مع دخولها اليوم السابع بات من المستقر لدى السلطات الإيرانية أن الاحتجاجات التي عمت شوارع طهران والمدن المحيطة بها لم تكن زوبعة في فنجان كما صورها البعض قبل ذلك، كونها تعكس حالة تذمر شعبي واضح تجاه السياسات التي ألقت بظلالها القاتمة على الإيرانيين.
الاحتجاجات التي خلفت حتى كتابة هذه السطور ما يقرب من 22 قتيلاً على الأقل، فضلاً عن مئات الأشخاص قيد الاعتقال، يبدو أنها تخطت الدوافع الاقتصادية التي انطلقت منها بداية الأمر، خاصة بعد تلميحات المرشد الأعلى علي خامنئي، بشأن ضلوع ما وصفهم بـ”أعداء إيران” وراء هذه الأحداث وتربصهم “لخلق عقبات أمام النظام الإسلامي”.
تحول الخطاب الإعلامي الإيراني الرسمي من تحميل الفشل الاقتصادي مسؤولية اشتعال التظاهرات إلى الجنوح إلى “نظرية المؤامرة” والتوعد بالرد بالمثل كما جاء على لسان قيادات بالجيش الإيراني، يدفع بالمشهد إلى آفاق جديدة ربما تطيل أمد تلك الاحتجاجات.
تصاعد خارج السيطرة
الكثير من المحللين لم يتوقعوا أن تصل الاحتجاجات التي انطلقت شرارتها الأولى الخميس الماضي 28 من ديسمبر/كانون الأول 2017 إلى ما وصلت إليه حتى الآن، بعد أن قاربت على أسبوع كامل من التصعيد ورفع سقف المطالب، من الإصلاح الاقتصادي وتحسين مستوى العيش إلى شعارات الإطاحة بالنظام وولاية الفقيه.
بالأمس فقط قتل قرابة 9 أشخاص خلال مظاهرات في محافظة أصفهان، لترتفع بذلك الحصيلة النهائية لضحايا الاحتجاجات التي تشهدها البلاد إلى 21 شخصًا بينهم 16 متظاهرًا، بحسب بيان التليفزيون الإيراني.
البيان ذكر مقتل طفل ذي 11 عامًا وإصابة والده بنيران متظاهرين في مدينة خميني شه، في أثناء مرورهما قرب تجمع غير مشروع، كذلك مقتل عنصر في وحدات “الباسيج” التابعة للحرس الثوري وإصابة آخر برصاص أطلق من بندقية صيد في كهريز سانغ، بخلاف مقتل شرطي برصاص أطلق من سلاح صيد في مدينة نجف آباد.
التصعيد الواضح في الاحتجاجات دفع السلطات الإيرانية إلى محاولة فرض قبضتها الأمنية بصورة ملحوظة، أسفرت عن اعتقال 100 شخص مساء الإثنين في محافظة أصفهان، ومثلهم في طهران، إضافة إلى 350 آخرين تم اعتقالهم خلال السبت والأحد الماضيين.
رئيس محكمة الثورة في مدينة مشهد حسن حيدري دقايقي، كشف بدوره عن توقيف 132 شخصًا آخرين خلال 3 أيام من “أعمال الشغب والتجمعات غير القانونية” في المدينة، بحسب وكالة “فارس” الإخبارية، فيما نقلت “رويترز” عن مصادر إعلامية محلية بأن مئات المحتجين اعتقلوا في مدن إيرانية أخرى في الأيام الأخيرة.
ورغم لهجة التهديد والتحذير التي تنتهجها السلطات القضائية الإيرانية لإخافة المتظاهرين كما جاء على لسان رئيس محكمة الثورة في طهران حجة الإسلام موسى غضنفر أبادي الذي أشار إلى تعامل السلطات القضائية بحزم ووفق القانون مع كل من يلجأ إلى العنف ويثير الشغب، إلا أن هذا لم يثن المشاركين في الاحتجاجات عن مواصلة فعالياتهم التي تتصاعد يومًا تلو الآخر وسط أنباء تفيد باللجوء إلى الحرس الثوري وميليشيات الحشد الشعبي للتدخل لوقف هذه التظاهرات التي من المرجح أن تمتد لمدن ومناطق أخرى، بحسب بعض المصادر الإعلامية.
