يبدو أن 23 عاماً من المفاوضات “الفاشلة” بين السلطة الفلسطينية و”إسرائيل”، لم تشفع للرئيس محمود عباس للبحث عن طريق بديل يمكن استعادة الحقوق والثوابت الفلسطينية من خلاله بعيداً عن السياسة والتنازلات، في ظل الوضع القائم والتصعيد الأمريكي والإسرائيلي الممنهج ضد القضية والمشروع الوطني.
عباس هدد باتخاذ خطوات “جادة” ضد إدارة الرئيس دونالد ترامب، بعد اتخاذه القرار “الصادم” بإعلان القدس عاصمة للكيان المحتل، وتوقيعه على نقل سفارة بلادها إليها، لكن تهديد عباس لم يصل لجرأة قطع العلاقات أو إلغاء اتفاق أوسلو بل البحث عن وسيط بديل لإحياء مشروع التسوية لا أكثر من ذلك.
الخيارات المتاحة أمام الرئيس الفلسطيني بهذا الملف تكاد تكون معدومة، فعباس يعلم أن دول إقليمية قوية كروسيا والصين، لن تقبلا بان يكونا وسيطاً في مباحثات السلام خشية تكرار سيناريو فشل رعاية واشنطن لها، لكن قد يكون المخرج الوحيد هو مصر، التي تسعى جاهدة لاستعادة دورها من جديد عبر الملفات الفلسطينية العالقة والشائكة.
وسيط جديد
يوم الجمعة الماضي، اعتبر عباس أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تعد مؤهلة لرعاية عملية السلام في الشرق الأوسط، بعد اعتراف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالقدس عاصمة لدولة الاحتلال، وقال عباس في بيان أوردته الوكالة الرسمية الفلسطينية: “نجدد رفضنا للموقف الأمريكي تجاه مدينة القدس”.
قال قيادي في السلطة الفلسطينية إن مصر هي من عرضت نفسها على الرئيس الفلسطيني للوساطة بملف المفاوضات، خلال زيارته الأخيرة للقاهرة ولقائه بالرئيس عبد الفتاح السيسي
واتهم البيت الأبيض السلطة الفلسطينية بتفويت فرصة لمناقشة السلام في منطقة الشرق الأوسط برفض مقابلة نائب الرئيس الأمريكي، مايك بنس، خلال جولة مقبلة في المنطقة. عباس زكي، عضو اللجنة المركزية لحركة “فتح”، أكد أن الدور الذي كانت تلعبه واشنطن في إدارة ملف المفاوضات بين الفلسطينيين و”الإسرائيليين” قد انتهى تماماً ولم يعد قائماً.
وقال زكي إن “السلطة الفلسطينية لم تعد ترغب بأن تلعب واشنطن أي دور سياسي في المنطقة، وأي مبادرة يتم طرحها من قبل إدارة ترامب ستكون مرفوضة بالنسبة لنا ولن نتعامل معها مهما كانت الظروف”.
وأوضح زكي أن القيادة الفلسطينية تبحث عن بديل لواشنطن، وقد تكون مصر راعياً لعملية السلام وهي وسيط نزيه وجاد في تحقيق سلام عادل لا يتعارض مع المصالح والحقوق الفلسطينية، على خلاف النهج الذي كانت تسير عليه واشنطن طوال السنوات الماضية بانحيازها الكامل لـ”إسرائيل”، بحسب تعبيره. وتوقع زكي أن تلعب مصر دوراً هاماً في ملف عملية السلام في المرحلة المقبلة، مشدداً على أن “القدس ستبقى عاصمة لدولتنا في أي مفاوضات مقبلة”.
قيادي آخر في السلطة الفلسطينية، كشف عن وجود توافق عربي ودولي “مبدئي” لتكون القاهرة بديلاً عن واشنطن في رعاية مفاوضات السلام في المنطقة، خاصة بعد إعلان عباس رفضه الوساطة الأمريكية في هذا الملف.
وأكد القيادي الذي رفض الكشف عن اسمه أن مصر هي من عرضت نفسها على الرئيس الفلسطيني للوساطة بملف المفاوضات، خلال زيارته الأخيرة للقاهرة ولقائه بالرئيس عبد الفتاح السيسي، بعد فشل كل محاولات إقناع عباس بالعدول عن قرار “رفض وساطة واشنطن” الذي اتخذه الجمعة الماضي.
القاهرة ستوجه دعوات منفصلة للجانبين الفلسطيني والإسرائيلي لزيارتها، والبدء بتفعيل اللقاءات الثنائية، ووضع الخطوط العريضة لانطلاق جولة جديدة من المفاوضات بعد توقفها لأكثر من ثلاث سنوات
وأوضح أن عباس أجرى اتصالات محلية وعربية ودولية عديدة خلال الأيام الأخيرة؛ للاستشارة في ملف الوساطة المصرية الجديد، والقبول بجولة مفاوضات جديدة تحت رعاية عربية، بعد أن كانت واشنطن وكيلاً حصرياً لها طوال السنوات الـ23 الماضية، وحصل على قبول ودعم كبيرين.
وذكر القيادي أن عباس أعطى الموافقة والضوء الأخضر للقاهرة لرعاية جولة مفاوضات جديدة مع الجانب الإسرائيلي، لافتاً إلى أن كل التحركات المصرية لن تكون بعيدة عن أعين واشنطن، وستتم بعلمها وإشرافها ولو كان بشكل سري.
