أحيانًا ما يساور المرء عند الاستيقاظ من النوم شعور مبهم، ومهيمن، بأن هناك شيء ما مفقود لا يدري كنهه.. لكنه كان موجود هناك فحسب منذ قليل.. قبيل استيقاظه. هذا هو ما عليه فيلم اسمك kimi no Na wa رائعة المخرج الياباني ماكوتو شينكاي الجديدة.
منذ ظهور شينكاي الأول عام 2002م بفيلمه القصير المستقل ’’ أصوات من نجم بعيد Hoshi no Koe‘‘، مرورًا بفيلمه الطويل الأول ’’ المكان الموعود، وراء الغيوم Kumo no Mukō, Yakusoku no Basho‘‘ وصولًا لفيلم ’’ كيمي نو نا وا‘‘ أكدوا على مكانته كمخرج شاب وواعد في عالم صناعة الأنمي وهو ما جعل البعض يصفه بـ ميازاكي جديد.. ولكن المتتبع الجيد لأعمال شينكاي يعرف إنها لا تتشابه مع أفلام ميازاكي.. فيقول شينكاي في أحدى حوراته ’’ من الصعب ألا تتأثر بميازاكي، لقد شاهدت فيلم لابوتا وأنا في المرحلة الإعدادية.. إنه أول فيلم أشاهده بنقودي الشخصية.. لم أري ساعتها شيء شبيه به.. الآن، إنني لا أريد أن أصنع أفلام مثل أفلامه ولكنني أريد أن أحقق ذات الأثر الوجداني والعاطفي الذي تركه في نفوس الناس ومتابعيه مثلما فعل معي.‘‘
إيتوموري هي بلدة متخيلة تعيش فيها بطلتنا ميتسوها، بلدة تكاد تخلو من صخب المدينة وبهرجتها
لا شك أن شينكاي أخذ خطوة عملاقة نحو تحقيقه لهذا الحلم، إذ حقق الفيلم ثاني أعلى إيرادات في تاريخ أفلام الأنمي اليابانية بعد فيلم ميازاكي الحائز على الأوسكار سبيرتد أوي، بإيرادات تجاوزت 355 مليون دولار.
اسمك هو فيلم رومانسي كوميدي يتسع تصنيفه ليشمل أفكار وتيمات من حقول آداب الفانتازيا والخيال العلمي كتبادل الأجساد، والانتقال عبر الزمن، وقد استغل شينكاي تلك الأفكار جيدًا لتعزيز وتصوير المشاعر أبطاله بطريقة يتماهي معها الجمهور.
الحلم بحياة ثانية!
إيتوموري هي بلدة متخيلة تعيش فيها بطلتنا ميتسوها، بلدة تكاد تخلو من صخب المدينة وبهرجتها، فلا يوجد مقهي يمكن تقضية وقت فراغها فيه، هذا النمط الهادئ والثقيل لبلدة إيتوموري ملئا ميتسوها بالتبرم والتذمر على الحياة هنا، فهي تطمح لأن تتخرج من مدرستها الثانوية وتنتقل إلى طوكيو. هذا الملل والتبرم سيدفعها لاحقًا – وبعد أحدى المواقف المحرجة- أن تصرخ للسماء ’’ لقد مللت الحياة في هذه البلدة، أرجوك أجعلني فتى وسيمًا يحيا في طوكيو في حياتي التالية.‘‘
لينقلنا شينكاي في المشهد التالي مباشرة وببراعة إلي طوكيو حيث نجد ميتسوها وقد تحولت بالفعل إلي شاب وسيم يعيش في طوكيو.. تعتقد ميتسوها إن ما يحدث معها هو حلم جميل فتتصرف على هذا الأساس.
بالنسبة لتاكي، فهو ليس حلم بل كارثة، فميتسوها تصرف مدخراته على المقهي برفقة صديقيه ما يدفعه للعمل أكثر.
