أصحاب الشركات والمنازل الكبيرة ليسوا فقط الوحيدين الذين يتعرضون للسرقات، المتاحف والمعارض الفنية والقطارات.. أو أي أبنية أخرى تمتلك أي سلعة قمية، هي هدف مفتوح للسرقة؛ بل حتى الأشخاص من جميع الأعمار والمراتب المادية قد يتعرضون للسطو، أو القتل من أجل السطو، ولو حتى من أجل شيء تافه.
هناك عدد كبير من المحتالين على مر التاريخ، بعضهم لديه شعبية كبيرة، أو يتمتعون بحب أو تعاطف بعض أفراد الشعب، والآخرون وجدوا فقط من أجل إثارة الفوضى. دعونا الآن نلقي نظرة سريعة على أشهر اللصوص في التاريخ.
1- جيسي جيمس
شاب عشريني وسيم، قد يصفه البعض بـ”روبين هود” العصر الحديث، لما اشتهر به من “شرف”، ورُبما يرجع ذلك لعلاقة الصداقة التي ربطته بـ “ماجور إدواردز” وهو صحافي عمل على تسويق صورة إعلامية مثالية، كلص يسرق من الأغنياء فقط.. لكن هل كان جيسي جيمس كذلك؟
من لا يعرف “جيسي جيمس”، هو زعيم عصابة أمريكي، وسارق بنوك، وقاتل أيضًا، حارب في الحرب الأهلية الأمريكية بجوار الجنوبيين، قيل أنه جُرح بطلق نادري من الشماليين تحت غطاء الهدنة، فاتجه إلى السطو، وأُعلن كأحد الخارجين عن القانون، أسس عصابته عام 1867، والتي سرت العديد من المصارف، والقطارات، وهاجمت عربات البريد، والمحال التجارية.
كانوا يتفاخرون بعدم سرقتهم لصديق أو قس، أو امرأة، أو جنوبيًّا؛ ورُبما يكون هذا صحيحًا، ورُبما لا يكون، فهناك رواية تقول أن “جيسي” سرق ساعة قس؛ قائلًا أن يسوع لم يملك ساعة!
لكن من الناحية الأخرى سنجد أن اجتياح الشماليين للجنوب، وسرقتهم لها، وزج أهلها في السجون؛ كل هذا كان له أثر كبير في كراهية جيسي لهم، كذلك معاملتهم القاسية للمجندين السابقين، وكرههم الصريح لفلاحي الجنوب. كذلك فرضت السكك الحديدية رسومًا باهظة على الناس، مما أدى إلى كراهية الحكومة، وأصبح “روبن هود” هذا العصر.
استمر صديقه “ماجور” في كتابة مقالات عنه في جريدة “كانساس سيتي تايمز”. ومن أشهر الحكايات المروية هي دخوله لمنزل أرملة فقيرة طالبًا للقليل من الطعام؛ ليكتشف أن زوجها كان انفصاليًّا، وأن المصرف يطلب منها دفع مبلغ كبير من المال. هنا يعترض “جيسي” جامعي أموال الأرملة بعد خروجهم من منزلها، ويسرق منهم ما يحملوه من أموال.
كان “جيسي” رجل عائلة طيب، لا يشرب الخمر، كما تعلم في مدرسة معمودية، وكان لطيفًا دائمًا، ورُغم سرقته للأشرار من وجهة نظره؛ إلا أنه لا يوجد دليل واحد أنه أعطى أموالًا للفقراء.
كانت نهاية جيسي مأساوية للغاية، لكنه على عكس المتوقع لم يُقتل في إحدى سرقاته؛ بل قُتل عن طريق أقرب أصدقائه “روبرت فورد”، برصاصة في مؤخرة رأسه، عندما كان ينفض الغبار عن صورته المعلقة فوق أحد حوائط منزله. تناولت العديد من الأعمال السنيمائية شخصية جيسي جيمس، ومن أهمها فيلم “اغتيال جيسي جيمس”.
قَدَّم “براد بيت” شخصية “جيسي جيمس” في فيلمه السنيمائي “اغتيال جيسي جيمس” (The assassination of Jesse James)، عام 2007.. وهو الفيلم الذي يعتبره “براد بيت” من أفضل ما قدمه.
2- نيلسون ذو الوجه الطفولي
“الوجه الطفولي” سلاح اجتماعي قوي، العيون الواسعة، التي تستطيع الحصول على مساعدة الغرباء في لحظة، المظهر الجدير بالثقة، الممتلئ بالبراءة، والصدق، والدفء، الذي يكون في العادة أقل عُرضة للإدانة، أو لإصدار أحكام مشددة تجاهه؛ لكنه في كثير من الأحيان يكون الأكثر شراهة لارتكاب الجرائم.
