“ليس من السهل أن تستمع للاعب كرة قدم عُرف عنه الاستمتاع بهذه اللعبة، يحكي لك عن المرات التي أقدم فيها على محاولة الانتحار”، بهذه العبارة يستهل الصحفي جيمس داكر (التلغراف البريطانية) حديثه عن قصة اللاعب الذي انتقل بشكل مفاجئ من عز كبير وثراء فاحش، إلى حضيض الفقر وجحيم الكآبة.
لقد غدت قصة إيمانويل إيبويه على لسان كل الصحف، بعد المقابلة التي أجراها مع صحيفة الميرور البريطانية، وعلامات الحزن قد علت محياه حتى ما عاد ذلك اللاعب المتفائل الذي أحبه الكل دون استثناء، لما عُرف عنه من طيبة وخلو قلبه من ضغينة لأي شخص.
من إيمانويل إيبويه؟
إيبويه أحد أبرز اللاعبين الأفارقة الذين ارتدوا قميص أرسنال
إيمانويل إيبويه هو لاعب كرة قدم إيفواري، يشغل مركز الظهير الأيمن، وُلد سنة 1983 بالعاصمة الإيفوارية أبيدجان، ودخل عالم كرة القدم من أكاديمية “أسيك ميموساس” التي عُرفت بإنجابها لمجموعة من نجوم الجيل الذهبي للكرة الإيفوارية.
قبل أن يخطف أنظار كشافي مواهب فريق بيفيرين البلجيكي، ثم سُرعان ما انتقل إلى كبير العاصمة الإنجليزية لندن، نادي أرسنال سنة 2004، وبدأ معه مسيرة حافلة بالعطاء ليُصبح واحدًا من دعامات فريق بصم الكثير في تاريخ الكرة الأوروبية، خاصة سنة 2006 حينما نجح فريق أرسنال في الوصول لنهائي دوري أبطال أوروبا، بعد فوزه على مجموعة من الفرق الكبرى كريال مدريد ويوفنتوس.
مسيرة المجد مع أرسنال ظلت حتى سنة 2011، عندما انتقل لنادي غلطة سراي التركي، وتركه أرسنال معززًا مكرمًا كأحد كبار اللاعبين الذين مروا بتاريخ فريق المدفعجية.
مع غلطة سراي، كان إيبويه عازمًا على الاستمرار في النجاح، والفضل يعود للتشكيلة القوية التي امتلكها الفريق التركي بقيادة المدرب فاتح تريم، ومجموعة من اللاعبين المميزين كمواطنه ديدييه دروغبا، والهولندي المخضرم ويسلي شنايدر، ومع لقبي الدوري التركي اللذين فاز بهما إيبويه، كان الفوز على ريال مدريد بنتيجة 3-2 في قلب إسطنبول، أحد أكبر إنجازات غلطة سراي، حيث نجح إيبويه في تسجيل الهدف الثالث.
رفقة المنتخب الإيفواري، كان إيبويه واحدًا من أبرز لاعبي الجيل الذهبي لساحل العاج، حيث نجح في الوصول لنهائي كأس أمم إفريقيا مرتين، إضافة للتأهل لكأس العالم 2006 و2010.
كانت بدايات مشاكل إيبويه، مع المدرب الجديد لنادي غلطة سراي برانديلي الذي استغنى عن خدمات المدافع الإيفواري وألحقه بتدريبات فريق الناشئين
غير الجانب الاحترافي من حياة إيبويه، فقد عُرف عنه كذلك طيبة قلبه وإنسانيته التي جعلت خصومه يحبونه قبل أصدقائه، ناهيك عن عفويته التامة التي يحكي عنها إيبويه بنفسه قائلًا: “كنا في زيارة لقصر باكنغهام سنة 2007 من أجل مقابلة ملكة إنجلترا، قبل قدوم الملكة، أتى إليّ تييري هنري وقال لي: “أرجوك يا إيمانويل، نحن في قصر الملكة، لا نريد أي مشاكل، لا تُقدم على أي حركة غبية”، فأجبته: “لا بأس، لا تقلق”، وعندما قدمت الملكة، وصافحتنا جميعًا، لمحتُ كلابها الوليزية (الكلاب التي تربيها الملكة في قصرها)، فناديتها: “سيدتي، سيدتي”، استدارت إليّ وقالت: “كيف حالك؟”، أجبتها: “أنا بخير شكرًا، لكني لا أريد أن أكون لاعب كرة قدم بعد الآن، أريد أن أعتني بكلابك، وأخدمهم، وأذهب بهم في جولة”، ضحكت الملكة وكذلك الأمير فيليب، واستغرق زملائي بالفريق في الضحك كذلك”.
حتى مُدرب كوريا الشمالية لم يسلم من طرائف إيبويه، ففي اللقاء الذي جمع المنتخب الإيفواري بمنتخب كوريا الشمالية في كأس العالم 2010، وبينما كان المدرب الكوري يعطي بعض التعليمات لأحد لاعبيه، تدخل إيبويه بينهما مُحركًا رأسه كأنما يفهم الحديث الذي يدور بينهما، يقول إيبويه: “بعد الحادثة بأيام، التقى المنتخبان في المطار، وقدم إليّ ذلك اللاعب الكوري قائلًا لي: إيبويه هل حقًا تفهم الكورية؟ أجبته نعم، فقال لي: إذًا قل لي ما هي صباح الخير بالكورية، أجبته: “يانغ”، فما كان من اللاعب إلا أن سقط على الأرض من فرط الضحك”.
