“لم أعد أرى الشارع، السيارات والناس الذين يمرون فيه، كل شيء أصبح أسود أمامي”، هكذا قالت الطفلة مريم حامد ابنة الست سنوات لمراسلة “نون بوست”، مريم تسكن مع 21 فردًا من عائلتها في بيت صغير بمحاذاة مستوطنة بيت إيل المقامة على أراضي مدينة البيرة.
مؤخرًا استكمل الاحتلال جدار الفصل العنصري الذي يعزل المستوطنة تمامًا عن مخيم الجلزون الفلسطيني للاجئين، ليبتلع الجدار معه بيت عائلة حامد وتصبح العائلة وحيدة بين مئات المستوطنين.
دون سابق إنذار!
حسام حامد “52 عامًا” أحد أصحاب المنزل التابع لثلاثة أشقاء، شرح لمراسلتنا ما جرى، قائلاً: “تفاجأنا بآليات الاحتلال العسكرية تستكمل بناء الجدار دون سابق إنذار، وحين وصلوا إلى حدود بيتنا تركوا لنا فتحة في الجدار كي نخرج وندخل منها، وأتموا البناء، بشكل عادي، دون حتى أن يخطرونا مسبقًا بذلك”.
عمره أكبر من عمر مستوطنتهم
يضيف حامد: “نحن موجودون هنا قبل أن توجد المستوطنة، بيتنا بُني عام 1978، ومستوطنتهم بُنيت بعد ذلك”.
حاول الاحتلال عام 1978 أن يوقف بناء بيت عائلة حامد الذي كانت قد شارفت على الانتهاء منه في ذلك الحين، ولكنهم فشلوا في إيقاف البناء بسبب امتلاك العائلة كل الأوراق الثبوتية التي تؤكد ملكيتهم للأرض وترخيصهم للبناء.
يقطن في البيت حاليًّا 22 فردًا، هم ثلاثة أخوة مع زوجاتهم وأطفالهم، يقطنون في غرف منفصلة، حيث يمنعهم الاحتلال من توسعة البيت أو إضافة أي جزء عليه، في نية لإجبار العائلة على الرحيل.
اقتنصوا فرصة انشغال الفلسطينيين بقرار ترمب
وتؤكد العائلة أن الاحتلال اقتنص فرصة انشغال الفلسطينيين بمسيرات الغضب والاحتجاج على القرار الأمريكي بشأن القدس، وباشر ببناء الجدار في وضح النهار دون أن ينتبه أحد لذلك، فيما استطاع الاحتلال خلال تلك الفترة أن يشيد جزءًا كبيرًا من الجدار.
تعيش العائلة منذ نحو شهر، ظروفًا صعبة جدًا والخطر يلاحقهم ليل نهار، فالجدار الذي يعزلهم عن العالم من أمامهم، والمستوطنة التي تعرض حياتهم للخطر من خلفهم، والاحتلال يتعمد محاصرتهم والتضييق عليهم بهدف ترحيلهم.
يفتشونهم عند الدخول والخروج
بدوره قال الأخ الأصغر في العائلة حكم حامد “48 عامًا”، إن قوات الاحتلال منذ لحظة بناء هذا الجدار حول بيتهم، تتمركز عند الفتحة المقابلة لمنزلهم، وتفتشهم في أثناء دخولهم وخروجهم من المنزل.
وشرح حامد كيف اعتدت قوات الاحتلال قبل يومين على ابنه وضربته، مؤكدًا أنهم يتعمدون مضايقة الأطفال والاعتداء عليهم عند ذهابهم وإيابهم من المدرسة.
وقال: “بتنا نضطر إلى الذهاب مع أبنائنا إلى مدرستهم وانتظارهم حين يعودون منها بعد انتهاء الدوام، فالأطفال أصبحوا يخافون الذهاب إلى المدرسة وحدهم نتيجة اعتداءات جنود الاحتلال”.
سوف نبقى هنا
وأكد حكم أنه إضافة إلى ما سبق فإن قوات الاحتلال أفلتت عليهم الحيوانات المفترسة كالخنازير البرية، كي تعتدي على أطفالهم وبيوتهم وأشجارهم المزروعة في الحديقة المنزلية، وعقب على ذلك بأن الاحتلال يستخدم كل الوسائل الممكنة من أجل إجبارهم على الرحيل، قائلاً: “ولكنهم لن يفحلوا، سوف نبقى هنا حتى لو متنا نحن وعائلاتنا”.
وتبلغ مساحة الأرض التابعة للعائلة دونمين، عليها البيت وحديقة منزلية مزروع فيها بعض الخضراوات والنباتات والأشجار، حيث كانت تنوي العائلة توسعة البيت في هذه المساحة ولكن الاحتلال منعها من ذلك.
ليالٍ موحشة
وتحدث حكم حامد أيضًا عن الليالي الموحشة التي باتوا يقضونها في بيتهم، وهم يجابهون خطر المستوطنين وحدهم في المكان، فلا يستطيعون الذهاب حتى لشراء دواء في الليل نتيجة خوفهم من مداهمة المستوطنين واعتداءاتهم.
وتخشى العائلة في ظل وحدتها هذه داخل مستوطنة بيت إيل الاحتلالية، أن تتكرر معها تجربة عائلة الدوابشة التي أحرقها المستوطنون وقتلوا أطفالها، قبل سنوات، كما وتناشد الجهات الرسمية الفلسطينية بتوفير كل سبل الأمن والحماية لها، من أجل تعزيز صمودها في الأرض.