ترجمة وتحرير: نون بوست
تناول الخبير في تاريخ العصور الوسطى والأستاذ المحاضر في جامعة غرب باريس نانتير لاديفونس، برونو دوميزيل، نظرية التطور البطيء الرامية إلى تقسيم الأشهر والسنوات في العالم الغربي، حيث تعد هذه النظرية مزيجا من الثقافات الرومانية والكاثوليكية.
انطلق العمل بالتقويم الزمني لأول مرة من خلال ربط نسق تداول أيام الأسبوع بحركة دوران الكواكب. وبالاعتماد على احتساب 365 يوما وإقرار السنوات الكبيسة، بتنا نحترم بذلك التمشي الزمني الذي تتبعه الأرض خلال دورانها حول الشمس. وفضلا عن تجسيد آلية دوران الكواكب، يعكس التقويم بدوره جزءا من موروثنا الثقافي، على غرار أسماء الأشهر والأيام التي تم اقتباسها من ثقافة الإمبراطورية الرومانية. وللتوضيح أكثر، أقتبس اسم يوم الثلاثاء من كلمة “مارس” الرومانية، ويعكس “يوبيتر” اصطلاحا اسم يوم الخميس. والأمر سيان بالنسبة لأسماء الأشهر، حيث اقتبس اسم شهر يوليو من اسم يوليوس قيصر، فيما سمي شهر أغسطس بهذا الاسم تيمنا بالإمبراطور الروماني، أغسطس.
في المقابل، يرى العديد من القديسين أن عملية تعداد السنوات واتخاذ يوم الأحد عطلة أسبوعية قد وقع بعد ميلاد المسيح، وهو ما يدل، حسب رأيهم، على أن التقويم الزمني مسيحي بالأساس. لكن هل من الصعب أن نغير طريقة تعداد الزمن نظرا لأنه رهينة مسار الكواكب؟ في هذا الإطار، يشرح لنا المؤرخ الأستاذ المحاضر في جامعة “غرب باريس نانتير لاديفونس”، برونو دوميزيل، كيف اكتسب تقويمنا الزمني تركيبته بالاعتماد على آلاف الطرق لتداول الوقت أو الزمن.
تزامنت عدة تقويمات وتعايشت فيما بينها، مما يجعل من الصعب الاطلاع عليها جميعها
هل بدأنا العمل فعلا بالتقويم الزمني منذ تاريخ الحضارة الرومانية؟
لقد تم تثبيت التقويم الزمني خلال عهد الإمبراطورية الرومانية على غرار العديد من الاشياء الأخرى، لدرجة أننا نستطيع القول من منطلق الحضارة، إننا لا نزال في العهد الروماني. وحتى نكون واضحين أكثر، سعد التقويم الزمني الذي نعمل به الآن في الأصل تقويما يونانيا رومانيا. فعندما تم ترسيخ التقويم اليولياني خلال سنة 48 قبل ميلاد المسيح، استعان يوليوس قيصر بعلماء من الإسكندرية ينتمون للعالم اليوناني. ويحيل ذلك إلى أن التقويم الروماني تم استلهامه انطلاقا من التصورات اليونانية القديمة التي اعتمدت بدورها على طرق احتساب زمني تعود للعهد المصري.
أما فيما يتعلق بالتغييرات التي جاء بها يوليوس قيصر، فقد كانت تصب في خندق المصلحة العلمية، حيث تم اعتماد 365 يوما عوضا عن 355 يوما بالنسبة لعدد أيام السنة، كما ابتداع سنة كبيسة كل أربعة سنوات. وبالتالي، يرتكز التقويم الذي رسخه يوليوس قيصر على احتساب 365.25 يوما حسب نسق دوران الأرض حول الشمس. كما يمكن اعتبار ذلك أيضا إصلاحا أو تغييرا ذا بعد سياسي، لتمكينه من تحديد أيام العطل. وقد كان لهذا الأمر تأثير على إيقاف عمل المحاكمات وتأخير اعتماد الإجراءات الإدارية أو انطلاق المعارك، أي أن هذا التغيير الزمني يعد برمته آلية سياسية.