وفي مقابل ذلك برز موقف لافت من نائب الرئيس الإيراني إسحاق جهانغيري الذي أعلن أن الحكومة ستقوم بإصلاحات تدريجية وهو ما سيؤدي لتحسن الأوضاع المعيشية التي اعترض عليها المحتجون في الأيام الأولى لبدء احتجاجاتهم، لكن يبدو أن التأخر في التعاطي مع الأحداث دفع الأمور لأن تتجاوز مسألة الإصلاحات الاقتصادية.
النقلة النوعية السريعة في سقف مطالب المتظاهرين تشير إلى أن أيادٍ خفية تدير المشهد برمته وتقوده وفق أجندات سياسية، قد يكون بعضها داخليًا والآخر خارجيًا
مسيرات مضادة
اتساقًا مع سيناريو طول أمد تلك المواجهات وعدم حسمها قريبًا، ومن باب التصعيد والتصعيد المضاد، خرجت اليوم الأربعاء، مسيرات وتجمعات في عدة مدن إيرانية تندد بأعمال الشغب في البلاد، وتستنكر ما وصفته أعمالاً تخريبية لمثيري الشغب، وذلك بحسب التليفزيون الرسمي الذي بث صورًا لبعض التجمعات في عدة مدن منها الأحواز وأراك وجرجان وإيلام وقم.
بدوره قال علي أكبر ولايتي مستشار المرشد الأعلى الإيراني علي خامنئي، أمس الثلاثاء: “طهران لم ولن تخضع للذل”، مؤكدًا بأن “الفتن لن تستمر وسيتعزز نفوذ إيران في المنطقة”، مبينًا أن “الأعداء كشفوا أوراقهم خلال الفتنة الجديدة أسرع من فتنة عام 2009″، على حد قوله.
كما شدد على أن “إيران التي ترفع راية المقاومة ستقوم باقتلاع جذور الصهاينة في المنطقة”، مضيفًا “الكشف عن الطبيعة الحقيقية للأعداء هي من ألطاف الله، ومرة أخرى سيتم الكشف عن طبيعتهم”.
مسيرات مؤيدة في مواجهة أخرى منددة
قلق دولي
فرضت الأحداث نفسها على الساحة الدولية، حيث أعرب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش عن أسفه لسقوط قتلى في الاحتجاجات بإيران، مطالبًا السلطات في طهران باحترام حق الشعب في التظاهر سلميًا، وهي الدعوة نفسها التي صدرت عن دول غربية عدة.
في حين أعربت تركيا عن قلقها من الواضع، عبر اتصال هاتفي أجراه وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو مع نظيره الإيراني محمد جواد ظريف تناولت التطورات الأخيرة في إيران، وسبل حماية الاستقرار والسلم المجتمعي داخليًا، حسبما أفادت مصادر دبلوماسية.
بيان الخارجية التركية الصادر بهذا الشأن لفت إلى إيمان أنقرة بضرورة عدم الانجرار خلف التحريض والعنف، لا سيما بعد تأكيد الرئيس الإيراني حسن روحاني حق الشعب الإيراني في التظاهر بشكل سلمي، مؤملاً عودة الهدوء مرة أخرى وتجنب التصريحات الاستفزازية والتدخل الخارجي في الشأن الإيراني.
بينما دعا الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، نظيره الإيراني حسن روحاني إلى ضبط النفس، معربًا عن قلقه بشأن التطورات المتلاحقة التي يشهدها الشارع الإيراني خلال الأيام الماضية، كما اتفق الجانبان على تأجيل الزيارة التي كان من المقرر أن يقوم بها وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لودريان لطهران هذا الأسبوع.
لا شك أن تمديد نفوذ إيران الإقليمي سواء في سوريا أو اليمن وتحالفاتها الجديدة لا سيما مع روسيا والصين والحديث عن شراكة مع كوريا الشمالية، لم يرق للبيت الأبيض ولا تل أبيب
تصعيد أمريكي
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، كان الرئيس الوحيد الذي تعاطى مع الاحتجاجات الإيرانية بشيء من التركيز والتفاعل، إذ لم يمر يوم منذ اندلاع تلك الأحداث إلا ويعلق عليها عبر تغريدة له على حسابه الرسمي على موقع التواصل الاجتماعي “تويتر”، حتى بات انتظار تغريدته صباح كل يوم وردًا لدى بعض المتابعين لتطورات الأحداث في إيران، مما يعكس حجم ما تمثله تلك الأحداث لبلاده.
تصريحات واشنطن منذ بداية الأزمة صنفت بأنها الأقسى والأعنف ضد طهران، إذ صبت جميعها في صالح تأييد الاحتجاجات وانتقاد النظام الإيراني ودعوته للاستجابة لشعارات المتظاهرين المرفوعة.
