قالت مصادر محلية في محافظة دير الزور شرقي سوريا، إن شيخ عشيرة البوشعبان في المحافظة قرر، بالتنسيق مع إبراهيم الهفل، تشكيل ما يسمّى “سرايا البوشعبان”، بهدف شنّ هجمات ضد قوات سوريا الديمقراطية “قسد”.
ونقلت شبكة “نهر ميديا” عن مصادر أن السرايا الجديدة يقودها المدعو عباد اللباد، وتعمل تحت مظلة جيش العشائر، وسط حديث عن ارتباطها بقوات النظام السوري والميليشيات الإيرانية، وما زالت قيادة نظام الأسد تحشد العشائر الموالية لها في مناطق دير الزور والرقة ضد ميليشيا “قسد”.
وعُقد اجتماع في مدينة دير الزور بإشراف النقيب أحمد عبد الكريم المحيميد، والذي يشغل مسؤول غرفة العمليات في مكتب العشائر التابع للنظام، مع الشيخ إبراهيم الهفل والشيخ علاء اللباد أحد شيوخ قبيلة البوشعبان التي تهيمن على الرقة وأجزاء من ريف حلب، وحضر الاجتماع كذلك الشيخ صبحي الحنان أحد وجهاء قبيلة البكارة، وجرى إعلان تشكيل ميليشيا جديدة باسم “سرايا البوشعبان”، ومهمتها قتال “قسد” في ريف الرقة.
وخلال العام الماضي أعلن شيخ قبيلة العكيدات في سوريا، إبراهيم الهفل، عن تشكيل “قيادة موحدة” تضمّ كتائب وألوية من مقاتلي العشائر في منطقة شرقي سوريا، بهدف قتال قوات سوريا الديمقراطية.
أسباب الانتفاضة
جاءت الانتفاضة العشائرية بعد اعتقال “قسد” لقائد مجلس دير الزور العسكري أحمد الخبيل الملقب بـ”أبي خولة”، ما أدى إلى انتفاضة من عشائر المحافظة ضدها، وأثارت هذه الانتفاضة التساؤل عن سبب سرعة الحراك ضد “قسد” وانخراط معظم عشائر دير الزور به، رغم أن شخص الخبيل لا يتمتع بتلك الشعبية الكبيرة.
وكان قسم من المشاركين في الانتفاضة على خلاف مع الخبيل، والحديث هنا عن قبيلة العكيدات وشيخها إبراهيم خليل الهفل الذي يُعتبر أحد قادة الحراك، حيث توعّد الهفل في تسجيلات صوتية سابقة بتوجيه ضربات موجعة لـ”قسد”، وانتزاع إدارة دير الزور منها.
وقال الهفل: “نحن في اجتماع طارئ على جبهات القتال، ونوجّه لأبناء العشائر أن اليوم وغدًا ستكون هناك ضربات موجعة لـ”قسد” وأذنابها”، وطالب جميع المدنيين في منطقة الجزيرة بالابتعاد عن مواقع “قسد” في ريف دير الزور الشرقي، تجنُّبًا لوقوع خسائر في صفوفهم بسبب “الضربات القاضية” التي سيوجّهها مقاتلو العشائر للتنظيم.
انقسام العشائر
فراس علاوي، مدير تحرير موقع “الشرق نيوز”، قال لـ”نون بوست”: “إن العشائر مثل أي مجتمع سوري منقسمة، فهناك مدنيون مع النظام ومدنيون مع “قسد”، لكن الكتلة الأكبر هي مع الثورة ودير الزور مقسومة إلى قسمين، قسم تحت النظام وقسم تحت سيطرة “قسد”، لكن الأغلبية إما في الشمال وإما في تركيا، وأهل دير الزور عددهم 1.7 مليون والموجودون حاليًّا لا يتعدون الـ 700 ألف”.
وأضاف في حديثه أن النظام حاول أن يستغل خلاف العشائر مع “قسد”، لكن الذي خرج مع النظام مجموعة صغيرة تابعة لإبراهيم الهفل، وأساسًا إبراهيم ليس لديه مشكلة مع أي قوة موجودة بحكم شخصيته هو وكل الوجهاء، والنظام حاول أن يستفيد لسببَين، الأول أن يأخذ الشرعية من هؤلاء الوجهاء وثانيًا يحاول تجميعهم كقوة واحدة، لأنهم فصائل صغيرة وهم ذاتهم متنافسون على النفوذ والمعابر والتهريب.
