ترجمة وتحرير: نون بوست
حققت الشركات التقنية سنة 2017 عدة نجاحات على المستوى المالي، لكن هذه سنة كانت كارثية بالنسبة لعمالقة التكنولوجيا فيما يتعلق بالمجالات الأخرى. وعلى الرغم من نشر الشركات التكنولوجية العملاقة، على غرار آبل، وغوغل، وفيسبوك وآمازون، تقارير المكاسب المالية الخاصة بها وارتفاع قيمة أسهمها، توجب عليها التعامل مع ردود الفعل العنيفة إزاء بعض القضايا المثيرة للجدل، التي تضر بصورة هذه الشركات.
في الواقع، وصلت المشاعر السلبية ضد الشركات التقنية العملاقة إلى درجة قيام بعض المحللين المرموقين، على غرار سكوت غالواي، أستاذ التسويق في جامعة نيويورك الأمريكية، بمناشدة الحكومة بالحد من التعامل هذه الشركات، اقتداء بنموذج تدخل الولايات المتحدة الأمريكية لفسخ الشراكة مع شركة “أي تي أند تي” خلال ثمانينات القرن الماضي.
بناء على ذلك، من المؤكد أن المسائل المثيرة للجدل، التي عصفت بالشركات التقنية الكبرى هذه السنة، بالإضافة إلى احتمال تدخل الحكومة في شؤون هذه الشركات، سوف تواصل الظهور وستتوسع وتيرتها خلال سنة 2018. وفي هذا الصدد، يشدد مسؤولون عموميون من داخل الولايات المتحدة الأمريكية وخارجها على مراقبة عمالقة التكنولوجيا في العالم، سواء فيما يتعلق بموقعها القيادي في البورصة، أو مكانتها الحساسة لأنها تمثل مصدرا رئيسيا للأخبار اليومية والمعلومات بالنسبة للمليارات من الأشخاص.
إلى جانب ذلك، تعنى هذه المراقبة المسلطة على عمالقة التكنولوجيا بعدة مسائل أخرى. ومن أهمها بحث المسؤولين عن الإجراءات التي بإمكان حكوماتهم اتخاذها لتحقيق تكافئ في الفرص للمنافسين الآخرين، والحد من الخرقات التي ترتكبها أنظمة الشركات التكنولوجية. وبما أن السنة الحالية قد شارفت على الانتهاء، يجدر بنا إمعان النظر في الطريق المليء بالمطبات الذي سلكته الشركات التكنولوجية العملاقة سنة 2017.
كشفت بروبوبليكا وصحيفة نيويورك تايمز أن فيسبوك قد مكن أرباب العمل من إقصاء الأشخاص من فئات عمرية محددة ومنعهم من رؤية إعلانات التوظيف التي نشروها على مواقع التواصل الاجتماعي، ومن المرجح أن هذه الممارسة تعتبر غير قانونية
فشل الشركات التكنولوجية العملاقة في حماية خدماتها بشكل استباقي
انتبه المستهلكون بشكل متكرر سنة 2017 إلى غزو أصحاب النوايا السيئة، على غرار الدعاة الإعلاميين والعنصريين والمتشددين، للخدمات التي تقدمها الشركات الكبرى؛ لنشر أفكارهم وتحقيق عوائد مالية هامة منها. وفي كل مرة، يتبين أن عمالقة التكنولوجيا لا يولون الاهتمام الكافي بهذه الإساءات ولا يتخذون الإجراءات الاستباقية اللازمة لردعها.
في ظل هذه التجاوزات، بات تورط موقع يوتيوب جليا للعيان، فقد أصبح الموقع المخصص لرفع ومشاهدة مقاطع الفيديو المنبر المفضل لمقترفي هذه الإساءات. كما تمكن هؤلاء الأشخاص من جني الأموال من مقاطع الفيديو التي يتجاهلها المسوقون في العادة، وذلك عن طريق التلاعب بأنظمة الشركة التي تملكها غوغل. لكن شركة يوتيوب شهدت العديد من الأحداث المتتالية التي أثرت على سمعتها.
