ترجمة وتحرير: نون بوست
خلال هذه السنة، فشلت الجهود الرامية إلى إيجاد حل لأخطر أزمة في تاريخ مجلس التعاون الخليجي، ما يعني أن الأزمة سوف تتواصل إلى سنة 2018. لكن، من الصعب التنبؤ بما سيحدث في السنة المقبلة نظرا لأنه، كما شهدنا سنة 2017، لم تتبع الكثير من التطورات الرئيسية التي شهدتها هذه القضية القواعد الموحدة للدبلوماسية الدولية. وفي الحقيقة، يرجع ذلك إلى أن عملية صنع القرار في بعض دول مجلس التعاون الخليجي لا تكتسي طابعا مؤسسيا، بل تعتمد بالأساس على المواقف والطموحات الشخصية غير المستقرة والمتقلبة لثلة من الزعماء.
من جانب آخر، لا يعد التخطيط الإستراتيجي والقواعد الدبلوماسية، فضلا عن المخاطر التي تساهم في زعزعة الاستقرار الإقليمي، من الاعتبارات ذات الأولوية بالنسبة لهؤلاء الأفراد. وبالتالي، من المحتمل أنه مثلما اندلعت هذه الأزمة من فراغ يمكن أن تنتهي بسهولة بنفس الطريقة، دون أن يتم تقديم أي سبب وجيه.
في الواقع، على الرغم من أن عدم القدرة على التنبؤ سيكون الطابع المميز الذي سوف تتسم به التطورات في منطقة الخليج خلال سنة 2018، إلا أن هناك سيناريوهين محتملين على الأقل يمكن أن ينبثقا من الوضع الحالي. ويتمثل السيناريو الأول في الأزمة التي أصبحت أمرا واقعا على الساحة السياسية في منطقة الخليج العربي، وساهمت في تحوّل مجلس التعاون الخليجي إلى منظمة أخرى تشبه جامعة الدول العربية، تضع الكثير من الشكليات لكنها خالية من المضمون. ويبدو أن المملكة العربية السعودية ودولة الإمارات العربية المتحدة هما اللتان تدفعان للسير في هذا الاتجاه.
ستواصل قطر السعي وراء الحصول على ضمانات لتنميتها الأمنية والاقتصادية خارج الخليج، علما وأنه قد تم نشر القوات التركية في قطر خلال هذه السنة
أما السيناريو الثاني المتوقع فيتمثل في حلّ الأزمة التي مزقت وحدة مجلس التعاون الخليجي، ما من شأنه أن يسمح للمجلس بأن يتعافى ببطء من الانقسامات التي فككته ولكن ليس تماما، نظرا لأن هذه الأزمة قد أحدثت الكثير من الضرر وبددت أواصر الثقة بين بلدان مجلس التعاون الخليجي.
السيناريو الأول: أزمة دول مجلس التعاون الخليجي تتواصل
إذا استمرت الأزمة في نفس المسار خلال سنة 2018، سوف تصبح دول مجلس التعاون الخليجي مهمشة إلى حد كبير، ومفككة، وعديمة الجدوى. فضلا عن ذلك، ستتعزز قوة المحور السعودي الإماراتي البحريني. ومن المرجح أن تمضي هذه الدول قدما نحو إبرام اتفاقات ثنائية وثلاثية على حساب آليات مجلس التعاون الخليجي.
إلى جانب ذلك، من المحتمل أن تستمر الرياض، التي لا توجد قيود يمكن أن تكبح جماحها، في إتباع سياستها الدبلوماسية المزعزعة للاستقرار في الشرق الأوسط. ولن يكون من المستغرب أن نرى المزيد من المقامرة الإقليمية النابعة من هذا المحور. وقد تتوقف الرياض عن اعتقال المسؤولين الأجانب ورجال الأعمال، لكنها ستواصل فرض ضغوط سياسية واقتصادية على دول المنطقة، خاصة وأن ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، لا يزال يستخدم السياسة الخارجية كسلاح لتعزيز سلطته على الصعيد المحلي.
