يبدو أن “إسرائيل” اختارت أن يكون “التصعيد ضد الفلسطينيين” العنوان الأبرز للعام الجديد 2018، فبدأت هذا العام بالتصديق على قرارات تاريخية وخطيرة تمس الوجود والحقوق الفلسطينية، وتعلن رسميًا نهاية عملية السلام وقتل مشروع حل الدولتين الذي يتمسك به الرئيس محمود عباس حتى رمقه الأخير.
وبعد قرار “بلفور الجديد” الذي اتخذه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب باعترافه بأن القدس عاصمة للمحتل الإسرائيلي، استندت حكومة اليمين برئاسة بنيامين نتنياهو على ذلك من أجل السيطرة على باقي المدن الفلسطينية، وآخرها كان قرار حزب الليكود فرض السيادة الإسرائيلية على الضفة والقدس المحتلتين.
هذا القرار وفق ما رأته العديد من الدوائر السياسية الرصاصة الأخيرة على عملية السلام برمتها، وفي حال إقرار الكنيست للقانون فإنه يعني القضاء بصورة نهائية على خيار حل الدولتين، وسيكون السقف الذي ستقترحه “إسرائيل” على الفلسطينيين في أحسن الأحوال هو الحكم الذاتي.
وصادقت الأحد الماضي، ما تسمى بـ”اللجنة المركزية” لحزب الليكود الإسرائيلي المتطرف، بالإجماع على اقتراح فرض “السيادة الإسرائيلية” على الضفة المحتلة. وجرت الموافقة على القرار بأغلبية ساحقة بعد مناقشة استمرت لمدة ساعتين، حيث وقّع نحو 900 شخص من أعضاء الليكود بسن قانون ضم المستوطنات كافة في الضفة الغربية للسيادة الإسرائيلية، والسماح بحرية البناء الاستيطاني.
الرئيس الفلسطيني محمود عباس، سارع بإدانة “القرار العنصري”، مؤكدًا أن قرار الحزب الحاكم في “إسرائيل”، بقيادة بنيامين نتنياهو، بمثابة عدوان غاشم على الشعب الفلسطيني وأرضه ومقدساته
ويعد هذا القانون هو الأول من نوعه بعد “خطة فك الارتباط”، الذي يدعو إلى إحلال السيادة الإسرائيلية على المستوطنات كافة المقامة على أراضي الضفة الغربية المحتلة.
ونصّ الاقتراح الذي قدم في مؤتمر الليكود أنه “في الذكرى الخمسين لتحرير”يهودا والسامرة”، بما فيها القدس، عاصمتنا الأبدية، تدعو اللجنة المركزية لليكود قيادات الليكود المنتخبة إلى العمل من أجل السماح بالبناء الحر، وإحلال قوانين “إسرائيل” وسيادتها على مجمل المجال الاستيطاني المحرر في يهودا والسامرة”.
صفعة قوية
الرئيس الفلسطيني محمود عباس، سارع بإدانة “القرار العنصري”، مؤكدًا أن قرار الحزب الحاكم في “إسرائيل”، بقيادة بنيامين نتنياهو، بإنهاء عام 2017 بوضع إستراتيجية سياسية لعام 2018، تقضي بإنهاء الوجود الفلسطيني وحقوقه غير القابلة للتصرف، وفرض مشروع “إسرائيل” الكبرى على فلسطين التاريخية، بما في ذلك تصويت الكنيست على تعديل المادة 2 من القانون الأساسي حول القدس، بمثابة عدوان غاشم على الشعب الفلسطيني وأرضه ومقدساته.
وأشار عباس إلى أن “إسرائيل” ما كانت لتتخذ مثل هذا القرار الخطير لولا الدعم المطلق من الإدارة الأمريكية التي رفضت إدانة المستوطنات الاستعمارية الإسرائيلية وجرائم الاحتلال المنهجية التي يرتكبها ضد شعب فلسطين.
بدوره وصف لشيخ كمال الخطيب نائب رئيس الحركة الإسلامية في الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948، قرار الليكود بأنه من “أخطر القرارات التي سيكون لها نتائج خطيرة وسلبية على الفلسطينيين”.
