حالة من التعقيد تتسم بها العلاقات التركية الخليجية بوجه عام كونها تحمل في كثير من طياتها العديد من التناقضات التي تظهر في بعض الأحيان عكس ما تبطنه أحايين أخرى، وهو ما يجعل التعامل معها ككتلة واحدة أمرا يفتقد للموضوعية والواقعية، إذ يختلف تعاطي أنقرة مع كل دولة خليجية على حدة وفق حزمة من التحديات والمحددات.
ففي الوقت الذي تصل فيه العلاقة بين أنقرة وأبو ظبي أوج قمة توترها تتحسن بصورة ملحوظة مع الدوحة خاصة في الفترة الأخيرة، بينما تتباين مع الرياض، ما بين موجات من التباعد والتقارب حسب المستجدات التي تحدد بوصلة توجهات العاصمتين حيال بعض الملفات الإقليمية الملتهبة.
زيارة رئيس الوزراء التركي، بن علي يلدريم، للسعودية، والتصريحات الصادرة عنه بشأن تطابق وجهتي نظر البلدين حيال 90% من قضايا المنطقة، والحديث عن زيارة مرتقبة لولي العهد السعودي لتركيا، بالتزامن مع جولة الرئيس رجب طيب أردوغان الإفريقية والتي شملت السودان وتشاد وتونس، أثارت الكثير من التساؤلات حول المسكوت عنه في العلاقات التركية السعودية، وسيرها نحو التهدئة فعلا أم مزيد من التصعيد.
3 مشاهد متناقضة
شهدت الساحة التركية السعودية خلال الأيام الثلاثة الأخيرة 3 مشاهد متباينة، وصلت في بعضها حد التناقض، كشفت بصورة كبيرة حجم الغموض الذي يحيط بكنف العلاقات بين البلدين والذي يخرج في كثير من الأحيان بعيدًا عن التفسيرات التي تعكسها التصريحات الإعلامية المتبادلة بين أنقرة والرياض.
المشهد الاول: زيارة الرئيس التركي إلى السودان، الأحد والاثنين، وما أثير حيالها من جدل جرًاء النتائج التي خرجت بها في إطار تفعيل سبل التقارب بين البلدين بصورة غير مسبوقة، دفعت البعض إلى القول بتغير ملامح خارطة التحالفات الإقليمية على اعتبار نجاح أنقرة في ضم الخرطوم – التي تشهد علاقات متوترة مع حلفاء السعودية في المنطقة على رأسها القاهرة- إلى حلفها على حساب الحلف الخليجي.
محاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدتها تركية في الخامس عشر من شهر يوليو/ تموز 2016 دفعت أنقرة لإعادة النظر في تقييم علاقاتها الخارجية مع دول الجوار والإقليم وفق تصور مختلف يستند في جزء كبير منه إلى مواقف تلك الدول مع هذه المحاولة
المشهد الثاني: زيارة بن علي يلدريم الرياض، الأربعاء، حيث التقى العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز، وولي العهد وزير الدفاع محمد بن سلمان، وبحثا سبل تفعيل التعاون بين البلدين في عدد من المجالات.
رافق يلدريم في زيارته، نائبه هاكان جاويش أوغلو، ووزيرة العمل والضمان الاجتماعي جوليدة صاري أر أوغلو، ووزير الصحة أحمد دميرجان، ونائبي رئيس حزب العدالة والتنمية ماهر أونال، وأوزنور جاليق، مقارنة بالوفد المرافق لأردوغان والذي تجاوز 200 رجل أعمال غير أعضاء الحكومة وكبار المسؤولين، ولعل لهذا دلالة تعكس فارق الاهتمام بين الزيارتين.
رغم تباين الأراء حول دوافع هذه الزيارة غير أن التصريحات التي خرجت عن رئيس الوزراء التركي تشير إلى تفاهمات عدة مع الجانب السعودي، حيث جاء على لسانه ” “يمكنني القول بأن وجهات نظرنا متطابقة بنسبة 90 بالمئة بشأن قضايا (المنطقة) وسبل حلها”.
