عاد عبد الرزاق مقري الرجل القوي في حركة مجتمع السلم (حمس) إلى رئاسة الحزب هذا الأسبوع، بعدما تخلى عنها لأربعة أشهر لعبد المجيد مناصرة بموجب اتفاق الوحدة مع جبهة التغير، لتنطلق التساؤلات حول احتمال أن يكون الرئيس العائد المرشح الرئاسي المنتظر لإخوان الجزائر في انتخابات 2019، وهم الذين لم يقدموا ممثلا عنهم منذ رحيل مؤسس الحركة محفوظ نحناح.
وسيرأس مقري حمس إلى غاية شهر مايو المقبل تاريخ عقد المؤتمر الوطني للحركة الذي سيتم خلاله انتخاب رئيس جديد يتولى إدارة الحركة لعهدة تدوم 5 سنوات، ويرجح أن يكون مقري أكثر المرشحين حظا لخلافة نفسه التي ستسمح له بالحصول على تزكية مجلس الشورى للترشح للانتخابات الرئاسية في حال أراد ذلك.
من هو مقري
يوصف مقري بأنه أكثر القيادات في حركة مجتمع السلم راديكالية، فالبرلماني الذي أدرك في 23 أكتوبر تشرين الأول عمر 67 سنة، سبق وأن انتخب في مايو 2013 رئيسا للحركة بعد خروج الحزب من التحالف الرئاسي الداعم لبوتفليقة، وهو القرار الذي كان يؤيده على عكس سلفه أبو جرة سلطاني الذي لا يزال إلى اليوم يحن للعودة إلى حضن السلطة، حنين عارضه مقري الربيع الماضي لما عرض الوزير الأول الأسبق عبد المالك سلال على حمس المشاركة في الحكومة.
يعرف عبد الرزاق مقري بمعارضته شبه الكلية لأي تقارب مع السلطة الحالية
يشير الموقع الإلكتروني لمقري إلى أنه حاصل على دكتوراه في الطب من جامعة سطيف، وماجستير في الشريعة والقانون من كلية الشريعة بجامعة الجزائر، وشهادة ما بعد التدرج في علوم التسيير من المعهد الوطني للإنتاجية والتنمية الصناعية ببومرداس، ويعد حاليا دكتوراه في كلية العلوم الإسلامية بالجزائر حول الأزمة المالية العالمية.
ويعرف عن مقري نشاطه السياسي الكثيف، فهو عضو مؤسس لحركة مجتمع السلم، ونائب في المجلس الشعبي الوطني لعهدتين 1997-2007، ونائب رئيس مجلس اتحاد برلمانات الدول الأعضاء في منظمة المؤتمر الإسلامي سابقا، وعضو مؤسس للمنتدى العالمي للبرلمانيين الإسلاميين، وعضو مجلس أمناء مؤسسة القدس العالمية وأمين عام فرع الجزائر، وعضو اللجنة الدولية لكسر الحصار على غزة ورئيس الوفد الجزائري في أسطول الحرية، وشريان الحياة 5، ومسيرة القدس العالمية.
وفي المجال الفكري ، فإن عبد الرزاق مقري يشغل منصب الأمين العام لمنتدى كولالمبور للفكر والحضارة، وهو مدير مركز البصيرة للبحوث والاستشارات والخدمات التعلّمية، وباحث متعاون مع العديد من المراكز البحثية العربية مثل مركز دراسات الشرق الأوسطـ (الأردن)، ومركز الإعلام العربي (مصر)، ومركز الزيتونة للدراسات والاستشارات (لبنان).
ولرئيس حمس الجديد عدة مؤلفات، منها صدام الحضارات: محاولة للفهم، والحكم الصالح وآليات مكافحة الفساد، ودرب المقاومة: جهاد الشعب الجزائري ضد الاحتلال (1830 – 1962)، ومدخل لفهم العلاقات الدولية، والمشكلات العالمية الكبرى والعلاقات الدولية (دراسة مقارنة بين الشريعة الإسلامية والقانون الدولي حول مشكلات التنمية والبيئة في العالم)، والانتقال الديمقراطي في الجزائر: رؤية ميدانية، والمشروع الإسلامي: هويته، أهدافه، أدواته، مصادر قوته.
حسب خصوم مقري، فإن خيار المشاركة في الحكومة كان قرارا اتخذ في عهد الشيخ المؤسس الراحل محفوظ نحناح الذي يقول الكل بشأنه إنهم يسيرون على خطى منهجه السياسي
معارضة دائمة
يعرف عبد الرزاق مقري بمعارضته شبه الكلية لأي تقارب مع السلطة الحالية، فهو على عكس سلفه عبد المجيد مناصرة يرفض المهادنة ويميل إلى المواجهة بخطاب ناري ضد حزبي جبهة التحرير الوطني والتجمع الوطني الديمقراطي الحاكمين في البلاد.
وبدا واضحا من كلمته الافتتاحية لدى عودته إلى ترأس أكبر حزب اسلامي في الجزائر مثلما تصفه الصحافة الجزائرية أنه سيسير على خطى عدم العودة للحكومة رغم كل المغريات، فقد تحدث في كلته عدة مرات عن قرار رفض المشاركة في الحكومة الأخيرة.
