منذ عدة أيام وحتى الآن تزداد ضراوة المظاهرات الإيرانية الشعبية – كانت شرارتها الأولى في مدينة مشهد قبل أن تمتد لعدة مدن أخرى – المنددة بالعديد من الملفات السياسية والاقتصادية لحكام إيران، وتطالب الزعماء الإيرانيين بالكف عن دعم نظام بشار الأسد وحلفائهم في العديد من دول الإقليم، وكل ذلك على حساب أوضاع المواطنين الإيرانيين في الداخل.
طلاب الجامعات الإيرانية كانوا أصحاب الشرارة الأولى في المظاهرات الشعبية، وكان طلاب جامعة طهران من السباقين للخروج في تلك المظاهرات الغاضبة على تردي الأوضاع الاقتصادية للمواطنين، ورددوا شعارات حادة ومعارضة لنظام الحكم الإسلامي في إيران.
المتظاهرون الغاضبون احتجوا على التضخم والبطالة، ونددوا بتركيز حكومة طهران على الخارج وبالتحديد على سوريا ولبنان، وملفات إقليمية أخرى بدلًا من تحسين الظروف المعيشية داخل البلاد.
المواجهات بين الحكومة والشعب تطورت لدرجة وقوع ضحايا بين المتظاهرين، ونقلت وسائل إعلام إيرانية عن حبيب الله خوجاستهبور نائب حاكم محافظة لورستيان، أن” شخصين قتلا وأصيب ثلاثة خلال المظاهرات التي شهدتها مديرية دورود بمحافظة لورستان وسط إيران”
المظاهرات الغاضبة بثتها بعض الوكالات الإيرانية، ومنها وكالة أنباء مهر القريبة من المحافظين التي أظهرت صورًا مسربة من داخل إيران لجموع المتظاهرين وهم يهاجمون مقرات حكومية، ومنها بلدية الدائرة الثانية في طهران، ويضرمون النيران ببعض السيارات التابعة للشرطة الإيرانية.
المواجهات بين الحكومة والشعب تطورت لدرجة وقوع ضحايا بين المتظاهرين، ونقلت وسائل إعلام إيرانية عن حبيب الله خوجاستهبور نائب حاكم محافظة لورستيان، أن” شخصين قتلا وأصيب ثلاثة خلال المظاهرات التي شهدتها مديرية دورود بمحافظة لورستان وسط إيران”.
حكومة طهران حاولت تبرئة نفسها من قتل المتظاهرين واتهمت “أجهزة مخابرات أجنبية” – لم تسمها – بالوقوف وراء مقتل المتظاهرين، بالمقابل نشر ناشطون إيرانيون صورة عنصر الحرس الثوري الذي أطلق النار، كما نشروا أسماء القتلى وهم: محمد تشوباك ومحسن ويراشي وحسبن رشنو وحمزة لشني، وقد تلقى أحد القتلى رصاصة مباشرة في قلبه.
وهكذا يبدو أن المظاهرات أخذت تتسع يومًا بعد يوم، وكأن صبر الشعب الإيراني المضروب به الأمثال قد نفد، وهذا يؤكد أن طهران سائرة باتجاه مرحلة جديدة، لا يمكن تحديد ملامحها الآن بسهولة لأن النظام في إيران ما زال متماسكًا، ولا يمكن تصور انهياره بين ليلة وضحاها.
قبل عام تقريبًا كتبت مقالًا – ولم أنشره – عن التدخلات الإيرانية في دول المنطقة، واليوم يبدو أن اللعبة انقلبت على إيران، ولهذا نرى حاليًّا احتراق الشارع الإيراني غضبًا ضد الحكام الذين لم يلتفتوا للداخل، وكان همهم تحقيق مصالح – ربما – بعيدة المدى للجمهورية الإيرانية، ولو على حساب المواطن الإيراني.
إيران لا تنفك عن التدخل العلني والصريح في شؤون دول المنطقة وبالذات في العراق وسوريا واليمن والبحرين وبدرجات أقل في دول الخليج الأخرى ومصر وغيرها بحجج مذهبية أحيانًا ودعوية وإنسانية أحيانًا أخرى.
وسبق للرئيس الأول لجمهورية إيران أبو الحسن بني الصدر، أن ذكر بتاريخ 17/1/2000، على قناة الجزيرة أن “من سياساتهم الخارجية إقامة حزام شيعي للسيطرة على ضفتي العالم الإسلامي”.
التجربة أثبتت أن العلاقات الأمريكية الإيرانية متميزة منذ ثمانينيَّات القرن الماضي وحتى الآن بدليل الضوء الأمريكي الأخضر لها للعبث في المشهد العراقي وغيره، وبالتحديد بعد العام 2003، وحتى اليوم
والتدخل الإيراني المبكر في شؤون المنطقة يؤكد أن إيران لا تحترم قواعد حسن الجوار ولا الأعراف الدبلوماسية ولا القوانين الدولية، وهذا مؤشر خطير على أنها تنظر بفوقية لتلك الدول، وربما باستخفاف لبعضها الآخر.
التدخل الإيراني في العراق – على سبيل المثال – وصل لدرجات مخجلة حتى إنهم اعتبروا بغداد من المدن التي تأتمر بأوامر طهران ومعها دمشق وعدن وبيروت، وهذا في الواقع وصمة عار في تاريخ العلاقات العراقية الإيرانية التي دخلت في إطار التبعية العراقية الواضحة لإيران في مرحلة ما بعد الاحتلال الأمريكي للعراق.