مندوبة الولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة نيكي هيلي، أثنت أكثر من مرة على ما أسمتها “شجاعة” المتظاهرين الإيرانيين، وقالت إن الاحتجاجات التي تشهدها إيران تلقائية ولا تحركها قوى خارجية، فيما نفت خلال كلمة لها بالأمم المتحدة ما وصفته بـ”ادعاءات” السلطات الإيرانية بضلوع خصوم إيران في هذه التظاهرات، مشيرة إلى دعوة بلادها الأيام القادمة لعقد اجتماع طارئ لمجلس الأمن الدولي ومجلس حقوق الإنسان بشأن إيران.
فيما قالت المتحدثة باسم البيت الأبيض سارة ساندرز، إن قرار تغيير النظام في طهران يعود إلى الشعب الإيراني، مشيرة إلى أن ترامب أعرب في تغريدة له على “تويتر” عن دعمه للمحتجين، غير أنها أحجمت عن القول إذا كان يريد تغيير النظام في إيران.
وردًا على هذا الهجوم، قال المتحدث باسم الخارجية الإيرانية بهرام قاسمي، في بيان له خاطب من خلاله الرئيس الأمريكي قال فيه: “عوضًا عن إضاعة وقته في كتابة تغريدات عديمة الفائدة ومهينة بخصوص دول أخرى، الأحرى بـ(ترامب) الاهتمام بالقضايا المحلية في بلاده مثل القتل اليومي لعشرات الأشخاص ووجود ملايين المشردين والجوعى”.
ورغم نفي واشنطن لاتهامات السلطات في إيران بوقوفها وراء ما يحدث، إلا أن عددًا من المسؤولين الأمريكيين كشفوا أن تغريدات ترامب تصب في صالح الحكومة الإيرانية، إذ إنها تؤكد مصداقية اتهامهم بإثارة أمريكا الاضطرابات والقيام بالتحريض ضد النظام الحاكم هناك، ولعل هذا ما يذهب بتيار كبير داخل إيران إلى الجنوح نحو نظرية المؤامرة.
Many reports of peaceful protests by Iranian citizens fed up with regime’s corruption & its squandering of the nation’s wealth to fund terrorism abroad. Iranian govt should respect their people’s rights, including right to express themselves. The world is watching! #IranProtests
— Donald J. Trump (@realDonaldTrump) December 30, 2017
نظرية المؤامرة
النقلة النوعية السريعة في سقف مطالب المتظاهرين من رفع شعارات الإصلاح الاقتصادي وتحسين مستوى المعيشة في ظل تزايد نسب البطالة ومعدلات التضخم وارتفاع الأسعار، مرورًا إلى الحديث عن توجهات السياسة الخارجية لطهران والأموال التي تنفقها لأجل تعزيز نفوذها في المنطقة لا سيما في اليمن وسوريا والعراق ولبنان وغزة، وصولاً إلى انتقاد المرشد الأعلى ووصفه بـ”الديكتاتور” والمطالبة بإسقاط النظام بأكمله، تشير إلى أن أيادٍ خفية تدير المشهد برمته وتقوده وفق أجندات سياسية، قد يكون بعضها داخليًا والآخر خارجيًا.
في البداية اتهم نائب الرئيس الإيراني إسحاق جهانغيري، تيارًا سياسيًا – لم يسمه – بالوقوف وراء تلك الاحتجاجات التي تستهدف النظام في المقام الأول، مشيرًا أن هذا التيار يتخذ من رفع أسعار بعض السلع الغذائية وبعض المشتقات النفطية ذريعة لتوجيه الانتقادات للرئيس حسن روحاني وحكومته، عبر تشجيع الناس للخروج في مظاهرات ضد الحكومة، لافتًا إلى أن المحافظين قد يكونون من بدأوا الاحتجاجات لكنهم فقدوا السيطرة عليها.
لكن مع تصاعد الأحداث بهذه الصورة الأخطر منذ تظاهرات 2009 بين المحافظين والإصلاحيين في أعقاب ترشح الرئيس السابق أحمدي نجاد، للانتخابات الرئاسية آنذاك، تجاوزت الاتهامات القوى السياسية المعارضة في الداخل إلى إعلان صراحة وقوف بعض الدول وراء تلك الاحتجاجات.
