ترجمة وتحرير: نون بوست
كتب:آلان كافال ولويس إمبير
ساهمت الحرب التي شاركت فيها طهران منذ شهر حزيران/ يونيو سنة 2014 ضد تنظيم الدولة، في تعزيز نفوذها ونفوذ الحرس الثوري في كل من سوريا والعراق. وبتاريخ 21 تشرين الثاني/ نوفمبر، نشرت صحيفة “أفكار” الإيرانية تقريرا توجت فيه الجنرال قاسم سليماني تحت عنوان “الملك سليمان”. ويشكل هذا الضابط الإيراني أبرز قادات الحرس الثوري وفيلق القدس، الذي يتكون من قوات نخبة تنجز عمليات خارج إيران. ويعد سليماني مدير عمليات البوكمال، تلك البلدة الواقعة على حدود نهر الفرات.
إلى جانب ذلك، يترأس سليماني كتيبة قوات استطلاعية، حيث نجح في طرد تنظيم الدولة من آخر معاقله في سوريا. وقد أصبح الجو ملائما لرجاله من أجل التقاط “صور سيلفي” جنبا إلى جنب مع القوات العراقية الموالية على الحدود. وبعد معارك امتدت ثلاث سنوات في كل من سوريا والعراق، حظي سليماني بشرف إعلان “النصر” النهائي على مقاتلي التنظيم في رسالة مفتوحة وجهها إلى المرشد الأعلى، علي خامنئي.
بعد مضي أيام، نشرت صحيفة “الوفاق” الإيرانية، الموالية للحرس الثوري، مدونة لخصت فيها تحديات هذه المعركة. وقد جاء في مدونتها أن “تحرير البوكمال يعد بمثابة إنجاز الممر الترابي للمقاومة، الذي ينطلق من طهران عبر ممر أرضي يلج إلى البحر الأبيض المتوسط وبيروت. وقد يشكل ذلك حدثا مرموقا في التاريخ الإيراني”. وبين سطور هذا البيان الانتصاري تختفي أشواق الحنين للإمبريالية.
منذ ثمانينات القرن الماضي، شهد الإيرانيون على قيام “محور المقاومة” لصد العدو الأصلي إسرائيل، والولايات المتحدة وحلفائها عرب الخليج
في الواقع، يربط هذا “الممر الترابي” بين ثلاث عواصم عربية خاضعة للنفوذ الإيراني؛ وهي بغداد، ودمشق، وبيروت ضمن محور يمتد إلى البحر الأبيض المتوسط. وبالنسبة لنقاد طهران، تشكل هذه المنطقة مركز نفوذ أكثر من أن تكون طريقا عاديا. ويمكن أن نلاحظ في هذه المدونة التي نشرت في الصحيفة الإيرانية نبرة ذات طابع استعماري.
تنظيم الدولة، تهديد “للهلال الشيعي”
أضحت مقولة العاهل الأردني، عبد الله الثاني، شعبية عندما اعتبر هذا الممر الترابي بمثابة “الهلال الشيعي” بعد سقوط نظام صدام حسين سنة 2003. ويعكس مصطلح “الهلال” إلى حد ما المعنى ذاته الذي يعكسه مصطلح “الممر”، والذي يتلخص في تقدم النفوذ الإيراني في المنطقة مع احتداد التنافس مع ممالك الخليج السنية.
منذ ثمانينات القرن الماضي، شهد الإيرانيون على قيام “محور المقاومة” لصد العدو الأصلي إسرائيل، والولايات المتحدة وحلفائها عرب الخليج. وبالمناسبة، تشكل طهران بالفعل أول امتداد لهذا المحور، مع دعمها للعراق بصادرات من المنتجات الصناعية (مثل الأجهزة المنزلية، والسيارات، والمنتجات التجارية والزراعية، وما إلى ذلك)، كما تتعهد بالاستثمار في إعادة إعمار سوريا.
