يومًا بعد يوم، تتفاقم المعاناة الحقيقية للنازحين الذين هجروا من جميع الأراضي السورية، وخاصة من القرى والبلدات الملتهبة بين الأطراف المتصارعة على الأرض، لا يبدو الأمر بجديد إلا أن أعداداً هائلة تصل مناطق ريف حلب الشمالي بشكل يومي ومع تسارع انتقال حلبة الصراع من منطقة إلى أخرى، يتنقل النازحين من مخيم لآخر بحثاً عن مكان أكثر أمناً، يقطنون فيه علهم يعيشون مدة زمنية أطول تحول بينهم وبين هلاك الحرب.
وموجات النزوح الكبيرة من مدينة الرقة التي شهدت معارك شديدة منذ شهر تقريبا بين تنظيم الدولة “داعش” وميليشيا سوريا الديموقراطية، على إثرها افتتحت مخيمات عشوائية جديدة على الحدود القريبة من معبر باب السلامة شمالي حلب.
إضافة إلى المعارك التي شهدتها محافظة دير الزور شرقي سوريا بين تنظيم الدولة “داعش” من جهة، وقوات النظام المدعومة من الطيران الروسي وميليشيات إيرانية وأفغانية وعراقية، وأخرى تابعة لميليشيا حزب الله اللبناني، زادت الطين بلة لم يبقى حجراً على حجر في مدينة دير الزور على خلفية المعارك التي شهدتها، وخلفت المعارك ورائها ألاف النازحين من المدينة الذين مازالوا يتدفقون إلى مناطق ريفي حلب الشمالي والشرقي، وهم يصلون بعد دفع أتوات لحواجز ميليشيا سوريا الديمقراطية المسيطرة على محافظة الرقة وجزءً من ريف حلب الشمالي الشرقي، وبعد اجتياز مناطق الأخيرة يصلون إلى بلدات ريف حلب الشمالي يبيتون ليلة داخل إحدى البلدات ثم يتوجهون لنصب خيمة قماشية في الأراضي الزراعية على الحدود السورية التركية.
وتنتشر المخيمات العشوائية التي تكتظ بالنازحين من جميع البقاع السورية على طول الشريط الحدود الموازي لتركيا شمالي حلب، وهذه المخيمات الجديدة نتيجة للتصعيد العسكري لقوات النظام وعمليات ميليشياته من جهة وميليشيا قوات سوريا الديموقراطية من جهة ثانية.
اشتعال الجبهات في جميع الأراضي السورية كان له الدور الأبرز في اكتظاظ الحدود بالمخيمات العشوائية
تفاقم معاناة النازحين مع موجات البرد وتساقط الأمطار
كان لهطول المطر داعٍ من الفرح لدى الريفيون وخاصة المزارعين منهم لري محصولهم الزراعي الذي ينتظرونه مدى ثمانية أشهر، لكن الآن الأمر بات مختلفاً كثيراً فالنازحين من قراهم ومدنهم والمشتتون في المخيمات الرسمية والعشوائية قرب الحدود يرغبون بعدم تساقط المطر أو هطول الثلوج، لأنهم سيتعرضون لاقتلاع خيمهم، بعد تساقط المطر على رؤوس ساكنيها، وتدفق الماء تحت خيمهم المحملة بالبؤس.
الأمر ليس مختلفا على مصطفى 25 عاماً هو والد لأربعة أطفال صغار يسكن في خيمة قرب القرى شرقي مدينة اعزاز في مخيم عشوائي يقطنه مئات العوائل التي نزحت خلال الشهور الماضية من محافظتي الرقة ودير الزور بشكل خاص، وفي حديث له قال: “الاستقرار في خيمة ليس بالأمر السهل وخاصة في فصل الشتاء فلا زلت كلما تتساقط الأمطار أبدأ بتعزيل الطين والماء من الخيمة “، مصطفى ليس الوحيد كما باقي النازحين هناك ما إن تسير في أزقة المخيمات ترى عشرات الناس الذين يقومون بتنظيف ما خلفته موجة المطر، ناهيك عن صعوبة تأمين اللباس والأغطية وكذلك التدفئة.