المرشد الأعلى علي خامنئي، علق على هذه الأحداث خلال لقاء عقده وعائلات ضحايا من الحرب العراقية الإيرانية قائلاً: “العدو يتحين الفرص للتسلل إلى الداخل وإيذاء الشعب الإيراني، وقد شهدنا خلال الأحداث الأخيرة أعداء إيران كيف اتحدوا بشتى الوسائل من مال وأسلحة وسياسات وأجهزة أمنية ليخلقوا مشاكل للنظام الإسلامي”، وتابع “أعداء إيران في الخارج يتربصون بها لاستغلال أي فرصة بما يضر الإيرانيين”.
ليس معنى التنديد الأمريكي بالنظام الإيراني وتأييد الاحتجاجات أن يكون الهدف إسقاط أكثر النظام فائدة لواشنطن خلال السنوات الأخيرة
تصريحات خامنئي وإن كانت لا تسمي من وصفهم بـ “أعداء إيران” إلا أن مجموعة “الإصلاحيين” الرئيسية في البلاد برئاسة الرئيس الأسبق محمد خاتمي، كشفت النقاب عنهم حين وصفت رد الفعل الأمريكي تجاه تلك الأحداث بـ”الخداع الكبير” من خلال إعلان تأييدها التظاهرات.
المجموعة في بيان لها، نشرته أمس، قالت إن مثيري الاضطرابات استغلوا التجمعات والاحتجاجات السلمية لتدمير الممتلكات العامة وإهانة القيم الدينية والوطنية المقدسة، منددة بالدعم الذي يقدمه أعداء الشعب الإيراني اللدودين وفي مقدمهم الولايات المتحدة للأعمال العنيفة.
بينما اتهم المتحدث باسم الحكومة الإيرانية محمد باقر نوبخت، الأطراف الخارجية التي تبدي فرحًا بما يجري في إيران، بأنها من تقف وراءه، كونهم يعتبرون طهران عدوة لهم، مضيفًا: أن هناك أعداءً في الخارج فضلاً عن مجموعات متفرقة مستعدة لقتل أفراد أبرياء لتحقيق أهدافها”، داعيًا الإيرانيين للتفريق بين الأمور والتعامل بدراية ووعي.
حملات اعتقالات واسعة في صفوف المتظاهرين
أمريكا والسعودية في مرمى الاتهام
تصدر الولايات المتحدة قائمة الدول التي وصفتها طهران بأنهم “أعداء” واتهامها بالتحريض والوقوف خلف الاحتجاجات الأخيرة يحمل سؤالين في حاجة للإجابة عنهما: الأول: ما الدوافع؟ والثاني: ما النتائج المطلوبة؟
حمل ترامب منذ دخوله البيت الأبيض مطلع العام الماضي على كاهله مهمة تقزيم إيران وإجهاض مخططات تمديد نفوذها في المنطقة، حيث تعهد منذ الوهلة الأولى بنسف الاتفاق النووي الموقع في 2015، كما عزف مرارًا على أوتار تضييق الخناق عليها سياسيًا واقتصاديًا.
ورغم الانتقادات الدولية لا سيما الأوروبية لتوجهات ترامب تجاه إيران، فإن ذلك لم يحل دون فرض المزيد من العقوبات ضدها، مما ساهم بشكل أو بآخر في تأجيج التمرد الداخلي ضد النظام الحاكم هناك، وهو ما تجسده الشعارات التي رفعت خلال الاحتجاجات التي تشير إلى فشل الرئيس حسن روحاني في تحقيق أي عائد من وراء الاتفاق النووي وأن الرجل كان يعمل لحسابه الشخصي طيلة السنوات الماضية.
The people of Iran are finally acting against the brutal and corrupt Iranian regime. All of the money that President Obama so foolishly gave them went into terrorism and into their “pockets.” The people have little food, big inflation and no human rights. The U.S. is watching!
— Donald J. Trump (@realDonaldTrump) January 2, 2018
جزء من العداء الأمريكي الظاهري لإيران يأتي في إطار الدفاع عن مصالح الحليف الأبرز في المنطقة، “إسرائيل”، كون طهران إحدى القوى التي تهدد نفوذ تل أبيب – هكذا يعتقد قادة دولة الاحتلال – فضلاً عن دعمها لفكرة المقاومة الفلسطينية من جانب، وتبنيها لحزب الله من جانب آخر.
علاوة على ذلك فإن المصالح التي تحققها الولايات المتحدة من وراء حلفائها الجدد في المنطقة على رأسهم السعودية والإمارات بدورها كانت سببًا لتصدير هذا العداء على الأقل إعلاميًا، حيث تعي واشنطن جيدًا ما تمثله طهران من قلق لدول الخليج من الممكن العزف عليه للحصول على المزيد من المكاسب.