ليستر جوزيف جيلس، المعروف باسم “جورج نيلسون”، هو سارق بنوك شهير، اشتهر بلقب “ذو الوجه الطفولي” بسبب مظهره الرقيق، ورُغم هذه الرقة إلا أنه كان مسؤولًا عن قتل عددًا كبيرًا من عملاء مكتب التحقيقات الفدرالي، كما عُرف بتعطشه للدماء، وعنفه المستمر.
في سن السابعة ألقي القبض على “نيلسون” بعد إطلاقه الرصاص بمسدس وجده عن طريق الخطأ على فك زميله؛ مما أدى إلى مكوثه لمدة عام كامل في الإصلاحية. في سن الـ 13 ألقي القبض عليه من جديد بسبب سرقة، ثم أُرسل إلى مدرسة جنائية لمدة 18 شهرًا إضافيًّا.
انتسب “نيلسون” إلى إحدى العصابات أثناء مراهقته، ثم أصبح بعد ذلك زعيم العصابة. بعد وقت قصير أصبح نيلسون وعصابته عصابة سطو مسلح، ويشاركون في الجريمة المنتظمة. عام 1930 سرق “نيلسون” أول بنك له، وبعد ذلك بدأ في السطو على البيوت وسرقة المجوهرات بشكل منتظم، فقد سرقوا مجوهرات زوجة عمدة شيكاغو “بيل طومسون”، بقيمة 18 ألف دولار.
قُبض على “نيلسون” خلال شتاء عام 1931، وحُكم عليه بالسجن؛ لكنه نجا منه أثناء نقله إلى سجن آخر عام 1932. استمرت أعمال “نيلسون” الإجرامية، حتى أصيب 17 إصابة إثر مطاردة، ورُغم أنه تمكن من الهرب مع زوجته، إلى أحد المنازل الآمنة في شارع “والنوت” بـ”ويلميت”. لكنه مات متأثرًا بجروحه إلى جوارها في الفراش.
3- جون هربرت ديلينجر الابن
أشهر سارق بنوك في الغرب الأمريكي، في بداية ثلاثينات القرن العشرين، وازدادت شهرته بسبب فترة الكساد الأمريكي، حيث أن الشعب الأمريكي كان يلقي باللوم على البنوك؛ باعتبارها سببًا أساسيًّا للكساد الاقتصادي.
تحول “جون هربرت” إلى بطل شعبي لإعطائه الأموال التي يسرقها للفقراء، مما جعله نسخة شبيهة بـ”روبين هود”. سرق لأول مرة في مدينة “مورسفيل”، ثم ألقي القبض عليه وسُجن تسع سنوات. وبعد ذلك بفترة ساعده بعض النزلاء على الفرار، ثم شكلوا سويًّا عصابة سطو، قبض عليه من جديد، ثم سُجن في سجن “كراون بوينت”، وهو من أكثر السجون الحصينة، لكنه نجح في الهرب منه، بواسطة “مسدس خشبي منقوش”!
بعد انخراطه في عصابة جديدة استأنف سرقاته للبنوك، حتى وشت به إحدى صديقاته المقربات. وقد حولت قصته إلى فيلم “أعداء الشعب” (public enemies)عام 2009، حاز على عددًا من الجوائز، وقام ببطولته الممثل الشهير “جوني ديب”.
4- الأم باركر
هل كانت الأم باركر فعلًا امرأة خارجة عن القانون؟.. هل شاركت ودبرت لكل تلك الجرائم التي وقعت؟ هذه أسئلة لا يستطيع أحد الإجابة عنها.
إنها “كيت باركر” أو كما يدعونها “الأم باركر”.. مجرد إمرأة عادية، نشأت في أسرة محافظة متدينة، تؤمن بالتقاليد والقيم، تزوجت وأصبحت أمًا لأربعة أولاد “فريد، آرثر، هيرمان، لويد”، طردت زوجها السكير عديم الفائدة، أو رُبما هجرها هو، ويبدو أن محاولتها لتربية أولادها الأربعة كانت على قدر كبير من الصعوبة؛ حيث بدأ صغارها في ارتكاب الجرائم واحدًا تلو الآخر، حاولت كيت اخراجهم من الإصلاحية عن طريق رجاء رجال الشرطة.
