يمثّل تمديد اتفاقية تصدير الغاز الإيراني إلى العراق لسنوات أخرى، خطوة مهمة في السياسة الطاقوية للمنطقة، كونه يأتي بعد موافقة الإدارة الأمريكية على منح بغداد إعفاءات لتسديد مستحقات إيران المالية.
وتعكس هذه الاتفاقية حاجة العراق الملحّة للاستيراد من إيران، تلبيةً لاحتياجاته الضرورية من الغاز الطبيعي، خاصة في قطاع توليد الطاقة الكهربائية الذي يعتمد بشكل كبير على الغاز كمصدر أساسي.
وفي ظل التحديات التي تواجه العراق في تأمين الطاقة الكافية لسد احتياجات سكانه والقطاع الصناعي، يمثل الغاز الإيراني خيارًا مهمًا وفعّالًا لتلبية هذه الاحتياجات في الوقت الحاضر.
تمديد اتفاقية الغاز
ويشدد المسؤولون في بغداد وطهران على ضرورة استمرار التعاون الثنائي في مجال الطاقة، والتأكيد على الأهمية الاستراتيجية لهذا التعاون في تلبية احتياجات الطاقة المتزايدة في العراق.
وكشف الرئيس التنفيذي لشركة الغاز الوطنية الإيرانية مجيد جغني، في 9 مايو/أيار 2024، أن عقد الغاز مع العراق الذي سينتهي نهاية يونيو/حزيران المقبل، تم تمديده لمدة 5 سنوات أخرى، وأوضح في مؤتمر صحفي على هامش اليوم الثاني لمعرض النفط والغاز والتكرير والبتروكيماويات “أن كمية الغاز التي تم تسليمها في عام 2023 زادت بنسبة 1.4% مقارنة بالعام الذي سبقه”.
من جانبها أعلنت وزارة الكهرباء العراقية في 27 مارس/آذار الماضي، عن توقيع عقد لاستيراد الغاز من إيران لمدة 5 سنوات، وبمعدلات ضخ تصل إلى 50 مليون متر مكعب يوميًا، وتتفاوت كمياته حسب حاجة منظومة محطات الطاقة الكهربائية في البلاد، وبررت الوزارة تمديد العقد، بالحاجة الكبيرة إلى “إدامة زخم عمل محطات الإنتاج، ومواكبة ذروة الأحمال والطلب المتزايد على الطاقة الكهربائية، ريثما يكتمل تأهيل حقول الغاز الوطنية وسد حاجة الكهرباء”.
وقال وزير الكهرباء العراقي زياد علي فاضل إن بغداد قررت الاستمرار في شراء الغاز من إيران للسنوات الخمسة المقبلة، لأن محطات الطاقة العراقية بحاجة ماسة إلى الغاز الإيراني لإنتاج الكهرباء، وأشار الوزير العراقي إلى أن “تجربة السنوات الماضية أظهرت أن إيران شريك اقتصادي جيد للعراق ولبت احتياجاتنا في أصعب الظروف”.
فيما كشف نائب وزير النفط الإيراني لشؤون الغاز مجيد جغني أن بلاده صدرت إلى العراق نحو 52 مليار متر مكعب من الغاز بقيمة 15 مليار دولار منذ 2017.
مشكلة العقوبات الأمريكية
جاء توقيت توقيع تمديد اتفاقية الغاز بين العراق وإيران بعد أيام من قرار الإدارة الأمريكية منح بغداد إعفاءات واستثناءات خاصة من العقوبات، لتسديد مستحقات إيران المالية.
وتوصّل الطرفان إلى اتفاقية التمديد بعد عدة جولات من المفاوضات بين الجانبين نجحت في تذليل العوائق التي حالت دون دفع العراق ديونه لإيران بسبب العقوبات الأمريكية.
وذكر موقع “واشنطن فري بيكون” الأمريكي، في 14 مارس/آذار 2024 أنه “حسب نسخة من الإشعار تم تقديمه إلى الكونغرس بهذا الخصوص ستتمكن طهران من استلام أكثر من 10 مليارات دولار من ديونها المجمدة بسبب العقوبات الأمريكية“.
كما يلجأ البلدان إلى أسلوب المقايضة، حيث قال وزير الكهرباء العراقي، إن بلاده ستقدم لإيران “النفط الأسود”، مقابل استيراد الغاز الطبيعي.
وكشفت تقارير إخبارية في مارس/آذار الماضي عن اتفاق جديد بين العراق وإيران لتسوية ديون الغاز الإيرانية على العراق والبالغة 11 مليار دولار، يتم بموجبه قيام طهران بترشيح الشركات لتحميل المنتجات المكررة من المصافي، وعندما تباع تلك المنتجات، يدفع المشترون لإيران بدلًا من العراق”.
وحذّر مسؤولون أمريكيون عام 2023 من أن الاتفاق بين العراق وإيران بشأن مقايضة النفط بالغاز، سيمثل انتهاكًا للعقوبات الأمريكية المفروضة على إيران.