طالب نائب رئيس الحركة الإسلامية الرئيس عباس باتخاذ خطوات “جريئة وحاسمة”، وقطع كل العلاقات مع الاحتلال، وإعلان صريح وواضح لحل “اتفاق أوسلو” وإطلاق يد المقاومة
وقال الخطيب إن “حكومة نتنياهو وحزبها الحاكم يثبتون دائمًا للعالم كله وخاصة للرئيس عباس، بأنهم لا يبحثون عن السلام العادل، بل إنهم مستمرون في التصعيد وفرض سياسة الأمر الواقع وانتهاج قانون القوة، بعد أن أخذت الضوء الأخضر من إدارة دونالد ترامب”.
واعتبر أن القرار صفعة موجعة لعباس الذي طالما كان يراهن على تحقيق سلام من خلال اللهث وراء المفاوضات مع “إسرائيل”، مشيرًا إلى أن هذا القرار “قلب الطاولة” على الجميع، ووضع حدًا لكل التوجهات والحلول السياسية مع حكومة الاحتلال، لتنفيذ مخطط ترامب ضمن ما يعرف باسم “صفقة القرن”.
مشيراً في الوقت نفسه إلى أن “حكومة الاحتلال أعلنت الحرب بكل أشكالها ضد الفلسطينيين، وسيكون العام الحاليّ (2018) ساخنًا للغاية بعد أن وضعت “إسرائيل” التصعيد عنوانه الرئيسي، وهذا الأمر لن يمر وسيكون له ردات فعل فلسطينية غاضبة للغاية”.
وطالب نائب رئيس الحركة الإسلامية الرئيس عباس باتخاذ خطوات جريئة وحاسمة وقطع كل العلاقات مع الاحتلال، وإعلان صريح وواضح لحل “اتفاق أوسلو” وإطلاق يد المقاومة، مضيفًا أن قرار الليكود “إنهاء للسلطة الفلسطينية وإعلان لموتها”.
في حين، قال نائب الأمين العام للجبهة الديمقراطية النائب قيس عبد الكريم أبو ليلى، إن قرار حزب الليكود بضم الضفة مبني على سياسات الرئيس الأمريكي دونالد ترمب وإدارته، داعيًا إلى اتخاذ قرارات سريعة للرد على مثل هذه القرار، وتطبيق القرارات السابقة بما في ذلك وقف التنسيق الأمني والشروع بمقاطعة الاقتصاد الإسرائيلي وطي صفحة المفاوضات واعتماد الانتفاضة والمقاومة وتدويل القضية والحقوق الوطنية.
ولا يزال المجتمع الدولي يعتبر إقامة المستوطنات في الأراضي المحتلة منذ 1967 أمرًا غير قانوني، وعقبة كبرى أمام السعي إلى سلام مع الفلسطينيين، عبر “حل الدولتين”. وتسود مستوطنات الضفة الغربية التي يقيم فيها نحو 400 ألف إسرائيلي قواعد تحددها القيادة العسكرية.
قال النائب العربي في الكنيست يوسف جبارين، إنّ القرار قد يمهد لترجمة قانونية من خلال تشريعات قادمة في الكنيست، من خلال دعمه عبر حزبي “الليكود” و”إسرائيل بيتنا”
دعاية انتخابية
النواب العرب في الكنيست قللوا من الأهمية القانونية والسياسية لقرار حزب “الليكود” بضم مستوطنات الضفة للسيادة “الإسرائيلية”، معتبرين أن الهدف من الخطوة ترميم صورة الحزب في الشارع الإسرائيلي في ظل الاتهامات التي تلاحق رئيس وزراء بينامين نتنياهو بشأن التورط بقضايا فساد.
وأكد النواب، أنّ هدف “الليكود” الحاكم، صرف أنظار المجتمع الإسرائيلي عن قضايا الفساد التي تلاحق قياداته، وكسب المزيد من الناخبين في ظل التوقعات باللجوء إلى انتخابات مبكرة في شهر مايو/أيار المقبل. ووصف النواب القرار بـ”السياسي”، محذرين من إمكانية ترجمته “قانونيًا” عبر الكنيست، لا سيما في ظل عشرات القوانين التي تسعى لتمريرها أحزاب اليمين المتطرف.