أي أن يوليوس قيصر اخترع التقويم الزمني السياسي؟
هذا غير صحيح، فقد كان هذا التقويم متداولا في السابق، تحديدا خلال حرب البيلوبونيز. وقد أوضح المؤرخ ثوسيديديس، من جهته، أنه لا يمكن تأريخ الأحداث دون الاعتماد على الفصول، حيث كانت كل مدينة مقاتلة تعمل على الحفاظ على تقويمها الزمني الخاص بها لكي تختلف عن منافسيها. وقد تواصل العمل وفقا لهذا المنطق عبر الزمن. ولكن في وقت لاحق، وتحديدا خلال القرن السادس ميلادي، عمل ملك القوط الشرقيين على فرض تقويمه الزمني على ملك البرغنديين مهديا إياه ساعة.
عملت روما بدورها على احتساب التقويم الزمني معتمدة على تحديد تاريخ عيد الفصح، ولكن ذلك كان صعبا، نظرا لأن الأمر يرتبط بحدث يرتكز على التقويم القمري
في ظل التقويم اليولياني ونهاية العصور القديمة وبداية العصور الوسطى، يمكننا أن نجزم بأن هذه الفترة اتسمت بتنوع التقويم الزمني؟
في الواقع، تزامنت عدة تقويمات وتعايشت فيما بينها، مما يجعل من الصعب الاطلاع عليها جميعها. ففي المدينة نفسها، يختلف التقويم الذي تنتهجه الكاتدرائية عن التقويم الذي تنتهجه السلطة السياسية. كما يختلف الإيقاع الزمني حسب نوعية المهنة، على غرار المهن القضائية. وللتوضيح أكثر، تغلق المحاكم أبوابها خلال مواسم الحصاد، أو جمع العنب، أو خلال الاحتفال بأعياد ميلاد أعضاء العائلة الإمبراطورية. ومن وجهة نظر دينية، تتشابه التقويمات الزمنية اليهودية والمسيحية فيما بينها. في المقابل، تختلف الأوقات الهامة في السنة حسب أعياد القديسين ضمن المجتمع المسيحي. كما لا يجب أن نتغافل عن التقويمات الزراعية التي يتماشى نسقها مع نسق الفصول والأعمال الفلاحية في الحقول، علاوة على أن هذه التقويمات تتسم بأعيادها الخاصة على غرار الاحتفال بعيد ليلة القديس يوحنا.
خلافا لذلك، كان الإمبراطور الروماني واقعيا جدا، حيث تسامح مع اليهود الذين لا تتماشى أعيادهم مع عطلة يوم السبت، كما احترم الأعياد الوثنية. في الأثناء، كان الجانب الاقتصادي يحتل الأولوية المطلقة، ففي حال هدد سوء الأحوال الجوية مواسم الحصاد، يتم مباشرة إيقاف جميع الاحتفالات بالأعياد لإنقاذ المحصول. ومن بين كل هذه التقويمات المتبعة، يفرض المذهب الكاثوليكي تعاليمه الزمنية على حساب التقويم اليولياني. ولسائل أن يسأل، كيف برز هذا التطور على مستوى التقويم الزمني؟
لقد برز ذلك خلال عهد الإمبراطور قسطنطين (310-337)، الذي يعد أول من اعتنق المذهب الكاثوليكي، حيث مزج بين العهد الروماني والعهد المسيحي في تقويم واحد. وخلال القرن الرابع، اعترف الأباطرة بالأعياد المسيحية وقاموا بدمجها في التقويم الزمني. ولكن التحدي الأكبر، كان يتمثل في تحديد يوم العطلة الأسبوعية: هل يجب اتخاذ يوم الخميس (يوم يوبيتر)، أو يوم الأحد الذي يعد يوم المسيح؟ ومباشرة، تم اتخاذ يوم الأحد في القانون الروماني ليكون عطلة أسبوعية. ولكن، لم يدخل ذلك حيز التنفيذ إلى أن بادر أحد أحفاد الملك كلوفيس بتغيير قوانين فرنسا في سنة 595، ويقر العمل بيوم الأحد على اعتباره عطلة أسبوعية.
