بدأت تونس عامها الجديد، بزيادات جديدة في أسعار عديد المواد، ضمن حزمة من الإصلاحات الاقتصادية التي تسعى من خلالها سلطات البلاد للحدّ من تفاقم الأزمة الاقتصادية التي تعيش على وقعها منذ سنوات.
زيادات من شأنها أن تؤثّر سلبا على مناحي حياة المواطنين التونسيين كافة خاصة محدودي الدخل، إذ إنها ستزيد من استنزاف القدرة الشرائية للمواطنين بشكل أكبر، خاصة وأن حزمة الزيادات تعدّ الأقسى على الإطلاق.
زيادة أسعار المحروقات
استقبل التونسيون أول يوم من سنة 2018، بزيادات رسمية في أسعار المحروقات، وذلك في سياق حزمة إصلاحات وإجراءات تقشفية لخفض عجز الموازنة وتقليص النفقات، وحددت وزارة الطاقة والمناجم والطاقات المتجددة التونسية، في بيان صحافي، أسعار البيع الجديدة للمواد البترولية، بداية من منتصف الليل أوّل أمس.
وأشارت الوزارة إلى زيادة البنزين الخالي من الرصاص خمسين مليما، ليصبح السعر الجديد 1800 مليم للتر(0.7333 دولار)، مع زيادة الغازوال من دون كبريت (الرفيع) خمسين مليما، ليصبح السعر الجديد 1560 مليما للتر (الدينار التونسي يساوي ألف مليم). وقررت الوزارة زيادة الغازوال العادي خمسين مليما، ليصبح السعر الجديد 1280 مليما للتر، فيما رفعت الوزارة أسعار غاز البترول المسال (الغاز المنزلي) بنحو 300 مليم، ليصبح السعر الجديد 7700 مليم للقارورة.
تخضع أسعار المحروقات في تونس إلى آلية التعديل الآلي التي دخلت حيز التطبيق منذ سنة بتوصيات من صندوق النقد الدولي
ويتوقع أن توفّر هذه الزيادات ذلك موارد إضافية بقيمة 900 ملیون دينار، إذ اعتمد قانون الموازنة فرضية تسعير برميل النفط بـ 54 دولارًا مقابل 53 دولارًا محققة في 2017، مع اعتماد سعر صرف الدولار عند حدود 2.6 دينار للدولار الواحد مقابل 2.4 دينار للدولار في العام الحاليّ.
وسبق أن أقرت الحكومة بداية شهر يوليو/تموز الماضي، تعديلات على أسعار البيع للعموم لبعض المواد البترولية، وطال التعديل أصناف البنزين الخالي من الرصاص بزيادة مئة مليم ليصبح السعر الجديد 1750 مليم/لتر، أي 0.729 دولار، والغاز والسولار دون كبريت بزيادة تسعين مليمًا ليصبح السعر الجديد 1510 مليم/لتر، أي ما يعادل 0.629 دولار، والغاز والسولار العادي بزيادة تسعين مليمًا ليرتفع الثمن الجديد إلى 1230مليم/لتر، أي في حدود 0.512 دولار.
ارتفاع أسعار الوقود
وتخضع أسعار المحروقات في تونس إلى آلية التعديل الآلي التي دخلت حيز التطبيق منذ سنة بتوصيات من صندوق النقد الدولي، حيث تقع مراجعة الأسعار في اتجاه الخفض أو الرفع أو الإبقاء على السعر المعتمد مرة كل ثلاثة أشهر، بحسب سعر البترول في السوق العالمية وتداعياته على الميزان التجاري وموازنة الدولة، ووفق دراسات اقتصادية تونسية، تستنزف المحروقات ما لا يقل عن 70% من نفقات الدعم الموجه للمواد الاستهلاكية.
زيادة في جلّ المواد الاستهلاكية
إلى جانب ذلك، ستشهد أسعار جلّ المواد الاستهلاكية وبجميع أنواعها ارتفاعا بسبب الزيادات في كل من القيمة المضافة بجميع أصنافها وأيضا الزيادة في معاليم الاستهلاك بالإضافة إلى ارتفاع كلفة الانتاج بسبب ضرائب إضافية أو مساهمات ستكبدها بدورها الشركات عام 2018.
وستشمل الزيادات أساسا كل السلع الاستهلاكية المستوردة، أو تلك التي تعتمد مستحضرات مستوردة وأساسا مواد التجميل والأدوية والمشروبات الكحولية والمواد الغذائية والسيارات والملابس وغيرها من السلع الاستهلاكية، وستتراوح معاليم الاستهلاك بعد تعديلها بمقتضى قانون المالية 2018 بين أدناها 10 % وأقصاها 334 % وهي كلفة إضافية ستتأثر بها بشكل مباشر الأسعار النهائية للمنتجات بالأسواق الاستهلاكية.
أحدثت تونس مساهمة عامة اجتماعية بنسبة 1% على الدخل الخاضع للضريبة
وستتأثر الأسعار بشكل عام بزيادة نسب الأداء على القيمة المضافة بجميع اصنافها بـ 1 %، علما وأن نسب الأداء على القيمة المضافة تتوزع على 3 أصناف وهي نسبة الـ 18 % التي سترتفع إلى 19 % (تشمل السلع الأكثر استهلاكا) ونسبة 12 % التي سترتفع إلى 13 % و6 % والتي أصبحت 7 % بداية من أمس الاثنين.