خلال شهر شباط/ فبراير، أوردت صحيفة “وال ستريت جورنال” أن فيليكس كيلبرغ، وهي شخصية مشهورة على اليوتيوب باسم “بيو دي باي”، الذي تعاقدت معه شركة يوتيوب من أجل تصوير مسلسل أصلي، قد نشر نكات معادية للسامية في بعض الفيديوهات التي تعرض على قناته. نتيجة لذلك، قامت شركة يوتيوب بفسخ العقد مع كيلبرغ وأوقفت مسلسلها الدعائي المفضل.
في نهاية المطاف، مثل هذا الجدل حالة رمزية في تاريخ شركة يوتيوب، أثبت أن الشركة لن تعمل مع الأشخاص السيئين، أو لن تمتنع عن العمل معهم، حتى تثبت إدانتهم علنيا أو عندما يقوم المعلنون برفع شكايات حولهم. وجاءت تحركات يوتيوب نتيجة لقيام صحيفة وال ستريت جورنال بطرح تساؤلات حول النكات التي أطلقها كيلبرغ، بالإضافة إلى قيام شركة “ديزني” بقطع ارتباطها مع هذا الكوميدي السويدي.
قطعت شركة فيسبوك وغوغل مرارا وتكرارا وعودا بإيجاد إستراتيجية ناجعة للحد من انتشار المعلومات المغلوطة والمضللة على مواقعها، وذلك باستخدام الذكاء الصناعي وتقنية الاستعلام الآلي. لكن وحتى هذه اللحظة، لا يوجد صدى يذكر لهذه الجهود
في الشهر التالي، نشرت صحيفة “تايمز أوف لندن” البريطانية تحقيقا يفيد بأن مقاطع الفيديو التي ينشرها المتطرفون كانت تمول جزئيا من طرف المستشهرين في يوتيوب. ولكن الشركة قامت بتدارك هذا الأمر بعد قيام أكثر من 200 من المعلنين بتهديد إدارة اليوتيوب أنهم ينوون الامتناع عن التعامل مع يوتيوب في المستقبل في حال لم تبد الشركة ردود فعل بشأن هذا الأمر، علما بأن الكثير منهم لم يكونوا على دراية بأن الأموال التي يدفعونها للإعلانات كانت تصب لمصلحة جهات متطرفة.
عموما، لم تكن شركة يوتيوب الوحيدة التي فقدت السيطرة على خدماتها وتركتها متاحة للمسيئين. فقد كشف تحقيق أجرته منظمة بروبوبليكا أن خدمة الإعلانات التلقائية التي تعتمدها شركة فيسبوك، تتيح للمعلنين استهداف كارهي اليهود في إعلاناتهم وإقصاء الأشخاص استنادا إلى الديانة أو العرق.
خلال هذا الأسبوع، كشفت بروبوبليكا وصحيفة نيويورك تايمز أن فيسبوك قد مكن أرباب العمل من إقصاء الأشخاص من فئات عمرية محددة ومنعهم من رؤية إعلانات التوظيف التي نشروها على مواقع التواصل الاجتماعي، ومن المرجح أن هذه الممارسة تعتبر غير قانونية.
بعد صدور هذه التقارير، بادرت شركة فيسبوك بمعالجة بعض هذه المشاكل، لكن ليس معظمها. ولكن الأمر المؤسف أن المسبب الرئيسي لهذه المشاكل هو الحرية التي تمنحها الشركات التكنولوجية الكبرى لعملائها للقيام بأي شيء، حتى يتم القبض عليهم بالجرم المشهود.
الشركات التكنولوجية الكبرى تهزم في حربها على الأخبار المزيفة
بعد خداعهم من قبل دعاة روسيين ودفعهم إلى نشر قصص إخبارية خيالية أثناء الانتخابات الرئاسية الأمريكية، قامت كل من غوغل وفيسبوك وتويتر بإعطاء وعود بالامتناع عن نشر الأخبار التي تم وصفها بأنها الأكثر زيفا لهذه السنة. لكن هذه المساعي قوبلت بالفشل. ومع ذلك، استمرت الأخبار الكاذبة بالانتشار على وسائط خدمات هذه الشركات بصفة متعمدة، خاصة بعد عملية إطلاق النار الجماعية في تشرين الأول/ أكتوبر.