المصائب لا تأتي فرادى
إيبويه وزوجته أوريلي في بدايات اللاعب مع فريق بيفرين البلجيكي
كانت بدايات مشاكل إيبويه، مع المدرب الجديد لنادي غلطة سراي برانديلي الذي استغنى عن خدمات المدافع الإيفواري وألحقه بتدريبات فريق الناشئين، الأمر الذي يُعتبر إهانة للاعب بحجم إيبويه.
ولم يستمر الأمر طويلًا حتى غادر اللاعب عائدًا للدوري الإنجليزي من بوابة نادي سندرلاند، ثم لم يدم عقده إلا 22 يومًا فقط، قبل أن يتم فسخ عقده بعدما صدر قرار من الفيفا يقضي بحرمانه من ممارسة اللعبة لمدة سنة، بعد دعوة قضائية رفعها ضده وكيل أعماله السابق سيباستيان بواسو، بحجة عدم دفعه راتبه، ليجد إيبويه نفسه دون نادٍ، ومحروم من ممارسة الشيء الذي يعشق: كرة القدم.
توالت المصائب على إيبويه، حينما فقد في سنة واحدة جده ومربيه “أمادو” بسبب مرض السرطان، وأخاه “ندري” الذي فارق الحياة في حادثة سير، كانت صدمة قوية لإيبويه، لم يستفق منها حتى صُعق بأخرى، زوجته “أوريلي” طلبت الطلاق ورفعت دعوى في حقه مطالبة بكل أملاك طليقها، وحرمانه حق رعاية أطفاله، وكم كان الكمد شديدًا حينما صادقت المحكمة على ذلك وانتزعت كل أملاك إيبويه منه.
“حينما كنت في غلطة سراي كنت أجني 8 ملايين يورو، أبعث سبعًا منها لزوجتي، كنت معتادًا على الاتصال بابنتي، لكني الآن لم أفعل منذ شهرين، أنا أشتاق لأطفالي وأريد رؤيتهم لأن ذلك ليس عدلًا، هذا الأمر يؤلمني كثيرًا”، لقد عاد إيبويه لنقطة الصفر تمامًا، وحيدًا فقيرًا، لا شيء يجبر خاطره غير حانة فارغة في ضواحي “الأنفيلد تون” رفقة صديق هاوِ لكرة القدم، لا يفعلان شيئًا غير الشرب وتمرير الكرة بين الفينة والأخرى.
طالب مجموعة من مشجعي أرسنال من إدارة فريقهم التحرك من أجل مساعدة الشخص الذي صنع مجد ناديهم قبل عقد من الزمن
لم يؤلم إيبويه فقدان أمواله وعائلته فقط، بل أحزنه كذلك فقدان كل ذلك الكم من الأصدقاء الذين اعتادوا الالتفاف حوله أيام الاحتراف والمجد: “لا أحد اتصل بي ليواسيني غير زميلاي السابقين في المنتخب دروغبا وروماريك، حينما كان زميلي الآخر كولو توريه يواجه عقوبة الحرمان من اللعب، كنت أكلمه دائمًا، إنه الآن يعاني بعض الشيء في سلتيك لذلك أتفهم عدم اتصاله بي، أنا لن أقدم على قول شيء سيئ، فهم جميعًا بمثابة أخوتي الكبار، أنا أعرف أنهم يعلمون بمشاكلي وأتمنى أن يتصلوا بي يومًا ما، فالأمر مخيب للآمال، كنت أعتقد أن الصداقة التي تجمعني بهم أقوى، وأنهم سيحضرون في اللحظات السيئة، لكن هذه هي الحياة، علينا تقبلها”.
بداية الفرج، من تركيا
من وصيف دوري أبطال أوروبا إلى فقير يحاول الانتحار
ومع ذلك يتشبث إيبويه ببصيص أمل، لعل المعجزة تقع وينفرج الهم، يقول إيبويه: “لا أريد حلًا لوضعيتي من أجل الأموال لكن من أجل مشاعري، سأكون سعيدًا بالاشتغال مع أي فريق في تدريب اللاعبين الشباب”.
وكان أول السباقين لمساعدة إيبويه، ناديه السابق غلطة سراي الذي عرض على اللاعب الإيفواري منصب مساعد مدرب لفريق الفتيان (أقل من 14 عامًا)، يصرح فاتح تريم مدرب الفريق التركي بعد عودته مجددًا لمنصبه: “لقد وصلتنا أخبار إيبويه المؤسفة، وسنحاول مساعدته كما يفعل أي شخص مع صديقه”، كما عبر لاعبا المنتخب التركي السابق حسن شاش ونيجاتي أتيش عن دعمهما لإيبويه عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وكذلك طالب مجموعة من مشجعي أرسنال من إدارة فريقهم التحرك من أجل مساعدة الشخص الذي صنع مجد ناديهم قبل عقد من الزمن.
قد تنحل مشكلة إيبويه، لكن الدرس لن يُنسى “كل هذا المجد لن يستمر للأبد”.