تشير الأحداث الأخيرة في المنطقة إلى أن مرحلة جديدة في مواجهة قوى ما يُعرف بـ”الإسلام السياسي” بدأت لمحاصرة وإنهاء رصيد تلك القوى، بعد أن أُنهكت في حرب مفتوحة مع قوى الثورة المضادة التي ركزت حربها على الحركات والجماعات الإسلامية باعتبارها من أهم حوامل الربيع العربي، بالإضافة إلى المخاطر التي يشكّلها هذا التوجه على الأنظمة الاستبدادية في المنطقة، حيث مرّت العلاقة بين الجانبَين بمراحل من الصراع، مع توفر قدرات تنظيمية مؤثرة لدى تلك القوى تمكّنها من التشغيب على المنظومة القائمة.
ويبدو أن الأنظمة العربية ومن خلفها بعض الأوساط الغربية تحاول تسريع الخروج من حقبة الربيع العربي عبر إخراج حوامله من المشهد، وعلى رأسها قوى الإسلام السياسي، خاصة بعد معركة “طوفان الأقصى” التي حرّكت الشوارع العربية، ولا يكاد يختلف المراقبون على أنها ستؤثر سياسيًّا واجتماعيًّا على شعوب المنطقة، الأمر الذي يمثل متنفّسًا للقوى الإسلامية التي تتبنى خطابًا متقدمًا يمثل نبض الشارع العربي في تعاطفه مع القضية الفلسطينية، وهو ما تخشاه المنظومة الإقليمية بعد أن قطعت شوطًا في إنهاك تلك القوى.
وفي هذا السياق، تبرز التطورات الأخيرة في الدول التي تحتفظ فيها القوى الإسلامية برصيدها السياسي والاجتماعي، كجزء من عملية تصفية ما تبقى من حوامل الربيع العربي، في ضربات استباقية توجَّه إليها قبل أن تبدأ بحصاد ثمار مواقفها المتوائمة مع تطلعات الشارع في تلك الدول، في ظل عجز أنظمتها عن مواكبة المواقف الشعبية الغاضبة من السياسات الحكومية الداخلية والخارجية.
الكويت
في 10 مايو/ أيار أصدر أمير الكويت، الشيخ مشعل الأحمد الجابر الصباح، مرسومًا أميريًّا حل بموجبه مجلس الأمة، وعلّق بعض مواد الدستور لمدة 4 سنوات، بعد أسابيع قليلة من فوز قوى الإسلام السياسي بأغلبية مقاعد المجلس.
ورغم أن الأمير علّل مرسومه بحالة الفوضى والخلل في العملية الديمقراطية الناتجة عن خلافات المجلس مع الحكومة سابقًا، إلا أن هذا المجلس لم يجرِ أي جلسة حيث أُجّلت جلسته الأولى إلى 14 مايو/ أيار، ما يؤكد حقيقة تاريخية وهي أن عمليات حل المجلس غالبًا ما ارتبطت بصعود قوى الإسلام السياسي في البلاد، وهو ما أكدته النتائج الأخيرة.
ولحق المرسوم اعتقال السلطات للنائب الإسلامي السابق وليد الطبطائي، الذي أكد في منشور وجود ارتباط بين قرار حل المجلس وتدخلات خارجية، في إشارة إلى زيارات واتصالات قام بها الأمير قبيل قراره إلى عدد من الدول الخليجية والعربية، خاصة الاتصال من الرئيس الإماراتي الذي أعرب فيه عن “وقوف الإمارات إلى جانب الكويت بكافة الإجراءات والقرارات التي اتخذتها للحفاظ على استقرارها”، في إشارة إلى المرسوم الأميري، ومن المعروف الدور الريادي لابن زايد في الحرب على الإسلام السياسي.
ولا يستبعد مراقبون أن تذهب الكويت إلى ما هو أبعد عبر حل الحركة الدستورية الإسلامية (الجناح السياسي للإخوان المسلمين) وجمعية الإصلاح الاجتماعي، وهو ما قد يحدث أيضًا في الأردن الذي باتت تتردد أنباء فيه عن توجُّه لدى بعض الأوساط القيادية للتضييق على الإخوان وحظرهم.
