لا يزال لغز اختفاء العميد محمد الداية المرافق الشخصي للرئيس الراحل ياسر عرفات “أبو عمار”، يُحير الكثير من الفلسطينيين، ويضع علامات استفهام كبيرة بشأن الجهة التي اختطفته من منزله، وسط اتهامات من عائلته لأجهزة الأمن الفلسطينية بتدبير العملية.
ومنذ أكثر من ثمانية أيام وقضية الاختفاء القسري للعميد الداية تثير اهتمام الفلسطينيين ووسائل الإعلام المحلية بشكل كبير حتى أصبحت مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة منصة لإطلاق التكهنات عن مصيره، فيما نشطت العائلة في كل مكان بالضفة الغربية للبحث عنه بعد اختفاء أثره بشكل كامل.
وعمل الداية لعشرات السنوات مرافقًا خاصًا للرئيس الراحل عرفات الذي كان يعتبره وفق مقربين “الابن البار”، فكان يرافق عرفات أينما حل وارتحل، ولا تخلو صورة لعرفات من وجود الداية الذي كان يلازمه على الدوام.
وكان عرفات قد عيّن الداية مرفقًا شخصيًا له، عقب استشهاد والده يوسف الداية الذي كان مرافقًا خاصًا لعرفات واستشهد نتيجة قصف طائرات الاحتلال منزل أبو عمار في تونس بحمام الشط، وكان حينها محمد الداية يدرس في ألمانيا، فقطع دراسته وعاد لأسرته عقب استشهاد والده، وحينها عينه أبو عمار مرافقًا شخصيًا له خلفًا لوالده.
ونشط العميد الداية خلال الشهور الأخيرة في توجيه انتقادات حادة للسلطة الفلسطينية وحركة فتح، خاصة على الصعيدين الداخلي المتعلق بوضع الحركة وكذلك المصالحة والانتفاضة وأمور داخلية أخرى، وعلى الصعيد الخارجي المتعلق بالمفاوضات مع “إسرائيل” والرهان على الإدارة الأمريكية.
من المسؤول عن اختفائه؟
ياسر الداية أحد أقارب العميد محمد (ابن عمه) يقول إن “محمد اختفى تمامًا عن الأنظار قبل أسبوع تقريبًا دون أن يبلغ أحد بمكان أو حتى سبب اختفائه المفاجئ”.
يعتقد ياسر الداية أن السبب المباشر لاعتقال العميد محمد واختفائه القسري، انتقاده الحاد للرئيس محمود عباس ونهجه السياسي الداخلي والخارجي
ويضيف ياسر: “بعد رحلة بحث طويلة استمرت لأيام في كل الضفة الغربية المحتلة وخاصة مكان إقامة عائلته، تأكدنا من جهات مسؤولة في السلطة الفلسطينية أنه موجود داخل أحد السجون التابعة لجهاز الاستخبارات في رام الله، ومحتجز هناك بصورة سرية”.
ويشير ياسر الداية إلى أن العائلة بشكل فوري توجهت إلى الجهات المختصة في أجهزة الأمن الفلسطينية لمعرفة مصير ابنهم العميد محمد، وتأكدوا فعليًا أنه موجود بأحد السجون ووضعه الصحي جيد، لكن دون معرفة السبب الرئيسي وراء اعتقاله والخلفية التي تقف وراء ذلك.
وأوضح أنهم تواصلوا مع العديد من الجهات المعنية في حركة “فتح” ومن قادة الأجهزة الأمنية لمعرفة أسباب اعتقال العميد الداية بهذا الشكل وإخفائه ورفض مقابلة عائلته له داخل سجنه، إلا أنهم “أكدوا لنا أن الأمر جاء بناءً على أمر من رأس الهرم القيادي ومن الرئيس محمود عباس شخصيًا”.
ويتوقع ياسر أن يكون السبب المباشر لاعتقال العميد محمد واختفائه القسري، انتقاده الحاد للرئيس محمود عباس ونهجه السياسي الداخلي والخارجي، من خلال المنشورات التي كان يكتبها على صفحته الخاصة بموقع “فيسبوك” التي دائمًا ما كانت تغضب قادة “فتح” كثيرًا وخاصة المقربين من عباس، خاصة بعد معرفتهم أن التهمة الأولى التي وجهت للعميد محمد هي “سوء إدارته للصفحات الإلكترونية، ومهاجمته لسياسة السلطة وبعض المقربين من الرئيس أبو مازن”.