بدوره، قال النائب العربي في الكنيست يوسف جبارين، إنّ القرار قد يمهد لترجمة قانونية من خلال تشريعات قادمة في الكنيست، من خلال دعمه عبر حزبي “الليكود” و”إسرائيل بيتنا”. وذكر جبارين أن الهدف من القرار صرف الأنظار عن التحقيقات الجارية مع وزراء مركزيين، وكسب أصوات المستوطنين الذين يشكلون أغلبية في الأصوات اليمينية المتطرفة، مشيرًا إلى أن خطورة القرار تكمن في إعطائه الشرعية السياسية للقوانين في الكنيست حال نجحت الأحزاب اليمينية في تمريره هناك.
بينما رأى النائب العربي عبد الله أبو معروف، أن الأهداف انتخابية محضة، لا سيما في ظل التحقيقات التي تلاحق قيادات الحزب، مشيرًا إلى أن كل الدلائل تتجه نحو إمكانية حل الائتلاف الحاكم في حال جرى توجيه تهم رسمية لنتنياهو، وبالتالي اللجوء إلى انتخابات مبكرة في منتصف العام المقبل.
قال الكاتب والمحلل السياسي عادل شديد: “هذا المشروع يعني أن “إسرائيل” أصبحت تتعامل معها كجزء من أراضيها، الأمر الذي يعني إخراجها نهائيًا من دائرة المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية بشأن مستقبلها، وهذا يعني أن “إسرائيل” ألغت تمامًا حدود الرابع من يونيو/حزيران 1967″
وقال أبو معروف إن “المؤشرات القائمة في الكيان تتجه نحو إمكانية إجراء انتخابات في نهاية العام المقبل في أحسن الظروف، لذلك يسابق الليكود الزمن من أجل ترميم صورته وكسب المزيد من الأنصار خاصة في صفوف المستوطنين والحفاظ على ائتلافه الحاكم.
ووصف أبو معروف القرار بـ”الإعلان السياسي”، مشيرًا إلى أنه لا قيمة قانونية أو سياسية لمثل هكذا تشريعات، لافتًا إلى القوانين التي أقرتها “إسرائيل” بشأن المستوطنات في سيناء قبل حرب 73، ثم تخلت عنها بالكلية بعد الانسحاب منها. ورأى أن أي ترجمة سياسية لهذه القرارات لا تغير من الحقائق القانونية والسياسية الدولية التي تجرم الاستيطان وترى فيه خطرًا على السلم، مشيرًا إلى وجود أصوات إسرائيلية كثيرة تنادي بضرورة لجم القرارات العنصرية التي تهدد مصالح الاحتلال، ولا تنسجم مع الحالة المتطرفة لليمين الإسرائيلي.
حلم الدولة الواحدة
وتعقيبًا على تبيعيات هذا القرار قال الكاتب والمحلل السياسي عادل شديد إن “هذا القرار يعني طرح هذا المشروع، من الناحية السياسية، أن “إسرائيل” وحكومتها لم تعد تتعامل مع تلك الأراضي الفلسطينية على أنها مناطق محتلة، ولا أراض متنازع عليها، حيث أبقت مسؤوليتها الأمنية والمدنية بأيديها إلى حين يتم حسمها بالمفاوضات”.
وأضاف شديد أن “هذا المشروع يعني أن “إسرائيل” أصبحت تتعامل معها كجزء من أراضيها، الأمر الذي يعني إخراجها نهائيًا من دائرة المفاوضات الفلسطينية الإسرائيلية بشأن مستقبلها، وهذا يعني أن “إسرائيل” ألغت تمامًا حدود الرابع من يونيو/حزيران 1967 التي تسمى الخط الأخضر، ويطمح الفلسطيني، بدعم من دول كثيرة، إلى أن تكون هذه حدود الدولة الفلسطينية المستقبلية في حال إقامتها”.
وأكد شديد أن الأخطر من ذلك كله، وخصوصًا بعد زيادة القناعة لدى كثيرين من الأطراف الفلسطينية والعربية والدولية، بأن “إسرائيل” لم يكن في واردها نهائيًا حل الدولتين، لا بل إن فرض السيادة الإسرائيلية، أو القانون الإسرائيلي، على المناطق الفلسطينية المصنفة حسب اتفاقيات أوسلو مناطق (C)، سيعني أنها ستقوم بضم كثير من تلك المناطق التي تفصل المحافظات الفلسطينية عند بعضها. بل إنها بذلك تكون قد فصلت بعض القرى والمدن عن بعضها، حيث سيكون الاتصال بين تلك المناطق مع بعضها كالاتصال الحاليّ بين الضفة الغربية وقطاع غزة.