المشهد الثالث: – وصول دفعة تعزيزية جديدة من القوات المسلحة التركية إلى قاعدة العديد الجوية، على بعد 30 كلم جنوب غرب الدوحة، أول أمس الثلاثاء، لتنضم إلى القوات التركية المتواجدة حاليا بدولة قطر وذلك ضمن الإتفاقية الدفاعية المشتركة بين الدولتين، حسبما أوردت مديرية التوجيه المعنوي في وزارة الدفاع القطرية، في بيان لها.
المشهدين الأخيرين على وجه الخصوص يتعارضا بصورة كبيرة مع المشهد الأول، ويدفعا إلى التشكيك في مضمون تصريحات رئيس الوزراء التركي بشأن التقارب مع السعودية، في ظل براميل الوقود المتفجرة بين البلدين نظرا لتباين وجهات النظر حيال العديد من الملفات التي تعكس الصراع المكتوم بينهما وإن لم يظهر للعلن بصورة واضحة.
صراع مكتوم بين تركيا والسعودية رغم التصريحات المتبادلة
7 قنابل موقوتة
تتعدد مظاهر الصراع المكتوم بين تركيا والسعودية في العديد من الملفات الإقليمية والتحركات السياسية التي يمكن تفسيرها إما في إطار هرولة أي من الدولتين نحو مصالحها الخاصة بصرف النظر عن تداعيات ذلك على الطرف الأخر، أو العبث في الأمن القومي المتعمد لأي من الطرفين.
أولا: القضية الفلسطينية
تتباين المواقف السعودية والتركية بشكل كبير حيال القضية الفلسطينية خاصة ملف القدس على وجه التحديد، حيث تعارض أنقرة في تعاطيها مع القضية المشروع السعودي الذي يلعب أدواراً وظيفية مهمة من قبل النظام العالمي فيما يخص ملفات المنطقة، وعلى رأسها الملف الفلسطيني في ظل الجهود المتسارعة من أجل إتمام ما عرف بـ “صفقة القرن” التي يعد الاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني أهم مراحلة.
العديد من التقارير أشارت إلى تنسيق مصري سعودي مع واشنطن للقيام بهذه الخطوة المستفزة، كما لم تتأخر الرياض في دعم الرئيس الأمريكي بمئات المليارات من الدولارات، إضافة إلى الرحلات المكوكية التي قطعها صهر ترمب، جاريد كوشنر، إلى السعودية من أجل التحضير للصفقة، وهو ما يتعارض مع التعاطي التركي بصورة ملفتة للنظر.
ثانيًا: الملف السوري
في البداية كانت الثورة السورية أحد أبرز دوافع التقارب بين السعودية وتركيا وذلك حين اجتمعت إرادة كلا الطرفين على إسقاط بشار الأسد ونظامه، وتعددت حينها سبل التقارب ومتسويات التنسيق، سياسيًا، عسكريًا، لوجستيًا، أو حتى على مستوى تدريب جماعات المعارضة المسلحة.
غير أن المستجدات التي طرأت على الأزمة فيما بعد والتي جاءت في معظمها لترجح كفة الأسد بعد الدعم الروسي والإيراني له، على حساب المعارضة، وما تمخض عن ذلك من تغير موازين القوى على الأرض وإعادة رسم الخارطة السياسية للمشهد من جديد، أثرت بدورها على التعاطي التركي مع الأزمة كذا السعودي خاصة فيما يتعلق برحيل الرئيس السوري.
وبعد أن كانت الرياض وأنقرة في خندق واحد في الداخل السوري، تحولت الأولى نحو الرؤية الأمريكية الداعمة لبعض التيارات المناوئة لتركيا كدعم وحدات الشعب الكردي، بينما ذهبت الثانية إلى المنعطف الروسي، وهنا بدت ملامح الصراع تحتدم.
صحيفة “يني شفق” التركية نشرت في 14 حزيران تقريرًا تحدثت من خلاله عن تنسيق أمريكي- سعودي- إماراتي، لدعم حزب الـ “PYD” في المناطق التي يوجد فيها في سوريا بعد الانتهاء من محاربة تنظيم “الدولة”.