تنوعت طرق تعداد السنوات، حيث اعتمد العديد من الكتاب خلال ذلك العصر على النسبية التاريخية، واتخذوا من اعتلاء إمبراطور، أو ملك، أو رئيس دير، الحكم نقطة انطلاق
عملت روما بدورها على احتساب التقويم الزمني معتمدة على تحديد تاريخ عيد الفصح، ولكن ذلك كان صعبا، نظرا لأن الأمر يرتبط بحدث يرتكز على التقويم القمري، يجب دمجه ضمن التقويم الشمسي. بالإضافة إلى ذلك، تعددت العراقيل أمام إقرار هذا الإجراء، حيث لا يتماشى العمل باعتبار يوم الأحد يوم عطلة مع اليوم ذاته لعيد الفصح اليهودي. وبغض النظر عن هذا الصراع مع التقويم اليهودي، كانت روما تعمل على فرض سلطتها على العالم المسيحي.
اعتنقت أيرلندا المسيحية خلال القرن الخامس ميلادي واعتمدت طريقة حساب مغايرة إلى حدود سنة 664. وبلا شك، تسبب ذلك في فقدانها لبعض الخصوصيات. أما في شبه الجزيرة الإيبيرية، رفضت مملكة غاليسيا اعتماد أسماء الأيام المقررة في التقويم المسيحي بما أنها ذات رمزية وثنية، على غرار إطلاق اسم “مارس” (آلهة الحرب) على يوم الثلاثاء، أو “ميركوري” على يوم الأربعاء. ولذلك، تقرر تعداد الأيام بما يتماشى مع التسميات البرتغالية “سيغوندو فييرا” تعني بالبرتغالية يوم الاثنين، “وتيريسا فييرا” تعني يوم الثلاثاء.
ألم يتم اعتماد تعداد السنوات انطلاقا من ميلاد المسيح بعد مفاوضات طويلة؟
في الحقيقة، اقترح هذه الفكرة رجل دين يوناني خلال القرن السادس، ولكن وجب انتظار القرن الموالي لكي يقر مؤرخ ينتمي للعالم الأنجلوسكسوني، يدعى بيدا المكرم، تعداد السنوات انطلاقا من ميلاد المسيح اعتمادا على ما يروى من أحداث. في السابق، كان من المقرر أن يتم العمل بتاريخ خلق الكون حسب التقويم اليهودي، ولكن هذا التاريخ يعد بعيدا جدا، كما من شأنه أن يتسبب في خطأ في عملية الحساب. وخلال القرن السادس، اعتمد المؤرخ “غريغوري دو تور” هذا التقويم حتى يدون تاريخ الملك كلوفيس. وبالتالي، يمكننا القول إن بعض مراحل حياة هذا الملك غير مؤكدة.
لم يتبن الأرثوذكس التقويم الغريغوري الذي جاء به البابا غريغوري الثامن نظرا للفارق الزمني بين التقويمات المعتمدة.
تنوعت طرق تعداد السنوات، حيث اعتمد العديد من الكتاب خلال ذلك العصر على النسبية التاريخية، واتخذوا من اعتلاء إمبراطور، أو ملك، أو رئيس دير، الحكم نقطة انطلاق. ففي الواقع، يصبح هامش الخطأ أكبر، عندما يقع تأريخ وثائق وفقا للعديد من الشخصيات. فعلى سبيل المثال، يبدو أن أحد الرهبان، الذي دون تاريخ بناء دير “دو كلوني” قد أخطأ التقدير في أحد التواريخ التي سجلها. ولا زلنا لا نعلم إلى حد الآن هل تم تشييد هذا الدير في سنة 909 أو 910 ميلادي.
لا يعتبر الأول من يناير/كانون الثاني حدثا دينيا، فلماذا يتم اعتماده؟
في عهد الإمبراطورية الرومانية، عرف عن هذا اليوم أنه يتم خلاله تعيين سفراء الإمبراطورية والاحتفال بالآلهة الوثنية “جانوس”، وهي مناسبة توزع فيها الهدايا. ومع بداية العصور الوسطى، أوضح عدة قساوسة من خلال العضات التي يلقونها أن ذلك يعد طقسا وثنيا، في حين أن تبادل هدايا رأس السنة الجديدة يفقد هذا اليوم طابعه الديني. لذلك، اقترح البعض تغيير هذا الاحتفال بهذا اليوم حسب ما يتماشى مع حساب عيد الفصح المسيحي. وعلى الرغم من ذلك بقي يوم غرة يناير/كانون الثاني مرجعا تاريخيا.