سبب انتشار الأخبار الزائفة يعود في جزء منه إلى أن شركات فيسبوك، وغوغل
في الحقيقة، قطعت شركة فيسبوك وغوغل مرارا وتكرارا وعودا بإيجاد إستراتيجية ناجعة للحد من انتشار المعلومات المغلوطة والمضللة على مواقعها، وذلك باستخدام الذكاء الصناعي وتقنية الاستعلام الآلي. لكن وحتى هذه اللحظة، لا يوجد صدى يذكر لهذه الجهود.
خلال هذا الأسبوع، اعترفت فيسبوك أن إحدى الخطوات التي اتخذتها الشركة لوقف سيل الأخبار الوهمية لم تفلح في إقناع المستخدمين أن بعض المواد المنشورة هي، في الواقع، محتويات مضللة. ولسائل أن يسأل عن فحوى عدم حظر هذه المحتويات وتفادي انتشارها على الموقع في المقام الأول.
في الحقيقة، وعدت فيسبوك وغوغل بتوظيف الآلاف من المراقبين الذين سيتكفلون بالتصدي لكل ما هو خارج عن نطاق المصداقية، ولكنهم لم يقدموا سوى القليل من التفاصيل حول هوية هؤلاء المراقبين، أو كيفية تدريبهم، أو حتى ما إذا كانوا موظفين بدوام كامل أم لا. أما في حال تحقق هذه الخطة فمن المرجح أن مصيرها سيكون الفشل، إذ أنه من المستحيل أن يقدر بضعة آلاف من الأشخاص على رصد ذلك التدفق الهائل من المحتوى الذي يتم تحميله على الموقع كل يوم.
من هذا المنطلق، يكمن المشكل في أنه خلال سنة 2017 ثبت أن هذه الأخبار الزائفة لم تساهم في توسيع الانقسامات السياسية وزعزعة قيم الديمقراطية في العالم فحسب، بل أدت أيضا إلى تعميق معاناة بعض الشعوب، مثل ما حدث في “بورما” من تقتيل وتطهير عرقي لأقلية الروهينغا. ولاحقا، نسب إلى فيسبوك دور هام في نشر بعض الادعاءات الباطلة التي ساهمت في تعميق الأزمة الإنسانية في ميانمار، حسب ما وثقته صحيفة “نيويورك تايمز”.
الشركات التكنولوجية الكبرى تواصل سياسة الإنكار وتتنصل من مسؤولياتها في مجال الإعلام
ويرجح أن سبب انتشار الأخبار الزائفة يعود في جزء منه إلى أن شركات فيسبوك، وغوغل، وتويتر قد أنكرت تماما انتماءها أو مساهمتها في مجال الإعلام، على الرغم من أن هذه المواقع تقوم بإيصال المستجدات لمليارات الأشخاص حول العالم شهريا، بالإضافة للإعلانات والبرامج التلفزيونية التي تبث على الإنترنت.
من بين الأسباب التي تثير القلق هيمنة هذه الإمبراطوريات، التي أظهرت استعدادها الواضح لحيازة المزيد من النفوذ على جل جوانب الحياة في المجتمع الأمريكي وخارجه
على الرغم من كل ذلك، تواصل هذه الشركات الإخبارية الضخمة التمسك بذلك العذر الواهي بأنها تكتفي بتقديم الخدمات لحرفائها ونشر المعلومات مع السيطرة بشكل ضئيل على تدفق المعلومات على مواقعها. وطالما أن هذه الشركات لم تعترف باضطلاعها بنفس المسؤوليات شأنها شأن الإعلام التقليدي وما زالت تتملص من مسؤولية الفيديوهات والمعلومات التي تساهم في نشرها، فإن عملية مكافحة المعلومات الزائفة ستصبح أكثر تحديا وصعوبة.
