قدمت ممثلة الأمين العام للأمم المتحدة في العراق جنين بلاسخارت، آخر إحاطة أممية لها أمام مجلس الأمن الدولي مساء الخميس، عن الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية في العراق، لتكتب بذلك آخر فصول مهامها الأممية في بغداد، والتي بدأت في عام 2018.
وحرصت بلاسخارت في إحاطتها الأممية الأخيرة على تسليط الضوء على أبرز الجوانب الإيجابية في العراق، وتحديدًا على المستوى السياسي والاقتصادي، في محاولة منها ترك أثر إيجابي لمهمتها في العراق، بعد أن دخلت في صدامات سياسية مع العديد من القوى السياسية في العراق، بسبب تقاريرها الدورية التي ترفعها لمجلس الأمن عن الوضع في العراق بالمرحلة السابقة.
وقالت بلاسخارت في آخر إحاطة إلى مجلس الأمن الدولي بشأن العراق: “إننا في العام 2024 نشهد عراقًا آخذًا في التطور وبسرعة، كما نشاهد وجود نهضة في مجالات تقديم الخدمات والإعمار على مختلف الصعد”.
وشددت المبعوثة الأممية على ضرورة الإسراع في انتخاب رئيس جديد لمجلس النواب العراقي، بالقول: “مع التصويت القادم للبرلمان الذي من المتوقع الآن أن يجري بعد غد السبت، هناك أمل في أن تتم تسمية الرئيس الجديد عاجلًا”، وأشارت إلى أن “الجمود السياسي لا يزال يعرقل تشكيل الحكومة المحلية في محافظتَي ديالى وكركوك، رغم مرور 5 أشهر على إجراء انتخابات مجالس الحافظات”.
وقبل الإحاطة الأخيرة لها، كان هناك توجُّه سياسي عراقي لإنهاء مهمة البعثة الأممية في العراق بالتوازي مع نهاية مهمة بلاسخارت، إذ وجّه رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني الأسبوع الماضي رسالة إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، طالب فيها الأمم المتحدة إنهاء عمل البعثة الأممية في العراق (يونامي)، والتي بدأت منذ عام 2003، وأشار السوداني في رسالته إلى أنه “وبعد 20 عامًا من التحول الديمقراطي، والتغلب على التحديات المختلفة، لم تعد أسباب وجود بعثة سياسية في العراق قائمة”.
وحدد السوداني موعدًا بنهاية ديسمبر/ كانون الأول 2025 كي تنهي بعثة الأمم المتحدة مهامها السياسية في العراق، ويُذكر أن خطوة السوداني جاءت بعد ضغط وإلحاح من قوى الإطار التنسيقي، لوضع حدّ للتقارير السياسية التي ترفعها بلاسخارت إلى مجلس الأمن الدولي، والتي تساهم بطريقة أو أخرى في تقويض تجربة الحكم لقوى الإطار التنسيقي، من خلال ما تحمله هذه التقارير من انتقادات سياسية لقوى الإطار وسلاح الفصائل المسلحة، وإظهار الوضع الاقتصادي والاجتماعي في البلاد بصورة مبالغ بها.
حظي طلب السوداني بإنهاء عمل بعثة الأمم المتحدة في العراق بترحيب كل قوى الإطار التنسيقي، وتحديدًا زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي
ويمكن القول إنه بعد نجاح قوى الإطار التنسيقي في دفع بلاسخارت إلى إعلان مغادرتها للعراق في 16 مايو/ أيار الجاري، بعد أن تمّ عزلها سياسيًّا من خلال إيقاف كل أشكال التنسيق معها، فإن قوى الإطار التنسيقي تعمل على إكمال الجزء الثاني من هذه المهمة، وهي إنهاء مهام كامل البعثة.
إذ تدرك قوى الإطار التنسيقي أن طبيعة المهام التي تقوم بها بعثة الأمم المتحدة في العراق، شكّلت كابحًا سياسيًّا للعديد من الإجراءات التي تحاول القيام بها، سواء على مستوى العلاقة مع إقليم كردستان، أو المدن المحررة من سيطرة “داعش”، أو الملفات المتعلقة بحقوق الإنسان وحرية التعبير، والملفات الأخرى التي تدخّلت بها البعثة الأممية.
أهداف غير معلنة
يشير طلب قوى الإطار التنسيقي من السوداني إلى وضع حدّ لعمل البعثة الأممية للعمل بهامش سياسي أكبر بعيدًا عن الرقابة الدولية، كما أن الفصائل المسلحة، وتحديدًا المقربة من إيران، تجدُ في استمرار عمل البعثة تقويضًا لجهودها العسكرية في الساحتَين العراقية والسورية، وذلك نظرًا إلى الانتقادات المتكررة التي قدمتها بعثة الأمم المتحدة في العراق، لسلوك هذه الفصائل في نقل السلاح وتجارة المخدرات، وانتهاك حقوق الإنسان في العراق أو عبر الحدود مع سوريا.
