يعتزم الجيش التركي شنّ عملية عسكرية واسعة النطاق داخل الأراضي العراقية، بهدف محاصرة وملاحقة مقاتلي حزب العمال الكردستاني (PKK)، في واحدة من أكبر عملياته في المنطقة منذ عقود.
تأتي هذه الخطوة بعد منح أنقرة مهلة للحكومة العراقية لطرد المسلحين قبل بدء العملية، وهي خطوة تُظهر التصميم القوي لتركيا على مكافحة هذه الجماعات على حدودها، مع تعقيدات إقليمية تتجلى في وجود فصائل مسلحة مختلفة في المنطقة المستهدفة.
عملية عسكرية مرتقبة
وشهدت الأيام والأسابيع القليلة الماضية تصعيد التهديد التركي بشنّ عملية عسكرية جديدة واسعة النطاق في مناطق كردستان العراق، وتعهّد الرئيس رجب طيب أردوغان في وقت سابق من هذا الشهر بـ”توجيه ضربة قاضية” للجماعة المسلحة، مكررًا تهديداته السابقة بتوغُّل عسكري واسع النطاق في شمال العراق هذا الصيف.
من جانبه شدد وزير الخارجية التركي، هاكان فيدان، الأربعاء الماضي 15 مايو/ أيار، على وجوب تطهير منطقة سنجار في العراق من حزب العمال الكردستاني المحظور.
وتقع سنجار بالقرب من الحدود العراقية مع سوريا، وتعتبَر من المعاقل الاستراتيجية لعناصر العمال الكردستاني الذي يقع مقره الرئيسي في شمال العراق، ويشنّ عمليات عسكرية ضد القوات التركية، وهو منظمة مصنّفة على لوائح الإرهاب.
وذكرت صحيفة “يني شفق” التركية، في 10 مايو/ أيار الجاري، نقلًا عن مصادر في وزارة الدفاع، أن القوات التركية دخلت مرحلة جديدة من العمليات المستمرة ضد حزب العمال الكردستاني (PKK) شمال العراق.
وكشفت صحيفة “حرييت” في مارس/ آذار الماضي أن القوات المسلحة التركية تخطط للقيام بعملية عسكرية برّية واسعة النطاق في شمال العراق، ضد مسلحي حزب العمال الكردستاني المحظور في البلاد.
وبيّنت الصحيفة أن العملية ستبدأ من خلال تنفيذ اجتياح برّي واسعة النطاق في المنطقة، بالتنسيق مع حكومة بغداد المركزية والإدارة الإقليمية في أربيل، وتشير الصحيفة إلى أن تركيا تخطط لإغلاق كامل حدودها مع العراق البالغ طولها 378 كيلومترًا في وجه مسلحي العمال الكردستاني، وإنشاء ممر أمني بعمق 30-40 كيلومترًا في سوريا.
وقال المتحدث باسم وزارة الدفاع، زكي أكتورك، يوم الخميس 16 مايو/ أيار، إن الجيش التركي قضى على ما مجموعه 1000 عنصر من حزب العمال الكردستاني، بما في ذلك قادة في التنظيم، في شمال العراق وسوريا منذ بداية عام 2024.
وأوضح أن قوات الأمن التركي تمكّنت من تحييد 47 عنصرًا من مسلحي الحزب في شمال العراق وسوريا خلال الأسبوع الماضي وحده.
قاعدة عسكرية جديدة
وتشهد المنطقة الحدودية المشتركة بين العراق وتركيا تحركات عسكرية غير مسبوقة، وغارات مكثفة، في مؤشر على قرب العملية العسكرية التركية المرتقبة.
ونقلت وكالة “شفق نيوز” المحلية عن شهود عيان من قرية كيستة التابعة لقضاء العمادية شمال دهوك، في 15 مايو/ أيار، أنهم لاحظوا قيام الجيش التركي ببناء قاعدة عسكرية جديدة في تل ردي المطلّ على القرية ضمن إقليم كردستان.
وأفاد الشهود بأن “الآليات العسكرية التركية تعمل ليلًا نهارًا في هذا الموقع منذ أسبوعَين، وتهبط الطائرات الهليكوبتر بين الحين والآخر”.
ويؤكد أهالي القرية أنهم اضطروا للبقاء بالقرب من منازلهم، ولا يستطيعون ممارسة أعمالهم الزراعية منذ مطلع هذا الشهر، بسبب انتشار نقاط الجيش التركي بالقرب من مزارعهم.
يذكر أن الجيش التركي قد أقام عشرات النقاط العسكرية في مناطق استراتيجية في مناطق بقضاء العمادية شمالي دهوك، وقام بإنشاء أكثر من 30 قاعدة وثكنة ومركز تدريب داخل الأراضي العراقية وعلى طول الشريط الحدودي.
أهداف أمنية واقتصادية
وتشتمل العملية التركية المرتقبة على الأجزاء الغربية من إقليم كردستان العراق هذا الصيف، على جملة من الأهداف الأمنية والاقتصادية والجيوسياسية.
وتسعى تركيا من خلال هذه العملية إلى تأمين حدودها الجنوبية، وتعزيز الأمن الوطني التركي، وأما من الناحية الاقتصادية فهي تهدف إلى توسيع التجارة والتبادل الاقتصادي مع العراق، وتأمين مسار مشروع “طريق التنمية”.
جيوسياسيًا، فتعتبَر هذه العملية خطوة استراتيجية تهدف إلى تعزيز النفوذ التركي في المنطقة، وتأكيد دورها كلاعب رئيسي في الشرق الأوسط، ما قد يؤثر على توازنات القوى في المنطقة والعلاقات الإقليمية والدولية بشكل عام.
ويرى الخبير الأمني والاستراتيجي فاضل أبو رغيف أن “هذه العملية لن تحقق أهدافها، وستزيد احتقان المشهد الأمني، ولن تقضي على العناصر المسلحة، لأن حروب المدن هي حرب عصابات ولا يمكن أن تعطي نتائج مجدية”.
ويضيف أبو رغيف في حديثه لـ”نون بوست” أن العراق لن يسمح بأن يكون قاعدة انطلاق للعدوان على أي دولة مجاورة ومتاخمة، وبالوقت نفسه يرفض أن يكون ساحة للاقتتال أو لتصفية الحسابات.
ونقلت صحيفة “ميدل إيست آي” البريطانية عن مصدر تركي مطّلع -لم تسمِّه-، أن الهدف الرئيسي لتركيا واضح للغاية، وهو إن وجود حزب العمال الكردستاني في هذه المناطق يمكن أن يشكّل تهديدًا خطيرًا لمشروع “طريق التنمية” مع العراق.
وأضاف: “كلانا يرغب في إزالة حزب العمال الكردستاني من هاتين المنطقتَين، وكذلك تأمين المنطقة لبناء المشروع، وتحقيق كلا الهدفَين في خطوة واحدة”.
ويأمل العراق وتركيا ودول الخليج العربية الانتهاء قريبًا من المشروع الذي سينقل البضائع عبر ميناء الفاو في محافظة البصرة العراقية إلى الأسواق العالمية عبر تركيا، من خلال شبكة طرق سريعة وسكك حديدية بطول 1200 كيلومتر داخل العراق.