بتاريخ 19 كانون الأول/ ديسمبر، اعترضت المملكة العربية السعودية بعض الصواريخ، التي أطلقتها جماعة أنصار الله التابعين للثوار الحوثيين في اليمن، والموجهة نحو قصر اليمامة، مقر إقامة الملك سلمان الرسمي في الرياض. ويعتقد أن هذه الهجمات كانت بمثابة رد شديد اللهجة على مقطع الفيديو الذي انتجته السعودية، والذي انتشر مثل النار في الهشيم على مواقع التواصل الاجتماعي قبل ذلك ببضعة أيام، حيث يظهر الفيديو قيام القوات العسكرية السعودية بغزو طهران وتغيير النظام الحاكم.
في الواقع، يكتسي هذا الهجوم المباشر، الذي استهدف القيادة السياسية الأكبر في المملكة ورمز السلطة السعودية، أهمية كبرى. وتجدر الإشارة إلى أن هذا الهجوم كان ليمر مرور الكرام قبل سنتين من الآن، لكن إدارة المملكة العربية السعودية السيئة لسياستها الخارجية والإقليمية خلال الفترة الأخيرة، تسببت في تغيير منظور العالم للسعودية والتقليل من احترامها، فضلا عن خلق عزلة على المستوى الإقليمي.
إثارة العداوة مع تركيا
رغم حرص الحكومة التركية على الحفاظ على علاقات إيجابية مع السعودية، إلا أن المملكة تغاضت عن إتباع هذا النهج في خصوص علاقتها الدبلوماسية مع تركيا. وقد بدا ذلك جليا بعد تأييد تركيا القوي لقطر وقيامها بإرسال بعض القوات العسكرية إليها، عقب الأزمة الدبلوماسية الخليجية في شهر يونيو/ حزيران. في المقابل، قررت كل من السعودية والإمارات العربية والبحرين قطع علاقاتها مع قطر وتنفيذ حصار محكم عليها.
في البداية، سعت تركيا إلى الحفاظ على موقف حيادي تجاه جميع الأطراف المعنية بالأزمة، وأكدت بصفة متكررة على ضرورة إرساء حوار بين مختلف الأطراف، بالإضافة إلى تقديم الدعم لمجهودات الوساطة الكويتية. لكن مع تنامي مخاطر تعرض قطر للغزو وتغيير النظام، قامت حكومة أردوغان بنشر بعض القوات العسكرية في قطر، مما أثار سخط وعدم ارتياح المملكة العربية السعودية.
عموما، لم يمض وقت طويل قبل أن يجري صحفي سعودي، على علاقة وثيقة بالطبقة الحاكمة، مقابلة صحفية مع فتح الله غولن، المفكر الإسلامي المنفي في الولايات المتحدة، بعد أن صُنّف ضمن قائمة الإرهابيين من قبل السلطات التركية. وحيال هذا الشأن، تعتقد السلطات التركية أن غولن هو العقل المدبر وراء محاولة الانقلاب الفاشلة في تركيا سنة 2016. كما يعتبر فتح الله غولن عدوا للشعب التركي، كما أن التهم المنسوبة إليه تندرج في سياق قضية الأمن القومي للبلاد.
الرئيس التركي أردوغان والرئيس الإيراني روحاني يحضران مراسم الترحيب في طهران
بخصوص قضية القدس، كان الحضور الدبلوماسي السعودي ضعيفا خلال قمة منظمة التعاون الإسلامي التي انعقدت بموجب دعوة من الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، للرد على قرار دونالد ترامب بشأن القدس، ما مثل حيادا عن مسار التضامن الإقليمي. في المقابل، عكس ذلك انحياز المملكة العربية السعودية للولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل، مما وضع السعودية في خلاف مع تركيا، التي تسعى إلى تحقيق القيادة الدينية للعالم الإسلامي.
قبل يومين من انعقاد مؤتمر قمة منظمة التعاون الإسلامي، نشرت صحيفة عكاظ السعودية مقابلة مع القيادي المرموق رضا آلتون، الشبيه بوزير الخارجية لحزب العمال الكردستاني الذي صنفته تركيا كتنظيم إرهابي. في الحقيقة، كان من المفترض أن تجرى المقابلة الصحفية مع قائد حزب العمال الكردستاني، جميل بايق، لكن ذلك لم يكن ليحدث دون الحصول على موافقة مباشرة من السلطات السعودية التي تعنى بالشأن السياسي. ومن جانبها، تحمل تركيا حزب العمال الكردستاني مسؤولية قتل العديد من المدنيين وعناصر من قوات الأمن. وكما هو الحال مع فتح الله غولن، فإن هذا الأمر يخص الأمن القومي للبلاد.
أما بالنسبة للمقابلة الصحفية مع آلتون، فهي تهدف حتما لإيصال رسالة مفادها أن السعودية ترغب في افتعال المشاكل مع الحكومة التركية. وتعتبر تركيا وإيران قوتان إقليميتان تحتلان مكانة بارزة، مما يجعل من عداوة المملكة العربية السعودية للدولتين بمثابة دافع إضافي لمزيد عزل المملكة على المستوى الإقليمي.