حاجة عراقية ملحّة
ويلجأ العراق إلى استيراد نحو 50 مليون متر مكعب من الغاز الإيراني سنويًا لتشغيل محطات إنتاج الطاقة الكهربائية التي تعمل على هذا النوع من الغاز. وينتج العراق حاليًا نحو 27 ألف ميغاواط من الطاقة الكهربائية عبر محطات تعمل غالبيتها بالغاز، لكن الطاقة الإنتاجية تنخفض في بعض الأحيان إلى 17 ألف ميغاواط، فيما تصل حاجة البلاد إلى أكثر من 37 ألف ميغاواط.
ورغم احتلال العراق المرتبة 11 عالميًا باحتياطي غاز يصل إلى 131 تريليون قدم مكعب، فإن تقادم البنى التحتية والتحديات الجيوسياسية والأمنية حالت دون الاستفادة من الغاز المصاحب.
ويشير الخبير النفطي حمزة الجواهري إلى أن تمديد هذه الصفقة لم يكن مفاجئًا باعتبارنا على أبواب الصيف، حيث تزداد حاجة البلاد إلى الغاز الإيراني لتوليد الطاقة الكهربائية، ويضيف الجواهري في حديثه لموقع “نون بوست” أن كميات كبيرة من الغاز المصاحب حوالي 1400 مقمق ما زالت تحترق في الهواء ولم يتم استثمارها.
ونوّه إلى أن الحكومة العراقية تعهّدت أنها خلال الخمس سنوات القادمة، ستبدأ باستغلال جميع الغاز المصاحب لاستخراج النفط، مما يقلل اعتماد العراق على الغاز المستورد.
وشهدت إمدادات الغاز الإيراني إلى العراق تقطعات كثيرة خلال السنوات الماضية بسبب تأخير سداد الديون المستحقة، أو نقص الإنتاج الإيراني خلال ذروة فصلي الشتاء والصيف، ما أدى إلى تدهور شبكة الكهرباء العراقية واندلاع احتجاجات في العراق.
التأثيرات الاقتصادية
يترتب على توقيع العقد الجديد لاستيراد الغاز بين العراق وإيران تأثيرات اقتصادية مهمة، حيث يعزز هذا التعاون الثنائي الاستقرار الاقتصادي.
ويقدّر الخبير الاقتصادي الدكتور أحمد صدام كلفة العقد الجديد للخمس سنوات المقبلة بحدود 18 مليار دولار على افتراض انخفاض المدفوعات إلى 3 مليارات بدلًا من 4 مليارات خلال العامين الأخيرين 2027 و2028 بالتزامن مع بدء إنتاج جولتي التراخيص الخامسة التكميلية والسادسة.
ويوضح صدام في حديثه لموقع “نون بوست” أنّ ضرورة هذه الصفقة تكمن في تأمين ما يقارب 10 آلاف ميغاواط من الكهرباء المنتجة من المحطات الكهربائية في العراق المعتمدة على الغاز الإيراني وبنسبة تتجاوز 60%.
ويرجّح صدام أن تسهم هذه الاتفاقية في الاستقرار النسبي لساعات تجهيز الكهرباء في العراق، لكن ذلك رهنٌ بمستوى تجهيز الغاز الإيراني، إذ تتبين أهمية تجديد العقد من هذا الجانب.
ويضيف أن هذه الصفقة قد تعمل على تحقيق حالة من الاستقرار المجتمعي، فمع نقص الكهرباء غالبًا ما تحصل التظاهرات في مختلف المدن العراقية، لا سيما في الصيف، ما يضع الحكومة دائمًا في موقف حرج، لذا فإن الغاز المستورد يشكل عامل استقرار مهم.
ويتابع: “فضلًا عن ذلك، فإن استقرار الكهرباء يشكل عاملًا إيجابيًا لمختلف الأنشطة الاقتصادية، وفي المقابل يمكن أن يؤدي نقص الغاز المستورد إلى تعطيل الكثير من تلك الأنشطة”.
وعن مخاوف البعض من أن هذه الاتفاقية قد تؤدي إلى تكبيل الاقتصاد العراقي، يؤكد صدام أنه من الطبيعي القول إن العراق مكبّل بمدفوعات الغاز التي يفترض أن توجه إلى مشاريع أخرى فيما لو توقف العراق عن حرق الغاز.
ويلفت الخبير الاقتصادي إلى أن قيمة الغاز المحروق تعادل قيمة الغاز المستورد، وهذا يمثل هدرًا كبيرًا في الموارد الاقتصادية ناتج من تعثر السياسات الاقتصادية حيال هذا الملف.
وعن التبعات التي يمكن أن تحصل في حال رفضت واشنطن تجديد الاستثناء الممنوح للعراق لغرض السماح له باستيراد الغاز الإيراني، يرجّح صدام حصول حالة من عدم الاستقرار المجتمعي والأمني بسبب نقص الكهرباء، وربما يقود ذلك حتى إلى المناكفات السياسية التي يسببها الضغط الشعبي في حال توقف إمدادات الغاز ونقص ساعات تجهيز الكهرباء في العراق.
وحذّر من أن تأثيرات ذلك يمكن أن تمتد إلى حصول حالة من اللايقين في الاقتصاد، مسببة ارتفاع سعر صرف الدولار، والمستوى العام للأسعار في البلاد.