تحتفل الجزائر في 12 من يناير القادم بدخول السنة الأمازيغية 2968 في أجواء غير عادية تختلف عن باقي السنوات الماضية بعد أن قرر الرئيس عبد العزيز بوتفليقة جعل هذا اليوم من كل سنة عطلة مدفوعة الأجر، لكن هل سيكون هذا القرار بداية حقيقية لترقية اللغة الأمازيغية في البلاد ووضع حد للاحتجاجات التي تظهر بين الفينة والأخرى والمنتقدة لطريقة تعامل الحكومة مع هذا الملف.
إذ يحتفل الجزائريون ومعهم سكان شمال إفريقيا في 12 من يناير/كانون الثاني من كل عام ببداية السنة الجديدة وفق التقويم الأمازيغي الذي يدرك هذه السنة العام 2968.
قصة يناير
تختلف الروايات بشأن يناير والتقويم الأمازيغي الذي يرتبط كثيرًا بالمواسم الفلاحية وتقلبات الطقس، لكن توجد روايتان هما الأكثر ذكرًا من المهتمين بالثقافة الأمازيغية إحداهما تشبه الأسطورة والثانية تاريخية.
لم يأت الاعتراف بـ12 من يناير يومًا وطنيًا بين ليلة وضحاها، فللحركة البربرية في الجزائر تاريخ طويل كان مطروحًا حتى خلال الثورة التحريرية ضد الاستعمار الفرنسي
تذكر الأسطورة التي ما زالت تحكى في اجتماعات العائلات الجزائرية حتى اليوم من الجدات أن بداية السنة الأمازيغية تعود إلى معتقد قديم يتحدث عن امرأة عجوز كانت تغتر بنفسها، وتعتقد أن صمودها في فصل الشتاء المتميز ببرده القارص وثلوجه الكثيفة يعود لقوتها، مستهينة في ذلك بقوى الطبيعة حسب تفكير الناس آنذاك، كما لم تقدم الشكر للرب على ذلك.
مما جعل شهر يناير (رمز الفلاحة والخصوبة) يغضب من جحودها ويطلب من شهر فورار (شهر فبراير/شباط حسب التقويم الأمازيغي) أن يقرضه يومًا حتى يعاقب هذه العجوز الجاحدة، فهبت عاصفة ثلجية شديدة قتلت أنعام العجوز من ماعز وأغنام ومزروعات، حسب الأسطورة، وأصبح هذا التاريخ منذ ذلك اليوم رمزًا لتجنب الجحود والنكران وصار يكرس للاحتفال بالخيرات التي رزق بها الناس.
لكن رغم بقاء هذه الأسطورة في الموروث الثقافي الأمازيغي حتى الآن، فإن الكثير يربط رأس السنة الأمازيغية بحدث تاريخي وهو انتصار الملك الأمازيغي شاشناق سنة 950 قبل الميلاد على الملك الفرعوني رمسيس في معركة دارت في منطقة بني سنونس قرب ولاية تلمسان غرب الجزائر، ومنذ ذلك اليوم أصبح الأمازيغ يحيون ذكرى هذا الانتصار كل عام واتخذوه بداية لتقويمهم السنوي.
نضال سنوات
لم يأت الاعتراف بـ12 من يناير يومًا وطنيًا بين ليلة وضحاها، فللحركة البربرية في الجزائر تاريخ طويل كان مطروحًا حتى خلال الثورة التحريرية ضد الاستعمار الفرنسي كما يذكر البعض، إلا أن القضية برزت بشكل لافت في ثمانينيات القرن الماضي، حينما تم منع إقامة محاضرة للكاتب مولود معمري بجامعة تيزي وزو بمنطقة القبائل تتحدث عن الشعر الأمازيغي.