وأشارت الصحيفة إلى أن اجتماعًا عقد في مدينة الحسكة، 10 حزيران، بحضور ممثلين عن المخابرات الأمريكية والسعودية الإماراتية والمصرية، وممثلين عن الكرد وعشائر عربية تدعمها الإمارات، لـ “تحديد استراتيجية مشتركة لمستقبل النفط السوري”.
الاجتماع تطرق إلى الحديث عن بعض النقاط لعل أبرزها زيادة الدعم الخليجي للأكراد، ومستقبل النفط السوري في مناطق سيطرة الأكراد، إلا أن الملفت للنظر وبحسب الصحيفة ما صدر عن ممثلي واشنطن والرياض تجاه ممثلي الأكراد، حيث عبرا عن احترامهم لنضال حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي، ووعدوه أن يكون له حصته من عائدات النفط بعد الانتهاء من حرب تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”
ثالثًا: محاولة الانقلاب الفاشلة
محاولة الانقلاب الفاشلة التي شهدتها تركية في الخامس عشر من شهر يوليو/ تموز 2016 دفعت أنقرة لإعادة النظر في تقييم علاقاتها الخارجية مع دول الجوار والإقليم وفق تصور مختلف يستند في جزء كبير منه إلى مواقف تلك الدول مع هذه المحاولة.
كانت السعودية حاضرة وبقوة بجانب بعض العواصم الأخرى على رأسها الإمارات والقاهرة، في مرحلة إعادة التقييم، وهو ما ألمح إليه الرئيس التركي أكثر من مرة في كثير من خطاباته التي أدان فيها ردود الفعل الخارجية حيال محاولة الانقلاب.
تغطية الإعلام السعودي وعلى رأسه قناة “العربية” لتلك الأحداث أسقطت القناع عن موقف الرياض الخفي حيال النظام التركي الحالي، حيث جاءت التغطية لتفاصيل تلك الليلة لحظة بلحظة وفق استراتيجية تعكس وكأن الأمر انتهى وبات الحديث عن مرحلة ما بعد أردوغان، وذلك قبل أن تتغير ملامحها بعد الفشل الذي منيت به القوى الانقلابية.
هذا غير تردد الخارجية السعودية في إعلان موقفها من تلك المحاولة في انتظار ما ستسفر عنه الأحداث، حيث جاء التنديد الرسمي متأخرًا جدًا مقارنة ببعض الدول الأخرى التي أعلنت موقفها مع اللحظات الأولى وعلى رأسها قطر، وهو ما لم تنسه أنقرة حتى الآن.
من المتوقع أن يفرز التقارب التركي السوداني تداعيات عكسية على المحور السعودي – الإماراتي، خاصة فيما يتعلق بما سينجم عنه من إحداث بعض التغيير في خطط محور الخليج الذي سيتأثر بلا شك بعد التحاق السودان بالمحور التركي
رابعًا: الأزمة الخليجية
جسدت الأزمة الخليجية حجم الصراع الخفي بين أنقرة من جانب والرياض وأبو ظبي والقاهرة من جانب آخر، فبعد ساعات قليلة من إعلان دول الحصار الأربع (السعودية والبحرين والإمارات ومصر) المقاطعة الدبلوماسية لقطر في الخامس من يونيو/ حزيران، بزعم تدخل الدوحة في شئون الدول الداخلية ورعايتها لـ “الإرهاب”، اعلنت تركيا عن موقفها الرافض تمامًا لهذه الخطوة التي حذرت منها أكثر من مرة.
في البداية تبنت الدوحة موقفا محايدًا، كما جاء على لسان وزير الخارجية التركي “مولود تشاووش أوغلو”، أنه يشعر بالأسى للخلاف بين قطر ودول عربية أخرى، ودعا للحوار لحل النزاع، في انتظار ما ستسفر عنه الوساطة الكوتيية وجهود اميرها في محاولة لرأب الصدع ولملمة الشمل مرة أخرى.