وكشف القيادي أن القاهرة ستوجه دعوات منفصلة للجانبين الفلسطيني والإسرائيلي لزيارتها، والبدء بتفعيل اللقاءات الثنائية، ووضع الخطوط العريضة لانطلاق جولة جديدة من المفاوضات بعد توقفها لأكثر من ثلاث سنوات.
يذكر أن المفاوضات الفلسطينية – الإسرائيلية توقفت في أبريل 2014؛ بعد رفض سلطات الاحتلال وقف الاستيطان والإفراج عن أسرى قدامى، وقبول حل الدولتين على أساس دولة فلسطينية على حدود 1967 عاصمتها شرق القدس.
وكان عباس قد زار القاهرة نهاية الأسبوع الماضي، وأجرى مباحثات ثلاثية مع الرئيس المصري عبد الفتاح السياسي والملك الأردني عبد الله الثاني، للتباحث في تداعيات قرارات ترامب حول القدس على المنطقة، دون الخروج بأي قرارات عملية واضحة لمواجهة المخاطر المحيطة بالمدينة المقدسة.
عباس يكافئ “إسرائيل”
نايف الرجوب، القيادي في حركة “حماس”، قال إن “المفاوضات بالنسبة للسلطة الفلسطينية نهج ثابت لا يمكن أن تتركه مهما كانت النتائج سلبية، ولا تزال تلهث وراء ذلك السراب”.
وأضاف الرجوب: “عقد أي لقاء تفاوضي مع إسرائيل بمثابة تقديم طوق نجاة لها من العقاب والمساءلة، وبدلاً من محاسبة قادتها وتقديم ملفاتهم إلى المحاكم الجنائية والدولية، ستكون تلك اللقاءات ذريعة بأن في إسرائيل من يسعى للسلام العادل”.
وحذر القيادي في حركة “حماس” من تقديم عباس تنازلات جديدة مقابل “صفقة القرن” المنتظرة، مؤكداً أن تنازله عن الشروط التي كان يضعها للتفاوض مع الاحتلال يثير الكثير من القلق، ويضع علامات استفهام كبيرة حول المرحلة المقبلة وخطورتها على القضية وملفاتها الشائكة.
من جانبه طالب طلال أبو ظريفة، عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، عباس بترك تلك اللقاءات السرية مع الجانب الإسرائيلي، والتوجه فوراً نحو المحاكم الدولية.
حركة الأحرار الفلسطينية: عودة السلطة للمفاوضات “العبثية” هي بمثابة مكافأة له على جرائمه التي يرتكبها بحق شعبنا الفلسطيني ومقدساته وأرضه في ظل تزايد الاستيطان المتواصل بدعم من الحكومة الصهيونية اليمينية المتطرفة”
وقال أبو ظريفة، إن “المطلوب الآن هو محاكمة قادة إسرائيل على جرائمهم التي ارتكبوها بحق شعبنا؛ من قتل وتدمير وسرقة للأراضي، واعتداء على المقدسات، وعقد أي لقاءات سرية أو علنية معهم توجه خاطئ ستكون له نتائج سلبية وعكسية”.
واعتبر القيادي الجبهاوي أن عباس يخالف التوافق الفلسطيني الداخلي عبر اللقاءات التفاوضية مع قادة الاحتلال، محذراً من صفقات خطيرة تطبخ من قبل الإدارة الأمريكية تستهدف بشكل أساسي القضية الفلسطينية لمصلحة الاحتلال الإسرائيلي ومخططاته التصعيدية.
بدوره أكد عضو المكتب السياسي الناطق الإعلامي لحركة الأحرار الفلسطينية ياسر خلف على أن عودة السلطة للمفاوضات “العبثية” هي بمثابة مكافأة له على جرائمه التي يرتكبها بحق شعبنا الفلسطيني ومقدساته وأرضه في ظل تزايد الاستيطان المتواصل بدعم من الحكومة الصهيونية اليمينية المتطرفة”.
ورفض خلف بشكل قاطع العودة للمفاوضات العقيمة والتي لم تحقق لشعبنا سوى المزيد من الاستيطان والتهويد والتدنيس, واعتبر بأن عودة السلطة للمفاوضات هو رضوخ للضغوطات الأمريكية الإسرائيلية للحفاظ على بقائها من الانهيار، معتبراً بأن ما تقدمه من تنازلات سياسية وأمنيه هو شرط لذلك.
وشدد الناطق الإعلامي على أن الدخول في دارة مفرغة من المفاوضات مرفوضة شعبياً وفصائلياً هو أمر يستوجب الجميع رفع الصوت عالياً ضد هذه السلطة التي وصل انحدار مواقفها لمستوى لا يوصف, وأن ذلك كله يأتي على حساب المصالحة الوطنية التي وضعها عباس بهذه العودة في ثلاجة الموتى.
وأكد خلف على أن عودة السلطة للمفاوضات هي تجميل لصورة الاحتلال البغيض بدلاً من عزله ومحاسبته في المحافل الدولية على ما ارتكب من جرائم بحق الإنسان والمقدسات والأرض الفلسطينية، مضيفاً أنه “لا شرعية للمفاوضات ولا شرعية لمن يفاوض ولا شرعية لمن يؤيد من يفاوض وشعبنا ومقاومته غير ملزمة بما ينتج عنها من عبث لا يخدم إلا الاحتلال”.