارجية واستغلال الانقسامات والخلافات على حساب المصلحة العليا لليمن الكبير وأهله.
ويشير الشيزاوي إلى أن حرب غزة سرقت الأنظار والاهتمام الدولي عن إحياء المفاوضات اليمنية، ناهيك باستهداف الحوثيين للسفن نصرة لأهل غزة، ما أثار تعاطفًا شعبيًا مع الحوثيين وأحدث انقلابًا في مزاج الرأي العام العربي.
ويعتقد الشيزاوي أن تنشيط المفاوضات اليمنية يتطلب التزامًا من جميع المكونات اليمنية والإقليمية والدولية، مع ضرورة وجود رغبة صادقة من جميع الأطراف اليمنية في إنجاح المفاوضات والوساطات وتنازل كل طرف عن طموحاته غير الواقعية، والسعي لتحقيق مصالح اليمن العليا والتوصل إلى حلول وسط تُرضي جميع الأطراف والتزام جميع الأطراف بالاتفاقيات المبرمة والعمل على تنفيذها بحسن نية.
يتطلب إنجاح المفاوضات تعاونًا جادًا من جميع الأطراف اليمنية والإقليمية والدولية، مع ضرورة وضع حلولٍ واقعيةٍ وعادلةٍ تُعالج جذور الأزمة وتلبي طموحات الشعب اليمني
ويشرح الشيزاوي أن أي سيناريوهات متوقعة لمستقبل اليمن لن تكون وردية، فبقاء البلد مقسمًا بين جماعات مسلحة في ظل وجود حكومة شكلية معترف بها يمثل تكرارًا لتجارب لبنان والعراق والصومال، وهذا السيناريو، في حال باركه المجتمع الدولي، لن يخدم اليمنيين ولا الدول التي ترتبط مصالحها باليمن.
ويرى الشيزاوي أن أي تسوية سياسية لا تشمل ترتيب الوضع العسكري والأمني وتنازل جميع الفصائل عن مسك السلاح والتركيز على صناعة جيش قومي موحد ستكون عرضة للفشل والانقلابات، كما حدث في السابق.
ويؤكد الشيزاوي على ضرورة وضع ضمانات لعدم تدخل دول الخليج وإيران في صناعة القرارات الداخلية لليمن، بل الاستفادة من بعض الشراكات الاستثمارية والاقتصادية والتنموية، مختتمًا تصريحه بالتأكيد على أن كل السيناريوهات السلبية واردة إذا ما ضاعت الإرادة اليمنية، بينما تبقى جميع السيناريوهات الوحدوية الإيجابية قابلة للتنفيذ إذا آمن كل طرف ومكون يمني بأحقية وجود الطرف الآخر في حكومة شاملة جامعة لجميع الأطياف اليمنية.
محاولات دفع
من جهته، حذر براء شيبان، زميل مشارك في المعهد الملكي للدفاع والأمن، من رفع سقف التوقعات بشأن المفاوضات اليمنية الجديدة، مؤكدًا على أنها لا تزال بعيدة عن حلٍ حقيقي للأزمة اليمنية.
وفي حديث لموقع “نون بوست” قال شيبان: “هناك محاولاتٍ جارية لدفع العملية السياسية اليمنية إلى الأمام، خاصةً مع اقتراب موعد الانتخابات الأمريكية، لكنّ الواقع السياسي والعسكري في اليمن اليوم معقد للغاية، ولا تملك إدارة بايدن أوراق ضغطٍ حقيقيةٍ لدفع الحوثيين للتنازل”.
وأضاف شيبان: “أنّ الحوثيين يملكون اليوم قدرةً على تهديد الملاحة الدولية، ولن يتخلوا عن هذه الورقة من أجل عملية سياسية، والتحدي الأبرز للعملية السياسية هو غياب أي أوراق ضغطٍ تملكها الإدارة الأمريكية لدفع الحوثيين للعودة إلى مسار سياسي حقيقي، أما التحدي الثاني هو غياب مؤسسات الدولة وعدم وجود مسارٍ يساعد في إعادة نشاط عمل الدولة، فدون إعادة تفعيل المؤسسات، ستظل المفاوضات السياسية تدور في حلقة مفرغة”.
ودعا شيبان المكونات اليمنية إلى إعادة تفعيل نشاطها السياسي من داخل الأراضي اليمنية حتى تعود الحياة السياسية إلى وضعٍ يمكنها من التعامل مع التحديات الحالية.
يبقى مستقبل مفاوضات السلام اليمنية غامضًا، وتعتمد إمكانية تحقيقها على التزام الأطراف المتحاربة بنوايا حسنة وإرادة حقيقية لإنهاء الصراع، وتقديم تنازلات متبادلة، ووحدها الأيام ستكشف ما إذا كانت مفاوضات السلام ستفضي إلى حل يُنهي معاناة الشعب اليمني ويُعيد السلام إلى ربوع هذا البلد المنكوب.