من جهته، عمل تنظيم الدولة سنة 2014 على تدمير المشروع الإيراني من خلال بسط سيطرته على الأقاليم ذات الأغلبية السنية في العراق. ومع إعلان أبو بكر البغدادي عن قيام “الخلافة”، باتت كل من بغداد والمناطق الكردية مهددة. ومباشرة، سارعت إيران بتقديم المساعدة، حيث أرسلت مستشارين عسكريين وأسلحة. وتجدر الإشارة إلى أن سحب الولايات المتحدة لقواتها من العراق سنة 2011، ساهم في بروز طهران بمثابة قوة رسمية.
تضم الميليشيات العراقية مقاتلين تم تكوينهم منذ الألفية الثانية لقتال “المحتل” الأمريكي، قبل أن يشاركوا في الحرب الأهلية بين الجماعات السنية والشيعية
بالنسبة للإيرانيين، يشكل تنظيم الدولة تهديدا وجوديا، إذ يرى مقاتلو التنظيم السني في الجمهورية الإسلامية الإيرانية “العار”، كما يعتبرون الشيعة بمختلف طوائفهم كفارا. وبعد تجاوز الأشهر الثلاثة الأولى من المعركة، من شأن هذه الحرب أن تقدم لطهران فرصة تاريخية.
في السياق ذاته، استغلت الميليشيات العراقية الموالية لإيران دعوة المرجع الشيعي، علي السيستاني، إلى تحرك وطني خلال شهر حزيران/ يونيو من سنة 2014، لتكون في الصف الأول في معركة استرجاع الموصل. وقد انتدبت هذه الميليشيات العراقية مقاتلين بصفة كبيرة قبل أن تأسس كيانا شيعيا يقاتل إلى جانب القوات النظامية العراقية تحت مسمى “الحشد الشعبي”.
تركيز ميليشيات موالية
تضم هذه الميليشيات مقاتلين تم تكوينهم منذ الألفية الثانية لقتال “المحتل” الأمريكي، قبل أن يشاركوا في الحرب الأهلية بين الجماعات السنية والشيعية. وقد كان يُنظر إلى هذه الميليشيات على أنها مجرمة ومسببة في نشر التوترات. ولكن مع مباركة آية الله، علي السيستاني، غفر لهذه الميليشيات زلاتها مما جعلها تحظى بشرعية وطنية. في المقابل، ساهمت هذه الميليشيات في مد النفوذ الإيراني، حيث يتم تأطيرها من قبل مستشارين سياسيين وعسكريين إيرانيين موجودين على الجبهة.
بعد مضي ثلاث سنوات من المعارك، هزمت “خلافة” تنظيم الدولة. وعلى الرغم من استعادة سلطات بغداد من جديد للمناطق السنية في البلاد، إلا أن مشاركة الميليشيات الشيعية ساهمت في تحديد الخطوط العريضة لمناطق النفوذ الإيراني التي هي في طور التشييد. وسيمتد النفوذ الإيراني في العراق من محافظة ديالى على الحدود الإيرانية، مرورا بالموصل المحاذية لسوريا.
تتوزع إستراتيجية النفوذ الإيراني لتشمل التغلغل بين العشائر، والبلدات، والأحياء، ويقود هذه المناطق مسؤولون رفيعو المستوى من الحشد الشعبي؛ على غرار زعيم فيلق بدر، هادي العامري، وأبو مهدي المهندس
من شأن هذا المشروع الإيراني أن يغطي أغلب المناطق السنية أو “المختلطة” والتي تمتد من الجنوب الشرقي إلى الشمال الغربي، وتجمع بين حدود الدولة الكردية والمناطق العربية في العراق. وتعكس هذه المساعي الإيرانية المراحل الأولى من تشييد الممر الإيراني في الشرق الأوسط.