في الوقت نفسه، ستواصل قطر السعي وراء الحصول على ضمانات لتنميتها الأمنية والاقتصادية خارج الخليج، علما وأنه قد تم نشر القوات التركية في قطر خلال هذه السنة. لذلك، من المتوقع أن يتعمق التعاون العسكري بين الدولتين خلال السنة المقبلة من خلال إبرام المزيد من اتفاقيات الدفاع والأمن الثنائية، وزيادة نشر القوات التركية، فضلا عن تقديم المزيد من المعدات العسكرية التركية إلى الدوحة. ومن المرجح أن يتضاعف التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين.
في المقابل، ستبقى العلاقات بين إيران وقطر مستقرة، مع منح الأولوية لتدعيم الروابط الاقتصادية بينهما. وكلما اضطُرت الدوحة إلى الاعتماد على إيران، زاد احتمال استخدام طهران سياسيا لتصوير السعودية كمصدر تهديد للدول الصغيرة في الخليج والمنطقة. وهذا من شأنه أن يساعد طهران على إعادة بناء صورتها في العالم العربي، وحماية نفسها من العزلة الإقليمية، فضلا عن زيادة تعاونها مع البلدان الأخرى، متحدية بذلك المحور السعودي.
من جهتها، ستواصل الكويت وعُمان محاولة إصلاح العلاقات بين دول مجلس التعاون الخليجي. ومع ذلك، عندما تكتشفان قدرتهما المحدودة على إقناع الكتلة التي تقودها السعودية بالتراجع، من المرجح أن تستمر كل من الكويت ومسقط في الحفاظ على العلاقات التي تربطها مع السعودية، فضلا عن زيادة تعاونهما مع تركيا وإيران.
نتيجة لذلك، يمكن أن يكون لتواصل الأزمة في الخليج تداعيات سلبية على بقية دول الشرق الأوسط. ومن هذا المنطلق، سيتزعزع استقرار المزيد من الدول العربية، حيث ستتعرض للضغط من أجل اختيار الطرف الذي يجب أن تسانده. ومن المؤكد أن نفوذ إيران سيزداد، وستكثف إسرائيل من حجم هجماتها على الفلسطينيين، نظرا لغياب الضغوط التي تُجبرها على قبول عملية سلام حقيقية. وستساهم كل هذه التطورات في تغذية التطرف في المنطقة وظهور خلفاء لتنظيم الدولة.
السيناريو الثاني: اتحاد دول مجلس التعاون الخليجي لمجابهة تنامي النفوذ الإيراني
إن التطلع إلى حل الأزمة في العام المقبل، سيحتم على المحور المناهض لدولة قطر أن يدرك أولا أن الحصار قد وصل إلى طريق مسدود، وثانيا أن إدارة ترامب ستحتاج إلى الضغط على السعودية والإمارات لتغيير مسارهما الحالي.
بناء على ذلك، تعتمد استمرارية الخيار السعودي بالمقاطعة على قدرة قطر نفسها على تحمل الضغوط السياسية والاقتصادية المتزايدة. أما نجاح الضغط الذي ستمارسه الولايات المتحدة لإنهاء الحصار رهين تمكن دونالد ترامب من حل الجدل الحاصل داخليا ضد سياساته الخارجية، ووضع إستراتيجية واضحة وموحدة لاحتواء الخطر الإيراني.
في الحقيقة، لقد كان الهدف من إطالة أمد الأزمة رفع تكاليف الحصار سياسيا واقتصاديا، ودفع الدوحة للاستسلام والخضوع للرياض. وأما الآن بعد أن استطاعت الدوحة استيعاب الصدمة الأولية والتغلب على المشاكل اللوجستية التي سببها الحصار، وإعادة توجيه نفسها للتعامل مع واقعها الجديد، بدأ الحصار يفقد تدريجيا أثره المأمول.
في هذا الإطار، كلما تقدمت الدوحة في مساعيها للحد من آثار الحصار المدمرة خلال سنة 2018، بدت المقاطعة التي فرضها المحور السعودي أقل جدوى. وعلى هذا الأساس، سيفقد العدوان السعودي وزنه وسيتراجع حتما في صورة عدم التصعيد ضد قطر. ومع ذلك، إن قرار الرجوع عن الحصار لن يكون طوعيا، بل سيأتي نتيجة الضغط على كلا البلدين من طرف الولايات المتحدة بالتحديد. وفي الحقيقة، توجد أدلة قوية تشير إلى أن هذا ما سيحصل السنة القادمة.