عندما سئل شينكاي عن كيف جاءته فكرة العمل قال بإنه يريد أن يصنع فيلمًا عن فتى يقابل فتاة، ولكنه لم يرغب أن يحدث اللقاء عند بداية الفيلم بل نهايته
وهنا تتكشف الحقيقة لكلاهما.. إن ما يحدث ليس حلمًا.. بل حقيقة، فهما لسبب لا يعرفان كنهه يتبادلا أجسادهما مع بعض بشكل مفاجئ بضعة مرات في الأسبوع.. وهو ما جعلهما يتفقان لوضع قواعد فيما بينهما عندما يحدث ذلك.
وقد برع شينكاي في استغلال تلك الفكرة في خلق كوميديا مبنية على الارتباك والاضطراب في تبادل الأجساد، فتاكي في جسد ميتسوها لا يتراجع عمن يسيء أو يسخر منه، بينما ميتسوها في جسد تاكي تخطط له موعد غرامي مع رفيقته في العمل أوكيديرا.
ولكن فجأة تنتهي حالة تبادل الأجساد بعد أن تكونت عاطفة ومشاعر دافئة تجاه كلاهما الأخر، وهو ما يدفع بهما للبحث عن شقه الأخر.. ليكتشف تاكي إن ميتسوها ماتت مع بقية قاطني بلدته في حادثة شهيرة عند سقوط المذنب منذ ثلاثة أعوام.. ليأخذ الفيلم منحى تراجيدي في نصفه الأخير.
الحلم بحياة جديدة!
عندما سئل شينكاي عن كيف جاءته فكرة العمل قال بإنه يريد أن يصنع فيلمًا عن فتى يقابل فتاة، ولكنه لم يرغب أن يحدث اللقاء عند بداية الفيلم بل نهايته.. أراد أن يكون تركيز الجمهور منصب على كلًا من الفتى والفتاة وأن يقع الجمهور في حبهما وإن تعزز تلك المشاعر عناصر الفانتازيا والخيال العلمي.
فنجد تاكي بعد اكتشافه لمأساة بلدة إيتوموري وإدراكه إن التبادل حدث بفجوة قدرها 3 سنوات يحاول العثور على طريقة لإنقاذ ميتسوها ولكن هذه القدرة الغرئبية، السحر الحادث فيما بينهما، له آثر جانبية تجعل ضباب النسيان يزحف على ذاكرة تاكي وميتسوها.
إن جوهر التراجيديا والمأساة التي ينسجها الفيلم منذ البداية هو أن ما يحدث أشبه بالأحلام – لقد أعتقدوا ذلك بالفعل- وكحال كل الأحلام فلا يمكنك الاحتفاظ بذاكرة قوية عنها، وشيئًا فشيء تتسرب من بين أصابع الذاكرة لتتحول إلي رؤي مبهمة.. لشيء لم تعد واثقًا إن كان حقيقة أم لا .. هكذا هو الحال مع ميتسوها وتاكي.. ينسى كلاهما اسم الأخر..ينسى ذكرى الأخر.. ومن هنا يأتي عنوان الفيلم ” اسمك..” للإشارة على الصراع مع الذاكرة، والجهد المضنى المبذول لتذكر اسم الشخص الذي لا يجب نسيانه.. الذي لا يجدر نسيانه.
يشير شينكاي إلي أحدى عبارات الفيلم تقول” لن تعرف أبدًا، ربما تختفي طوكيو في الغد” تلك الجملة التي تبدو قد تبدو عبارة وسط الفيلم يعيد تسليط الضوء عليها، فحادثة الزلزال عام 2011م وانفجار مفاعل فوكوشيما غير من طريقة تفكيره، لقد بات هناك اعتقاد سائد بين أوساط اليابانيين بإنه يمكنك أن تخسر الحياة اليومية العادية دون سابق إنذار، ويتابع شينكاي: لهذا أردت أن اكتب قصة استشفاء، فأنت لا تستطيع أن تغير الماضي في الحياة الواقعية، ولكن بمقدورك تغييره في نطاق الأفلام.