وأضاف مصطفى “أنا لا عمل لدي الآن كنت أعمل في الخياطة بمدينة الرقة حينها كان عندي محلاً صغير أسترزق منه دون طلب يد العون من أحد، وعندما وصلت بحثت عن عمل لم أجد رغم أنني معلم في الخياطة”، ومع اشتداد المعارك بين تنظيم الدولة “داعش” وميليشيا “سوريا الديموقراطية” أجبر مصطفى أن يخرج من منزله متجهاً إلى ريف حلب الشمالي تاركاً خلفه منزله ومحله الذي يسترزق منه، وهو يجيد الخياطة بشكل ممتاز لكنه لم يجد عملاً لاكتظاظ المنطقة بالشبان وأغلبهم يمتلكون مهناً إلا أنهم لم يجدوا المكان المناسب لمزاولة مهنتهم.
وأكد مصطفى أنه يعاني من تراكم الوحل والطين على باب خيمته حين تساقط الأمطار إضافة إلى قلة في الأغطية والبطانيات، ونقصاً في الألبسة الشتوية فهو خرج من منزله لم يحمل معه سوى اللباس الذي يرتديه، وكذلك أبنائه، ناهيك عن التدفئة التي لم يستطع تأمينها إلى الآن مع اقتراب الدخول الشهر الثاني من فصل الشتاء.
وتزيد المخيمات العشوائية أهمية لأن ساكنيها يعانون من أوضاع إنسانية صعبة فهم بحاجة للأغطية والألبسة التي لم يصلهم شيئاً منها إلى الآن
ومن الناحية الإغاثية يواجه النازحون في المخيمات العشوائية نقصاً تاماً فهم لم يستطيعوا تأمين قوت يومهم فهم بحاجة لإغاثة التي لم يحصلوا عليها منذ عدة أشهر، ويكترث الأمر سوءاً على النازحين الذين يبيتون في شوارع القرى فور وصولهم لا يوجد لديهم مأوى سوى انتظار أن يتدبروا امورهم في خيمة قماشية.
قرابة 250 ألف سورياً يفترش الأراضي الزراعية على الحدود السورية التركية
اشتعال الجبهات في جميع الأراضي السورية كان له الدور الأبرز في اكتظاظ الحدود بالمخيمات العشوائية في سيركَ في القرى الحدودية القريبة من مدينة اعزاز وصولاً إلى ناحية الراعي في الشمال عشرات المخيمات العشوائية التي تضم نازحين من محافظات سورية عدة، يواجهون صعوبة في العيش وخاصة مع اشتداد البرد وكذلك صعوبة تأمين التدفئة.
خلف البديع 40 عاماً هو أحد المهجرين من مدينة دير الزور وصل مؤخراً إلى قرية شمارين شرق معبر باب السلامة دفع أموالاً هائلة حتى وصل هذه المنطقة كلفته الرحلة قرابة 5000 دولاً أمريكي مصطحباً معه خمسة عوائل ليس لديهم القدرة على تحمل دفع الأتوات للحواجز التي تعترض طريقهم أجبر في نقلهم بشاحنته إلى المنطقة.
وأضاف خلف “نسكن الآن في خيمتين ونحن ثلاثين شخصاً دفعنا كل ما بحوزتنا وأجور نقل وتيسير أمور والآن لا نمتلك شيء من الأغطية والألبسة ولا حتى الأدوية فأغلب الأطفال يواجهون نزلات برد “كريب” جراء الأمطار التي تتعرض لها خيمتهم”، خلف يواجه المتاعب في رحلة نزوح ليأتي إلى مكان أكثر تعباً، ومعاناة هو والعائلات الخمسة التي أتت معه وأكد “لم تأتي إلينا أي منظمة ونحن بحاجة ماسة للمساعدة في تأمين عدد من الخيم والأغطية فنحن نوقد أكياس النايلون والعيدان للشعور بالدفء قليلا”، وتعاني المخيمات من أمورٍ عديدة في ظل غياب كلي للمنظمات.