كان على المملكة العربية السعودية أن تماطل محليا في مسألة التراجع عن مواقفها العدوانية في اليمن ولبنان وذلك من أجل حفظ ماء الوجه. وكما هو جائز الآن، يمكن للسعودية والإمارات أن تفعلا الشيء نفسه إذا تراجعتا عن حصار قطر
حيال هذا الشأن، لن تكون هذه المرة الأولى التي يتراجع فيها الوفاق السعودي عن قراراته المتهورة، وذلك بعد فشله في تحقيق أي نتائج ومواجهة الضغوط الدولية في لبنان واليمن. ففي شهر تشرين الثاني/ نوفمبر، أجبرت السعودية رئيس الوزراء اللبناني، سعد الحريري، على إعلان استقالته من الرياض. ولكن لم يستمر هذا الوضع كثيرا بعد تلقي السعودية رسائل قوية من باريس وواشنطن، وهو ما سمح للحريري بالعودة واستئناف مهامه كرئيس للوزراء في بلده بعد إخلاء سبيله.
أما في اليمن، وبعيد وفاة الرئيس اليمني السابق، علي عبد الله صالح، وتفاقم الضغط الأمريكي، وافقت المملكة العربية السعودية على إجراء كل من الرياض وأبوظبي محادثات مع حزب التجمع اليمني للإصلاح المرتبط بالإخوان المسلمين في اليمن. وهو ما ينافي سياسة التحالف الذي سخر، خلال السنوات الأخيرة، قدرا كبيرا من الطاقة لشيطنة الإخوان المسلمين.
في الحقيقة، كان على المملكة العربية السعودية أن تماطل محليا في مسألة التراجع عن مواقفها العدوانية في اليمن ولبنان وذلك من أجل حفظ ماء الوجه. وكما هو جائز الآن، يمكن للسعودية والإمارات أن تفعلا الشيء نفسه إذا تراجعتا عن حصار قطر. وقد أرسى أمير الكويت بالفعل هذا الخيار عندما تعهد بمواصلة الوساطة، واقترح آلية لتسوية النزاعات بين دول مجلس التعاون الخليجي، وذلك عند افتتاح القمة في الكويت في مطلع كانون الأول/ ديسمبر.
بينما يستعد الجيش الأمريكي لإنهاء عمليته المناهضة “لتنظيم الدولة” في المنطقة، سيتحتم على إدارة ترامب أن تحدد جوانب إستراتيجيتها بشأن إيران، وهو ما سيتطلب اتخاذ قرار حازم بشأن أزمة مجلس التعاون الخليجي
من ناحية أخرى، إذا كانت إدارة ترامب جادة في احتواء توسع إيران السياسي في الشرق الأوسط، فهي تحتاج طبعا لتوحد قوى دول مجلس التعاون الخليجي كحليف أساسي للحد من النفوذ الإيراني وعزل نموه إقليميا. ولكن مع تذبذب القرار السعودي، وقيام واشنطن ببعث رسائل متضاربة لمختلف الجهات الفاعلة في المنطقة، ستحقق إيران تقدما في الوقت الحالي.
في ظل هذه الأزمة، تحتاج الولايات المتحدة إلى أن يعمل مجلس التعاون الخليجي ككتلة موحدة من حيث السياسة الإقليمية والدفاع الجماعي على الأقل، وهو ما سيدفعها للمساهمة في خفض التوتر في الخليج. وتدعو إستراتيجية الأمن القومي الأمريكي، التي صدرت حديثا، إلى التماسك بين دول مجلس التعاون الخليجي. فقد بينت أن “الولايات المتحدة ملتزمة بمساعدة شركائها في الخليج على تحقيق الاستقرار والازدهار في المنطقة وذلك من خلال مجلس قوي ومتكامل لدول الخليج”.
في الوقت الراهن، وبينما يستعد الجيش الأمريكي لإنهاء عمليته المناهضة “لتنظيم الدولة” في المنطقة، سيتحتم على إدارة ترامب أن تحدد جوانب إستراتيجيتها بشأن إيران، وهو ما سيتطلب اتخاذ قرار حازم بشأن أزمة مجلس التعاون الخليجي.
المصدر: الجزيرة