يبدو أن إيران ووكلائها في اليمن يسيرون في درب الانتصار بالحرب التي تقودها المملكة العربية السعودية وتمديد بقائهم بحكم اليمن، نتيجة لاستغلالها هي ووكلائها مقتل علي عبدالله صالح باحترافية ممكنة، على عكس حكومة عبد ربه منصور هادي التي تجيد فقط الحديث في وسائل الإعلام وإجراء التحالفات في فنادق الرياض والقاهرة وأبو ظبي، والتحالف العربي الذي يستهين بالحرب مع مليشيات تفوق في أعمالها الإرهابية وأسلحتها تنظيم داعش الإرهابي.
فمقتل علي عبدالله صالح يوم الرابع من ديسمبر 2017، مكّن الحوثيون من الإنفراد في اغتصاب حرية وكرامة اليمنيين القابعين تحت حكمهم الغاشم منذ ما يزيد عن ألف يوم، يعاني فيه اليمنيين جوعًا وقتلًا وتدميرًا وتشريدًا من قبل التحالف والمليشيات الحوثية المدعومة من إيران.
نزل الحوثيون إلى كافة القبائل اليمنية وزعمائها ويشرحون أن صالح “خان الوطن”، وفتح قنوات اتصال مع ما يسمونه “العدوان” ومرتزقته، وأن قتلهم له كان لابد منه، وهم بذلك يوهمون القبائل أنهم كانوا مضطرين لذلك رغم أنهم أعدوا العدة منذ زمن، للثأر لمؤسس الجماعة حسين بدر الدين الحوثي، الذي هُلك في ١٠ سبتمبر ٢٠٠٤، بعد حرب قادتها جماعته مع القوات الحكومية في عهد الرئيس اليمني الراحل علي عبدالله صالح.
يدرك عبد ربه منصور هادي، أن صالح استطاع في غضون ساعات من دعوته للثورة على الحوثيين، تحقيق مالم يحققه التحالف طيلة 1000 يوم من حربه ضد الحوثيين
التحركات الحوثية، هي بإيعاز من السلطات الإيرانية، من أجل التقرب إلى القبائل اليمنية، وشراء ذممهم بالمال، وهي تحركات تعيد رسم خارطة التحالفات السياسية في اليمن، لا يجيدها عبد ربه منصور هادي الذي كان يأمل اليمنيون منه موقفًا حاسمًا لاحتضان المؤتمر الشعبي العام، واستغلال مقتل علي عبدالله صالح، من أجل القضاء على المليشيات المدعومة من إيران، لكنه وفي حين غفلة ظهر على القنوات التلفزيونية للمرة الثانية منذ مقتل سلفه صالح، لايبالي بيمن وغالبية أبنائه ينزفون دمًا، ويموتون جوعًا، ويخيرهم بين الارتماء في حضن إيران أو في حضنه، ويعلن طي صفحة صالح إلى الأبد، دون أن يستغل من تلك الصفحة شيئًا أقلها رسم إعادة خارطة التحالفات السياسية، لا سيما مع المؤتمر الشعبي العام الذي يتمتع بشعبية كبيرة.
الحوثيون يغازلون القبائل
يدرك عبد ربه منصور هادي، أن صالح استطاع في غضون ساعات من دعوته للثورة على الحوثيين، تحقيق مالم يحققه التحالف طيلة 1000 يوم من حربه ضد الحوثيين، فقد سقطت غالبية المحافظات اليمنية التي يحكمها الحوثي بيد أنصار صالح، وجزء كبير من المواقع العسكرية في العاصمة صنعاء؛ إلا أن تحديد مكان صالح والاتجاه حيث تواجده بقوة عسكرية وانتحارية ضخمة أحرقت المنطقة بالكامل دون تدخل من قبل التحالف أو هادي، استطاعت المليشيات القضاء عليه، وهو ما شكل إنهيار كبير في الجبهات الأخرى. وهنا لو استغل هادي أو التحالف سياسيًا وإنسانيًا رحيل صالح، ولملمة الشعب وحزبه حزب المؤتمر الشعبي العام، لاستطاع تغيير الخطط العسكرية، وحسم المعركة بأقل الخسائر وبأسرع وقت ممكن.
ولأن الحوثيون كانوا يتوقعون انتفاضة قبلية أقلها شعبية محدودة ضدهم، واستغلال هادي والتحالف لهذا الخطأ الفادح الذي ارتكبوه، وأزالوا الغطاء السياسي والعسكري عنهم، أسرعوا إلى قطع الطريق عن الرئيس هادي ونائبه الجنرال علي محسن الأحمر، ونفذوا نزولًا ميدانيًا إلى القبائل اليمنية، بعضهم يحرضونهم على القتال ويستميلونهم، وبطالبون البعض برفدهم بمقاتلين للجبهات، ويهددون قبائل أخرى، ويأمرونها بالحياد..
