يمارس الأمير طلال بن عبد العزيز، الأخ غير الشقيق للملك سلمان وأول إصلاحي تقدمي في آل سعود، إضرابا عن الطعام؛ احتجاجا على حملة التطهير التي يقوم بها ابن أخيه ولي العهد الأمير محمد بن سلمان، والتي اشتملت على اعتقال ثلاثة من أبنائه.
توقف الأمير، البالغ من العمر ستة وثمانين عاما، عن تناول الطعام يوم العاشر من نوفمبر/ تشرين الثاني، بعد فترة قصيرة من إلقاء القبض على ابنه الأول وليد، في الرابع من نوفمبر، وفقد حتى الآن عشرة كيلوغرامات من وزنه. وفي الأسبوع الماضي، أدخل في جوفه أنبوب تغذية، إلا أن حالته غير جيدة، بحسب ما رواه عدة أشخاص عادوه، حيث يرقد في مستشفى الملك فيصل في الرياض.
ولقد عاد الأمير المنهك كثير من الأمراء ورجال الأعمال، الذين جاءوا ليطمئنوا على صحته، وافق أحدهم على الحديث حول وضع الأمير وما اتخذه من إجراء، وذلك في تصريح حصري لموقع ميدل إيست آي، شريطة عدم الإفصاح عن هويته.
الأمير لم يعلن عن قراره رفض تناول الطعام
قال هذا الشخص إن الأمير لم يعلن عن قراره رفض تناول الطعام، وإن أخاه غير الشقيق الملك سلمان زاره في أواخر شهر نوفمبر؛ ليقدم له التعازي بوفاة شقيقتهما مضاوي، وقد التقطت أثناء اللقاء صورة للملك وهو يقبل يد طلال، الذي كان حينها يجلس في كرسي متحرك.
وقال الزائر إن الأمير لم يثر في تلك المناسبة مع الملك قضية اعتقال أبنائه الثلاثة؛ لأن طلال لم يرد استغلال علاقته بالملك؛ لكي يطالب بإطلاق سراح أبنائه، بينما يبقى الآخرون في السجن.
ولكنه قال إنه لا يوجد شك بشأن لماذا توقف طلال عن تناول الطعام، “نحن نعرفه جيدا، ونعرف لماذا يفعل ذلك. لا يوجد سبب طبي لفقدانه الشهية”.
وكان طلال قبل شهر من بدء إضرابه عن الطعام قد أخبر أصدقاء له بأنه من الصواب الاحتجاج “مدنيا”؛ للفت الانتباه إلى الطغيان الذي أسس له ابن أخيه محمد بن سلمان بحجة مكافحة الفساد.
الملك سلمان زاره في أواخر شهر نوفمبر ليقدم له التعازي بوفاة شقيقتهما مضاوي، وقد التقطت أثناء اللقاء صورة للملك وهو يقبل يد طلال الذي كان حينها يجلس في كرسي متحرك
ولقد تحول وجود طلال في المستشفى إلى نقطة اجتماع للكثيرين من أعضاء عائلة آل سعود، وسبيلا للاطلاع على ما يجري من أحداث، بحسب ما قاله الزائر.
الأمير الأحمر
يعرف الأمير طلال بأنه ليبرالي، وكان قد شغل منصب وزير المالية في حكومة الملك سعود (1953 – 1964)، وأصبح في الستينيات يعرف بالأمير الأحمر؛ لتزعمه حركة الأمراء الأحرار، التي طالبت بإنهاء الحكم الملكي المستبد.
إلا أن العائلة الملكية الحاكمة رفضت تلك الحركة، وأجبر طلال على العيش في المنفى في القاهرة، قبل أن تتمكن والدته من الإصلاح بينه وبين العائلة.
ويعرف عن طلال خوضه للنضال من أجل حقوق المرأة قبل وقت طويل من القرار الذي اتخذ في شهر سبتمبر/ أيلول بالسماح للنساء السعوديات بالقيادة. قال الأمير في إحدى مقابلاته: “في النهاية ستحصل النساء السعوديات على حقوقهن… ولا ينبغي أن تتوقف المسيرة باتجاه ذلك الهدف، وعلينا أن نسارع قليلا بتحقيق ذلك”.
واستمر الأمير في النضال من أجل إقامة ملكية دستورية، وطالب بالفصل بين السلطات، وهو الأمر الذي أصر على أنه منصوص عليه في الدستور.
وفي مقابلة مع قناة المحور المصرية في عام 2007، قال الأمير طلال: “ما فتئت أومن بالفصل بين السلطات، السلطة التنفيذية والسلطة التشريعية والسلطة القضائية. ولقد طبق الملك فهد رحمه الله ذلك حينما تبنى الدستور السعودي، والذي يُعدّ القانون الأساسي للحكومة، ذكر فيه صراحة الفصل بين السلطات. ما نطالب به الآن هو أن تصبح هذه السلطات مستقلة”.
ثلاثة أبناء رهن الاعتقال
ألقي القبض على ثلاثة من أبناء طلال، أولهم كان الوليد بن طلال، رئيس شركة المملكة القابضة، وأحد أغنى الرجال في العالم، حيث قدرت مجلة بلومبيرغ ثروته بما يقرب من تسعة عشر مليار دولار، ولا يزال يقبع في السجن منذ اليوم الأول لبدء حملة التطهير.