شهد مطلع العام الجاري صدامات متواصلة بين قوى الإطار التنسيقي وممثلة الأمين العام للأمم المتحدة، بسبب تحميل قوى الإطار التنسيقي مسؤولية الفشل السياسي والاقتصادي في البلاد
كما أن السوداني هو الآخر سئم من الانتقادات المتكررة لبعثة الأمم المتحدة، وبدأ يجد في عملها مدخلًا لتقويض فرص حصوله على ولاية ثانية، خصوصًا في ظل مراهنة السوداني على الدعم الأمريكي والأوروبي في المرحلة المقبلة، ومن ثم إن استمرار عمل البعثة سيؤثر بشكل أو بآخر على هذه الفرصة.
هذا التوافق السياسي بين السوداني وقوى الإطار التنسيقي، يظهر حرص الطرفَين على التخلُّص من الحرج الدولي الذي تسبّبه تقارير البعثة الأممية، وهو حرج يقوّض بشكل كبير من شرعية النظام السياسي في العراق، وهو ما يحاول الطرفان تجاوزه عبر إنهاء عمل البعثة.
إذ حظي طلب السوداني بإنهاء عمل بعثة الأمم المتحدة في العراق بترحيب كل قوى الإطار التنسيقي، وتحديدًا زعيم ائتلاف دولة القانون نوري المالكي، الذي اعتبر أن وجود بعثة الأمم المتحدة لا يقل تأثيرًا عن وجود القوات الأمريكية في العراق، ومن ثم لا بدَّ من إنهاء كل أشكال الوصاية على العراق من أجل العمل بحرّية بعيدًا عن الضغوط الدولية.
البحث عن نفوذ أكبر
تواصل قوى الإطار التنسيقي ترسيخ قبضتها على كامل المشهد السياسي في البلاد، وهذه المرة عبر إنهاء كل أشكال الرقابة الدولية في العراق، فمّما لا شك فيه أن التقارير السياسية المتواصلة التي ترفعها بلاسخارت بصورة دورية إلى مجلس الأمن الدولي، ساهمت في تقويض الشرعية السياسية لقوى الإطار التنسيقي، عبر إظهارها على أنها جزء من تحالف واسع يضمّ قوى الفساد والسلاح المنفلت ومعضلة الفساد في البلاد.
إذ شهد مطلع العام الجاري صدامات متواصلة بين قوى الإطار التنسيقي وممثلة الأمين العام للأمم المتحدة، بسبب تحميل قوى الإطار التنسيقي مسؤولية الفشل السياسي والاقتصادي في البلاد، وممّا لا شك فيه أن بلاسخارت أثارت بدورها المرتبك في العراق العديد من الانتقادات.
إنهاء عمل بعثة الأمم المتحدة في العراق سيدفع قوى الإطار التنسيقي إلى المضيّ قدمًا في تطبيق العديد من السياسات الحكومية دون رادع
فقد ظهرت في أحيان منتقدة للنظام السياسي في البلاد، ثم بدور المؤيد لسلوكيات سياسية، إلى جانب علاقاتها المتقلبة مع قادة الفصائل المسلحة في البلاد، إلى الحد الذي دفع العراقيين إلى إطلاق لقب “الخالة” عليها، نظرًا إلى العلاقات المتميزة التي ربطتها برئيس أركان الحشد الشعبي عبد العزيز المحمداوي، المعروف بـ”أبو فدك” والملقّب بـ”الخال”.
ورغم ذلك، فإنها ساهمت بشكل أو بآخر في خلق ضابط دولي على سلوكيات حكومة الإطار التنسيقي، ولعلّ هذا السلوك هو ما دفع قوى الإطار التنسيقي إلى إنهاء دورها في العراق، رغم محاولات ترويضها من قبل بعض قادة الإطار التنسيقي، وتحديدًا هادي العامري الذي حاول لعب دور ضابط الإيقاع بينها وبين قادة الإطار التنسيقي.
إجمالًا، إن إنهاء عمل بعثة الأمم المتحدة في العراق سيدفع قوى الإطار التنسيقي إلى المضيّ قدمًا في تطبيق العديد من السياسات الحكومية دون رادع، كما ستتخلص الفصائل المسلحة من الرقابة الدولية على سلوكياتها، سواء داخل العراق أو عبر أدوارها العابرة للحدود، وهو ما سينعكس سلبًا على حالة الاستقرار السياسي والأمني في البلاد.