وبعد تروي منا لمتابعة تحركات الأطراف المتنازعة في اليمن، بهدف قراءة أهم التحالفات التي شُكلت خلال الفترة الماضية أو عقب مقتل الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح أو خلال الفترة القادمة، ومن هنا يمكننا أن نقرأ أهم التحالفات التي نجحت المليشيا الحوثية باستمالتهم إليهم، ومدى الصعوبة التي ستواجه القوات الموالية للرئيس هادي، ومن التحق بها مؤخرًا من القوات التي كانت توالي صالح، وإنحياز قبائل الطوق لأي طرف من تلك الأطراف المتنازعة، والتي انحصرت بين طرفي حكومة مدعومة دوليًا، ومليشيا عزلت نفسها حتى شعبيًا، وباتت تجاهر بأهدافها التشعيية.
سكوت هادي والتحالف، وعدم تحركاتهم، قد تعطي للحوثية فرصة كبيرة، إما في القضاء على الثقل القبلي وإجبار رعايهم للخضوع القتال مع المليشيا تحت تهديد القوة، أو قد تنحاز القبائل طوعًا بسبب الموقف الغامض من التحالف والرئيس هادي
التحالفات السياسية والقبلية
بالنسبة للحوثيين، فهم يحالون عقد تحالفات سياسية وعسكرية مع أهم مشائخ اليمن، واتجهون إلى كل من الشيخ الشايف كليب، والشيخ صادق الأحمر وعلي حميد جلديات ومبخوت المشرقي وابناء مجاهد ابوشوارب في حاشد، محمد ناجي الغادر في خولان، وحسن المطري بني مطر، ويحي غوبر في الحيمة، محمد الحاوري و يحي عايض في همدان، والشيخ علي مقصع؛ إلا أن هؤلاء حتى الوقت الحاضر لم يردوا على الحوثيين بالسلب أو الإيجاب، وبدأ الحوثيين، يمارسون معهم الضغط العسكري والتخويف لقبول الدخول في تحالفاتهم، في ظل سكون غير مفهوم من قبل الرئيس هادي وحكومته والتحالف العربي، في استقطاب شيوخ القبائل المذكورة آنفًا، وجميعهم في منطقة شمال الشمال يوقعون تحت قبضة الحوثي.
الحوثيون يسابقون الزمن لعقد تحالفات سياسية وقبلية، والرئيس اليمني عبده ربه منصور هادي والتحالف العربي بقيادة المملكة العربية السعودية مشغلين، برئاسة حزب المؤتمر الشعبي العام ووراثة صالح، وهذه من الأخطاء الغبية التي يتربكها تحالف عسكري هدفه القاء على ما يقول إنها أذرع إيرانية، تهدد أمنهم ومستقبلهم.
سكوت هادي والتحالف، وعدم تحركاتهم، قد تعطي للحوثية فرصة كبيرة، إما في القضاء على الثقل القبلي وإجبار رعايهم للخضوع القتال مع المليشيا تحت تهديد القوة، أو قد تنحاز القبائل طوعًا بسبب الموقف الغامض من التحالف والرئيس هادي، وهو ما قد يساعد الحوثيين على البقاء طويلًا في الحكم وكسر شوكة التحالف، وربما قد يجبرون التحالف العربي التي تقوده المملكة العربية السعودية، إلى الرجوع لطاولة الحوار، وفرض شروطهم فيها، مستغلين الضغط الأممي على الرياض، بسبب الحالة الإنسانية المتردية في اليمن.
قبائل الطوق، عرفت قبال الطوق بهذا الاسم، لأنها تطوق العاصمة اليمنية، صنعاء من جميع الجهات، وهي منقسمة في الوقت الحالي في الولاءات، بلاد الروس و سنحان تقعان في جنوب العاصمة صنعاء وكانتا تدين بالولاء لصالح، وقبيلة خولان في شرق صنعاء وموالية لصالح.
قبائل نهم في شمال شرقي العاصمة وهي جبهة مشتعلة حاليًا بين قوات عبد ربه منصور والحوثيين وصالح سابقا قبل أن يصبح صالح ضد الحوثيين وبالتالي هي قبيلة موالية له، أرحب في شمال العاصمة كانت موالية لصالح، بني الحارث أيضًا في شمال صنعاء كانت موالية لصالح، همدان في شمال غرب صنعاء منقسمة الولاء بين صالح والحوثي.