الأردن
مثّلت التسريبات التي نُشرت خلال الأيام الماضية عن خلايا من الإخوان المسلمين متواطئة في أعمال مسلحة مخطط لها في الأردن، مؤشرًا قويًّا على أن هناك مزيدًا من الإجراءات للتضييق على الجماعة ستُتّخذ، خاصة أن هذه الخطوات بدأت بالفعل عندما اقتحمت القوى الأمنية الأردنية مقر قناة “اليرموك”، الناطق الرسمي لجبهة العمل الإسلامي (الإخوان)، وقامت بإغلاقها واعتقال عدد من العاملين فيها.
وباتت تطفو على السطح دعوات من جهات أردنية مختلفة لحظر جماعة الإخوان ومنعهم من المشاركة في الانتخابات البرلمانية المقبلة، والتي يفصلنا عنها 4 أشهر، وقد تذهب القيادة لهذا الخيار مدفوعة بارتفاع رصيد الجماعة ممثلة بجبهة العمل الإسلامي، بفعل مواقفها المتقدمة ممّا يجري في غزة، خاصة أن قدراتها تنامت على تحريك الشارع الأردني والتأثير فيه بشكل ملحوظ، وربما سيضطر الأردن للتناغم مع الإقليم أكثر فيه حربه على القوى الإسلامية.
واستهجنت جماعة الإخوان الأردنية في بيان زجّ اسمها في الأخبار عن عمليات تهريب الأسلحة إلى خلايا داخل المملكة، وقالت: “إن نشر مثل هذه الأخبار في هذا التوقيت خلفه نوايا وأهداف مقصودة لا تريد بالأردن خيرًا، وتسعى لخلط أوراق المشهد الوطني”.
سوريا
النظام السوري بدوره لم يغب عن المشهد، فقد سُرّب قرار لوزارة الأوقاف التابعة له قبل أيام تعتمد فيه كتابًا في نقد الإسلام السياسي تحت عنوان “إخوان الشياطين: جذور مشبوهة وثمار ممسوخة” للتدريس في الجامعات والمدارس والمعاهد، ولاعتماده من قبل كل العاملين في السلك الديني في الدروس والمحاضرات والخطب التي تلقى في المساجد والمعاهد.
ورغم أن النظام السوري بدأ حربه على القوى الإسلامية في وقت مبكر، إلا أنه يحاول من خلال إظهار المزيد من الجهود في هذه الحرب أنه أكثر انسجامًا مع الإقليم الذي يبحث عن نقاط تلاقي معه في مساحات مشتركة للعمل، في حين يستغل التيار الصوفي التقليدي الذي تتلاقى نظرته الانعزالية عن العمل السياسي مع مصلحة نظامه المستقتل على الانفراد بالحياة السياسية، وهو ما تفعله الأنظمة العربية خاصة في الإمارات ومصر اللتين تدعمان هذا التوجه الديني لإيقاف مدّ الإسلام السياسي.
فرنسا
في وقت تواصل “إسرائيل” ومن خلفها الولايات المتحدة الأمريكية مساعيها لاجتثاث حركة حماس، إحدى أكثر قوى الإسلام السياسي تنظيمًا وتأثيرًا، وباعتبارها حركة تحرر وطنية، تعمل الحكومات الأوروبية على ملاحقة نشاطات ومؤسسات ومراكز القوى الإسلامية، وليس آخر المساعي الأوروبية قرار الحكومة الفرنسية إسناد مهمة إعداد تقرير عن “الإسلام السياسي في فرنسا وحركة الإخوان المسلمين” إلى اثنين من المسؤولين، سيقومان بتقديمه في الخريف المقبل.
حسب بيان وزارة الداخلية، فإن هذه المهمة التي يقودها الدبلوماسي المتقاعد فرانسوا غوييت، الذي كان سفيرًا في أكثر من دولة عربية، والمحافظ باسكال كورتاد، تهدف إلى إعداد “جرد لتأثير الإسلام السياسي في فرنسا” معتبرةً أن “مكافحة النزعة الانفصالية تتطلب فهم هذه الظاهرة برمّتها، وإدراك المؤسسة السياسية التي تمثلها”.
ما سبق يؤكد أننا نعيش فصلًا جديدًا من فصول الحرب على الإسلام السياسي، بغضّ النظر عن دوافع وأهداف العاملين عليه والذرائع التي تتلحّف بها الأنظمة، لتقويض تلك القوى واستهدافها وإخراجها من المشهد العام.