هل يمكن أن نربط القطيعة التي جدت داخل المذهب الكاثوليكي، والانقسامات بين الأرثوذكس والبروتستانت بالاختلاف في التقويمات الزمنية؟
تعود الانقسامات بين هذه المذاهب أساسا إلى كل من حركة الإصلاح الغريغوري، وسقوط القسطنطينية عاصمة الإمبراطورية الرومانية في الشرق على يد الصليبيين سنة 1204. فقد رفض الأرثوذكس تطبيق أية قرارات تأتي من روما. وخلال سنة 1582، لم يتبن الأرثوذكس التقويم الغريغوري الذي جاء به البابا غريغوري الثامن نظرا للفارق الزمني بين التقويمات المعتمدة. إضافة إلى ذلك، وخلال حركة الإصلاح البروتستانتي، رفض أتباع لوثر بدورهم العمل بالتقويم الغريغوري لكي يعبروا عن معارضتهم لروما.
ينقل التاريخ من خلال التركيز بشكل أقل على تحديد الزمان بشكل دقيق، على غرار ما اكتسبناه من معلومات عن إيقاف شارل مارتيل لتقدم العرب في معركة بلاط الشهداء سنة 732 ميلادي
ولكن لم يدم ذلك طويلا، حيث يرتكز هذا التغيير أيضا على أساسيات علمية، ولعل من أبرزها أن التقويم اليولياني يحترم مبدأ أن الأرض تدور حول الشمس في 365.25 يوما، أي أن هذا الوقت أطول من باقي الحسابات بدقائق. وعلى مر السنين، خلق ذلك فارقا في التوقيت بمقدار عشرة أيام إضافية. ومباشرة، عمد غريغوري الثامن إلى إلغاء العمل بهذا التقويم خلال شهر تشرين الأول/أكتوبر سنة 1582، واستأنف العمل بنظام السنوات الكبيسة لكي يتجنب الوقوع في مشكلة بسبب هذا الفارق.
كيف تفسر سبب تداول تقويمنا الغريغوري في العالم أجمع؟
من بين الأسباب، يمكن أن نذكر “مجمع ترنت” الذي عقد بين سنتي 1545 و1563 في جو من الحروب الدينية والتوسعات الاستعمارية. فقد كان الهدف من انعقاد هذا المجمع توحيد تعاليم الكاثوليكية. وقد انتشر العمل بهذا التقويم في أوروبا نفسها إلى حدود القرن التاسع عشر، حيث عاش الأوروبيون داخل مجتمع محلي أوروبي وواقع حتم سهولة انتشار تطبيق هذا التقويم. ولا يجب أن ننسى أهمية الحجة العلمية، نظرا لأن التقويم الغريغوري يتبع جيدا مجريات السنة الشمسية، وهذه الحجة تعد بلا شك السبب الأول في رواج هذا التقويم.
يعود رواج هذا التقويم أيضا إلى تبسيطه لعملية تسجيل الأحداث، الأمر الذي سهل أيضا مهمة المؤرخين؟
في الوقت الحاضر، ينقل التاريخ من خلال التركيز بشكل أقل على تحديد الزمان بشكل دقيق، على غرار ما اكتسبناه من معلومات عن إيقاف شارل مارتيل لتقدم العرب في معركة بلاط الشهداء سنة 732 ميلادي، التي لا ننكر أنها غير مؤكدة. ولكن الأهمية، في الواقع، تكمن في سرد الأحداث في علاقتها بغيرها من الأحداث، مما يعطي معنا للمنطق الذي أعتمد لعملية التأريخ النسبية في العصور الوسطى. فضلا عن ذلك، يساعد هذا الأمر المؤرخ في تحديد الوقت الذي عاشه الأشخاص خلال ذلك العصر، مما يشير إلى أنه لا معنى لمفهوم الألف سنة، نظرا لأنه قد تم تغييرها واعتماد مصطلح “الألفية”. ولعله من الأفضل أن لا نقول إننا قد دخلنا سنة 2018، بل من المثير للاهتمام أكثر أن نقول إننا نعيش السنة الأولى من حكم ماكرون.
المصدر: ليبيراسيون