يبدو أن التحالف العربي، والقوات الموالية للرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي لا تعتمد على القبائل اليمنية، وإنما تعتمد فقط على قوات الحرس الجمهوري، والقاعدة الشعبية للمؤتمر الشعبي العام، لعلمها أن قبائل طوق صنعاء دائمًا وعلى تاريخها توالي الأقوى
بني مطر غرب العاصمة منقسمة الولاء أيضا، بني حشيش مؤيدة للحوثي بالكامل وتقع في شمالي شرق صنعاء وعليه، فإن معظم قبائل الطوق إما موالية بالكامل لصالح أو تواليه مع الحوث، وبعد مقتل صالح كان لابد على التحالف العربي، أن يتخذ معها سياسة جديدة من أجل ضمها إلى صفوفه لتسهيل مهمة اقتحام العاصمة صنعاء.
يستطيع عبد ربه منصور هادي الرئيس اليمني، والتحالف العربي التي تقوده المملكة العربية السعودية، من سحب البساط سريعًا من الحوثي الذي ينفذ نزولا ميدانيًا يوميًا دون كلل أو ملل لضمان تثبيت وتوثيق التحالفات القبلية، من خلال لملمة أعضاء حزب المؤتمر الشعبي العام، وأعضاء اللجنة الدائمة، واللجنة العامة، وأعضاء مجلس النواب، إضافة إلى مطالبة الأمم المتحدة برفع الحظر عن أحمد علي عبدالله صالح وأسرة والده، حتى يضمن الكثير من الشعب والقوات التي كانت توالي الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح، والتأخير في ذلك ليس من صالح التحالف.
وعلى كل يبدو أن التحالف العربي، والقوات الموالية للرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي لا تعتمد على القبائل اليمنية، وإنما تعتمد فقط على قوات الحرس الجمهوري، والقاعدة الشعبية للمؤتمر الشعبي العام، لعلمها أن قبائل طوق صنعاء دائمًا وعلى تاريخها توالي الأقوى.
صنعاء تُسلم للأقوى
منذ بداية الإسلام وعندما أعلن باذام بن بهرام، دخوله الإسلام، ودعا قبائل طوق صنعاء للدخول معه، وكان يحكم بقبضة من حديد، أسلمت معه كل القبائل دون ان تدخل في نقاش عن الدين الجديد، واردت عن الإسلام عندما ادعى الأسود العنسي (كان ملكًا حينها على اليمن) إنه نبيًا، ءامنت به وارتدت القبائل معه، ولما قُتل وجاء مدد أبي بكر رضي الله عنه أسلمت من جديد..!
عندما ستأتي قوة كبيرة، ستعلن القبائل مبايعتها لعبد ربه منصور هادي والتحالف التي تقوده المملكة العربية السعودية، وستبيع الحوثيين، وربما تقوم بالتنكيل برموزه، وستطاردهم إلى جبال مرّان في صعدة
جاءت الدولة الزيادية وتغلبت فاستسلمت وصارت زيادية فلما ضعفت استسلمت للصليحين وأنهى الصليحي كل حكم سني أو زيدي فيها فصارت صليحية. واستسلمت بسهولة للأيوبيين، فلما تغلب بنو رسول على اليمن تحولت إلى المذهب الرسولي ثم استسلمت لأبناء عبدالله بن حمزة (زيدي) وباعت حاكمها الإمام المهدي (زيدي أيضًا) وقتلوه شر قتلة ودفنوه في مكان نفايات.
استسلمت بسهولة للسلطان عامر بن عبدالوهاب الطاهري، وخذلت الامام الناصر وباعته ونقله السلطان الطاهري من صنعاء مع نسائه وأسرته إلى تعز.. فلم تمنع قبائل صنعاء التي كانت بالأمس تحت حكمه ترحيله أو تحاول فك أسره لأنها تحولت إلى طاهرية، ثم جاء الجراكسة المصريون فاستسلمت لهم مع أنهم ارتكبوا في صنعاء المجازر وسلبوا ونهبوا..حتى جاء العثمانيون فاستسلمت لهم وتحولت إلى عثمانية بامتياز.
ولما ضعف العثمانيون قاموا مع الإمام يحيى ضد العثمانيين وقتلوا العثمانيين ونكلوا بهم لأن الإمام أعطاهم وعودًا براقة فقتلوا جنود الخلافة ومالوا للإمام، وعند مقتل الإمام يحيى صارت صنعاء ثورية دستورية، ولما جاء الإمام أحمد متغلبا ثارت معه ضد الدستوريين.
