ترجمة وتحرير: نون بوست
كان إعلان يوم السبت بأن إسرائيل حولت قواتها لقمع حركة حماس في شمال غزة هو أحدث دليل على أن الجماعة الإسلامية بعيدة كل البعد عن الهزيمة، فلقد أثبتت حماس أنها عدو هائل منذ 7 تشرين الأول/أكتوبر من السنة الماضية عندما قام عدد صغير نسبيًّا ومدربين تدريبًا جيدًا من قواتها باختراق حدود إسرائيل شديدة التحصين. وعلى الرغم من تفوق الجيش الإسرائيلي من حيث العدد والتدريب والمعدات، إلا أن قوات حماس سرعان ما تغلبت على مواقع المراقبة العسكرية والقواعد وحتى المقرات الإقليمية.
ويعتبر قسم كبير من بقية العالم مقتل نحو 1200 إسرائيلي في ذلك اليوم عملًا إرهابيًّا وحشيًّا. وترى حماس ومؤيدوها أن هذا نصر غير مسبوق منحه الله لهم، وقد تحول الآن إلى أسطورة.
وبعد مرور سبعة أشهر؛ فشلت إسرائيل في تدمير حماس كقوة عسكرية وسياسية. كما أن إسرائيل لم تتمكن من القضاء على قادة حماس الرئيسيين الذين خططوا لهجمات 7 تشرين الأول/ أكتوبر. وحتى لو حدث ذلك؛ فهناك كل الدلائل على ظهور قادة جدد متمرسين في القتال ليحلوا محلهم.
ادعاء الانتصارات
في الأسابيع والأشهر الأولى من الحرب، لم يتوقع سوى قليلون أن ينجو الجناح العسكري للمنظمة، كتائب عز الدين القسام، من الهجوم الإسرائيلي الحتمي، ولكن في كثير من النواحي كان كذلك.
وفي مواجهة الهجوم الإسرائيلي؛ كان لدى حماس الآلاف من المقاتلين المتفانين الذين اعتقدوا أن الموت في المعركة يضمن لهم مجد الاستشهاد، ومكانًا في الجنة، والتحرر من كونهم شعبًا محاصرًا ومحتلًا.
تمتلئ قناة التليغرام التابعة لكتائب عز الدين القسام كل يوم بالتقارير ومقاطع الكاميرا الخاصة بالمعارك والكمائن والهجمات في الوقت الفعلي ضد القوات الإسرائيلية. كل انتصار صغير يحققه مقاتلوها على الأرض في غزة يتردد صداه ملايين وملايين المرات في جميع أنحاء العالم في وسوم حماس والنقرات التي تشارك مقاطع الفيديو الرائعة التي تنتجها إدارة الاتصالات في كتائب عز الدين القسام.
وإسرائيل محقة في مطالبتها برؤوس بعض من حماس في هذه المعركة. وقد تعرض كبار القادة الميدانيين لكتائب القسام، الذين تم إطلاق سراح العديد منهم في عمليات تبادل أسرى مع إسرائيل في الماضي، للاغتيال.
غالبًا ما يأتي هذا بتكلفة باهظة من الأضرار الجانبي، وكان المثال الأبرز على ذلك هو الهجوم الجوي على مخيم جباليا للاجئين في 31 تشرين الأول/أكتوبر 2023، والذي أدى إلى مقتل إبراهيم البياري، القائد بكتائب القسام، لكنه خلف أيضًا ألف قتيل وجريح فلسطيني، وفقًا لوزارة الصحة في غزة. وعلى الرغم من إدارتها من قبل حماس، أخبرتني مصادر استخباراتية إسرائيلية أن الوزارة غالبًا ما تقلل من أعداد الضحايا.
قتال على أرض الوطن
كان جذب الجنود الإسرائيليين إلى أراضي غزة هو النهج المفضل دائمًا من قبل التكتيكيين في كتائب القسام، فقد اعتقدوا أن بإمكانهم الحفاظ على تفوقهم. ومن الأزقة الضيقة والمداخل المخفية وعبر البساتين والسدود الرملية؛ تمكن مقاتلو كتائب القسام من شن العديد من الغارات الناجحة على أهداف إسرائيلية.