تبريرات الشركات التكنولوجية المخزية وعدم اكتراثها بخطورة الموقف
كانت نتائج التحقيق مثيرة للسخرية، عندما دعا الكونغرس الأمريكي المسؤولين عن فيسبوك، وغوغل، وتويتر للإدلاء بشهادتهم حول دورهم في السماح لجهات مرتبطة بالحكومة الروسية أن تؤثر على الانتخابات الرئاسية، خلال السنة الماضية. في الواقع، لم يتمكن ممثلو هذه الكيانات الإعلامية الضخمة من تفسير سبب سماح شركاتهم لأشخاص على صلة بالدولة الروسية بتسديد نفقات الإعلانات الممولة للانتخابات الأمريكية في ذاك الوقت.
إلى جانب ذلك، رفض هؤلاء تأييد مشروع قانون يحدد معايير الشفافية فيما يتعلق بتمويل الإعلانات السياسية على الإنترنت، كما هو الحال في الصحافة المكتوبة والتلفزيون. وليس هذا فحسب بل اعترفوا بجهلهم لمدى توغل النفوذ الروسي فيما يخص جهود الدعاية في مرحلة ما قبل الانتخابات.
أما الأسوأ من ذلك، أن الشعب الأمريكي قد اضطر لسماع هذه الحجج السخيفة عن طريق فروع الشؤون القانونية وليس من قبل المديرين التنفيذيين لهذه الشركات التكنولوجية العملاقة. وبذلك تركت هذه الشركات انطباعا سيئا يؤكد عدم مبالاتها بخطورة الموقف.
على الرغم من الفوائد الجمة المترتبة عن تخفيض الضرائب، إلا أنه من المستبعد أن تساهم هذه الإمبراطوريات في دفع الاقتصاد الأمريكي سواء عبر بناء مصانع جديدة، أو الحد من البطالة
وصول التكنولوجيات العملاقة إلى القمة
من بين الأسباب التي تثير القلق هيمنة هذه الإمبراطوريات، التي أظهرت استعدادها الواضح لحيازة المزيد من النفوذ على جل جوانب الحياة في المجتمع الأمريكي وخارجه. فعلى سبيل المثال، فرضت شركة أمازون سيطرتها على شركة هول فودز لتكتسب بذلك موطئ قدم لها في ميدان تجارة التجزئة. كما اقتحمت مجال المستحضرات الصيدلانية والحوسبة الصوتية عن طريق توسيع خطها الإنتاجي لأجهزة “إيكو” الذكية، بالإضافة إلى حصولها على ترخيص بترويج تطبيق أليكسا.
فضلا عن ذلك، من المتوقع أن يستفيد جميع عمالقة التكنولوجيا، وخاصة شركة آبل، من قانون الضرائب الجديد الذي وقعه الرئيس دونالد ترامب يوم الجمعة. ويقلل القانون بشكل كبير من المعدلات الضريبة على الشركات التكنولوجية، ويقدم حوافز كبيرة لها بهدف إعادة مليارات الدولارات المحفوظة في الحسابات الخارجية إلى الولايات المتحدة، وهو ما سيزيد من ثراء أصحاب هذه الشركات الأكثر ربحا على وجه الأرض.
لكن، على الرغم من الفوائد الجمة المترتبة عن تخفيض الضرائب، إلا أنه من المستبعد أن تساهم هذه الإمبراطوريات في دفع الاقتصاد الأمريكي سواء عبر بناء مصانع جديدة، أو الحد من البطالة، أو زيادة أجور موظفيها الحاليين. وبينما تستمر أكبر شركات التكنولوجيا العملاقة في الهيمنة على المشهد العام، تواصل الشركات الصغرى المبتكرة كفاحها لتفتك مكانا على خريطة الاستثمار التكنولوجي. وقد شهدت سنة 2017 تلاشي العديد من المبادرات الناشئة التي لم تستطع النجاة في مواجهة الحيتان الضخمة.
مع ذلك، يوجد جانب مشرق لمشكل هيمنة هذه الشركات على سوق التكنولوجيا العالمية، فخلال سنة 2017 أصبح عدد مرموق من الأفراد أكثر وعيا بفشل هؤلاء الجبابرة الوشيك. وعلى الرغم من قوة هذه الشركات التكنولوجية ونفوذها إلا أن التصدع في صلب دروعها الجماعية بدأ يظهر.
المصدر: بيزنس إنسايدر