استقل مساعد الطيار التركي سليمان أوزقينقجي طائرته من بلاك هوك، ومعه 6 عسكريين آخرين وشخص مدني في السادس عشر من يوليو عام 2016، مغادرًا الأراضي التركية التي كانت تشهد محاولة انقلاب فشلت بعد ساعات، بعد قليل هبطت الطائرة التركية في المدينة اليونانية ألكسندروبولي الواقعة على الحدود بين تركيا واليونان.
مر عام ونصف حتى حصل سليمان على حق اللجوء في اليونان، ورفضت سلطة اللجوء هناك تسليمه لأنقرة، لأنها اعتقدت أن حياته ستكون في خطر، وأن تركيا “تنتهك بشكل منتظم حقوق الإنسان منذ محاولة الانقلاب الفاشلة”.
بعد يومين من محاولة الانقلاب، أعادت اليونان الطائرة إلى إسطنبول، بينما بقي الأتراك الذين كانوا على متنها في اليونان، في حين كان رئيس الوزراء اليوناني أليكسيس تسيبراس قد وعد أردوغان بإعادتهم أيضًا، تعطل تسليم هؤلاء بعدما تقدموا بطلب لجوء في اليونان، واستمر هذا الطلب قيد النظر، حتى الشهر الحاليّ.
في البداية، وافق القضاء على تسليم 3 من هؤلاء العسكريين في ديسمبر الماضي، وفي اليوم التالي وافق على تسليم 3 آخرين، وهو الحكم الذي طعن عليه المحامون، وفي يناير، رفضت المحكمة اليونانية العليا ترحيل العسكريين، لكن طوال هذه المدة لم يكن أي من الثمانية قد منح حق اللجوء.
انزعجت تركيا كثيرًا من هذا القرار، وحتى الآن لم تتسلم أي من الثمانية، حتى إن تركيا قالت إنها ستراجع العلاقات مع اليونان، وقد تلغي اتفاق إعادة قبول المهاجرين الموقع بين تركيا والاتحاد الأوروبي الذي يقضي بتقديم مساعدات مالية لتركيا مقابل الإبقاء على اللاجئين السوريين داخل أراضيها.
الخلافات بين البلدين ليست سياسية أو وليدة اللحظة الراهنة، فأغلبها خلافات على الحدود بين البلدين
اليونان كانت المحطة الأولى لدخول المهاجرين إلى أوروبا من تركيا، والذين نزح منهم أعداد كبيرة إلى هناك قبل عامين.
بعد زيارة قام بها الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إلى اليونان بداية هذا الشهر، طالب فيها رئيس الوزراء اليوناني بالوفاء بوعده الذي وعده إياه، منحت سلطة اللجوء المستقلة مساعد الطيار سليمان أوزقينقجي حق اللجوء، بينما تقدمت الحكومة اليونانية بطلب لإلغاء قرار منح اللجوء، وينتظر أن تبت فيه محكمة الاستئناف.
الخارجية التركية قالت مؤخرًا إن “اليونان لم تظهر الدعم والتنسيق الذي ننتظره من حليف في مجال مكافحة الإرهاب، والقرار اتخذ لدوافع سياسية ويظهر مرة جديدة أن اليونان دولة تؤوي الانقلابيين وتستقبلهم بترحيب”.
في المقابل رأت اللجنة عدم وجود دليل على مشاركة مساعدة الطيار في محاولة الانقلاب، وأنه لم يكن يعلم إلى أين تتجه الطائرة، ومن المتوقع أن تنظر اللجنة في طلب لجوء باقي العسكريين في الأسابيع القادمة.
حلقة في سلسلة الخلافات
الخلافات بين البلدين ليست سياسية، أو وليدة اللحظة الراهنة، فأغلبها خلافات على الحدود بين البلدين، ففي يناير الماضي، زار رئيس الأركان التركي جزيرة كارداك المتنازع عليها بين البلدين، بعد زيارة مماثلة قام بها وزير الدفاع اليوناني.