مراقبون يرون أن الرهان الحقيقي للغة الأمازيغية هو ترقية استعمالها بين الجزائريين وفي المؤسسات الرسمية
وتسبب هذا المنع في خروج احتجاجات بالولاية وفي العاصمة الجزائر تندد بتصرف السلطات، وتم وقتها رفع شعارات أهم ما جاء فيها “الثقافة الأمازيغية.. ثقافة شعبية” و”كفى من القمع الثقافي” و”محاضرة معمري لماذا مُنعت”، واستمرت هذه الاحتجاجات التي بدأت في 10 من مارس/آذار حتى أبريل/نيسان الذي يحتفل في العشرين منه من كل عام بذكرى الربيع الأمازيغي تخليدًا لتلك الاحتجاجات التي تم فيها اعتقال عدة أشخاص.
وبعدها توالت الاحتجاجات والإضرابات الداعمة للقضية الأمازيغية كللت في 1995 بإنشاء المحافظة السامية للأمازيغية، وفي 2002 بدأت مفاوضات بين الحكومة وحركة العروش التي خاضت في 2001 احتجاجات تطالب بدسترة الأمازيغية، وهو ما تحقق حينها بجعلها لغة وطنية تم بموجبها توسيع تدريسها في المدارس وإنشاء قناة تليفزيونية حكومية ناطقة بالأمازيغية في 2009.
وأُتبعت هذه الإنجازات في 2016 بتضمين الدستور الجزائري مادة تعتبر الأمازيغية لغة وطنية ورسمية، ثم في 2017 اعتماد 12 من يناير يومًا وطنيًا وعطلة مدفوعة الأجر.
الطريق ما زال طويلاً
رغم تثمين القرار المتخذ الأربعاء الماضي من جميع مناصري القضية الأمازيغية ومن جل الأحزاب السياسية سواء كانت معارضة أو موالية، فإن مراقبين يرون أن الرهان الحقيقي للغة الأمازيغية هو ترقية استعمالها بين الجزائريين وفي المؤسسات الرسمية، لكن هذا الطموح يصطدم بواقع صعب يتمثل في أن الأمازيغية لا تدرس حتى اليوم في جميع المؤسسات التعليمية.
يشكل موضوع خط كتابة الأمازيغية حاجزًا آخر في ترقية استعمالها، بالنظر إلى عدم الاتفاق حتى اليوم بشأن كتابتها بخط معين
وهنا قدمت وزارة التربية الجزائرية تعهدًا بتعميمها العام الماضي في كل المدارس، غير أن هذا القرار يبقى صعب التحقيق بالنظر إلى نقص المؤطرين رغم العدد الهائل للمكونين المتخرجين كل عام من الجامعات بتخصص لغة أمازيغية، وذلك بالنظر إلى أن وزارة التربية لا تستطيع تغطية كل النقص الموجود في المدارس بشأن أساتذة الأمازيغية، كون الوزارة تستفيد من كوطة من الوظائف محددة مسبقًا، التي لا تستطيع تغطية جميع المناصب الشاغرة.
كما يشكل موضوع خط كتابة الأمازيغية حاجزًا آخر في ترقية استعمالها، بالنظر إلى عدم الاتفاق حتى اليوم بشأن كتابتها بخط معين، فهي تدرس بالخط العربي في مناطق وبالحروف اللاتينية في ولايات أخرى، وبخط التفنياغ في مدن أخرى.
وبرأي مختصين، فإن عدم كتابتها بخط معين وتوحيد المصطلحات المستعملة من أساتذة المدارس يُبقي الباب مفتوحًا لبقاء ملف الأمازيغية في زيه السياسي، في حين أن الحل يكمن في تجريدها من ذلك ومنح الاهتمام بها للمختصين والأكاديميين.
وإلى أن يأتي ذلك، يعتقد البعض أن الفرنسية تبقى الرابح الوحيد، بالنظر لاستعمالها الواسع من الإدارة ومحاولة البعض توسيع استعمالها في المقررات الدراسية، مقابل العمل في الوقت ذاته على إظهار وجود صراع بين العربية والأمازيغية بخصوص أحقية أي واحدة منهما بالاهتمام أولاً من السلطات.