من جهته، أفاد عنصر من جهاز مخابرات تابع لأكراد العراق أنه “سياسيا، يعد الفائز الأكبر من الحرب ضد تنظيم الدولة إيران ورجالها في العراق”. وتجدر الإشارة إلى أن جهاز المخابرات الذي ينتمي إليه المتحدث يتبع فصيل لديه روابط قوية مع طهران. وقد ذكر هذا العنصر أنه يراقب تقدم النفوذ الإيراني من مكتبه الذي تغطي جدرانه خرائط بالمناطق الشمالية للعراق، والتي تحتوي على أسماء عشرات العشائر العراقية.
في شأن ذي صلة، أضاف المصدر ذاته “في المناطق المحررة، تشارك الميليشيات الموالية لإيران في تسمية شيوخ العشائر أو القادة المحليين، مع مشاركتها في تأسيس جماعات مسلحة خاصة بها تابعة للحشد الشعبي. وتسمح هذه الميلشيات للأهالي باستغلال المؤسسات المحلية، ولكن بما يخدم مصالحهم. في المقابل، يعي العديدون جيدا أنه عند العودة إلى منطقة دمرتها المعارك بعد تحريرها، لا يمكن الحصول على أجر مالي سوى من خلال الانضمام إلى ميليشيا محلية”.
أرخبيل من الأقليات الشيعية
تتوزع إستراتيجية النفوذ الإيراني لتشمل التغلغل بين العشائر، والبلدات، والأحياء، ويقود هذه المناطق مسؤولون رفيعو المستوى من الحشد الشعبي؛ على غرار زعيم فيلق بدر، هادي العامري، وأبو مهدي المهندس. ويعد كلاهما أحد أقدم المقاومين ضد نظام صدام حسين، حيث تلقيا دعما من إيران خلال الثمانينات.
اعتمد المعسكر الموالي لإيران على أرخبيل من الأقليات الشيعية المنتشرة في شمال العراق وخصوصا في المناطق المتنازع عليها بين الأكراد وحكومة بغداد
في الحقيقة، بدا تأثير الأول (هادي العامري) واضحا في محافظة ديالى الحدودية مع إيران. وكثيرا ما شكلت هذه المنطقة المختلطة نقطة التقاء طائفية مما جعلها مسرحا للمواجهة بين العراقيين السنة، بينهم تنظيم الدولة، وقوات الأمن التابعة لحكومة بغداد ذات الأغلبية الشيعية. وقد نجح مقاتلو تنظيم الدولة في بسط سيطرتهم على عدة مناطق من المدينة بعد سنة 2014. ولكن هزيمة التنظيم تركت المساحة فارغة أمام هادي العامري ليكمل إنجاز عمله الذي يعود إلى سنة 2003 في استهداف أبناء الطائفة السنية.
في هذا الإطار، فسر عميل المخابرات الكردي، الذي يتواصل أيضا مع قادة لعشائر سنية معارضة للتوسع الإيراني، أنه “في ديالى، تم استغلال الطابع القبلي لدى السنة لإبعاد بعض العشائر الأكثر عدائية، فيما تم العمل على حشد البقية. وبعد سقوط تنظيم الدولة، تم إكراه قادتهم على الخضوع أو الرحيل”.
بعد ذلك، وقع تطبيق المنهج ذاته على المحافظة المتاخمة لمحافظة “صلاح الدين”، والواقعة شمالي ديالى، بعد استعادة عاصمتها تكريت في ربيع سنة 2015، التي تعد المعقل السني ومسقط رأس صدام حسين. وأضاف المصدر الكردي أن “القتال ضد تنظيم الدولة سهل مهمتهم، إذ يكفي عرض السنة الذين يرفضون القتال مع الشيعة على أنهم مؤيدون للإرهاب مما يستوجب تهميشهم أو تصفيتهم”. ولقد اعتمد المعسكر الموالي لإيران على أرخبيل من الأقليات الشيعية المنتشرة في شمال العراق وخصوصا في المناطق المتنازع عليها بين الأكراد وحكومة بغداد.