يرى الرئيس التركي أن بلاده التي تعرضت لضغوط على السلطة السياسية الضعيفة في ذلك الوقت اضطرت للتنازل عن هذه الجزر تحت الإجبار
بعدها بشهر، اتهمت أنقرة أثينا بانتهاك القانون الدولي بإجراء تدريبات عسكرية في جزيرة كوس، وهو الأمر الذي تعتبره تركيا مخالفًا لمعاهدة 1947 التي تحظر أشكال التدريب العسكري كافة على الجزيرة، في المقابل علق مصدر في وزارة الدفاع اليونانية بأن بلاده لن توقف جدول التدريب العسكري الذي قررته سابقًا.
وزارة الخارجية التركية بدورها حذرت من اتخاذ إجراءات ضد اليونان إذا اقتضت الضرورة، واعتبرت أن المناورات في بحر إيجة هي تصعيد من جانب واحد، سيزعزع علاقات البلدين.
تقع جزيرة كوس في بحر إيجة، وهي جزء من سلسلة جزر دوديكانيس التي تخضع لنزع السلاح، في إطار اتفاق السلام الموقع بعد الحرب العالمية الثانية.
وردًا على تصريحات وزير الدفاع اليوناني بأن تركيا انتهكت المجال الجوي لليونان أكثر من 100 مرة، وأن هذا أسلوب “رعاة البقر”، قال وزير الخارجية التركي جاويش أوغلو” إن “اليونان تقوم بأعمال استفزازية منذ فترة طويلة، ونحن نتصرف بعقلانية حتى لا تحدث توترات مع جيراننا”.
بعد ذلك بعشرة أشهر كانت المناورات العسكرية التي تجريها اليونان بمشاركة مصر تثير غضب أنقرة، لأن المناورات جرت على جزيرة رودس المطلة على بحر إيجة، واعتبرت تركيا هذه المناورات مناقضة لاتفاقية السلام الموقعة عام 1977 في باريس التي تقضي بمنع التدريبات العسكرية في هذه الجزيرة، في المقابل اتهمت اليونان تركيا باختراق موجات اللاسلكي والتجسس على المناورات وطائرات الاستطلاع.
زيارة أردوغان لأثينا هذا الشهر هي الأولى من نوعها لرئيس تركي، منذ ما يقرب من 65 عامًا
خلافات منذ 100 سنة
تعود قصة النزاعات إلى فترة ما بعد الحرب العالمية الأولى، عندما هزمت القوات التركية الجيوش اليونانية، وطردتها من منطقة إزمير التركية التي كانت تحتلها، وقعت البلدان معاهدتين عام 1920 و1923، لتقسيم الحدود بينهما، ونتيجة لذلك، تنازلت تركيا عن جزر كانت تمتلكها، وتقعد على مرمى البصر، ولا تبعد عنها سوى أميال قليلة.
ويرى الرئيس التركي أن بلاده التي تعرضت لضغوط على السلطة السياسية الضعيفة في ذلك الوقت اضطرت للتنازل عن هذه الجزر تحت الإجبار.
زيارة أردوغان لأثينا هذا الشهر هي الأولى من نوعها لرئيس تركي منذ ما يقرب من 65 عامًا، لكن العلاقات بين البلدين ليست في أحسن أحوالها منذ سنوات طويلة، وليست قضية العسكريين أول محطة خلاف.
قبل وصول أردوغان إلى أثينا هذا الشهر، كانت كثير من الملفات الخلافية مفتوحة، ولم تغلق أي منها بهذه الزيارة، أو على الأقل تتخذ طريقها للإغلاق، فطلب أردوغان مراجعة اتفاقية لوزان الموقعة عام 1923، قوبل برفض يوناني.
وتتضمن الاتفاقية ترسيم للحدود بين البلدين بسبب النزاع على بعض الجزر في بحر إيجة، والوجود العسكري في جزيرة قبرص، وكاد البلدان العضوان في حلف شمال الأطلسي العسكري، أن يتحاربا في أعوام 1974 و1987 و1996.
بالطبع تزيد الخلافات بسبب الطيارين الأتراك من حدة العلاقات المتدهورة أصلاً بين البلدين، لكن ما سيكون أكثر حسمًا في طبيعة العلاقات وانقطاعها أو تواصلها، تصرفات كل من البلدين فيما يخص الجزر المتنازع عليها والحدود التي يريد أردوغان إعادة ترسيمها.