وحتى أسلحة إسرائيل المتفوقة، مثل دبابات مارك 4 ميركافا التي تبلغ تكلفة القطعة الواحدة منها 4 ملايين دولار وتزن 65 طنًّا، تم تحطيمها وتدميرها في هجمات القسام باستخدام متفجرات خارقة للدروع تعرف باسم “شواظ”، وصواريخ الياسين 105.
هذه المعركة من الداخل يقودها بعض أقوى الشخصيات في تنظيم حماس.
رجل ميت يمشي
والحقيقة أن إسرائيل، طيلة جهودها الرامية إلى تدمير حماس بالكامل، أقرّت علنًا أن واحدًا من أهم هؤلاء الزعماء، أو رئيس حماس في غزة، أصبح في مرمى نظرها؛ حيث قال مسؤول عسكري إسرائيلي كبير: “إنه رجل ميت يمشي. هذا الهجوم الشنيع دبره يحيى السنوار”.
ودعا يوآف غالانت، وزير الدفاع الإسرائيلي، سكان غزة إلى تسليم السنوار، مهددًا: “سوف نقوم باغتياله [لكن] إذا وصلتم إلى هناك أولاً فإن ذلك سيختصر هذه الحرب”.
ويشكل السنوار جزءًا من القيادة الثلاثية لحركة حماس في غزة، والتي تضم أيضا رئيس كتائب القسام محمد ضيف ونائبه مروان عيسى، الذي تزعم إسرائيل أنها قتلته في آذار/مارس.
السنوار (61 سنة) هو عدو لدود. في المناسبات التي التقيت به كان دائمًا ماهرًا وذو عيون فولاذية طوال اللقاء. وقد وُلِدَ ونشأ في مخيم خان يونس للاجئين في غزة، وأصبح من أوائل المساعدين لمؤسس حركة حماس الشيخ أحمد ياسين.
لقد انتمى السنوار بشكل مبكر لحركة حماس السابقة. وفي سنة 1988؛ بعد أقل من سنة من الانتفاضة الفلسطينية الأولى، أُلقي القبض عليه وحُكم عليه بأربعة أحكام متتالية بالسجن المؤبد في إسرائيل بتهمة التخطيط لاختطاف وقتل جنديين إسرائيليين وقتل أربعة فلسطينيين اعتبرهم متعاونين. وفي السجن أصبح تلميذًا متحمسًا لعدوه، وتعلم اللغة العبرية وعمق معرفته بالسياسة والجيش والمجتمع في إسرائيل. وكان قد قال: “يمكنك القول إنني متخصص في تاريخ الشعب اليهودي، أكثر من كثيرين منهم”.
في سنة 2011؛ تم إطلاق سراح السنوار مع 1026 فلسطينيًا آخرين في صفقة تبادل أسرى مقابل جندي إسرائيلي واحد يدعى جلعاد شاليط. وكان السنوار قد قضى معظم حياته في السجن في تلك المرحلة، ثم ارتقى بسرعة في الرتب ليقود حماس في غزة. وكان مصممًا على زيادة الضغط على إسرائيل انتقامًا لحصارها على سكان غزة البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة، وضمها الزاحف للأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية، والسماح بانتهاك الوضع الراهن في القدس والأماكن المقدسة الإسلامية في الأقصى.
طوفان الجنود
وكانت هناك علامات تحذيرية بشأن طموح السنوار؛ حيث اختبرت القيادة العليا لكتائب عز الدين القسام قواتها في معارك ضد إسرائيل في السنوات 2012 و2018 و2021 وفي الأشهر السابقة حتى من سنة 2023.
وانضموا أيضًا إلى فصائل فلسطينية مسلحة أخرى لإجراء تدريبات متطورة والهجوم الوهمي عبر الحدود من غرف العمليات المشتركة السرية في جميع أنحاء غزة وتحت أنظار إسرائيل مباشرةً.
وفي سنة 2018، كتب السنوار، باللغة العبرية، إلى بنيامين نتنياهو يعرض التوصل إلى اتفاق بشأن غزة إذا وقع رئيس الوزراء الإسرائيلي على هدنة طويلة الأمد مع حماس. ولم يكلف نتنياهو نفسه عناء الرد.
وفي الأشهر التي سبقت هجوم السابع من شهر تشرين الأول/ أكتوبر، صرح السنوار علنا بأن حماس كانت تستعد لشيء كبير ضد عدوها.