في مطلع سنة 2017، وفي قرية “طوز خورماتو”، تحدث مسؤول عسكري رفيع في كتائب حزب الله العراقية، يدعى أحمد شارلية، وهي ميليشيات تابعة لطهران، عن النظام الجديد في الحركة. مشيرا إلى أنه “قبل ظهور تنظيم الدولة، كان الأكراد يسيطرون على كل شيء في هذه القرية. واليوم، نحن مسلحون ومنظمون، كما نمثل سلطة الحكومة المركزية العراقية. لذلك، إما على الأكراد أن يتعاونوا أو سيتم طردهم”. وعلى امتداد فترة طويلة، مكنت الوساطة الإيرانية لوحدها من الحفاظ على الأمن الاجتماعي بين الطائفتين الكردية والتركمانية الشيعية.
أثار الاستفتاء بخصوص استقلال إقليم كردستان المتمتع بالحكم الذاتي ردود فعل قوية من حكومة بغداد، حيث عادت الحكومة المركزية بقوة في منتصف شهر تشرين الأول/ أكتوبر لتنتشر في المناطق التي تتنازع فيها مع القوات الكردية
سد الفجوة السياسية
لعب أحمد شارلية، البالغ من العمر 50 سنة، والذي كان يرتكز في مشيته على قصب خشبي مصقول، دورا حاسما في طرد السكان العرب السنة من أحواز قرية طوز خورماتو، مستفيدا من تراجع تنظيم الدولة. وعلى الرغم من أنه يدعي تمثيله لحكومة بغداد، إلا أنه في الواقع يدين بالولاء أولا إلى الجنرال الإيراني قاسم سليماني، أو “الملك سليمان” كما وصفته صحيفة “أفكار” الإيرانية.
بالعودة لسيرته الذاتية، يعد شارلية شقيقا لأربعة “شهداء”، قتل واحد منهم في معركة ضد الأمريكيين سنة 2000 خلال قتاله في صفوف ميليشيا موالية لإيران، أما باقي إخوته الثلاثة فقتلوا خلال المعارك ضد تنظيم الدولة. ويتمتع أحمد شارلية بميزة سهولة تواصله مع سليماني. وقد ذكر الجنرال الإيراني أن “هذا هو الرجل الذي يؤمن بالمشروع الإيراني في العراق وفي جميع أنحاء المنطقة. كما يعتبر كائنا استثنائيا له علاقة خاصة مع الله. ففي طوز، ندين بالولاء للجمهورية الإسلامية، فإيران تعد بمثابة الوالد لنا، الذي مد لنا يد المساعدة قبل حكومة بغداد نفسها، وزودنا بالذخائر والمعدات والأسلحة … “
خلال شهر أيلول/ سبتمبر الماضي، أثار الاستفتاء بخصوص استقلال إقليم كردستان المتمتع بالحكم الذاتي ردود فعل قوية من حكومة بغداد، حيث عادت الحكومة المركزية بقوة في منتصف شهر تشرين الأول/ أكتوبر لتنتشر في المناطق التي تتنازع فيها مع القوات الكردية. ومنذ ذلك الحين، غادر أكراد طوز خورماتو المدينة بعد أن دمرت ممتلكاتهم. وقد تم اقتحام مبنى البلدية من قبل موالين لهادي العامري (التابع للحشد الشعبي) الذين وسعوا نفوذهم أيضا في كركوك عاصمة مقاطعة غنية بالمحروقات.
من جهة أخرى، ترك قادة فيلق بدر مسؤولية رقابة الشوارع للجيش والشرطة، كما يسعون جاهدين إلى ملئ الفراغ السياسي الذي خلفه الأكراد بعد توليهم إدارة المدينة منذ سقوط نظام صدام حسين سنة 2003. والأمر بين أيديهم من أجل تنظيم شبكات عملاء جديدة مع القبائل السنية، ومن شأن الانتخابات المحلية والبرلمانية المقررة سنة 2018 أن تمكنهم من تعزيز قبضتهم على المؤسسات المحلية.