وجهت عضو الكنيست عن حزب “المعسكر الصهيوني” تسيبي ليفني، انتقادًا لقرار مركز “الليكود” الذي صادق بالإجماع على ضم الضفة الغربية لـ”إسرائيل”
وتابع حديثه: “بالتالي لن تكون السلطة والشعب الفلسطينيان قادرين على التحرك والتنقل بين تلك المناطق، إلا بعد الحصول على الموافقة الإسرائيلية، وبذلك، تكون “إسرائيل” قد بدأت في مرحلة تفكيك السلطة في الضفة وتحويلها إلى أقاليم أو محافظات غير متصلة، مما يؤدي إلى إضعاف قدرة السلطة على الاستمرار، حتى في إدارة الحياة اليومية المدنية للمواطنين في المجالات الحياتية المختلفة كالاقتصاد والتعليم والصحة، بالإضافة إلى الأمن الداخلي”.
ونوه شديد إلى أن مخاطر هذا المشروع لم تقتصر على نهاية حل الدولتين وبداية تفكك السلطة فقط، بل إن الاستمرار بتطبيق هذا المشروع ومحاولة “إسرائيل” الحصول على شرعية دولية له أو على الأقل الالتزام بالصمت، سيؤدي إلى تحويل التجمعات الفلسطينية في الضفة إلى أقفاص ومعازل غير قادرة على الحياة، في ظل الزيادة السكانية الطبيعية في المجتمع الفلسطيني.
وهنا، ستضع “إسرائيل” خيارين أمام الشعب الفلسطيني في هذه المعازل، الهجرة الطوعية إلى الخارج، وخصوصًا أنه من ضمن موازنة الحكومة الإسرائيلية الحاليّة، تم تخصيص مليار دولار، لتسهيل هجرة الفلسطينيين إلى الخارج، وتحديدًا من القدس والخليل ذات الوجود الاستيطاني الأكبر داخل الأحياء الفلسطينية.
تخبط إسرائيلي
وفي رد أولي على قرار لليكود قالت زهافا غالؤون زعيمة حزب ميرتس اليساري، إن الليكود أصيب بالجنون، موضحة أنهم يقررون ضم مليوني فلسطيني إلى دولة “إسرائيل” من دون أي عملية سياسية ودون اتفاق يؤدي إلى حل الدولتين، وقالت غالؤون إنهم يحولون “إسرائيل” إلى بوسنة جديدة. كما ووجهت عضو الكنيست عن حزب “المعسكر الصهيوني” تسيبي ليفني، انتقادًا لقرار مركز “الليكود” الذي صادق بالإجماع على ضم الضفة الغربية لـ”إسرائيل”.
رئيس مركز حزب الليكود حاييم كاتس، كان له رأي مخالف، قال إن الضفة الغربية جزء لا يتجزأ من أرض “إسرائيل” وستظل تحت سيادتها إلى أبد الآبدين
وقالت ليفني بحسب ما نقلت صحيفة “معاريف” العبرية: “وزراء الليكود سيصوتون ضد قرارهم في الكنيست، فهم في الكنيست يتحدثون باللغة العبرية لضم الضفة الغربية، ويحاولون باللغة الإنجليزية أن ينفوا التصويت على قرارهم”.
وأوضحت ليفني أن “قرار الليكود يتعارض مع مصالح “إسرائيل”، ونتنياهو يعلم ذلك جيدًا، فهو الليلة خلال التصويت خشي أن يحضر الجلسة ليقول الحقيقة لأعضاء مركز الليكود”، وأضافت: “الجميع في “إسرائيل” يعلم بأن القرار لن يطبق، فمصلحة “إسرائيل” في الانفصال عن ملايين الفلسطينيين”.
لكن رئيس مركز حزب الليكود حاييم كاتس، كان له رأي مخالف، قال إن الضفة الغربية جزء لا يتجزأ من أرض “إسرائيل” وستظل تحت سيادتها إلى أبد الآبدين، في حين أشار رئيس الكنيست يولي ادلشتاين إلى أن اعتراف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بالقدس عاصمة لـ”إسرائيل” بداية حقبة جديدة.