لا تزال هذه المخيمات تكثر بشدة مع قدوم ألاف النازحين إليها وهم بحاجة ماسة للإغاثة في ظل غياب شبه تام للمنظمات الإنسانية التي تهتم بشؤون النازحين
ومن جانبه قال الناشط عبد الفتاح: “يوجد عشرات المخيمات الرسمية قرب معبر باب السلامة منهم مخيم “باب السلامة القديم، ومخيم باب السلامة الجديد، ومخيم ضاحية سجو، ومخيم ضاحية الشهداء، ومخيم الريان، ومخيم الرسالة، ومخيم الإيمان، ومخيم النور، ومخيم الحرمين، ومخيم المقاومة، ومخيم كراج سجو، ومخيم أهل الشام”، وهذه المخيمات تحوي قرابة 150 ألف نسمة من جميع المحافظات السورية وخاصة من مناطق تل رفعت ومنغ ومنبج الواقعات تحت سيطرة ميليشيا قوات سوريا الديموقراطية.
وأضاف “هذه المخيمات يتم توزيع الإغاثة فيها كل شهرين أو ثلاثة أشهر” فيما يقضي العشرات منهم في انتظارها بسبب أنها توفر لهم بعضاً من الأطعمة التي تسد جوعهم لأسابيع.
وأكد وجود عشرات المخيمات العشوائية على طول الشريط الحدودي وقرب القرى على هيكلة تجمعات سكنية في خيام وأقمشة تحوي ألاف النازحين، وهم “مخيم تليل الشام الذي يحوي 803 عائلات، ومخيم عشوائية الريان حوالي 2233 عائلة، ومخيم معرين الذي يقطنه 350 عائلة، ومخيم يازي باغ 675 عائلة، ومخيم الجسر والجب 375 عائلة، وخيم شهداء تل رفعت 225 عائلة، ومخيم سجو 234 عائلة ومخيم السفيرة الجبل 55 عائلة، ومخيم مرعناز 54 عائلة، ومخيم طريق يازي باغ (1) 450 عائلة ومخيم طريق يازي باغ (2) 540، ومخيم طريق يازيباغ (3) 602، ومخيم طريق يازي باغ (4) 610 عائلة، ومخيم طريق يازي باغ (5) 900 عائلة.
إضافة إلى مخيم الرحمة 919 عائلة، ومخيم نيارة 211 عائلة ومخيم شمارخ 175 عائلة، ومخيم مركز الإيواء 151 عائلة ، ومخيم جنوب شمارخ 239، ومخيم شرق شمارخ 153 عائلة ومخيم بلدة دابق 105 عائلة ومخيم بلدة احتيملات 370 عائلة وتقدر أعدادهم 100 ألف نسمة إضافة إلى الكثير من المخيمات لا يسعنا ذكرها.
وتزيد المخيمات العشوائية أهمية لأن ساكنيها يعانون من أوضاع إنسانية صعبة فهم بحاجة للأغطية والألبسة التي لم يصلهم شيئاً منها إلى الآن، وتكترث المهمة الأصعب هي أن ألاف الأطفال في المخيمات العشوائية دون تعليم إضافة إلى شياع العمل لهم وترك مدارسهم وتدبر أمور عوائلهم دون جهة تهتم بشؤون الأطفال دون 15 عشر عاماً، ولا تزال هذه المخيمات تكثر بشدة مع قدوم ألاف النازحين إليها وهم بحاجة ماسة للإغاثة في ظل غياب شبه تام للمنظمات الإنسانية التي تهتم بشؤون النازحين الذين يتعرضون للابتزاز المادي في كثير من الأحيان فور وصولهم.