تعتمد طهران على أصحاب النفوذ المحليين من أجل أن تلعب دور الوسيط في حل الصراعات والخلافات بين شركائها
جذب المخيم المنتصر
إذا كان النفط الخام لكركوك تحت سيطرة الأكراد ويصدر إلى تركيا عبر الأنابيب، فإنه يخضع لرقابة السلطة المركزية في العراق. وفي هذا السياق، أوضح بن فان هيوفيلن، رئيس تحرير “تقرير النفط العراقي”، “يعزز هذا التطور موقف بغداد، ولكنه يخدم مصلحة إيران أيضا. خاصة وأن أكراد العراق أكثر ضعفا وأقل ارتباطا بمصالح تركيا منذ أن سيطرة الحكومة الفيدرالية على حقول النفط في كركوك. وهذا تقدم إيجابي من وجهة نظر طهران”.
أما في الجانب الغربي، فتعمل مدينة الموصل على التصدي للمطامع التوسعية لإيران وحلفائها في مسارهم نحو الصحراء السورية العراقية. هذه المدينة التي تمثل معقلا سنيا وثاني أكبر مدينة في العراق، والعاصمة السابقة لتنظيم الدولة في العراق والتي استعيدت من قبضة الجهاديين بعد معارك ضارية دامت أكثر من تسعة أشهر، ولم تكن مهمة استعادتها بالأمر الهين. ولكن بقيت مناطقها النائية الممتدة حتى الحدود السورية أرضا خصبة للتجارب الجيوسياسية للهندسة الإيرانية.
منذ سنة 2014، تمكنت جميع الطوائف في العراق من تكوين ميليشياتها المسلحة الخاصة بها، على غرار الشيعة والأقلية الشبكية والمسيحيين من سكان هضبة نينوى واليزيديين في سنجار، والشيعة التركمان في تلعفر، وترغب كلها في الاستفادة من الحشد الشعبي والانضواء تحت لوائه، حتى إجراء الانتخابات المنتظرة في الربيع المقبل.
في حين يتم غسل أدمغة بعض المقاتلين بسرعة كبيرة، حيث يقدمون الولاء والتبعية للمرشد الأعلى ومبادئ الثورة الإيرانية، لا يرغب البعض إلا في التمتع بشيء من الراحة والرفاهية تحت مظلة المنتصر. وتعتمد طهران على أصحاب النفوذ المحليين من أجل أن تلعب دور الوسيط في حل الصراعات والخلافات بين شركائها. ولكن المنطقة المجزأة في الشمال العراقي تكشف عن هشاشة الممر الإيراني. وبعيدا عن قواعدها، قد تخسر إيران الحرب إن دخلت في معارك مستعصية. ونظرا لهذا الوضع يستحيل على إيران الآن السيطرة على الشرق الأوسط.
جاءت زيارة أمين عام الحزب، حسن نصر الله، إلى طهران سنة 2012، بعد تسعة أشهر من اندلاع الحرب الأهلية، وذلك من أجل إقناع المرشد الأعلى علي خامنئي على وضع كل قوته في معركة كان يظن أنها قد حسمت
دعم بشار الأسد
منذ دخول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض في شهر كانون الثاني/ يناير وواشنطن العاصمة تقاوم رغبتها في دفع التأثير الإيراني عن المنطقة. ولكنها لم تتخذ أي إجراء ملموس في العراق، أو في سوريا، التي تعتبر ثاني حلقة في الممر، على الرغم من توظيف الولايات المتحدة لأبرز قوة جوية في المنطقة، في إطار ما يعرف بالتحالف الدولي لمواجهة تنظيم الدولة. وفي هذا السياق، تنتظر هذه القوة الجوية أن تضع واشنطن سياسة جديدة لسوريا في بداية سنة 2018.