غير أنه وبعد الفشل في الوصول إلى تسوية قريبة تصاعد معها خطاب التهديد ضد الدوحة من قبل العواصم المحاصرة، أقر البرلمان التركي مشروع قانون، يسمح بنشر قوات تركية في قطر، لتتخلي عن سياسة الحياد، منتقلة إلى التمترس مع حليفتها الدوحة في هذه الأزمة، التي سبقت وأن وقفت بجوارها في أحداث الخامس عشر من يوليو/ تموز 2016، وقد جسد تصريح أردوغان 9 يونيو الماضي، هذا المشهد حين أكد بأن تركيا ستستمر بدعم أشقائها القطريين، ولن تتركهم وحدهم.
ورغم التقارب المعلن بين أنقرة والرياض والذي تجسد في العديد من الزيارات المتبادلة بين قيادات البلدين، إلا أن الأزمة الخليجية الأخيرة وتحيز أردوغان للجانب القطري في مواجهة دول الحصار، كشفت الكثير عن ملامح النار الخامدة تحت الرماد في مضمار العلاقات بين البلدين حتى وإن لم تظهر للعلن بصورة واضحة.
جدل داخل تركيا أحدثته زيارة السبهان للرقة
خامسًا: الدعم السعودي للأكراد
تعد قضية الأكراد خطًا أحمر بالنسبة لأنقرة، ومسألة أمن قومي لا تقبل المساس بها أو الاقتراب منها، وبالتالي ورغم اليقين التام بحساسية هذا الملف بالنسبة لتركيا فإن السعودية عزفت على أوتاره العديد من الألحان التي أثارت حفيظة الأتراك بصورة كبيرة ولعل هذا المحور هو أحد معاول التوتر بين الجانبين.
أواخر العام الماضي أحتفل مقيمون أتراك وسوريون بالذكرى الـ 38 لتأسيس حزب “العمال الكردستاني” في المدينة المنورة، ورغم حساسية مثل هذه الفعاليات الكردية للدولة التركية، وما يشكّله الحزب المنصف وفق أنقرة “إرهابيًا” من تهديد لأمنها القومي، إلا أن السلطات السعودية لم تتخذ أي إجراءات عقابية بحقهم.
الإعلام السعودي كان حاضرًا في هذا المشهد وبقوة من خلال ضوء أخضر أعطي له بمكايدة تركيا عبر تصعيد نجم الأكراد ما بين الحين والآخر، فتحت عنوان “الأكراد.. هبة الله للعرب” طالب الكاتب السعودي، محمد الساعد، في مقاله المنشورة بصحيفة”عكاظ” 9 يناير/ كانون الثاني الماضي بتفعيل أواصر التعاون مع الأكراد، معددًا مناقبهم كونهم يقومون “بدور عظيم في حماية العرب العراقيين والسوريين، من طغيان الخوارج الإرهابيين في شمال العراق وسوريا، ويأخذون على عاتقهم قتال الدواعش وجبهة النصرة، وتحرير المدن والقرى، من إجرام العصابات المتطرفة”.
في 15 يونيو/حزيران الماضي أجرت صحيفة “الرياض“السعودية حوارا مطولا مع صالح مسلم، رئيس حزب “الاتحاد الديمقراطي” (PYD) الكردي، الذي أعلن إنشاء “الإدارة الذاتية” قبل أعوام، هاجم خلاله قطر وتركيا وإيران والنظام السوري،وذلك حينما سألته الصحفية التي أجرت معه الحوار، هديل عويس، عن التحالف “الإيراني- التركي- القطري”، ليجيبها “هذا التحالف قائم، ونحن عانينا ولا زلنا نعاني منه الأمرَّين ونقاومه ونتصدى له إلى الآن”.
العامل الاقتصادي يفرض نفسه وبقوة كمحدد رئيسي في العلاقات بين الجانبين، خاصة في ظل الظروف والتحديات الاقتصادية التي تواجه البلدين في الفترة الأخيرة
رئيس حزب “الاتحاد الديمقراطي” اعتبر في حواره أن التركي- القطري كان سلبيًا في المنطقة، قائلا “أولهما منفذ وثانيهما مموّل، يقومان بتسخير أدوات خارجة عن العصر لا تعرف القيم الإنسانية ولا معاييرها، تأتي على الأخضر واليابس وتحاول فرض الظلمات والظلام والظلم على كل بقعة تطالها أيديها”.