وقال مقري مخاطبا مناضليه “إن رفضكم المشاركة في الحكومة بأغلبية ساحقة بينت قوة التوجه وسداد الوجهة، ثم توافقكم على ذلك بعد وحدتكم، أظهر لليائسين بأن الخير موجود في البلد وأن التعفف خلق ثابت في الوطن، وأن ثمة في رحابنا متجردين يعافون الكراسي والمناصب حين يدلهم فهمهم بأنها ليست للمصلحة العامة. لقد قلتم للقاصي والداني بأن عبارة ” كلهم كيف كيف” (أي كلهم سواء) التي يطلقها الكثيرون على كل السياسيين ليست صحيحة. فمن شك في ذلك فليخبرنا هل ثمة حزب عرضت عليه المناصبُ في الجزائر ورفضها. إن تصرفكم هذا علاوة على أبعاده السياسية يعد مساهمة عظيمة في إعلاء شأن القيم في هذا البلد.”
خصوم الداخل
لكن هذا الموقف الرافض لأي تعاط مع السلطة بقدر ما حقق لمقري رضا وسط مناضلي الحزب بقدر ما خلق له خصوما أيضا، خاصة من القياديين في الحزب يتقدمهم الرئيس الأسبق للحركة ابو جرة سلطاني ورئيس مجلس الشورى الأسبق عبد الرحمان سعيدي اللذين يميلان إلى عدم الاصطفاف في صف المعارضة، ويلحان على العودة إلى الحكومة بالنظر إلى أن الظروف التي تمر بها البلاد تقتضي ذلك.
إن احتمال تقدم مقري الذي يبدو الأكثر حظا لرئاسة الحركة من جديد في مؤتمر مايو المقبل يبقى مرهونا بعدة عوامل، أولاها هو عدم ترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لرئاسيات 2019
وحسب خصوم مقري، فإن خيار المشاركة في الحكومة كان قرارا اتخذ في عهد الشيخ المؤسس الراحل محفوظ نحناح الذي يقول الكل بشأنه إنهم يسيرون على خطى منهجه السياسي.
ولا يستبعد مراقبون أن يشكل هذا التيار المخالف إحراجا لمقري المتصف بخطابه الاستقطابي، بالنظر إلى أن الانشقاقات التي عرفتها حمس حتى وإن لم تحدث في عهدته كان من بعض أسبابها الخروج من الحكومة مثل ما حدث مع عمار غول الذي أسس حزب تجمع أمل الجزائر واستطاع أن يحصد 20 مقعدا في البرلمان ليحل رابعا وراء الحزب الأم حركة مجتمع السلم.
كما يعتقد البعض أن البقاء في المعارضة لم يحقق للحركة أي مكاسب، في حين أن المشاركة سمحت لمناضليها بالوصول لمركز صناعة القرار في بعض القطاعات، ما يسمح لها بإمكانية التغيير من الداخل خاصة وأن بعض الوزراء المنتمين لحمس نجحوا في مهامهم بشكل لافت باعتراف مقري نفسه، غير أن البعض يرون أن هذه المشاركة سمحت بان يصنفهم البعض ضمن المستفيدين من الريع، خاصة بعد قضية الفساد المتعلقة بالطريق السيار شرق غرب التي طالت وزير الأشغال العمومية عمار غول، حتى وإن برأته العدالة من التهم التي وردت في الصحافة الجزائرية، إلا أنه بقي لحد الآن لدى بعض الناس المسؤول عن هذه القضية التي هزت البلاد.
خيارات الترشح
بحسب مراقبين، فإن احتمال تقدم مقري الذي يبدو الأكثر حظا لرئاسة الحركة من جديد في مؤتمر مايو المقبل يبقى مرهونا بعدة عوامل، أولاها هو عدم ترشح الرئيس عبد العزيز بوتفليقة لرئاسيات 2019، بالنظر الى أن مقري كان من الذين دفعوا الحركة إلى مقاطعة رئاسيات 2014 لما ترشح بوتفليقة، كونه يعتقد أن النظام سيزور الانتخابات للرئيس المترشح، وبوتفليقة لا يدخل انتخابات لا يعلم أنه فائزا فيها مسبقا.
كما يجب على مقري لضمان ترشحه إسكات الأصوات المعارضة له التي قد تعمل على ترشيح أبو جرة سلطاني للرئاسيات، خاصة وأن الرجل لم يخف في أكثر من مرة طموحه بالحصول على لقب مرشحا للانتخابات الرئاسية باسم حركة مجتمع السلم.
ويرى البعض أنه في حال لم يتوفرا هاذين العاملين، فإن مقري سيكون أمام خيارين الأول مقاطعة الحركة للرئاسيات، والثاني دعم مرشح معين قد يكون رئيس الحكومة الأسبق أحمد بن بيتور الذي سبق وأن اعترف مقري أنه كان سيعمل على دعمه لو قرر خوض الانتخابات الرئاسية السابقة ضد الرئيس بوتفليقة.