وانطلاقا من أمس، بدأت تونس أيضا في توظيف معاليم إضافية على خدمات الهاتف والانترنت لتصبح 0.140 دينار عن كل دينار أو جزء من الدينار مفوترًا أو مستخلصًا بدلاً من 0.100 دينار، بالإضافة إلى معاليم على العقود والكتابات والوثائق الادارية وتتراوح بين أدناها 600 مليم وأقصاها 25 دينار عن كل عقد أو صفحة، فضلا عن فرض معاليم إقامة بالنزل السياحية تتراوح بين دينار و3 دنانير بحسب صنف الفنادق وهي كلفة اضافية سيتكبدها المواطن.
ومن الإجراءات الأخرى التي بدأت السلطات في تطبيقها بداية السنة، إحداث مساهمة عامة اجتماعية بنسبة 1% على الدخل الخاضع للضريبة، وسيقع توظيف هذه المساهمة على أساس سد العجز في الصناديق الاجتماعية التي تشكو عجزًا ماليًا فاق 1.9 مليار دينار (791 مليون دولار)، وفق البيانات الرسمية.
زيادات أخرى منتظرة
لن تتوقّف الزيادات في تونس عند هذا الحدّ، فمن المنتظر أن تمتدّ أيضا في قادم الأيام، لبعض المواد الأساسية المدعومة من قبل الدولة، من بينها الخبز ومياه الشرب والشاي والقهوة، وسبق للحكومة أن أكّدت أنها ستضطر لمراجعة أسعار بعض السلع والخدمات المدعمة، لكبح الزيادة في نفقات الدعم خلال السنة المقبلة. وخصصت الحكومة التونسية في الموازنة الجديدة 3.5 مليار دينار لنفقات الدعم، وهو تقريبا نفس المبلغ المقدر للدعم خلال 2017؛ وتعتبر منظومة الدعم في تونس آلية أساسية لدعم المقدرة الشرائية للتونسيين وتحقيق العدالة الاجتماعية بين مختلف شرائح المجتمع من خلال إعادة توزيع الدخل الوطني والمحافظة على الطاقة الشرائية للفئات ذات الدخل الضعيف.
زيادة منتظرة في الخبز
ويتولى الصندوق العام للتعويض ضبط كلفة بعض المواد بهدف الضغط على أسعارها وجعلها في مستويات مقبولة، ويتم تعديل أسعار البيع للعموم لتغطية ارتفاع تكاليف إنتاج المواد المدعمة جزئيًا مع الأخذ بعين الاعتبار مستوى الدخل ومراعاة الإمكانات التي يمكن تعبئتها لتغطية كلفة الدعم. وتمثل ميزانية صندوق الدعم 1.7% من الناتج الداخلي الخام للبلاد و5% من ميزانية الدولة ونحو 26% من نفقات الاستثمار، وهو ما أثر سلبًا على الموازنات المالية العامة للدولة.
وبحسب بيانات رسمية فقد تجاوزت ميزانية الصندوق العام للتعويض (صندوق الدعم) قرابة الضعف في الفترة بين 2011 و2017، حيث قفزت من 730 مليون دينار (300 مليون دولار) إلى نحو 1.6 مليار دينار (640 مليون دولار) مقابل حصول الطبقات الضعيفة على 12% فقط من هذه الميزانية، فيما يذهب الباقي إلى الطبقات الغنية والفنادق والمطاعم.
مزيد من إرباك المواطن
هذه الزيادات التي تأتي ضمن حزمة إصلاحات “موجعة” بدأت الحكومة التونسية في اعتمادها؛ لتغطية العجز الذي تشهده ميزانية الدولة، من المنتظر أن تزيد من استنزاف القدرة الشرائية للمواطنين بشكل أكبر، خاصة وأنها تعدّ الأقسى على الإطلاق. ووفقًا لإحصائيات رسمية تراجعت المقدرة الشرائية للمواطن التونسي في السنوات الأخيرة بأكثر من 42%، نتيجة انخفاض معدلات النمو الاقتصادي، وهو ما يُجبر الأسر التونسية على اللجوء إلى التداين بمختلف أنواعه لسد نفقات الحياة الضرورية.
ارتفاع نسبة التداين لدى التونسيين خلال الخمس سنوات الأخيرة إلى أكثر من 50% من الدخل الفردي السنوي
ويبرز تراجع إمكانيات التونسي من خلال كثرة التداين وتراجع الادخار، وتشير إحصائيات جامعة المصارف إلى أن ثلثي حسابات التونسيين البنكية في الدائرة الحمراء، رغم أن التوصيات الموجهة للبنوك تفيد بالتقليص من السحب على المكشوف، نظرًا لعدم توفر السيولة. وتفيد احصائيات رسمية، بارتفاع نسبة التداين لدى التونسيين خلال الخمس سنوات الأخيرة إلى أكثر من 50% من الدخل الفردي السنوي، تذهب جميعها لتسديد ديون المعيشة اليومية، وهو ما يؤكّد تدهور القدرة الشرائية لمعظم التونسيين.
لئن أقرت الحكومة التونسية هذه الإجراءات القاسية، رغبة منها في الخروج من أزمة البلاد الاقتصادية، فإنها ساهمت بطريقة أخرى في مزيد ارباك المواطنين والتضييق عليه، في ظل عدم قدرتها على التوفيق بين الزيادة في الأسعار والترفيع في القدرة الشرائية للمواطن.