حيال هذا الشأن، ذكر دبلوماسي في باريس أن “صقور الولايات المتحدة الأمريكية ترغب في إجبار إيران على العودة إلى مساحتها الطبيعية، ولكن هذا ليس أكثر من موقف إيديولوجي لا يعني شيئا، لذلك من الطبيعي أن تمارس إيران نفوذها في المنطقة”. وقد دفعت ثمنا لهذا التأثير، عبر مساندتها للرئيس السوري بشار الأسد طيلة خمس سنوات من مجابهته للمعارضة المسلحة، إلى جانب حليفها اللبناني حزب الله، الذي يقتات من الأسلحة والتمويل والعتاد الإيراني الوارد إليه عبر سوريا منذ الثمانينات.
في هذا الإطار، جاءت زيارة أمين عام الحزب، حسن نصر الله، إلى طهران سنة 2012، بعد تسعة أشهر من اندلاع الحرب الأهلية، وذلك من أجل إقناع المرشد الأعلى علي خامنئي على وضع كل قوته في معركة كان يظن أنها قد حسمت. وذلك وفق الرواية التي صرح بها إسماعيل كوزاري، العضو السابق في البرلمان الإيراني وفي الحرس الثوري، لوكالة فارس للأنباء سنة 2013.
منذ ذلك الوقت، قتل أكثر من 500 إيراني في سوريا. كما دفع حزب الله الثمن الأغلى بمقتل 1200 شخص، وفق الإحصاء الذي أجراه الخبير الإيراني علي ألفونه، التابع لخلية التفكير الأمريكية “المجلس الأطلسي”. بالإضافة إلى هذه الخسائر، يجب عد الآلاف من المقاتلين الأفغان والباكستانيين وقرابة مائة عراقي الذين عملوا كلهم تحت إمرة إيران في سوريا. ومن بين هؤلاء المقاتلين نذكر أحمد شارلية، القيادي الشاب الذي التقيناه في مدينة طوز خورماتو العراقية الحدودية الشمالية، الذي صرح بأنه فخور بمشاركته في هذه الحرب الأهلية السورية رفقة هؤلاء الرجال وتحت القيادة الإيرانية.
في الوقت الذي تحتفل فيه هذه الميليشيا الشيعية الدولية بالنصر، تحاول موسكو التي كان لها دور أساسي وحاسم، الدفع نحو حل سياسي في سوريا برعاية الأمم المتحدة
على ضوء هذه المعطيات، يفكر أحمد في المشاركة في مشروع يتجاوز الرؤية الحالية ليمتد نحو آفاق أرحب تلغى فيه الحدود. ويتمثل هذا المشروع في تكوين “محور مقاومة” تحت رعاية قوة واحدة وهي إيران. في هذا الصدد، قال “لقد قاتلت الإرهاب في بلدي طوز خورماتو وحاربته في حلب في سوريا وكان ذلك تحت قيادة الجنرال قاسم سليماني، في إطار حرب موحدة، ونحن نعلم أن العدو هو إسرائيل”.
القلق الإسرائيلي
أعلن هذا الجنرال يوم 20 تشرين الأول/ نوفمبر هزيمة تنظيم الدولة، وأشاد “بالشهداء” الذين ماتوا من الميليشيا الدولية، ولكنه نسي أن يذكر بأن هؤلاء الرجال قد حاربوا المعارضة السورية لبشار الأسد، ثم في وقت لاحق قاتلوا تنظيم الدولة بضوابط محددة سلفا.
إلى جانب العراق، مثلت الحرب الأهلية السورية فرصة ذهبية لإيران، كوّن من خلالها الحرس الثوري تحالفا كرّس فيه هدفه الإقليمي وبأقل التكاليف. وقد أفاد، البروفيسور في كلية مونتيري البحرية الأمريكية في كاليفورنيا، أفشون أوستوفار، “لقد صرحت منظمة حلف شمال الأطلسي بإجابة مرقعة وبسيطة: لقد تعلم الإيرانيون في سوريا كيف ينقلون وينسقون بين أكبر ميليشيا دولية في منطقة نفوذهم”.