وبحسب مصادر مطلعة، يطالب محمد بن سلمان الوليد بن طلال بالتنازل بالكامل عن ملكيته لشركة المملكة القابضة، لكنه رفض الانصياع لذلك. وينوي الوليد إذا لم يتم التوصل إلى التسوية المطالبة بتقديمه للمحاكمة.
وأما خالد، أخوه الشقيق، فطالب بإطلاق سراح أخيه، وتقول المصادر إنه دخل في مجادلة مع مسؤول حكومي صدر على إثرها أمر باعتقاله هو أيضا. وأما شقيقهما الأصغر، فألقي القبض عليه بتهمة التشاجر.
الوليد بن طلال، الأبن الاكبر للأمير طلال
يقول الزائر الذي عاد الأمير طلال إنه لا يوجد أدنى شك بخصوص دافع محمد بن سلمان من شن حملة التطهير على أفراد العائلة الملكية الحاكمة وعلى رجال الأعمال.
نايف ومتعب كلاهما تحت السيطرة والمراقبة. ولا يملك أي منهما مغادرة قصره قبل الاستئذان بذلك، وإذا ما خرجا ترافقهما مجموعات من الحرس الملكي تحت إمرة محمد بن سلمان بشكل مباشر
وأشار إلى أنه رغم ما يعرف من فساد بعض أفرع العائلة، إلا أن هؤلاء تركوا وشأنهم، ولم يمسسهم أحد بسوء، بينما توجهت الاعتقالات بشكل أساسي نحو أبناء عبد الله وأبناء طلال.
وقال المصدر: “عُرفت فروع أخرى من العائلة على مدى عقود بفسادها، وهذا ما أقر به الأمير بندر نفسه في مقابلة تلفزيونية. فأين خالد بن سلطان؟ وأين محمد بن فهد؟ لماذا ليسا جزءا من هذا التحقيق؟ هل من العدل الإمساك بالبعض وترك الآخرين ممن يعرفون بفسادهم؟”
امتعاض وغضب
إضافة إلى الوليد بن طلال وإخوانه، ما زال عدد آخر من الأمراء قيد الاعتقال. ومن بين المعتقلين تركي بن ناصر وتركي بن عبد الله وفهد بن عبد الله بن عبد الرحمن.
لا يوجد خبر يقين بشأن مصير عبد العزيز بن فهد، فثمة تقارير تؤكد أنه قاوم من جاءوا ليقبضوا عليه، وأنه أثناء العراك الذي نشب جراء ذلك أصيب بسكتة قلبية، ويعتقد أنه ما زال حيا يرزق، ولكن في حالة موت سريري، بناء على ما أفادت به عدة مصادر.
سمح لمتعب بزيارة مستشفى الحرس الوطني في الرياض وتقديم هدايا لأعضاء القطاع العسكري الذي كان في يوم من الأيام مسؤولاً عنه
ويقال إنه تم إطلاق سراح كل من محمد بن نايف، ولي العهد السابق الذي أطيح به في انقلاب القصر الذي وقع قبل حملة التطهير في نوفمبر الماضي، والأمير متعب بن عبد الله الذي ألقي القبض عليه كجزء من حملة التطهير.
في ذلك الوقت، رتب المسؤولون المقربون من محمد بن سلمان بعض المشاهد التي يظهر فيها متعب، ومنها اللقاء الذي ظهر فيه محمد بن سلمان وهو يقبل يد الرجل، الذي ما لبث بعد برهة أن سجنه ونكل به بدنيا. ثم ما لبثوا أن رتبوا مشهدا مسرحيا آخر في سباق الخيل السنوي في الجنادرية للخيول المحلية والمستوردة.
كما سمح لمتعب بزيارة مستشفى الحرس الوطني في الرياض وتقديم هدايا لأعضاء القطاع العسكري الذي كان في يوم من الأيام مسؤولا عنه.
والواقع أن نايف ومتعب كلاهما تحت السيطرة والمراقبة. ولا يملك أي منهما مغادرة قصره قبل الاستئذان بذلك، وإذا ما خرجا ترافقهما مجموعات من الحرس الملكي تحت إمرة محمد بن سلمان بشكل مباشر. وكلاهما ممنوع من السفر، بحسب ما أدلى به مصدر آخر اشترط عدم الإفصاح عن هويته.
كما أن حالة من الامتعاض والغضب تسود أوساط كبار أفراد عائلة آل سعود؛ بسبب ما يفعله محمد بن سلمان، وبسبب السيطرة المطلقة التي يسعى لفرضها على البلاد. في الوقت ذاته ثمة تعاطف شديد مع محمد بن نايف.
وأضاف المصدر : “ما حدث لمحمد بن نايف يثبت أنك لا تملك الاعتقاد بأنك مقرب من محمد بن سلمان، ولا يسعك إطلاقا أن تثق به”.
ترجمة وتحرير: عربي 21
المصدر: ميدل إيست آي