الجرائم الإيرانية المستمرة في العراق أكدت لنا أنها لا تتوانى عن التصفيات الجسدية والتهجير وبالذات للكفاءات العلمية والعسكرية، وأنها حاقدة حد النخاع على العراقيين والعرب، وفي ذات الوقت تدعي أنها تعمل من أجل المصالح المشتركة مع دول المنطقة، والحق أنها تسعى لنشر الفكر الطائفي عبر استغلال الثوب المذهبي لدى البسطاء الذين ينظرون لها على أنها تمثل قوة الاستكبار المعادي لأمريكا.
بينما التجربة أثبتت أن العلاقات الأمريكية الإيرانية متميزة منذ ثمانينيَّات القرن الماضي وحتى الآن بدليل الضوء الأمريكي الأخضر لها للعبث في المشهد العراقي وغيره، وبالتحديد بعد العام 2003، وحتى اليوم.
وفي ضوء هذا التدخل الإيراني العلني نلاحظ أن الكثير من الدول العربية تتعامل بدبلوماسية عالية، وربما بتغافل عن هذا التدخل، إلا أن بعض الدول ومنها بعض دول الخليج العربي والمملكة الأردنية، تعاملوا بصراحة كبيرة، وأكدوا أن إيران تتدخل بصورة علانية في الكثير من دول الإقليم.
في الأردن على سبيل المثال نلاحظ أنه سبق للعاهل الأردني عبد الله الثاني أن أبدى تخوفه – وفي وقت مبكر (نهاية 2004) – من وصول حكومة عراقية موالية لإيران إلى السلطة في بغداد تتعاون مع طهران ودمشق لإنشاء هلال يكون تحت نفوذ الشيعة يمتد إلى لبنان.
وفي تأكيد للتشخيص الأردني قال مايكل بومبيو مدير وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية (سي آي أي): “إيران تقترب اليوم من تحقيق الهلال الشيعي الذي لا يصب في مصلحة الولايات المتحدة”.
وفي ديسمبر 2016، عبّر رئيس هيئة الأركان المشتركة الأردنية الفريق الركن محمود فريحات، عن قلق المملكة الأردنية من تمدد فصائل الحشد الشعبي قرب تلعفر باتجاه سورية، محذّرًا من وصل إيران بلبنان عبر حزام بري.
أظن أن على إيران الكف عن المشاغبات السياسية والتدخل بشؤون الدول العربية وإلا فإن ملفات الأحواز والظلم للمسلمين في إيران – إن حُركت بجدية – يمكن أن تفتح النيران الدبلوماسية وغير الدبلوماسية على طهران، وحينها لا ينفع الندم
وفي نهاية العام 2016 اعتبر العاهل الأردني أن إيران مسؤولة عن تأجيج الصراع الطائفي في منطقتنا، وأنها تدعم منظمات تعتبر إرهابية، وبالمقابل رفض المتحدث باسم الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي الاتهامات الأردنية، مدعيًا أن إيران تسعى وتجاهد في الخط الأمامي لمكافحة الإرهاب والتطرف!
أرى أن “الإرهاب” الذي تسعى إيران – كما تزعم – لمكافحته هو “الإرهاب المذهبي” المخالف لها، وعليه فهي ترتكب حماقة كبيرة في استعداء أكثر من مليار وربع المليار مسلم في محيطها العربي والإسلامي، وهذا يؤكد أن الحقد الإيراني الدفين جعلهم لا يفكرون بعقلانية ولا بمنطق حسن الجوار والقانون الدولي.
التنبيهات والتحذيرات العربية جعلت إيران تحاول أن تظهر نفسها بمظهر “القط الأليف”، إلا أن التجارب الماضية والحاليّة في المنطقة تؤكد أن إيران ما زالت مصرّة على نفث سمومها عبر السياسات الفوضوية والتخريبية في المنطقة، ولهذا لا يمكن أن ننظر لها نظرة أخرى بمجرد تصريحات هزيلة من هذا المسؤول الإيراني أو ذاك.
أظن أن على إيران الكف عن المشاغبات السياسية والتدخل بشؤون الدول العربية وإلا فإن ملفات الأحواز والظلم للمسلمين في إيران – إن حُركت بجدية – يمكن أن تفتح النيران الدبلوماسية وغير الدبلوماسية على طهران، وحينها لا ينفع الندم.
اليوم وبعد أكثر من عام على كتابة مقالي الذي لم أنشره أجد أن الملفات في الداخل الإيراني قد بدأت تنفتح واحدة تلو الأخرى، ولهذا فإن من مصلحة إيران والإيرانيين انكفاء حكومتهم داخليًا، والانشغال بهموم المواطن الذي يعاني من مآسي البطالة والتضخم وغيرها من الكوارث الاقتصادية والاجتماعية، والكف عن التدخل في الشؤون الداخلية للدولة الإقليمية، وأظن أن في ذلك الخير الكثير لإيران ولدول العالم.
والسؤال الأبرز هنا: هل سيقتنع ساسة إيران بضرورة الاهتمام بالداخل الإيراني والكف عن سياسات التدخل في شؤون الدول الأخرى؟ الأولى أن ننتظر، فربما سيكون للمتظاهرين الإيرانيين الكلمة الفصل في المشهد الحاليّ المضطرب، وحينها سيكون لكل حادث حديث!