تصريحات واشنطن منذ بداية الأزمة صنفت بأنها الأقسى والأعنف ضد طهران، إذ صبت جميعها في صالح تأييد الاحتجاجات وانتقاد النظام الإيراني ودعوته للاستجابة لشعارات المتظاهرين المرفوعة
وفي المقابل.. هل يعني ذلك أن الإدارة الأمريكية تسعى إلى إسقاط نظام ولاية الفقيه والإطاحة بحكم المرشد والاستجابة لمطالب الإيرانيين؟ بالطبع الإجابة “لا” فليس معنى التنديد الأمريكي بالنظام الإيراني وتأييد الاحتجاجات أن يكون الهدف إسقاط أكثر النظم فائدة لواشنطن خلال السنوات الأخيرة.
التقليب في صفحات السنوات العشرة الأخيرة يقود إلى أن العلاقة بين طهران وواشنطن من أقوى العلاقات في المنطقة وذلك رغم حرب التصريحات المتبادلة بين الجانبين، فإيران بنظامها الحاليّ المعبر الذي يسلكه الأمريكان لضمان حضورهم في الشرق الأوسط، فهم وسيلة ابتزاز الخليج وتنشيط سوق السلاح الأمريكي والحصول على الصفقات المليارية كما حدث في زيارة ترامب الشهيرة مايو/آيار الماضي.
ليبقى السؤال: ماذا لو انهار النظام الإيراني؟ هنا قد تتعرض مصالح أمريكا للتهديد في المنطقة خاصة إن جاء بنظام آخر ربما يفتح قنوات اتصال مع خصومها القدامى كالسعودية وغيرها وهو ما يفقد واشنطن أحد أكبر مواردها الاقتصادية في المنطقة.
إذًا ما الهدف؟ لا شك أن تمديد نفوذ إيران الإقليمي سواء في سوريا أو اليمن وتحالفاتها الجديدة لا سيما مع روسيا والصين والحديث عن شراكة مع كوريا الشمالية، لم يرق للبيت الأبيض ولا تل أبيب، ومن ثم كان لا بد من “تقليم أظافر” طهران عبر رسالة شديد القسوة لا تتجاوز الهدف الذي وضعت لأجله لا أكثر.
Big protests in Iran. The people are finally getting wise as to how their money and wealth is being stolen and squandered on terrorism. Looks like they will not take it any longer. The USA is watching very closely for human rights violations!
— Donald J. Trump (@realDonaldTrump) December 31, 2017
أما الحديث عن دور السعودية في هذا المشهد فرغم التهديدات التي ساقها ولي العهد محمد بن سلمان سابقًا بأن بلاده ستنقل الحرب إلى الداخل الإيراني، إلا أن ضلوع المملكة بشكل مباشر في تأجيج الاحتجاجات مسألة متباينة الآراء حولها لا بد أن يعاد فيها النظر.
البعض يقلل من هذا الدور نظرًا لتجاوزه سقف الإمكانات السعودية من جانب ولانشغال الرياض بالعديد من الملفات الداخلية والإقليمية الأخرى من جانب آخر، غير أن الاتهامات التي ساقها البعض بشأن تورط حركة “مجاهدي خلق” المدعومة سعوديًا، في هذه الأحداث ربما تفتح المجال للحديث عن دور سعودي مستقبلاً حال استمرت التظاهرات لفترات قادمة.
وبعيدًا عن نظرية المؤامرة التي تسيطر الآن على عقلية السلطات الإيرانية فإن السياسات الاقتصادية المتبعة قادت إلى تأزم الوضع المعيشي في البلاد بصورة فجة، كانت الشرارة الأولى للاحتجاج، وإن تطورت بعد ذلك، حيث تشير الإحصاءات إلى ارتفاع معدلات التضخم منذ أكتوبر/تشرين الأول حتى نوفمبر/تشرين الثاني بنسبة 1.5%، لتصل في المجمل إلى 9.6% وهو معدل “مرتفع جدًا” قياسًا بالمعدلات المستقرة، كذلك فإن نسبة البطالة بلغت 12.4% في العام المالي الحاليّ، وهو ما يمثل ارتفاعًا نسبته 1.4%عن العام الماضي، وهناك نحو 3.2 ملايين عاطل عن العمل في إيران التي يبلغ عدد سكانها 80 مليون نسمة، وذلك وفق مركز الإحصاءات الإيراني.