بين سرقات السيارات والبنوك، ومكاتب البريد، والخطف، والاشتباكات المسلحة ضد الشرطة تنوعت جرائم عصابة “باركر”. تنوعت كذلك نهاية العصابة بين انتحار “هيرمان”، وقتل “فريد وكيت” على يد رجال مكتب التحقيقات الفيدرالي”، بينما قُتل “آرثر” على يد رجال الشرطة عند محاولته الهروب من السجن، بينما “لويد” تمكن من تحسين سلوكه لكن انتهى به المطاف قتيلًا على يد زوجته المختلة.
لا يوجد دليل حقيقي يثبت انضمام “كيت” إلى العصابة، فهي أولًا وأخيرًا “أم”، رافقت أولادها، حتى في إجرامهم، اهتمت بهم، وكانت تحاول دائمًا إنقاذهم.
هل كانت على دراية بما يفعلونه؟ بكل تأكيد كانت على دراية، مما يجعلنا بشكل ما مشاركة في تلك الجرائم.. بعض المصادر تتحدث حول كونها العقل المُدبر لكل هذه الجرائم، ولكن هذا سيكون صعبًا للغاية؛ فهي لم يكن لها صورة واحدة في سجلات الشرطة، لا بصمة واحدة كذلك، مما يجعل تلك الصورة المأخوذة عنها تبدو “خيالية”، أو مُجرد صورة وضعها رجال مكتب التحقيق الفيدرالي ليبرروا قتلهم الخاطئ لتلك المرأة.
رُغم هذا كانت حكاية “الأم باركر” مادة خام للكتاب والمؤلفين المسرحيين، ومؤلفي السيناريو، وأيضًا مؤلفي الأغاني؛ حيث أن الفرقة الشهيرة “بوني إم” قدمت أغنية بعنوان “الأم باركر”، ونالت هذه الأغنية شهرة واسعة عام 1977.
5- بوني وكلايد
كلايد الجذاب بشعره الكثيف وعينيه العسليتين، وبوني البارعة الجمال؛ إنهما الزوج الأمريكي الشهير.. خارجان عن القانون، وسارقان.. عُرفا بجرائمهما البشعة في ثلاثينات القرن الماضي.
عانى “كلايد” من حياة فقيرة، أدت إلى ظهور ميوله السادية في تعذيب جميع الكائنات الحية المحيطة به، تعرف إلى بعض اللصوص الصغار وخالطهم، منذ ذلك الوقت بدأ كلايد في السرقة، كانت أول سرقاته هي سيارة، بعد ذلك بدأ بعمليات سطو منتظمة.
وكانت بوني تسعى لحياة المغامرة، طموحها كبير.. أكبر من عملها كمجرد نادلة.. قابلت “كلايد” عام 1930، وأصابهما العشق من النظرة الأولى، شعرت بوني أنها ستحقق كل ما تتمنى إلى جوار “كلايد”، وبعد وقت قصير أصبحت “بوني” عضوة أساسية في عصابة “كلايد”، تقود السيارة، بينما يقتحم كلايد وعصابته الأماكن المخطط سرقتها.
ورُغم تعرض “كلايد” للسجن؛ إلا أن “بوني” انتظرته، حتى أطلق سراحه ضمن برنامج إطلاق السراح المشروط بعد مرور سنتين فقط، لكن “كلايد” عاد للسرقة من جديد، ولم يتوقف الأمر على السرقة فقط، بل بدأ يردي الشرطة قتلى، مما جعل البنوك تُظهر المال في اللحظة التي يعرفون فيها أن السارق هو “كلايد”… كانت سلسلة جرائم “بوني وكلايد” منتظمة وسريعة، بحيث لم يستطع رجال الشرطة لفترة طويلة توقعها أو وقفها.
لمع اسمهما، وبدأت أخبارهما تنتشر في الصفحات الأولى للصحف المحلية والإقليمية، وبعد جهد كبير من الشرطة تمكنت الشرطة أخيرًا عام 1934 من إطلاق النار عليهما بشكل كثيف، عدد وقدره 167 طلقة، مزقت 50 منهم جسدا “بوني وكلايد”.
في عام 1967 أنتجت الولايات المتحدة الأمريكية الفيلم الدرامي “بوني وكلايد”، الذي حاز على جائزة الأوسكار لأفضل ممثلة مساعدة، وجائزة الأوسكار لأفضل تصوير سنيمائي. وهو فيلم جدير بالمشاهدة، من بطولة “فاي دنواي” بدور “بوني”، و”وارن بيتي” بدور “كلايد”.