وقال: “إنا سنأتيكم إن شاء الله غمرًا هادرًا. سوف نأتي إليكم بصواريخ لا نهاية لها، وسوف نأتي إليكم بطوفان لا نهاية له من الجنود”. وقد فعلوا ذلك.
رفح: نهاية اللعبة
وفي الأسبوع الماضي؛ وسعت إسرائيل هجومها على رفح، على الرغم من الاعتراضات الصريحة من إدارة بايدن في الولايات المتحدة والانتقادات العالمية بشأن مقتل عشرات الآلاف من الفلسطينيين في الحرب.
ويظل تدمير حماس هو الهدف، ولكن في هذه العملية يقترب سكان غزة بأكملهم من المجاعة. وفي رفح نفسها، التي وصفتها اليونيسف بأنها “مدينة الأطفال”، فقد السكان واللاجئون وعمال الإغاثة الأمل.
والأمر اللافت للنظر هو أن الدعم الذي تحظى به حماس في غزة لا يزال غير منقوص نسبيًّا، وأن غالبية سكان غزة الذين تم استطلاع آرائهم مؤخرا ما زالوا يعتقدون أن حماس سوف تفوز بالحرب.
وهناك عدة عوامل تفسر هذا. أولًا، يعلم سكان غزة أن إسرائيل هي التي تسببت في الدمار، وليست حماس. ثانيًا، وعلى النقيض من بعض الشكاوى بشأن حماس في الماضي، كان مقاتلو حماس واضحين للغاية في الدفاع عن غزة.
ولا يُنظر إلى قوات عز الدين القسام، على عكس الادعاءات الإسرائيلية، على أنها تختبئ في الأنفاق وتخشى القتال.
وأخيرا، استهدفت إسرائيل مرارًا وقتلت أفراد عائلات قيادة حماس، بما في ذلك أبنائهم وأحفادهم، أو دمرت منازلهم، مما عزز التضامن المشترك، والحزن الجماعي.
ومع ذلك، حتى لو قطع حلفاء إسرائيل الغربيون إمدادات الأسلحة عنهم، فقد تعهد نتنياهو بإنهاء القتال؛ حيث إن هدفه المتمثل في تحقيق “النصر الكامل” على حماس يستلزم القضاء على السنوار وغيره من كبار قادة حماس.
لكن حماس كانت تتمتع دائما بالقدرة على تجديد وتجنيد الجيل القادم من المقاتلين المستعدين لمواجهة العدو الإسرائيلي. وكما قال لي الشيخ ياسين ذات مرة: “وراء كل شهيد ألف شهيد جاهز للمعركة”.
الرابح يأخذ كل شيء
طوال الحرب، تضررت صورة إسرائيل العسكرية التي لا تقهر بشدة. وقد سقط الآن بعض رؤساء الأجهزة الأمنية والمخابرات على سيوفهم.
وأصبحت مواقف الآخرين في المؤسسة السياسية والعسكرية الإسرائيلية أكثر خطورة؛ حيث أصبحت مهددة بأوامر اعتقال محتملة بتهمة ارتكاب جرائم حرب من المحكمة الجنائية الدولية – وبنفس القدر من الأهمية – الجمهور الإسرائيلي الذي بدأ صبره ينفد في التعامل مع الحرب.
ولن تخضع حماس ولن تستسلم. وتزعم إسرائيل أن نصف مقاتلي حماس قد قُتلوا، لكن كتائب عز الدين القسام تثبت كل يوم أنها لا تزال قادرة على المقاومة الشرسة.
ولا يزال هناك ما لا يقل عن خمس كتائب نشطة، مقسمة الآن إلى وحدات حرب عصابات متنقلة، في رفح وحدها. إن حماس، المسلحة بقذائف آر بي جي والمتفجرات والطائرات المسيرة، والقادرة على إطلاق النار من كل زاوية وركن، ملتزمة أكثر من أي وقت مضى بالقتال الذي بدأته في السابع من شهر تشرين الأول/ أكتوبر.
ووسط الأنقاض، وفي الأنفاق في عمق غزة، يُعد البقاء على قيد الحياة بالنسبة لحماس رغم الصعاب انتصارًا في حد ذاته.
المصدر: التايمز