ولفت في حديثه إلى أن النظام يحاول تشكيل الفصائل، لكن لم يتم تشكيل أي شيء حتى الآن، أما إيران فلديها نقص عناصر تحاول تعويضهم بهذه الطريقة، لكن حتى اللحظة لا يوجد تدخل للنظام.
وخلال شهر أكتوبر/ تشرين الأول، أصدر مركز جسور للدراسات تقريرًا يناقش مستقبل عمليات مقاتلي العشائر ضد “قسد”، كما تطرّق إلى جملة من العوامل التي تؤثر على واقع عمليات “قسد” في دير الزور ومستقبلها.
ومن ضمن تلك العوامل التي حددها المركز، القدرة على استمرار تأمين الموارد المالية والعسكرية واللوجستية اللازمة لمتابعة عمليات استهداف “قسد”، كما تطرق المركز البحثي إلى القدرة على توسعة مناطق عمليات مقاتلي العشائر، وحشد قبائل أو عشائر جديدة إلى الحراك.
خيار “قسد” للحل الأمني
كما يُضاف إلى ذلك استمرار تفضيل “قسد” للخيار الأمني والعسكري في التعامل مع الحراك العشائري القائم ضدها في دير الزور، وأما العوامل الخارجية فأبرزها نتائج مسار المفاوضات التي ترعاها أمريكا في سفارتها بأربيل، وفقًا لمركز جسور.
بدوره توقع الباحث محمد أبو البراء أن تزداد الهجمات ضد “قسد”، كما أخذ الحراك العشائري شكلًا تنظيميًّا أكبر في ظل عدم قدرة “قسد” على ضبطه، مع وجود مساحات جغرافية كبيرة في دير الزور.
وأضاف أن السبب الرئيسي لاستمرار الانتفاضة هو تهميش المنطقة وتسلُّط كوادر حزب العمال الكردستاني عليها، حيث تعتبر محافظة دير الزور من أغنى مناطق سوريا بالنفط، إلا أن سكانها يعانون من أزمة معيشية واقتصادية كبيرة.
تحكُّم “قسد” بالنفط
وأشار أبو البراء في حديثه لـ”نون بوست” إلى أنه يعود السبب في تلك الأزمة إلى تحكُّم “قسد” بحقول النفط، واستفرادها في الإنتاج والعائدات، وعدم تحويل قسم منها إلى قطاع الصحة والخدمات في المنطقة.
وأشار مركز جسور في تقريره إلى أن سيطرة “قسد” العسكرية على مناطق ريف دير الزور لا تزال هشّة، نتيجة عمليات مقاتلي العشائر وفشلها في إتمام الحل الأمني، كما أن قدرة مقاتلي العشائر على الصمود والاستمرار في تنفيذ العمليات ضد “قسد” مرتبطة بعدة عوامل، أهمها تأمين الموارد البشرية والمالية والعسكرية اللازمة.
ولفت المركز إلى أن الطرفَين يراهنان على عامل الوقت وانتظار الفرصة المناسبة وانتهازها، وسط استمرار قوات التحالف في اتخاذ موقف أقرب للحياد، مع المراقبة الشديدة للواقع الميداني والإشراف على مسار المفاوضات بين الجانبَين.
محاولة استغلال العشائر
الصحفي السوري عهد صليبي أكّد أن كل الجهات العسكرية والسياسية في سوريا حاولت أن تستغل “العشائرية”، على مبدأ أن شيوخ العشائر لهم تأثير على أفراد العشيرة ويكون لديهم عدد كبير من المقاتلين، والخطاب العشائري له روّاده للآن بعد اتفاق العشائر.
وأضاف في حديثه لـ”نون بوست” أن استغلال إيران والنظام لانتفاضة العشائر على مواقع “قسد” لم يكن سهلًا حتى الآن، وفي الوقت نفسه لم تهدأ الهجمات من مناطق النظام على مناطق “قسد”، وهناك هجمات بشكل يومي، وهو أمر مؤذٍ لـ”قسد” بشكل كبير.
يشار إلى أن الانتفاضة العشائرية سبقتها مظاهرات شعبية خرجت في العديد من مدن دير الزور، للمطالبة بوقف التجنيد الإجباري والتضييق على المدنيين من قبل قوات سوريا الديمقراطية.