ويتكرر الأمر نفسه اليوم..فقبائل صنعاء سمِنت على مائدة صالح وبه قامت وعليه اعتمدت ثم باعته لأن خصمه (الحوثي) أصبح أقوى بمليشياته. وعندما ستأتي قوة كبيرة، ستعلن القبائل مبايعتها لعبد ربه منصور هادي والتحالف التي تقوده المملكة العربية السعودية، وستبيع الحوثيين، وربما تقوم بالتنكيل برموزه، وستطاردهم إلى جبال مرّان في صعدة.
النزيف في القيادات يثبت أن الحوثيين لم يتشربوا بعد كامل هيئة المنظمات المماثلة التي تدعمها إيران في المنطقة، وأن انقلابهم على صالح والمؤتمر كان مبكرًا للغاية
إذاً.. القبائل عادة توالي القوي ومن لديه المال، لكن، على التحالف، أن يأخذ بعين الاعتبار، أن قبائل طوق صنعاء ترى في الحوثي بعدًا مذهبيًا دينيا تنتمي إليه وهو المذهب الزيدي لهذا تخاذلت عن مناصرة صالح عند الاحتياج لأنه لم يعد يملك المال والقوة الكافيه كما أن المذهب يجعلها اقرب للحوثي في حين أن صالح وحزبه كانا اقرب للبعد الوطني منه للمذهبي.
انهيار الحوثي
استعجال” في إعلان الحوثيين لحقيقة نواياهم، ووجههم الأصلي، بعد قتلهم لصالح، قبل أن يتمكنوا اجتماعيًّا وسياسيًّا، وقبل اكتساب احترافية الأزمات، كما حصل في حالة “حزب الله”اللبناني مثلاً؛ قاد إلى تحول خسائرهم في العناصر والقيادات – كان آخرهم ياسر فيصل الأحمر، و30 آخرين، بغارة للتحالف العربي الذي تقوده الرياض، يوم الثلاثاء، 26 ديسمبر 2017. وهناك محافظات ومناطق كاملة طارت من قبضة الحوثيين، مثل شبوة والبيضاء، بالإضافة إلى نهم التي في طريقها إلى ذلك.
هذا النزيف في القيادات يثبت أن الحوثيين لم يتشربوا بعد كامل هيئة المنظمات المماثلة التي تدعمها إيران في المنطقة، وأن انقلابهم على صالح والمؤتمر كان مبكرًا للغاية، وكانت الكارثة سوف تكون مضاعَفة لو أن الحرس الجمهوري الذي كان يقوده تلسفير أحمد علي صالح، كان على ذات الدرجة من القوة والتماسك قبل إجراءات الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي في حقه خلال الفترة بين 2012م و2014م، والقبائل المحيطة بصنعاء، قد أوفت بالتزاماتها مع حزب المؤتمر، وترتيبات تأمين العاصمة.
يبقى التأكيد على ضرورة وأهمية حسم المعركة مع الحوثيين قبل استيعابهم الآثار الكارثية التي ترتبت عليهم بسبب انقلابهم الثاني وجرائمهم الأخيرة، ووضعهم في سياقهم الطبيعي؛ كعصابات مسلحة متمردة لا أكثر
كما أن انكشاف الحوثيين كقوة لا ظهير اجتماعي لها؛ يبدو واضحًا؛ حيث إنه لولا سياسات الترهيب التي تتبعها تجاه القبائل المحيطة في صنعاء، وفي شمال اليمن بشكل عام – هناك تقارير عن 19 ألف قيادي وعنصر قبلي وسياسيين وحزبيين اعتقلهم الحوثيون في الأشهر الأخيرة فقط، بجانب من تمت تصفيتهم من قيادات “المؤتمر”، وهؤلاء في صنعاء فقط، يصل عددهم إلى 2500 -؛ لولا ذلك الأسلوب الأمني البحت؛ ما صمدوا إلى الآن أو بقوا في مراكزهم السياسية المهمة، ولعادوا عصابات مشتتة في مناطقهم القديمة في صعدة وعمران.
يبقى التأكيد على ضرورة وأهمية حسم المعركة مع الحوثيين قبل استيعابهم الآثار الكارثية التي ترتبت عليهم بسبب انقلابهم الثاني وجرائمهم الأخيرة، ووضعهم في سياقهم الطبيعي؛ كعصابات مسلحة متمردة لا أكثر، وعدم الالتفات إلى أية مبادرات لتسوية الأزمة تشمل دمجهم في أي تشكيل سياسي للدولة في اليمن؛ حيث هم ليسوا مالي أمرهم لكي يعملوا كقوة سياسية يمنية خالصة، وما دون ذلك فهم لن يتوقفوا عند حدهم.. بل سيتخذون الحلول السياسية القادمة فرصة لاستعادة الانفاس والتموضوع للإنطلاق من جديد، ولن يتوقفوا إلا في الرياض.