نفس الصحيفة في 8 يونيو/حزيران تحدثت إلى رئيسة “مجلس سوريا الديمقراطية”، إلهام أحمد، والتي شددت على أن “السعودية بلد شقيق لسوريا، ومهم للمسلمين، ومجلس سوريا الديمقراطية مستعد للتعاون مع الدول الساعية لإنهاء النزاع في سوريا، وفرض الاستقرار، من خلال بناء سوريا ديمقراطية تعددية بعيدة عن كل المشاريع الطائفية والقومية”، منتقدة دور قطر و”الدول الإقليمية المتدخلة بالشأن السوري”، بسبب شقها صفوف المعارضة، الذي أدى إلى “انتشار التطرف والإرهاب في كامل سوريا”.
هذا بخلاف الدلالات السياسية الواضحة التي كشفتها الزيارة المثيرة التي قام بها وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج، ثامر السبهان، إلى الرقة السورية، 19أكتوبر/ تشرين الأول الماضي، برفقة منسق عمليات التحالف ضد تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” الجنرال بريت ماكغورك، وذلك عقب نجاح مليشيات الوحدات الكردية YPG في الاستيلاء عليها من التنظيم.
حينها التقى السبهان بمسؤولين في حزب الاتحاد الديمقراطي PYD، ما أثار جدلاً كبيراً في داخل تركيا إعلامياَ وسياسياً، إذ بدا واضحاً منها أن الرياض قررت أن تلعب في الفناء الخلفي لحليفتها الاستراتيجية (هكذا يفترض وفق الاتفاقيات الموقعة بين البلدين) في واحد من أكثر الملفات حساسية والذي يعد السبب الضالع وراء الخلافات المحتدمة بين تركيا والولايات المتحدة ودول الاتحاد الأوربي.
سادسًا: التقارب مع إيران
التقارب التركي الإيراني في الفترة الأخيرة فرض نفسه هو الآخر على قائمة دوافع التوتر في العلاقات بين أنقرة والرياض، وهو ما تعتبره الأخيرة تهديدًا لأمنها القومي ينسف التحالف الظاهري بين البلدين.
استفتاء إقليم كردستان الأخير سبتمبر/ أيلول الماضي ساهم بشكل كبير في إحداث التقارب بين إيران وتركيا خاصة بعد تطابق وجهتي نظرهما بشأن رفض العملية برمتها في الوقت الذي دعمت فيه الرياض هذه الخطوة بصورة غير معلنة وفق بعض المؤشرات.
علاوة على ذلك فإن المساعي الروسية للوساطة بين القوتين، الإيرانية والتركية، ذللت كثيرًا من العقبات التي كانت تعيق عملية التقارب، وإن كان ذلك لا يعني بالكلية تدشين تحالف استراتيجي دائم، فالتناقضات السياسية والمذهبية، والتاريخ الصراعي الحافل بالحروب والنزاعات البينية يهدد هكذا تحالف.
غضب تركي من التغطية الإعلامية السعودية لمحاولة الانقلاب الفاشلة
سابعًا: تهديد المحور الخليجي
تشهد العلاقات التركية مع حلفاء السعودية في المنطقة العديد من مظاهر التوتر، خاصة دولة الإمارات، على خلفية تغريدة أعاد وزير خارجيتها عبد الله بن زايد نشرها في موقع “تويتر”، تتهم الوالي العثماني على المدينة المنورة فخر الدين باشا بارتكاب جريمة ضد سكان المدينة وسرقة أموالهم ونقلها إلى الشام وإسطنبول مطلع القرن العشرين، لتشن وسائل الإعلام التركية هجوما ضد أبو ظبي تتهمها فيه بـ “إساءة الأدب والتجني على التاريخ ومحاولة التأليب بين الشعب العربي والتركي”.
