مع اقتراب نهاية الولاية الرابعة للرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، اشتد الصراع بين أجنحة السلطة في البلاد، بشكل أصبح ظاهرًا للعيان بعد أن كان يمارس في الخفاء، فلا تمر مناسبة دون أن تُطل هذه الصراعات على الجزائريين بوجهها السيئ.
هذه المرة، تجلى الصراع في مسألة خصخصة مؤسسات القطاع الحكومي التي تحولت إلى سجال محتدم بين الوزير الأول أحمد أويحي وقيادة حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم على رأسهم الأمين العام للحزب جمال ولد عباس.
اجتماع موازٍ لـ”الثلاثية”
يلتقي الأمين العام لحزب “جبهة التحرير الوطني” (أكبر كتلة في البرلمان الجزائري) جمال ولد عباس، اليوم الأربعاء، في مقر الحزب، كلاً من الأمين العام للاتحاد العام للعمال الجزائريين عبد المجيد سيدي سعيد، ورئيس منتدى رؤساء المؤسسات علي حداد، بعد أيام قليلة من لقاء مماثل جمع الأخيرين برئيس الحكومة أحمد أويحي.
قال ولد عباس في تصريح منفصل، إن حزبه من أوجد القطاع العام في البلاد وسيدافع عنه لأنه يمثل وجهًا من أوجه نضالات الحزب
ومن المنتظر أن يؤكد ولد عباس خلال هذا اللقاء المرتقب، رفضه فتح رأس مال الشركات العامة أمام الاستثمار الخاص الذي أُعلن عنه أخيرًا في اجتماع الثلاثية (الحكومة والاتحاد العام للعمال الجزائريين ومنتدى رؤساء المؤسسات)، حيث اعتبر ولد عباس في وقت سابق القطاع العام “إستراتيجي لا يمكن المساس به”.
وسبق أن قال ولد عباس: “الرئيس عبد العزيز بوتفليقة يقف شخصيًا على حماية القطاع العام والمؤسسات العامة المحمية دستوريًا باعتبارها تمثل سيادة الوطن، خاصة المؤسسات الإستراتيجية منها على غرار الشركة الجزائرية للخطوط الجوية وشركة السكك الحديدة وشركات النفط”، كما قال أيضًا في تصريح منفصل، إن حزبه من أوجد القطاع العام في البلاد، وسيدافع عنه لأنه يمثل وجهًا من أوجه نضالات الحزب.
انقسام كبير بين أجنحة السلطة
هذا الاجتماع الثلاثي المزمع عقده اليوم، يعكس حسب عديد من الخبراء، وجود انقسام كبير بين أجنحة السلطة في البلاد، ويؤكد حدة الصراعات الدائرة في مراكز القرار في المستقبل السياسي للبلاد، مع اقتراب موعد نهاية ولاية عبد العزيز بوتفليقة.
الأمين العام لجبهة التحرير الوطني جمال ولد عباس
واعتبر عديد من المتابعين للشأن السياسي في البلاد، هذا الاجتماع بمثابة “الأداة الرقابية” الممارسة من ولد عباس في وجه حكومة أويحي الذي ما فتئ يقدم نفسه في كل مناسبة يخرج فيها كرجل دولة، خاصة أنه يأتي في وقت اشتد فيه الصراع بين الطرفين على خلافة الرئيس بوتفليقة الذي يقضي الآن فترة ولايته الرابعة.
وتضمن الاتفاق المبرم بين “الثلاثية” في الـ23 من شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي، فتح المؤسسات المتوسطة أمام الاستثمارات الخاصة، على أمل إعطاء دفع جديد لها، بعد فشل عمليات سابقة لمسح ديونها وضخ أموال جديدة للنهوض بوتيرتها الإنتاجية، والمساهمة في نمو الاقتصاد المحلي، في ظل الأوضاع الصعبة التي تمر بها البلاد.
تتخوف هذه القوى من تكرار خصخصة المؤسسات الاقتصادية العمومية التي جرت في التسعينيات من حكومة كان يقودها رئيس الحكومة الحاليّ أحمد أويحيى
ولم يحدد الاتفاق طبيعة تلك المؤسسات ولا دفتر الشروط الذي يخص عملية الخصخصة ولا مستقبل اليد العاملة المنتسبة لها، واجتماع “الثلاثية” هو لقاء يجمع الحكومة الجزائرية مرتين في السنة، بأكبر تنظيم نقابي في البلاد هو الاتحاد العام للعمال الجزائريين، إضافة لمنظمات أرباب العمل، وتم إطلاقه عام 1991.
وتعارض عديد من الأحزاب السياسية والمنظمات الوطنية في الجزائر، الخصخصة الجزئية للمؤسسات الاقتصادية العمومية، وتتخوف هذه القوى من تكرار خصخصة المؤسسات الاقتصادية العمومية التي جرت في التسعينات من حكومة كان يقودها رئيس الحكومة الحاليّ أحمد أويحي، وانتهت إلى إفلاس تام لهذه المؤسسات التي تم بيعها بالدينار الرمزي، وعددها 40 ألف مؤسسة وأدت إلى تسريح 130 ألف عامل خسروا وظائفهم خلال تلك الفترة
هل يرحل أويحي؟
بهذا الاجتماع المرتقب، تحول ملف خصخصة مؤسسات القطاع الحكومي، إلى سجال محتدم بين الحكومة وقيادة حزب جبهة التحرير الوطني الحاكم الذي يعد الرئيس بوتفليقة رئيسًا شرفيًا له، فبينما أبدت الحكومة التي يرأسها أحمد أويحي تحمسها لفتح المؤسسات العمومية أمام الاستثمار الخاص، أبدى جمال ولد عباس، مخاوفه من تكرار تجارب سابقة انتهت بالفشل وبيع الممتلكات العمومية بالدينار الرمزي.
ويرى مراقبون أن هذه المواجهة بين ولد عباس وأويحي، ستعجل برحيل هذا الأخير من قصر الدكتور سعيدان، حيث لم يسبق لحزب الغالبية الحاكم أن سوق لخطوات قد تُفسَر كـ”عدم ثقة” في مشروع رئيس الحكومة، وهو ما حدث هذه المرة بخصوص مسألة الخصخصة.
وتسعى أوساط مقربة من الرئاسة الجزائرية إلى الضغط على أويحي الذي وصل إلى منصب الوزير الأول للمرة الرابعة في تاريخه في الـ15 من شهر أغسطس/آب 2017، بغية تقليم أضافره، والحد من طموحه في الوصول إلى قصر المرادية واعتلاء سدة الحكم، خلفًا لبوتفليقة الذي يعاني أزمات صحية متكررة.
الوزير الأول أحمد أويحي
ويرى عديد من المراقبين، أن طموح أحمد أويحي زعيم التجمع الوطني الديموقراطي (ثاني أكبر حزب في الجزائر وحليف جبهة التحرير الوطني)، في الفوز بالرئاسة الجزائرية خلفًا للرئيس بوتفليقة الذي وصل لسدة الحكم سنة 1999، سيصطدم بإرادة حاشية بوتفليقة والماسكين بزمام الحكم.
ورغم اعتماد بوتفليقة على أويحي في رئاسة الحكومة كلما ظهر منافس له على الرئاسة، فإن هذه المرة سيكون الدور عليه، وسيلقى الوزير الأول نفس مصير من سبقه في هذا المنصب، فقد تجاوز، حسب خبراء، الخط الأحمر الذي لا يسمح لأحد بالاقتراب منه.