القائد قاسم سليماني خلال هجوم على قوات تنظيم الدولة في قرية تل كصيبة
في الوقت الذي تحتفل فيه هذه الميليشيا الشيعية الدولية بالنصر، تحاول موسكو التي كان لها دور أساسي وحاسم، الدفع نحو حل سياسي في سوريا برعاية الأمم المتحدة. وفي هذا الإطار، تتساءل المعارضة السورية والحلفاء الخارجيون والجارة إسرائيل عما إذا كانت إيران ستسحب قواتها من هناك.
في خطاب ألقاه أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة في شهر أيلول/ سبتمبر الماضي، صرح رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وهو يوجه الأنظار نحو الخطر الإيراني “نحن نسعى للتدخل من أجل منع إيران من بناء قواعد عسكرية دائمة في سوريا… أو تزويدها بأسلحة قاتلة… أو فتح جبهة رعب جديدة ضد إسرائيل على طول الحدود الشمالية”.
لم يتأخر الرد العملي كثيرا، ففي الثاني من كانون الأول/ ديسمبر، استهدفت الصواريخ الإسرائيلية مستودعات أسلحة وثكنات عسكرية في الكسوة، التي تبعد عشرات الكيلومترات نحو الجنوب من دمشق. ووفق مصدر من داخل جهاز استخباراتي غربي تحدثت عنه “البي بي سي”، فإن إيران تبني قاعدة دائمة في موقع للجيش السوري.
وجود عسكري إيراني بسيط
لكن، هل إيران بحاجة فعلا إلى بناء ثكنات عسكرية في كل كيلومتر من ممرها؟ فقد أنجز مقاتلوها المهم في هذه الحرب دون بناء قواعد خاصة بهم، معتمدة في ذلك على قواعد للجيش السوري.
منذ سنة 2012، لم توجه إيران جهودها في اختراق الجهاز الأمني السوري. بل نسجت على المنوال العراقي وعملت على استمالة الميلشيات السورية التي حشدتها مختلف أجهزة الأمنية في دمشق. وفي هذا السياق، ذكر خضر خضور، الباحث السوري في مركز كارنيغي للشرق الأوسط في بيروت، “لقد استثمر الإيرانيون بشكل كبير في شبكات النظام، فلم يكن هدفهم الحفاظ على وجود عسكري طويل الأمد في البلاد ولكن كان هدفهم التغلغل التام في هذه الشبكات”.
تضاعف التوتر على الحدود بين الميليشيا الشيعية واللبنانية والدولة العبرية مع اندلاع الحرب الأهلية السورية. كما دخلت واشنطن وعمان في مفاوضات من أجل إنشاء “منطقة محظورة” في الجنوب السوري
في باريس، ذكر الدبلوماسي الذي حاورته “لوموند” أن “الإيرانيين لا ينوون المحافظة على وجود عسكري في سوريا، بل على العكس يريدون وجودا عسكريا ضئيلا قدر الإمكان” على أن يتم الضغط على بشار الأسد من أجل ضمان مواقع جيدة لحلفائهم المحليين. وقد أكد قائد الحرس الثوري، محمد علي جعفري، في تشرين الثاني/ نوفمبر أن الأسد يعلم بأنه مدين “للميليشيات الشعبية”.
وفقا لما ورد في الصحيفة اليومية الإيرانية “وطن إمروز”، ذكر الجنرال بأن الدكتاتور السوري يدرك بأن دعم تلك الميليشيات كان مهما جدا ولا يمكن الاستغناء عنه، وخلص إلى أن الأسد “يعمل على وضع تلك الميليشيات في إطار مؤسساتي حتى يتمكن من استخدامها إن لاح في الأفق تهديد آخر”.