الدول التابعة تسقط عن المدار
يثير الأسلوب المتطرف الذي تنتهجه السعودية في تعاملها مع قطر مخاوف دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى، وهو ما يجبرهم على البحث عن حلفاء إقليميين أقوياء من أجل دعمهم. فعلى سبيل المثال، باشرت الكويت، التي تجمعها علاقات متوترة مع إيران وقامت بطرد سفيرها في منتصف سنة 2017، في توطيد علاقاتها مع تركيا، ويتضمن هذا التحالف بعض المخططات بغية تعزيز التعاون العسكري بين البلدين.
السعودية وإيران، خصمان في الشرق الأوسط
في الوقت ذاته، عبر أمير الكويت، الذي مثل بلاده في مؤتمر القمة الذي عقدته منظمة التعاون الإسلامي، عن حذره الشديد إزاء السياسة الخارجية التي تتبناها المملكة العربية السعودية، وهو ما يفسر مساعيه للتقرب من تركيا. في هذا السياق، أفاد مسؤول دبلوماسي عماني لفائدة موقع “ميدل إيست آي”، بأن علاقات سلطنة عمان مع إيران تصنف من بين الأفضل بين دول مجلس التعاون الخليجي، وعلى الرغم من أنها قد لا تسارع بموجب ذلك نحو توطيد علاقاتها مع تركيا، إلا أنها ستطمح إلى زيادة عتادها العسكري اقتداء بالنموذج السعودي.
من جانب آخر، تعتبر مساعي السعودية الحثيثة التي انتهت بإجبار رئيس الوزراء اللبناني، سعد الحريري، على الاستقالة من منصبه وتوجيهه ضد رغبته في الرياض، أكثر خطوة غير مسؤولة اتخذتها القيادات السعودية. فقد ساهمت هذه الخطوة في توحيد النخب السياسية في لبنان وتأليبها ضد حكومة الرياض في سابقة هي الأولى من نوعها على مستوى العلاقات بين البلدين. كما قامت السعودية باعتقال البليونير الأردني، صبيح المصري، لاعتماده كورقة ضغط ضد الحكومة الأردنية من أجل الاعتراف بقرار ترامب بشأن القدس.
في شأن ذي صلة، يخضع المسجد الأقصى، ثالث أكثر الأماكن قدسية عند المسلمين، إلى سيطرة الملك الأردني بموجب اتفاقيات سابقة بين الطرفين. كما يمثل أحد المصادر القليلة لشرعية المملكة الهاشمية السياسية، وهو ما يفسر حضور الملك الأردني للقمة التي عقدتها منظمة التعاون الإسلامي رغم الضغوط الشديدة المسلطة عليه لمقاطعتها.
نتيجة لذلك، من المتوقع أن تبتعد الأردن عن محور المملكة العربية السعودية، وتقترب أكثر من تركيا وإيران. وفي المجمل، بالإمكان تدوين اسم قطر، والكويت، وسلطنة عمان، ولبنان والأردن في قائمة البلدان التي غادرت مدار السعودية لتسبح في أفلاك أخرى مبتعدة عنها.
هل تعرضت السياسة السعودية للهزيمة؟
لم تتسبب المملكة العربية السعودية في نفور مراكز الثقل الإقليمية مثل تركيا، وكذلك الدول الصغرى الأخرى فحسب، بل امتد تأثيرها ليقوض صورة المملكة في العالم العربي، فضلا عن زعزعة صورتها لدى الرأي العام العربي. من جانب آخر، تساهم السعودية بصفة جلية في تفاقم الأوضاع الإنسانية الكارثية في اليمن. ومؤخرا، ظهرت تحركات في المنطقة تنم عن عدم احترام القيادة السعودية.
مشجعو كرة قدم جزائريون يعرضون لافتة تجمع بين الملك سلمان ودونالد ترامب، مرفقة بشعار “وجهان لعملة واحدة”
خلال الأسبوع الماضي، شهدت مباراة كرة قدم في الجزائر تضامن المشجعين مع القضية الفلسطينية بطريقتهم الخاصة، حيث قاموا بوصف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب والملك سلمان بأنهما وجهان لعملة واحدة. من جانب آخر، قام متظاهرون في غزة عقب قرار ترامب الأخير بإضرام النيران في صور لدونالد ترامب، والملك سلمان، ونجله ولي العهد، محمد بن سلمان.
دون أدنى شك، أحاطت إيران علما بهذه الأحداث، وتجلى ذلك في كلمة نائب قائد الحرس الثوري، حسين سلامي، الذي وصف هذه الممارسات بأنها “هزيمة للسياسة السعودية”. وتعلم إيران جيدا أن هذا هو الوقت المناسب لبعث رسالة تستهدف الرياض من خلال وكيلها في اليمن، الثوار الحوثيون. ويعتبر هذا الأمر رسالة واضحة وصريحة إلى ولي العهد السعودي، الذي هدد سابقا بأنه سينقل المعركة إلى طهران.
في الأثناء، أصبحت السعودية، التي تواجه حاليا أزمة على المستوى المحلي، مجبرة على التعامل مع الإحساس المتنامي بانعدام الأمن، خاصة وأن الرياض معرضة لقصف صاروخي في أي وقت. وبالإمكان تبين الآثار السلبية للسياسة الإقليمية السعودية، التي قوبلت بالفشل وزادت من عزلة المملكة العربية السعودية. وبالطبع، إذا واصلت السعودية سلك هذا الدرب، فإن نتيجة هذا العناد ستكون توجه السعودية نحو المزيد من العزلة.
المصدر: ميدل إيست آي