ويشير ياسر إلى أن عائلة العميد محمد الداية لا تعلم شيئًا عن مصير ابنها حتى هذه اللحظة، وهناك قلق كبير على حياته ووضعه الصحي خاصة بعد رفض أجهزة الأمن السماح لعائلته أو حتى محاميه الخاص برؤيته أو الجلوس معه داخل سجنه.
وحمّل ياسر الداية الرئيس الفلسطيني محمود عباس المسؤولية الكاملة عن اختفاء العميد محمد، مؤكدًا أن السلطة مطالبة بالكشف عن مصيره بشكل عاجل والسماح لأقاربه ومحاميه بزيارته داخل سجنه لمعرفة أوضاعه الصحية والنفسية.
مشيرًا إلى أن العائلة لم ولن تقف مكتوفة الأيادي أمام هذا “التعدي والظلم”، وهي تتواصل مع جهات رسمية وكذلك مؤسسات حقوقية وإنسانية محلية ودولية للكشف عن مصير ابنها ومعرفة تفاصيل وكيفية اعتقاله السرية ومكان احتجازه وإمكانية تعرضه للتعذيب من جهاز الاستخبارات الفلسطينية.
الداية مضرب عن الطعام منذ أن تم توقيفه حتى اللحظة، وهناك معلومات عن توقفه عن تناول المياه أيضًا
إضراب عن الطعام
إلى ذلك، تقول عائلة العميد أنها علمت من جهات خاصة أن “مرافق أبو عمار الشخصي”، خاض إضرابًا مفتوحًا عن الطعام منذ أيام من داخل سجنه احتجاجًا على اعتقاله ورفض السماح لعائلته بزيارته، مؤكدة أن هذا الأمر يعني أن الأوضاع الصحية والنفسية التي يعيشها العميد الداية سيئ للغاية.
وحمّلت أسرة الداية الرئيس عباس وأجهزة الأمن التابعة للسلطة الفلسطينية المسؤولية الكاملة عن حياته، مؤكدين أن العميد محمد معروف بتاريخه النضالي المشرف والدفاع عن الشهيد الراحل أبو عمار، وقد ورث ذلك عن والده المرافق الشخصي السابق للرئيس الراحل ياسر عرفات “أبو عمار”.
وبعد أن ضجت وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي بشأن قضية الداية، اضطرت السلطة للكشف عن بعض التفاصيل وأعلنت هيئة القضاء العسكري الفلسطيني التابع لها أنه مسجون لديها، فيما تم تأجيل البت في قضيته بناءً على طلب محامية الدفاع.
محامية الدفاع راوية أبو زهيري أوضحت أن “الجلسة لم تعقد يوم (الخميس) الماضي لأن الداية تبلغ بلائحة الاتهام الأربعاء، وبحسب قانون الإجراءات الجزائية المادة 47، يتوجب أن يعطى المتهم مهلة سبعة أيام من تاريخ تبلغه بلائحة الاتهام من النيابة قبل جلسة المحكمة الأولى”.
وأضافت أبو زهيري أن الداية خضع للتحقيق بشأن قيامه بإنشاء صفحتين على موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك واحدة باسم “أبناء الشهداء” والثانية تحمل اسم “لا للفساد” واستخدامهما في التهديد والإساءة والتشهير بحق شخصية تعمل في ديوان الرئاسة”، مبينةً أن موكلها نفى هذه التهمة وأكد أنه لا يجيد القراءة والكتابة.
ولفتت إلى أن “توقيف الداية يستند إلى قانون الجرائم الإلكترونية المادة 15-2 المتعلقة بالتهديد والقيام بأعمال خادشة للحياء من خلال صفحات الفيسبوك”، مؤكدة أن الداية تم توقيفه 5 أيام بطريقة غير قانونية ودون مذكرة استدعاء رسمية، قبل أن يتم تمديد اعتقاله 15 يومًا على ذمة التحقيق.
وبينت أن موكلها مضرب عن الطعام منذ أن تم توقيفه حتى اللحظة، وهناك معلومات عن توقفه عن تناول المياه أيضًا، مضيفة أن القضاء العسكري أصدر تعليماته بالسماح لها بزيارة موكلها، كما سمح لعائلته بزيارته والاطمئنان على حالته الصحية.