وعلى إثرها دخلت الأجواء العامة بين البلدين موجة من التراشق السياسي والإعلامي كشفت حجم التوتر بينهما، حيث سخرت أبو ظبي منصاتها الإعلامية للهجوم على أردوغان ونظامه، مع العلم أن هذا ما كان ليتم دون إعطاء السعودية الضوء الأخضر لها، أو الموافقة عليه على أقل تقدير، كذلك الموقف من القاهرة ونظام الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، والذي يمثل محور خلاف كبير بين تركيا والسعودية، خاصة كيفية التعاطي مع جماعة الإخوان المسلمين.
ثم جاءت زيارة السودان لتؤكد هذا المسار بصورة كبيرة، حيث من المتوقع أن يفرز التقارب التركي السوداني تداعيات عكسية على المحور السعودي – الإماراتي، خاصة فيما يتعلق بما سينجم عنه من إحداث بعض التغيير في خطط محور الخليج الذي سيتأثر بلا شك بعد التحاق السودان بالمحور التركي الذي يسعى للتصدي لأطماع الأنظمة الخليجية في المنطقة.
بعض الإعلاميين الأتراك ينظرون إلى هذا التقارب كونه خطوة استباقية تقوم بها أنقرة وسط المؤامرات الكبيرة التي تُحاك ضدها وذلك بعدما اتضح أن بعض الدول العربية كان لها دور في محاولة الانقلاب الفاشلة بتوفير تمويل ودعم سياسي وإعلامي وإستراتيجي خليجي، كما جاء على لسان رئيس تحرير موقع تايم تورك فخر الدين دده.
الكاتب التركي اعتبر أن تحركات المعسكر الإماراتي السعودي تمثل خطورة على المسار الديمقراطي في تركيا، وذلك عن طريق دعم الكيانات والمنظمات الإرهابية على رأسها جماعة “فتح الله غولن” هذا بخلاف الخطاب الإعلامي الحاد ضد أنقرة وسياساتها الخارجية، ومن ثم كان لا بد لتركيا من التحرك لاستعادة التوازن لإجهاض مثل هذه المخططات.
أواخر العام الماضي أحتفل مقيمون أتراك وسوريون بالذكرى الـ 38 لتأسيس حزب “العمال الكردستاني” في المدينة المنورة، ورغم حساسية مثل هذه الفعاليات الكردية للدولة التركية، وما يشكّله الحزب المنصف وفق أنقرة “إرهابيًا” من تهديد لأمنها القومي، إلا أن السلطات السعودية لم تتخذ أي إجراءات عقابية بحقهم.
المحدد الاقتصادي ووجوب التهدئة
رغم تعدد المظاهر التي تعكس حجم التوتر بين البلدين وتقلل من وقع تصريحات رئيس الوزراء التركي بشأن تطابق وجهات النظر بينهما في غالبية القضايا والملفات، غير أن كلا الطرفين في حاجة للتهدئة مع الآخر، وتجنب التصعيد خاصة في ظل المستجدات الراهنة التي تفرض على الجميع الرجوع خطورة للوراء قليلا.
العامل الاقتصادي يفرض نفسه وبقوة كمحدد رئيسي في العلاقات بين الجانبين، خاصة في ظل الظروف والتحديات الاقتصادية التي تواجه البلدين في الفترة الأخيرة، حيث وصل حجم الاستثمارات السعودية في تركيا خلال عام 2017 قرابة 6 مليارات دولار، وارتفع عدد الشركات السعودية في تركيا خلال نفس العام إلى 940 شركة، كما بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين العام الماضي، 5.65 مليار دولار؛ حيث بلغت الصادرات التركية للسعودية 3.2 مليار دولار، مقابل واردات من المملكة بقيمة 2.5 مليار دولار تقريبا
ومن ثم فحاجة البلدين لبعضهما البعض اقتصادياً في المقام الأول ثم سياسيًا حيث الحفاظ على الحد الأدنى من العلاقات الجيدة، ثانيًا، سوف تلعب دوراً إيجابياً في جسر الخلافات البينية في حال تصاعدها، وقد تقود إلى فتح مسارات التهدئة مستقبلا حال توفرت الإرادة السياسية لكليهما، وحتى توفر هذه الإرادة تظل العلاقات التركية السعودية تحت قنابل من البارود قابل الاشتعال في أي وقت مهما صرح يلدريم أو غازلت الرياض.