حيال هذا الشأن، أشار محمد جعفري إلى أن الحرس الثوري يعتمد على حلفائه لتأمين مكتسباته، خاصة خلال مرحلة إعادة إعمار سوريا. فالمؤسسة التي يديرها الحرس الثوري تمتلك خبرة تحظى باعتراف واسع في مجال البناءات العامة. وقد أكد بيار رازو، مدير البحوث في معهد البحوث الإستراتيجية للمدرسة العسكرية، أن “مدى توسع الحرس الثوري الإيراني في سوريا موضوع جدال داخل إيران نفسها، فبعضهم يرى بضرورة حصر جهوده في إيران، خاصة بعد أن نفذ تنظيم الدولة أول هجوم إرهابي له في حزيران/ يونيو الماضي في طهران”.
حزب الله في الخط الأمامي
في كل الحالات، يمكن لإيران أن تعتمد على حزب الله، الذي يرى بعض المراقبون بأن مغادرته سوريا تبدو ضربا من ضروب الخيال، خاصة وأن الجيش السوري بحاجة ماسة إلى مجندين بين صفوفه. ويمر “محور المقاومة” عبر مدينة القصير، القريبة من الحدود اللبنانية، ونقطة العبور التي اعتمدها حزب الله للتدخل في سوريا سنة 2013. كما أن الحزب موجود على طول الطريق الرابطة بين دمشق وبيروت، حيث يسيطر هناك على مطار العاصمة اللبنانية.
تهدف هذه المنطقة إلى تقديم ضمانات لإسرائيل بأن حزب الله والحرس الثوري الإيراني سيبقون بعيدين عن المنطقة الحدودية التي تمتد على مسافة 30 كيلومترا على هضبة الجولان
أما في العاصمة دمشق، يسيطر الحلفاء الشيعة العراقيون والطائفة الشيعية السورية الصغيرة على ضواحي السيدة زينب، حفيدة النبي صلى الله عليه وسلم، وهو مكان مقدس يحج إليه الشيعة. وبذلك يكون الحزب قد امتلك عمقا إستراتيجيا ثمينا في حال نشب صراع جديد مع إسرائيل، خاصة وأنه قد زاد من انتشار قواعده في جنوب لبنان وسهل البقاع.
في هذا السياق، تضاعف التوتر على الحدود بين الميليشيا الشيعية واللبنانية والدولة العبرية مع اندلاع الحرب الأهلية السورية. كما دخلت واشنطن وعمان في مفاوضات من أجل إنشاء “منطقة محظورة” في الجنوب السوري في شهر تشرين الثاني/ نوفمبر، في أعقاب اتفاق أولي لوقف إطلاق النار أبرم في شهر تموز/ يوليو.
في الحقيقة، تهدف هذه المنطقة إلى تقديم ضمانات لإسرائيل بأن حزب الله والحرس الثوري الإيراني سيبقون بعيدين عن المنطقة الحدودية التي تمتد على مسافة 30 كيلومترا على هضبة الجولان، والواقعة تحت سيطرة إسرائيل. في الأثناء، تحافظ طهران على صلاتها بحلفائها والجماعات المحلية هناك، وقد أكدت إسرائيل أن إيران لا تزال قادرة على توجيه الضربات في تلك المنطقة الحدودية.
في المقابل، يرى محللون عسكريون في واشنطن أن إيران قادرة على تطوير قدرتها على نشر قواتها في تلك المنطقة، بالاعتماد على عمق ممراتها. ولكن طهران ترى أن هذه المخاوف مبالغ فيها، وتتجاوز طموحاتها، خاصة وأن القوات الإيرانية سيئة التجهيز ومتخلفة تكنولوجيا بعد عقود من العزلة والعقوبات. وقد نفى بيار رازو هذه المخاوف وأكد أن “القوات الإيرانية منظمة وفق نمط دفاعي”، ولا يزال أمامها طريق طويل لربط هذه الممرات ببعض، خاصة أنها تمتد من الغرب وصولا إلى أفغانستان.
المصدر: لوموند